المحرر موضوع: ركام الأيــــام  (زيارة 15211 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
ركام الأيــــام
« في: 2010-10-13, 16:15:50 »
منذ زمن لم أكتب .... لم أعد أعرف ما أكتب ...!!

كان قلمي وصفحته البيضاء صديقين  كلما التقيا أفرغ قلمي المضنى عندها ضناه، أو ربما كان قلمي فرحا فأشركها فرحته وسعادته، أو ربما كان قلمي حائرا فبثها سر حيرته وشكاته ....
هكذا كانا سويا  كلما التقيا .... فيصبح القلب بعد اللقاء  أكثر راحة .... إنه الوصال الذي يحقق الراحة والطمأنينة والسكينة ......
منذ زمن لم أعرف لقلمي وورقته البيضاء من لقاء .... منذ زمن لم يلتق قلمي بورقاته ....منذ زمن لم تربّت الورقة على كتف قلمي ولم تشد من أزره ولم تصغِ  له كعادتها الإصغاء ...لم ترحه كعادتها الإراحة ....
منذ زمن جفا قلمي ، ونأى ولم يعد يفرغ ما به لصاحبته.... ولم يعد ينعم بالوصال ....

ترى ما بالك يا قلمي؟؟ ترى ما خطبك وما سر بعدك وجفائك ؟؟ أللقلب عليك سطوة وأمر ؟؟ بلى بلى ... أعرف أنك موطنُ سر موطنِ سري ....أعلم أنك تعرف ما به ويضنيك ما به ويثقل كاهلك الضعيف ....!!
أعلم أنك لم تعد تتحمل ما بالقلب يا قلمي ... فلم تعد تكتب ولم تعد تقوى على تبعات اللقاء بصفحاتك البيضاء .... ربما أشفقتَ على بياضها مما بك من همّ وغم وثقل تنوء عن حمله أيها الضعيف  ....!!

تراكمت الحالات... وتراكمت الحكايات... وتراكمت المشاهدات والمشهودات حتى لم تعد تعرف كيف تفرزها ولا كيف تَمِيزُ بين أولها وآخرها .... لم تعد تعرف كيف تنظم أحزانك يا قلمي ....لم تعد تعرف كيف ترتب أولوياتك ....تراكمت عليك الأحداث ... وتكالبت عليك الهموم حتى لم تعد تعرف كيف تبث الشكوى ولا كيف تضع من آلامك وحتى من بصيص آمالك بين ثنايا الورق ..... وأعلم أنك لم تستهن بالورق يوما ولن تستهين ... فقد كنت بينها تحيا وتتقلب بين فرحك وحزنك، بين رضاك وسخطك، بين ألمك وأملك
أعلم يا قلمي أنك ما هزأت يوما بالورق ولن تهزأ .....

لا ترتم على شطآن آلامك يا قلمي ....لا تدع مدادك طوع بحر الحزن حتى لا تجده إلا جزءا من مياهه ذلك الأجاج فلا تَميز بعدها بين فعل المداد وفعل الماء على الورق....لا تدع الأمواج المرتطمة لذلك  اللجي  تلوكك بين أنيابها كما يلوك الأسد فريسته التي ظنت قبل حين أن بها قوة ....

لا يكن مدادك أبيضا يا قلمي فإنه لا يستقيم على الورق الأبكم من معنى أو كلِم إلا بسواد المداد.... ولتنظر تناغم سوادك وبياض الورق... ولتنظر اجتماعهما وعما يسفر لتستوحي الحكمة، وأن الحزن  ليس سرمديا، وأنه عند أولي العزم مبعث لحزم أمر ولعزم أكبر ........ لا تيأس يا قلمي ... لا تقضِ بين الآهات والحيرة والأسى، وبُثَّ ما بك على صفحاتك البيض ما بقيت بالدنيا بيض الصفحات .......
اكتب على الورق ،ورقّ، وانطق .... ولا تظننّ بالورق سوءا فتضم اسمه إلى قائمة الميؤوس منهم والمتحذَّر منهم، في زمن لم تعد تجد فيه أذنا تعي كلامك  ....وقلبا يستوعب آلامك .......

عفوا يا قلمي المسكين فقد أطنبت .... وصرت كذلك الواعظ الذي يكثر الوعظ فوق ما يطيق من ألمَّ به ضعف وأحاط به، وهو يظن أنه إذ يكثر الوعظ سيداويه  في ساعة من علة أحاطت به دهرا.....!!!

لعل هذا أول العهد بالعَوْد .... عودة لقائك ببيض الصفحات ....فكلماتي لك ما هي إلا كلماتك .... وكلماتك ما هي إلا كلماتي فلا تجزع ولا تفزع .....

