كلمتان تأوّلهما الناس..... فحسن معناهما لدى فريق...... وساء لدى آخر.....
إذا كان معنى المثاليّة كفّ النفس عن فطرتها.... وقهرها دون شهوتها....... وتحريم زينة الله التي أخرج لعباده والطيّبات من الرزق...... فهو معنى يأباه المسلم ولا يرضاه........
ويأبى الواقعيّة إن كانت ذكر المعايب وتكبيرها...... وسوق الشرور وتبريرها..... وتصوير الإنسان في صورة الحيوان الشهوان......
معانٍ طافت ببالي غير مرّة.......
مرّة عنّ لي فيها أن أقرأ أدب الأستاذ عبد الحليم عبد الله....... فأخذتُ (لقيطة) بين يديّ...... وهي قصّة رومانسيّة...... الناس فيها على قلبين..... قلب ملـَك كريم وقلب شيطان رجيم..... ليس فيها غير الأسود والأبيض...... فأشربتُها..... حتى مجّت النفس دنياها....... وراحت تستقري بين الكتب دنىً شتّى ملؤها الدمع الخالص والضحك الغفل....... تتقضّى أليالها في اللقاء..... وتتمضّى أنهرها في الذكرى...... دنى من (الصراحة...... والألوان الواضحة.... والخطوط المستقيمة......).... وهي إلى خيال الصغير السفيه أقرب........
ثم أخذتُ (غصن الزيتون)....... وهي قصّة واقعية....... فيها نبأ العود والكأس..... وحديث الخصر والنهد....... فحقرتْ الدنيا حتى اضمحلّتْ....... وساء الظنّ في الناس حتى طاب الاعتزال عنهم.....
*
ثم طافتْ ببالي يوم عرض التلفاز حلقات (رحلة السيّد أبي العلا البشري)....... وهو رجل يعيش الماضي ويضرب بسيفه........ طعامه الكتب وسياحته الخيال....... حسن الظن حتى السذاجة...... سقيم المنطق حتى البلادة...... يهدم حيث يريد أن يبني..... ويبكي حين يحبّ أن يضحِك.... حتى تبدّد إيمانه كفرًا...... واطّرح كتبه إلى الأرض واحدا بعد واحد.... ثمّ عاده هلاسٌ كان يراه حين تضيق عليه الأرض....... فواساه ونفث في روعه أنّه أوحد الزمان ورسول الماضي إلى الحاضر...... وصاحب الرسالة جلد صبور لا تثنيه النائبات ولا تهدّه العاديات........ فعاد يضرب في أرض جديدة بسيفه القديم....... يقتل نفسه قبل أن يقتل الناس........
*
وطافتْ المعاني ببالي يوم قرأتُ كلام الشيخ البنّا عن زاد الشباب في أيّامه....... وكان قصصًا في البطولة والشهامة........ وأشعارًا في الوفاء والكرامة....... ثم أسفه على أدب هذا الزمان...... وهو أدب ملؤه الضعف وملحه الميوعة.........
فأيّ طريق يبغينا الأدباء....... وأي نهاية؟