قال تعالى: ( لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون) (آل عمران: 111)
فأنت ترى الآية الكريمة قد بشرت المؤمنين الصادقين ببشارات ثلاث:
أولها: أنهم فى مأمن من الضرر البليغ الذى يؤثر فى كيانهم وعزتهم وكرامتهم من جهة أهل الكتاب.
ثانيها: أن أهل الكتاب لو قاتلوهم، فإن المؤمنين سيكون لهم النصر عليهم.
ثالثها: أنهم بعد نصرهم عليهم لن تكون لأهل الكتاب - وعلى رأسهم اليهود - شوكة أو قوة للأخذ بثأرهم بعد ذلك.
وقد تحققت هذه البشارات، وكانت كما أخبر الله فإن المسلمين الأولين الذين كانوا متمسكين بتعاليم دنيهم نصرهم الله على أهل الكتاب وعلى غيرهم من أعدائهم نصرا مؤزرا.
فإن قال قائل: ولكن الذى نراه الآن أن اليهود الذين لا يمارى أحد فى جبنهم وفى حرصهم على الحياة قد انتصروا على المسلمين وأقاموا لهم دولة فى بقعة من أعز بقاع البلاد الإسلامية وهى فلسطين فهل يخلف وعد الله؟
والجواب على ذلك. أن وعد الله لا يخلف ولن يتخلف وقد حققه لأسلافنا الصالحين الذى آمنوا به حق الإيمان. ولكن المسلمين فى هذا العصر هم الذين تغيرت أحوالهم، فقد فرطوا فى دينهم وأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وتفرقوا شيعا وأحزابا وتنكبوا الطريق القويم ولم يباشروا الأسباب التى شرعها الله لبلوغ النصر، ولم يحسنوا الشعور بالمسئولية.
فلما فعلوا ذلك تبدل حالهم من الخير إلى الشر، ومن القوة إلى الضعف. وسلط الله عليهم من لا يخافهم ولا يرحمهم، لأنه (لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وإذا ما عاد المسلمون إلى دينهم فطبقوا أوامره ونواهيه على أنفسهم تطبيقا كاملا، فإن الله سيعيد لهم كرامتهم وعزتهم وقوتهم (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ومن هنا نعلم أ، الشرط فى نفى الذى يؤثر فى نفى الضرر الذى يؤثر فى الأمة الإسلامية، هو أن تكون مؤمنة بربها حق الإيمان متبعة لهدى رسولها محمد .
مقول عن الوسيط لسيد طنطاوي