العبرة عندي بعودتك عن خلوتك وبخروجك من عزلتك ....
سأرتب الآلام كما ترتّب الأفكار، وسيعلن ديك الفجر بصياحه عن بدء صباح لك جديد إيذانا بالعودة وإنْ في ظل الحزن المركوم .... فحياتنا هي الحياة بكل متناقضاتها لا يحق لنا أن نقبل المفرح فيها وتتجهم القلوب عند المكربات ..... لا تصح الحياة إلا بمعنييها مجتمعين بفرحها وترحها، بألمها وأملها، بدمعاتها المحرقات حزنا و بتلك المنساحات فرحا ......

فهذا ديك الفجر الصائح  قد أذن ببداية عهد لك جديد ....
كوكو كوكو يا قلما مجروحا أضنته الآلام فأعرض عن فجر الآمال إذ قبع بين قبضات الصديد النازف مع دم جرحه الغائر .......
كوكو كوكو .... يا قلما أثقله الكبت فوق الكبت فوق الكبت .... أثقله الصمت فوق الصمت فوق الصمت .... يا قلما كان الإفصاح لجرحه المطهَّر والضمادَ ....

هذا فجرك الجديد يا قلمي وديكه قد صاح  emo (30):....وعاد عهد الإفصاح.... فأفصح .... emo (30):

« آخر تحرير: 2010-10-14, 12:58:10 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: ركام الأيــــام
« رد #1 في: 2010-10-13, 22:54:58 »

إذن نحن في انتظار الإفصاح

فهيا

 em10::
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #2 في: 2010-10-14, 11:24:24 »

إذن نحن في انتظار الإفصاح

فهيا

 em10::


أهلا وسهلا بك يا سيفتاب .... وسنبدأ الإفصاح على بركة الله تعالى  emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #3 في: 2010-10-14, 11:28:40 »
منذ زمن غاب حِسُّه عن حيه وعن الأماكن التي تعود ارتيادها في حيه وفي غير حيه، ومع غياب حسه غاب ذكره....منذ سنوات هي ذي حاله ....
تساءل الجمع من جيران وأًصدقاء وأحبة عن سر غيابه .... وتناقلوا أخبارا عن أبنائه تقول أنه قد اعتزل الشارع واعتزل كل مكان إلا من بيته الذي يؤويه ....
عمي سعد ذلك الرجل الطيب الرزين، بائن الطول، هادئ القسمات، ذي الهيبة والمسحة الطيبة .... ذلك الرجل الذي لم يُعرف عنه سوء أو ذكر سوء ....
ذلك الرجل الذي لم يؤذ أحدا من جيرانه يوما وهو الذي فاق عمره الثمانين .... عمي سعد البناء .... والبيوت المجاورة لبيته دليل صنعته وإتقانه .... عمي سعد الذي بنى بيتنا العلوي ....والذي بنى للجار بالجنب بيته كله .....

ذكريات تطوف كما الخيال، كما السراب كانت في إحدى حلقاتِها المحكمات طفلة غريرة تعدو بين أطراف الحي الذي كان عمي سعد واحدا من أناسه، واحدا من الذين يفتر مبسمهم لتلك الطفلة كلما لقيها .... فتنطبع الابتسامة في خلدها ختما لا ينمحي أثره، بل يعود أول ما تعود الذكريات يتصدرها وقد كان عنوان الطيبة والسماحة في عمي سعد .....

ذكريات تطوف كما الخيال تعيد للبال وجها صبوحا وطلعة مهيبة هادئة لرجل كل قسمات وجهه كانت توحي بالرجولة ....
تقفز الحلقة تلو الحلقة في سلسلة ذكرياتها القديمة البريئة تلك الطفلة التي كانت ....فإذا عمي سعد ذاك الجار الوقور الطيب الذي كان والدها الحبيب يطيل إليه الحديث، بل يحب أن يحادثه حديث الرجل للرجل .... كان حديثهما محببا إليها وإن لم تكن تفقه منه شيئا، المهم أنه عمها سعد الطيب الذي ترتاح إليه كما يرتاح إليه والدها الحبيب .....

وتمر الأيام بركامها ومنتظَمها .... وتكبر الطفلة وتكبر وتثقل نظراتها التي كانت بالأمس القريب نظرات سائحات كيفما وقعت وقعت وكيفما كانت كانت لا عتب عليها ولا لوم ولا شبهة، فقد كانت بريئة مبرأة مُطلَقة العنان في غير احتراز ولا خوف...وكأنما الطفولة معنى من معاني الحرية  أو كأنما الحرية معنى من معاني الطفولة....وعندما كبرت لم تعد ترى عمها سعد إلا كما تقع العين خطأ في أحدهم ... فتقفز بين ناظريها تلك الذكريات ....

