ونكمل على درب التأمل والأمل : وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ, لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ?
فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
وقــال لــيَ الغــابُ فــي رقَّـةٍ مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ:
يجــئ الشــتاءُ, شــتاء الضبـاب شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
فينطفــئُ السِّـحرُ, سـحرُ الغصـونِ وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
وســحرُ السـماءِ, الشـجيُّ, الـوديعُ وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
وتهـــوِي الغصــونُ, وأوراقُهــا وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ, ويدفنُهَــا الســيلُ, أنَّــى عــبرْ
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ, تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ, غَــبَرْ
وذكــرى فصــولٍ, ورؤيـا حيـاةٍ, وأشــباحَ دنيــا, تلاشــتْ زُمَـرْ
معانقــةً - وهـي تحـت الضبـابِ, وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ -
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
يا إلهي يا لهذا الحوار ..... يالهذا التناغم بين الشاعر والكائنات .... يالصدق حديثها معه، ويالاعتباره بحديثها ....
سأل الظلام على ما فيه من نجوم متلألئات تشرب من نورها حتى الثمالة، ولم يعبأ بثقل الظلام المحيط، كفعل المتفائل، الذي لا ينظر للجهة المظلمة وإن سادت، بل ينظر للنور وإن قلّ وندر .......وإن كان نقاطا مضيئة في سماء ظلماء ...... خاطب النجوم المضيئة ومن وحيها غنى للحزن حتى تلاشى في نفسه فعله.....!!!
أليست تلك حال المؤمن الواثق بربه ؟؟ أليست تلك حال المؤمن الذي يبادر بالبحث عن الرسالة في قلب الأزمة التي تلحقه، الرسالة الربانية التي تنطوي الأزمة عليها ..... الرسالة التي تكون الأزمة ظرفها ومغلَّفَها .....؟؟
أوليست تلك حال المؤمن الذي لا يقنط من رحمة ربه ؟؟؟
تساءل..... سائلا :أو تعود الحياة لما قد ذبل ؟؟ فلم تردّ شفاه الظلام ........ فالظلام لا يعي ولا يسمع ولا يتكلم .......ظلااااام
وأحاطه الغاب بالخُبْر ............. أخبره عن فعل الشتاء ..... الشتاء الذي لا يبقي ولا يذر .....الشتاء الذي يذهب حسن المظهر وبهاء المنظر .........فينطفئ سحر كل منبع سحر..... فلا سحر للزهر، ولا للغصون ولا للثمر ....
وتأتي الرياح لتلهو بالسحر والساحر .......... وتذهب سحر كل ساحر ........!!
ولكن................................ورغم كل ذلك ..........
تبقى البذور ........
بذور حمِّلت ذخيرة عمر جميل، بذور ننثرها ها هنا وها هناك .....قد نرى من حولنا الأعاصير المهلكة والرياح القاصفة والسيول الجارفة، ولكن ...... هل ترانا نرى حال بذرة الخير التي بذرنا؟؟ هل ترانا نصدق إذ نظن بها ذهابا، أو قد نجزم بها ذهابا ................ لا بل عادةً ما تبقى بذور الإخلاص والصدق .....كلها باق جزاؤه عند الله محفوظ لا مراء ولا جدال........ وفي الدنيا مندوحة نظرنا ومدى علمنا .....هل تبقى؟؟؟ .........أجل تبقى ....وقد لا نعلم عن بقائها، بل قد نكون جزمنا بذهابها واندثارها ...................وكيف يكون حالها ؟؟
معانقــةً - وهـي تحـت الضبـابِ, وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ -
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
ومازال في القصيدة بقية فانتظرونا