بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
خرج الحافظ ابن حجر في كتاب مستقل الأحاديث التي علقها البخاري، فجمع لها أسانيد من مصنفين آخرين إلى الشيوخ الذين علق عنهم البخاري، وإلى شيوخهم أو أعلى حتى ربما أتى بإسناد من طريق صحابي آخر تماما إذا لم يجد للحديث إسنادا غير هذا!
وليس كل ما وصله الحافظ من هذه المعلقات يجري على شرط البخاري، بل إن بعضها تعتريه التهم، حتى لجأ الحافظ إلى التصحيح بمجموع الطرق، وفي بعضها لم ينفعه هذا اللجوء!
وكانت الأسانيد التي علق إليها البخاري أحاديثه على نحو ما قرر الحافظ ابن حجر: منها الصحيح على شرطه، ومنها الصحيح على شرط غيره، ومنها الحسن، ومنها الضعيف ضعفا لا من جهة اتهام في العدالة أو فحش الغلط!
نخلص - مما قرره الحافظ ابن حجر - إلى أن معلقات البخاري:
المحذوف منها (ما علقه البخاري): لم يعرف لكل حديث منها إسناد على شرط البخاري، ولا حتى صحيح على شرط غيره، بل كان منها الضعيف.. بناء على تتبع الحافظ ابن حجر
المذكور منها (ما علق إليه البخاري) منه الصحيح ومنه الضعيف بناء على تتبع الحافظ ابن حجر أيضا
والحافظ ابن حجر نفسه من قرر أن:
- ما علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم فهو صحيح عمن علقه عنه، ويبقى احتمال الصحة والضعف واردا على ما ذكره من الإسناد!
- وليس في الصحيح حديث نازل عن رتبة الاحتجاج لضعف في إسناده
وفي موضع آخر يقرر أن:
أحاديث الصحيحين - سوى ما انتقدوا - مقطوع بها.
ويعلل ذلك بثلاث علل:
- جلالة الشيخين
- تقدمهما في هذا الشأن (شأن معرفة الحديث ورواته)
- تلقي الأمة لهما بالقبول
وهو إذ يستثني ما انتقده النقاد من أحاديث الصحيحين، يستثني من القطع لا من أصل الصحة، ولم يستثن هذا الاستثناء إلا ليستقيم تعليله بالتلقي بالقبول، وإلا فقد كان بوسعه إهدار هذا التعليل وترك الاستثناء والاكتفاء بالتعليلين الأولين= جلالتهما وتقدمهما!
هاتان المقدمتان:
1- تصحيح ما علقه البخاري مع عدم ثبوت أسانيد تفيد ذلك فعلا، وقبول معلقات البخاري في الجملة مع ثبوت الضعف فيما ذكره البخاري من رواة لها.
2- القطع بأحاديث الصحيحين سوى ما انتقدوا، وتصحيح ما انتقدوا
وتعليل ذلك بجلالة الشيخين وتقدمهما، وقبول العلماء لما رووا.
والشيخان من وفيات النصف الأخير من القرن الثالث (البخاري 256، ومسلم: 261)
ألا تنتج هاتان المقدمتان نتيجة هي أولى منهما وأرسخ!
وهي:
قبول أحاديث جبال الثقات من التابعين وتابعيهم (وفيات النصف الأول من القرن الثاني) التي أرسلوها إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم بصيغة الجزم؟
وإن لم نجد لكل مرسل منها إسنادا متصلا صحيحا!
ألا تتوفر في هذه المراسيل ما علل به الحافظ ابن حجر للبخاري؟
أليس سعيد بن المسيب والإبراهيمان (التيمي، والنخعي) وعطاء ومكحول والزهري وغيرهم .. أليس هؤلاء:
- في القرون الثلاثة الخيرة التي يقل فيها الكذب
- أسانيدهم عالية فيقل احتمال الغلط جدا
- خبرتهم بالرواة أكثر لقلة الرواة وعدم تشتتهم في البلدان أيامهم
- تلقت الأمة فقههم وحديثهم، وأممتهم في كل شأن، ولم تعرف لأحدهم خصومة مع آخر.
- كانت أكثر روايتهم في مجالس الفقه والمذاكرة، فلم تكن بقصد إملاء الحديث، فهم أبعد عن التزام الإسناد، بخلاف البخاري الذي علق في التصنيف، بل في تصنيف يشترط الصحة فكان أولى به أن يسند لو صح عنده الحديث.
والخلاصة:
أليسوا أجل ديانة، وأضبط رواية، وأرسخ قدما، وأكثر قبولا؟!!
فبأي عذر يردون ما أرسلوه جزما، ويقبلون ما علقه البخاري!
على كثرة ما وصلوه من مراسيلهم، وكثرة ما ضعفوه من معلقات البخاري!
- الحديث الذي يرسله التابعي أو تابع التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون واسطة مقبول وإن لم يرد مسندا عند راو آخر، متى كان المرسِل ثقة معروفا بالتحديث عن الثقات، مقدما في العلم ومعرفة الرجال -
وقال بعض العلماء:
المرسل - بالشرط السابق - أصح من المسند إذا ورد من نفس الطريق
لأن المرسل مضمون الصحة ممن أرسله
أما المسند فموكول معرفة حاله لمن سمعه
لاشتهار عملهم بأنه: من أسند فقد أحالك
- قبول المرسل على هذا النحو:
مذهب الحنفية والمالكية والمعتمد عند الحنابلة
وجملة الفقهاء قبلهم وبعدهم: كالأوزاعي والليث وسفيان وابن جرير الطبري
لم يخالف ذلك من الفقهاء إلا الإمام الشافعي رحمه الله
ومتأخرو المحدثين
نشرت هذه المقال على الفيس بوك فتناولها الإخوان - جزاهم الله خيرا - بنقد كثير، أعتذرت لهم عن الجواب ريثما أعود من سفري الذي بدا أنه سيطول كثيرا جدا عما كنت أظن
على كلٍّ أحب أن أكتب هنا سطورا قليلات ألخص بها فكرة المقال ليتسنى الجواب عما خالفه، ويتميز ما حاد عنه، أو بدا له على غير وجهه!
المقال مبني على مقدمتين لنتيجة يريد أن يلزم بهذه النتيجة الذين ردوا مراسيل ثقات التابعين وتابعيهم التي رفعوها بصيغة الجزم
أما المقدمة الأولى فهي:
تصحيحهم الإسناد من البخاري إلى من علق عنهم بصيغة الجزم، بحجة أنه شرط ألا يروي إلا الصحيح، فلا يظن به أن يجزم بتعليق إلا وهو يعلم صحته .. ذلك رغم أنهم لم يجدوا لكل هذه المعلقات أسانيد موصولة أخرى صحيحة
هذه المقدمة تخالف قولهم إننا لا نقبل المراسيل بحجة أنها لم تأت مسندة من طرق أخرى.
فنقول: هلا وثقتم بالمرسلِين كما وثقتم بالبخاري .. وهم أولى منه!
وأما المقدمة الثانية فهي:
رجال الأسانيد الذين علق عنهم البخاري ليسوا ثقات جميعا، بل فيهم وفيهم
وهذا رد على اشتراطهم في قبول المرسل أن يكون مرسِله إذا ذكر لا يذكر إلا الثقات!!
فهذا البخاري يعلق عن ضعفاء!