غاب عمي سعد عن الحي وغاب ذكره عنه، منذ خمس سنوات مكث ببيته ....وأولاده الذين تزوج الفتى منهم والفتاة، ولكل أصبحت أسرة صغيرة أو كبيرة، بل إن منهم من أصبح جدا وقد زوج أبناءه، وأصبح عمي سعد أب الأجداد .... !!!
توفيت عنه زوجته منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما ولم يبق من أبنائه من يقوم عليه وبشؤونه كما كانت تفعل زوجته، فكل منشغل ببيته وأبنائه -وإن اقتطع من الوقت له- إلا أنه يحتاج من يلازمه ومن يكون له الستر واللباس عند الحاجة وقد ضعفت قوته وخلا جانبه من أنيس يلازمه أحواله .... فتزوج من جديد لا لشيء إلا ليستأنس ويستتر، ولكن الله شاء أن تصبح له أسرة صغيرة جديدة على كبر، فأنجبت له الزوجة الجديدة ثلاثة من الأبناء أصغرهم طفلة لم تجاوز السنوات الأربع.... سبحان الله تلك الطفلة الصغيرة أخت صغرى لإخوة لها من أبيها هم الأجداد الذين لهم من الأحفاد من يفوقها سنا ....!!

بالأمس القريب... القريب جدا .... اجتمع حول بيت عمي سعد الطيب رجال بوجوه متجهمة، وأصوات من داخل بيته  تتعالى لنسوة ينتحبن ... ينتحبن .... ينتحبن الأب العطوف الرؤوف...كلهم أب أو أم بل والجد منهم والجدة، ولكنهم جميعا ينتحبون أبا لهم طعن سنه ولكن قلبه المغمور بالإيمان شاب في طاعة ربه وحبه وقربه .....
بالأمس القريب جدا.... منذ أيام قليلة تعالت أصوات البكاة ..... من كل عمر .... وأحاط ببيت عمي سعد -ملاذه الأخير منذ سنوات- الجارُ والقريبُ والحبيب والصديق القديم منهم والجديد ....

كلهم يذكرون العم سعد.... فمن يذكره وقد عرفه في كل مراحل عمره، ومن يذكره وقد عرفه شيخا كبيرا، ومن يذكره صديقا صدوقا .... والكل اشتركوا في أنه العم سعد الطيب الذي لم نعرف عنه ما خرم مروءته، ولا ما عاب شيبته، ولا ما ندّى له جبينا ولا ما جعله مكروها منبوذا ......

ابنته الكبرى بِداره من أبنائه تبكيه كما يبكي الصغير، لم تعد تبدو تلك الجدة وهي التي تردد : "أبتاه الحنون....أبتاه الحنون " تبكي وكأن كلمتيها دمعات مع دمعاتها الحراقات ..... وإذا ما هدأت أخبرت عنه وعن آخر ما كان منه معها .... وبجوارها شقيقتها التي تصغرها ببضع سنين، تبكي بكاءها ولبكاء شقيقتها الكبرى، وتصنع ما تصنع من غير تقليد ولا محاكاة، بل هو قلب آخر من تلك القلوب الحبيبة القريبة تذكر عنه هي الأخرى آخر ما كان منه معها ......

أبي الحبيب لقد اعتزل الشارع  والحي منذ خمس سنوات لا لعلة به أقعدته، ولكن كان  إذا ما سئل عن سر اعتزاله أجابنا : بنيتي وما يخرجني ؟؟ وإلى أين أذهب أإلى مكان أجتمع فيه بمن يغتاب فأغتاب معه أو أنصت لغيبة ؟ ألعمل فارغ لم أعد أطيقه ولم أعد أطيق أن يلطخ صفحتي التي أبحث لها عن كل ما يمحو خطاياها ؟؟
إلي بمصحفي .... إلي بقريبي وحبيبي وبكلماته ......
ذاك هو قريبه وحبيبه  الذي لازمه طيلة أيام سنوات عزلته، لم يكن عمي سعد عالم دين، ولم يكن شيخا داعيا لله، ولم يكن مجازا في قراءة من القراءات، ولم يكن على درجة من العلم .... بل قد كان بناءا بسيطا .... عرف من اللغة حروفها وأشياءها البسيطة فلازم القرآن ولازمه القرآن .....
أبي الحبيب -والدمعات هطّالات - كان وجهه منيرا كالبدر وهو يقو ل : انظروا ألا ترونهم ؟؟  وصاحب العمامة البيضاء ...ذاك معلمهم وقائدهم جميعا ...والابتسامة تعلو محياه ...لم يكن أحد سواه يرى هؤلاءالذين استبشربرؤياهم وهو على عتبات الفراق .....

