من باب أحكام المرتدين- منح الجليل- عليش- المذهب المالكي
الوجه الخامس أن لا يقصد نقصا ولا يذكر عيبا ولا سبا لكنه ينزع بذكر بعض أوصافه صلى الله عليه وسلم أو يستشهد ببعض أحواله عليه الصلاة والسلام الجائزة عليه في الدنيا على طريق ضرب المثل أو الحجة لنفسه أو على التشبه به أو عند هضيمة نالته أو غضاضة لحقته ليس على طريق التأسي وطريق التحقيق بل على مقصد الترفيع لنفسه أو لغيره أو سبيل التمثيل وعدم التوقير لنبيه عليه الصلاة والسلام أو قصد الهزل والتندير كقول القائل إن قيل في السوء فقد قيل في النبي صلى الله عليه وسلم أو إن كذبت فقد كذب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو إن أوذيت فقد أوذوا أو أنا أسلم من ألسنة الناس ولم يسلم منهم أنبياء الله تعالى ورسله أو قد صبرت كما صبر أولوا العزم أو كصبر أيوب أو قد صبر نبي الله تعالى على عداه وحلم علي أكثر مما صبرت وكقول المتنبي أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود ونحوه من أشعار المتعجرفين في القول المتساهلين في الكلام كقول المعري كنت موسى وافته بنت شعيب غير أن ليس فيكما من فقير على أن آخر البيت شديد وداخل في باب الإزراء والتحقير بالنبي صلى الله عليه وسلم بتفضيل حال غيره عليه وكقوله لولا انقطاع الوحي بعد محمد قلنا محمد من أبيه بديل هو مثله في الفضل إلا أنه لم يأته برسالة جبريل وصدر البيت الثاني شديد لتشبيهه غير النبي به وعجزه محتمل لوجهين أحدهما أن هذه الفضيلة نقصت الممدوح والآخر استغناؤه عنها وهذا أشد ونحو منه قول الآخر وإذا ما رفعت راياته صفقت بين جناحي جبرتين وقول الآخر من أهل العصر فر من الخلد واستجار بنا فصبر الله قلب رضوان وكقول حسان المصيصي من شعراء الأندلس في محمد بن عباد المعروف بالمعتمد ووزيره أبي بكر بن زيدون كأن أبا بكر أبو بكر الرضا وحسان حسان وأنت محمد إلى أمثال هذا وإنما أكثرنا إنشاد هذه مع استثقالنا حكايتها لتعريف أمثلتها ولتساهل كثير من الناس في ولوج هذا الباب الضنك واستخفافهم فادح هذا العبء وقلة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر وكلامهم فيه بما ليس لهم به علم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم لا سيما الشعراء وأشدهم فيه تصريحا وللسانه تسريحا ابن هانئ الأندلسي وابن سليمان المعري بل قد خرج كثير من كلامهما إلى حد الاستخفاف والنقص وصريح الكفر وقد أجبنا عنه وغرضنا الآن الكلام في هذا الفصل الذي
سقنا أمثلته فإنها كلها وإن لم تتضمن سبا ولا أضافت إلى الملائكة والأنبياء نقصا غير عجزي بيتي المعري ولا قصد قائلها إزراء وغضا فما وقر النبوة ولا عظم الرسالة ولا عزر حرمة الاصطفاء ولا عزر حظوة الكرامة حتى شبه من شبه في كرامة نالها أو معرة قصد الانتفاء منها أو ضرب مثلا لتطييب مجلسه أو أغلى في وصف لتحسين كلامه بمن عظم الله تعالى خطره وشرف قدره وألزم توقيره وبره ونهى عن جهر القول له ورفع الصوت عنده فحق هذا إن درئ عنه القتل الأدب والسجن وقوة تعزيره بحسب شنعة مقاله ومقتضى قبح ما نطق به ومألوف عادته لمثله أو ندوره ولم يزل المتقدمون ينكرون مثل هذا ممن جاء به وقد أنكر الرشيد على أبي نواس قوله فإن يك باق سحر فرعون فيكم فإن عصى موسى بكف خصيب وقال له يا ابن الخنا أنت مستهزئ بعصى موسى وأمر بإخراجه من عسكره في ليلته
نشرته للفائدة ولأخذ الحذر والحيطة ... فقد صرنا نستسهل كثيرا جدا .. غفر الله لنا