أبي الحبيب لقد ختم القرآن الكريم في الأيام الخمسة الأخيرة من عمره .... ذاك صاحبه وقريبه وحبيبه الذي لم يعد يفارقه .....
وإذا بالأخرى تنفجر باكية ، ابنته التي تصغر الكبريات سنا .... أبي الحنون ....أبي الحنون لقد بكاه الجميع ...الجميع يبكيه وينعيه، الجميع يذكره بخير الذكر ....
زوجته الثانية أم الطفلة شقيقة الأجداد ..... تقول : لقد كان زينة هذا البيت .... لم يكن يتعب أحدا ولم يكن يشقي أحدا معه ....
أبي الحبيب ..... كان إذا أغضب أحدنا عاد واستسمحه كما يستسمح الصديق صديقه .....
هكذا كان عمي سعد وهكذا كأنه لم يكن ...... هكذا حلّ في هذه الدنيا ...وهكذا ارتحل .....وجهه المنير بدرا من فعل مصاحبة القرآن الكريم ظل منيرا إلى آخر رمق له في هذه الدنيا .....لم يكن عالما ولا معلما ولكنه كان البسيط الصادق المحب الذي اختار لنفسه عزلة عرف أنها حله لأواخر سنين عمره حتى لا يزيد صفحته إلا نقاء وطهرا، وحتى لا يزيدها ذنبا سعى حثيثا للفكاك منه والخلاص .....

هكذا كان عمي سعد وكأنه لم يكن في هذ الدنيا .... ولكن كينونته هناك هي التي ستبقى وتستمر ....كينونته هناك في تلك الدار الآخرة الخالدة وسعادته هناك هي معنى السعادة لعمي سعد ..... رحمه الله وغفر له ذنبه وجعل القرآن أنيسا في قبره وشفيعا له يوم القيامة ....وتغمدنا بواسع رحمته يوم نصير إلى ما صار إليه ....

ساعتها هل من فعل يشفع لنا، فتستنير به وجوهنا وقلوبنا  قبل النهاية وبعد النهاية بداية الحق والحقيقة ؟؟؟؟!!!
« آخر تحرير: 2010-10-14, 12:54:32 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل أبو دواة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 640
  • الجنس: ذكر
رد: ركام الأيــــام
« رد #4 في: 2010-10-14, 16:55:33 »
سأعود قريبًا إن شاء الله لأكتب هنا.......

يا دولة الظلم امّحي وبيدي.........

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #5 في: 2010-10-15, 09:32:49 »
أهلا وسهلا بك يا عبد الرؤوف في ركام الأيام .... emo (30):

ركامنا إخوتي يجمع بين ما يفرح وما يحزن، "ركام" المجتمع المتراكم بعضه فوق بعض، وكما تتراكم المتناقضات في هذه الحياة وتجتمع ولا يكون الحال واحدا ولا يبقى واحدا .... فسنجمع بين ما يتنازعنا من أبيض وأسود ....كما يجتمع سواد المِداد وبياض الورق .....وفيما يلي شيء مما كتبت سابقا على منتدى الوعد الحق باسم آخر غير اسمي الذي تعوده الإخوة، باسم "عزيزة بالإسلام"  عزيزة بالإسلام لم تكن إلا أنا  ::)smile:.... اخترت أن أكون هناك بين جمع من الإخوة أحببتهم في الله  -وإن كانت مشاركاتي لا تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة- واخترت ألأ يعرفني أحد بينما أعرف جلهم هناك .... بكل الأحوال أنقل ذلك الموضوع الذي نشرته يوما هناك في المداخلة الموالية وستجدون حلقة متممة لمجرياته :


« آخر تحرير: 2010-10-15, 09:34:29 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #6 في: 2010-10-15, 09:37:47 »

جئت أعلم من أين وإلى أين أتيت(1)


قال لها أحدهم وفي كلماته كلمات قد ألِفَتْها وروح قد عرفتها وسط ذاك الزحام وفي تلك الغربة عن الوجوه وعن الأرض وعن اللغة وعن كلمات التكبير والشهادة والنداء للصلاة والنداء للفلاح، في زخم الغربة قال لها : "لقد ذهبت إليها وأخبرتها أنني طالب مغترب وأنني في عَوز لبعض المساعدات مع غلاء المعيشة وصعوبة الحال". لعلّه يخفف شيئا من العبئ عن والده الذي أمضّته المصاريف المكتوية براحة يديه... بنار خوفه على فلذة كبده وتفكيره المتواصل به، حتى أنه ينسى كل حاجاته ، ويتذكر كل حاجة له تتجسد له في صور وخيالات تكبر وتزداد كبرا، التعب فيها أكبر من الراحة، والهمّ فيها أكبر من الطمأنينة، صور جعل قلب الوالد الحنون يكبّرها، وجعل قلب الوالدة الرؤوفة يضخّمها من فرط الشوق للغائب والعين ترى كل الناس ولا ترى أحب الناس، واليد تتحسّس أشياءه الباقية وكأنما صارت عقلا يتخيل ويتصور خيالا واحدا وصورة واحدة، صورة الغائب الحاضرة أشياؤه ملمَسا.....

رقّ قلب الولد لحال الوالدين فما كان منه إلا أن ذهب إليها لعله يجد ما يساعده فيساعدهما، وقال لها: اذهبي إليها فهي الأخصائية الاجتماعية وهذا دورها،وقد أصغت إليّ وساعدتني وأمدّتني بأغذية وبمال على أساس بند يقنّن مساعداتهم للطلبة المهاجرين، اذهبي إليها ولا تتأخري فسيكون لك عندها خَلاق...

العيش هنا صعب وهو حاله من حالها وقد جمعتهما تلك المقاعد من ذاك المدرّج الجامعي، ذاك الذي لأجله هاجروا، ولأجله تكبّدوا، ولأجله هم هنا والأحباء هناك، هي سلواهم في غربتهم وهي مبتغاهم من هجرتهم، وهي مطفأة النار التي تتوقّد في أضلعهم لكل من غاب عنهم وما غاب عنهم ....

قولي لها أخبريها بما أخبرتها ....فقد ساعدتني ونحن بمسيس الحاجة لمساعدة، قولي لها أخبريها لا تترددي....!!!

قررت هاجر الذهاب، فالهجرة والغربة قد علمتاها كيف تكون صيادة لكل الفرص..
علمتاها كيف تقدّر وتزن نظرة من نظرات والديها اللذين لا يعدّان اليوم النبضات إلا بعدد نبضاتها هي، علمتاها كيف ترى عين أمها السَّهْرى لا يغمض لها جفن ترمقها من بعيد ترمقها بنظرات عابرات للمسافات وللقارات، وللزمان، وللمكان تتفقّدها على فراش الغربة وكأنما تقول لها : بنيتي هل تشعرين بالبرد؟؟، بنيتي الحبيبة هل يدفئك هذا الإزار؟ بنيتي هل يحنّ عليك هذا الفراش أم أنّه يقسو عليك؟؟

علمتاها كيف ترى يدي أمها تتحسسها وتلمسها برفق يكاد يخشى من ناعم الرفق أن يؤذيها تكون لها الغطاء والفراش الوثير، والكلمات الحانيات المنحنيات عليها قائلة : حبيبتي تصبحين على خير، حبيبتي نومَ السعادة والهناء....
علمتها الهجرة والغربة كيف تسمع صوت أبيها مجلجلا مدوّيا في أرجاء قلبها، فلا يتسع إلا وقت سماع صوته، ليعود وينقبض بعدها قلبا يبقي الحياة ببقاء النبضات، يتسع ليصبح بجدران البيت وأبوابه ونوافذه وسقفه، بيتهم هناك حيث الدنيا كلها وحيث الجمال وحيث لا قيمة للبنيان والعمران والجمال الذي سمعت عنه حتى رأته قضبانا بين هذه القضبان، قضبان من عمارات، وطوابق شامخات، وناطحات للسحابات، لولا ظرف السحابة ولطفها لرأت العين عراكا في السماء بين الجمال والجماد، ولكن هيهات هيهات....ما كان للجمال والظرف واللطف الحقيقي أن ينقلب يوما معاركا مناطحا!!!

علمتها الهجرة والغربة كيف ترى دينها أعلى من كل عال، وأغلى من كل غال، وأشدّ بريقا من كل برّاق، علمتها كيف تشتاق...كيف تشتاق لصوت الآذان صادحا يتردد من مئذنة ومن أخرى ومن أخرى بين قريب وبعيد وبعيد وقريب، وكأن السماء كلها تنادي، وكأنّ أبواب السماء تتفتح لتنادي على أهل الأرض أن أقبلوا ...أقبلوا على نداء ربّ الأرض والسماء ....
آآآآآه علمتها كيف تشتاق وتشتاق وتشتاق ....ويلوّعها الشوق حتى تركب أول قطار يأخذها إلى مكان بعيد ولكنه أقرب الأمكنة هناك إلى قلبها، بعيد عن جامعتها وعن الحيّ الجامعي حيث تدرس، ولكنه الشوق يأخذها إليه، لوعته تفتكّها من بين يدي الفكر افتكاكا إليه.... مسجد تدخله تسكب فيه من العبرات كل حرّاق، وتقرأ فيه كلمات ليست كالكلمات، تلك الطبيبة الصغيرة التي تسلك مدارج الطبّ صُعُدا لا تجد في غير تلك الكلمات طبّا ودواء
تقرأ وكأنها اليوم فقط تقرأه....تتصفحه وكأنها اليوم فقط تحس غلاوة الورق على قلبها، تقلب الصفحات وكأنها اليوم فقط تعرف وزن الصفحات....

هاجر علمتها الهجرة كيف تكره أحياء المدنيّة والتحضّر، والتطوّر، أحياء ينطق فيها العِلم وتنطق فيها التكنولوجيا كما ينطق اللسان في الإنسان فصيحا يعبّر عنه وعن معناه وعما يريد وعما له يراد ، علمتها كيف تكره الأحياء والشوارع المرصّفة المنظمة النظيفة الواسعة العامرة بالأجساد الخالية من الأرواح،العامرة بالأموات تمشي مشية المترنّح السكران المتمايل على نغمات الهَوى تملأ الشارع النظيف بقاذورات النفس الشهوانية المتكالبة على الشهوات، الفاضحة للشهوات على مرأى الكلّ في الشارع، ولكنّ الأعين قد ألفت فضائح الأهواء وقاذورات الأهواء، فما عادت لهم أنوف تزكم من عَفن الهَوى وما عادت لهم أعين تمقت عراء الهوى والشهوة ... علمتها المدنيّة المتعفّنة عندهم كيف ترى حيّها الشعبي العتيق هناك أجمل الأحياء وأحنّ الأحياء وآنَسَ الأحياء العامر بالأحياء،علمتها كيف لا تمقت أكوام القاذورات على أطرافه بقدر مقتها لأكوام قاذورات الشهوات على أطراف الأحياء الصارخة حضارة وعلما ومدنيّة ...!!!

علمتها كيف تجيب على أخيها وهو يقول لها: "أنت يا هاجر هناك، فلا تحبسي نفسك بين جدران غرفة ملاطها الدراسة وحَجَرها الدراسة وبابها الدراسة ونافذتها الدراسة، فتجيبه: "أي أخيّ إنّ حيّنا هناك حيث أنت الآن وحيث لا أنا الآن خير من كلّ نزهة بالأحياء المترامية بين يديّ هنا توهمك أن لها عبقا يصل أنفك وأنت البعيد بينما تَصْدُقُني بما يزكم أنفي ونفسي ويقزّز روحي ويزيدها وحشة وأنا القريبة ....

هاجر علمتها الهجرة والغربة كيف تبكي!! علمتاها كيف يكون البكاء، وكيف ينزل الدمع خادعا وإن سألته التكتّم وأن يكون منه الوفاء!
علمتاها كيف تبكي وكيف لا تقوى على كتمان النحيب بين ذبذبات صوتها المتصنّع للسعادة واللابأس، وهي تسمع أصوات المحبّين، وتسمع صوت أكبر الأحباء تلك التي تتجلّد وتتصبّر وهي الذاوية أوراق قلبها ورقة إثر ورقة اللهمّ من صوت هاجر يعيد لها شيئا من النضارة لتقوى النبضات وتتسارع فرحا وحبا وشوقا، حينما تسمع صوتها تقول لها هاجر التي آلت على نفسها ألا تسمعها من لوعتها ومن عذاباتها لئلا تزيد عذاباتها:
" أماه إن أشدّ ما يحزنني اليوم ساعة كنت أضجر من كلماتك تنصحينني ألا أضيع وقتي على الأنترنت في محادثات مع صديقاتي لئلا أنشغل عن دراستي وعيناك وعيناي تتبادلان النظرات مع الشفاه تتبادل الكلمات، كلمات النصيحة لقاء كلمات الضجر من النصيحة، نظرات المحبّ الخائف على من يحبّ لقاء نظرات الضجر الشبعان من كلمات النصح والتربية، ألا ليت تلك الأيام تعود يا أمي فلا أضجر من كل كلمة من كلماتك الحبيبة .... علمتها الغربة كيف يكون البكاء!!!

قال لها : اذهبي يا هاجر اذهبي ولنُفرح آباءنا بشيء نحمله عن كاهلهم المرهَق من ثقل حملنا ....
ذهبت هاجر إليها، وأخبرتها ما أخبرها زميلها من قبل، فإذا بها ترمق خمارها على رأسها وكأنما صعقت لرؤيته، وكأنما رأت القنبلة الموقوتة التي تخاف أن تنفجر عليها في أي لحظة، وكأنما رأت العلامة الحمراء، وكأنما رأت الموت ....لتقول لها: لا لا أستطيع مساعدتك بشيء ....

فتقسم هاجر أن تبقى بخمارها وإن جاعت، وإن بكت، وإن بردت، وإن خاف الكلّ منه...أقسمت أن تبقي على رمز الطهر بين المئات من المتعفّنين مِن حولها، أقسمت هاجر أن تبقي على هاجر فوق رأسها وساما وشرفا وعزّا، وإن ماتت جوعا ....

أقسمت وقلبها يردّد : جئت أعلم من أين وإلى أين أتيت ولقد أبصرت من قبل طريقا فمشيت وعنه ما حدت وأقسم ألا أحيد !!!!      


**********************************************

وقد طرأ الجديد على هذه البُنية وعلى قصة هذه البُنيّة اليوم تحديدا بين الأيام .... اليوم فانتظروني لآتيكم به بإذن الله
« آخر تحرير: 2010-10-15, 16:34:04 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #7 في: 2010-10-15, 16:37:03 »

جئت أعلم من أين وإلى أين أتيت(2)

هكذا كان قَسَم هاجر منذ عامين اثنين قضتهما غريبة بين الغرباء، غريبة عن الأرض وإن كانت الأرض كلها لله،غريبة عن الأرض وإن كانت الغربة الحقّة هي الغربة عن الله .... هكذا كان قسمها وبرت به ولم تحد عن طريقها ....

جاءت إلى أرضهم أرض الكفر، من أرض الإسلام .... فلاقت مالاقت، وتجرعت ما تجرعت....ربما ما لم يقوَ الرجال ذوو العدد على تجرعه والصبر عليه، ولكنها صبرت
كانت تعود إلى أهلها ووطنها  مرة من كل عام، كانت تعضّ على كل جزء من أجزائها بالنواجذ كلما عادت لكأنها كانت تأخذ من كل لقاء لها  بكل جزء وبكل شيء من أشياء أرضها وذكرياتها المزيد والمزيد لتخبئ من كل لقاء عبقا وشذى تسترجعه عند حاجة، عند شح اللقاء في أيام غربتها، وعند انقطاع الريح والأدنى من الريح في أيام غربتها، كانت إذا احتضنت احتضنت بقوة لم تكن من قبل فيها، وإذا قبّلتْ قبلت بحرارة أكبر، وإذا رأت رأت بعمق أكبر وببعد أكبر، أصبحت نظراتها نظرات متأملة مستغرقة، نظرات الذي يذكر ساعات الوحشة والغربة والنوى فيختلط عليه فرحه بحزنه، بل تصبح الفرحة عنده مبعث حزن.... حزن على ساعة الاشتياق لتلك الفرحة التي لن تدوم بل ستقطعها ساعات الفراق ، ساعات النوى ....!!

أصبحت إذا نظرت لأحد من أحبتها استغرقت بالنظر والتأمل وهامت وإن جعل محدثُها يستغرق بالحديث ويذهب به كل مذهب، إلا أن الزمن عندها يتوقف في لحظة لتُصمّ أذنها عن السماع ويحجم عقلها عن التتبع.... وتتسمّر بمكانها تنسج قصة من وحي غربتها بطلها ذلك الحبيب المحدِّث وأحداثها متسلسلة أولها ذكرى الألم لفراقه ،وأوسطها العيش بعيدا بألم فراقه،  وآخرها ألم قريب يقطع عمر هذا اللقاء القصير وإن طال بفراق جديد ....!!!
ترمقها وهي المتسمّرة وكأنها التي تملأ وتعبّ وتستزيد لساعات الرحيل، تستزيد من النظر في أعين أحبتها .....بعيني أمها ....بعيني أبيها .... بأعين إخوتها وكل من أحبت   .....

علمتها الغربة كيف تكتب القصص الحزينة من وحي أعين الأحبة .... علمتها الغربة كيف تتزوّد لقلبها كما تتزوّد لبطنها .... بل قبل وأكثر مما تتزود لبطنها ....
علمتها الغربة كيف تبكي ومتى تبكي وأن البكاء صنعة الغرباء ........................
علمتها الغربة كيف تمثل بصوت حاذق يقافز الآلام على ذبذبات الهاتف السائل عن الأحوال دور المرتاحة الهانئة السالمة خوفا على أحبابها ومن أن تزيد علة القلوب التي تخاف عليها نسمة الهواء الخفيف علة.... وحتى لا ترهق تلك القلوب الحبيبة  أكثر مما تعلم عن إٍرهاقها لأجلها.... علمتها الغربة كيف تعبّر عن حبها لأمها بكلمات لم تكن تقولها من قبل، وعن حبها لأبيها بكلمات لم تكن تصدر عنها من قبل ......

علمتها الغربة كيف تشتاق لشقيقتها التي لطالما كانت وهي بطلتي قصة "طوم وجيري"  مسقطة على بشر ...!! أجل لقد أصبحت تبكي ساعات الشجار والخصام تلك وتشتاق إليها شوقها لما ظنت أنه أكثر ما لا تحب فإذا به يغدو مع غربتها شيئا من أكثر ما تحب .....!!

هي الغربة وألسنتها اللاهبة جعلت من عمرها الغرير وسنواته القليلة وكأنه ضِعْف ما هو، وكأنه عمر من صال بين تقلبات الحياة وجال...ومن أوجعته الضربات وذكرته الكدمات كلما نسي لسع السياط أن الضرب وإن لم يدم  ذكراه تبقى وشما يُحفر في القلب قبل الجسد ...

هي الغربة تزيد في سنوات الخبرة لكل من اصطبر على ثقل مِعولها وهو يشُقّ في أرضها الصلبة الصعبة دربا له بين الدروب .....ومِعول الغربة كم يهدم وهو يبني!!!

تعلمت هاجر كيف تحب حجابها كما لم تحبه يوما على أرضها .... تعلمت كيف تحتضن كل خيط من خيوط قماشه لا كيف تلبسه .... !!
أما إذا كان الحديث عن دينها فتومئ  برأسها وبكل جوارحها أنه العظيم  العظيم العظييييييم الذي ليتنا نعرف له حق قدره........  أنه الحبيب الذي هو ملاذك ومهربك وملجؤك على أرض الغربة وبين بشر لا يعرفون من معاني الدنيا إلا "كَمْ " و "بكم؟" .....وتسبق العين لتفصح خيرا من كل كلام، وتلحق لتفصح فهي السابقة وهي اللاحقة......

علمتها فرنسا وجامعة فرنسا.... كيف لا تنبهر بالأستاذ العبقري ذي الصيت العِلمي العَالَمي أستاذها لمادة من بين مواد الطب دراستها ومحمورمستقبلها العلمي الذي ضحت لأجله من فرط حبها للعلم ومن  فرط تميزها ولمعان نجمها بين أترابها ....  أجل لم تعد تنبهر بالعالِم أستاذها صاحب الاكتشافات والبحوث والدراسات، الغني عن التعريف في دنيا العلماء، وقد عرفت عنه بُعد شخصه كل البعد عن الوقار والاحترام ، وشطَطَ فكره كل الشطط، وسوء خُلُقه بخروجه من عالم الإنسانية إلى عالم البهيمية وهو الذي يتفاخر ببهيميته ومغامراته البهيمية على مسمع من طلابه...!! يجهر بحيوانيته مفتخرا أنه العالم الذي وصل بعقله إلى التحرر .... التحرر من كل قيد، من كل دين والدين يرونه أكبر القيود .......... إلى عبودية الشهوة العمياء .............

نعم .....لم تعد تغرها أحاديث العرب والمسلمين من ذوي العقول العلمية والألباب عن انهزاميتهم وتفاخرهم بانهزاميتهم وبعقدة النقص والدونية مقارنة بالغرب وبدرجات العلم التي بلغها الغرب .... وبعلماء الغرب ...... لم تعد تغرها كل تلك الأحاديث المفصول فيها والتي لا تقبل النقاش عند أكثرية المثقفين العرب، ولا تقبل الجدال وأن لأولى أن نصمت اعترافا بضعفنا وبقوتهم ...... لم تعد تغرها تلك الأحاديث للنخبة من بني العرب والمسلمين من بعد ما رأت عينها تجرد العالِم بينهم من كل خلق ومن كل ما يجعله إنسانا قبل أن يجعله عالِما ......

هاجر ....حجابها وخمارها ..... أصبحا أجمل من ذي قبل أصحّ من ذي قبل .... وهي في غربتها ..... هاجر لا تعرف خصلةَ من خصلات شعرها وهي تضع خمارها في فرنسا بينما تتباهى فتياتنا على أرض الإسلام بخصلات الشعر المذهّبة المصبوغة تخرجها غصبا من تحت خمارها!!  فإذا تجاهلتَ يوما وتغابيتَ وقلت لها : "بالله عليك أخيّتاه سارعي وأدخلي خصلات شعرك المطلة فقد فلتت وتسللت من تحت خمارك وأنت لا تعلمين ......"  أجابتك بسرعة المتجاهل : "آه ...آه ... " وأشاحت بوجهها عنك وولت لا تلوي على شيء مما قلت لتدعي أنها ترده عن فلتاته ....فإذا هي تلمسه وتداعبه كما تداعبه نسمات الهواء، مخافة أن يدخل وقد علمت بخروجه، بل كانت مخرجتًه عمدا ..........!!!

كلما حلت بمكان في فرنسا استفزوها لأجل حجابها، ولكنها كانت تصمد أمام كل رياح الاستفزاز والظلم والتعدي على الحريات في بلد الحريات !! وأي حريات .... إنْ حرياتهم إلا الخروج من بشرية البشر إلى حيوانية الحيوان...بل الحيوان أكرم .... إنْ حرياتهم إلا  التجسيد العملي لمرحلة الانحطاط  في دورات الحضارات، والجنوح نحو مرحلة الغريزة حيث لا روح ولا عقل .......

كم ادعت تلك الأم القوية أنها صابرة على ما بها من بعد ابنتها، وأن هذا ما أراد الله لها، وأنها حقا أحبت أن تكمل هاجر دراستها لتميزها وتفوقها غير العاديَّين، ولكنها لم تكن تعلم أن الأمر بهذه الصعوبة وأنه بهذا الثقل على قلبها وقلب أبيها ...... كم قامت الليالي حيث لا تخطئ السهام تتصيد سهما بينها هو لهاجر لا لغيرها .... كم دعت وبكت في جُنَح الظلام تسأل مولاها أن يحفظ بنيّتها التي كانت أكثر من شجعها على الذهاب لإتمام دراستها التي تحب خارجا، فحقيق بمن مثلها ألا يضيّع عليها أحد فرصة لزيادة علمها وإنمائه وإن كان هذا الأحد أباها أو أمها .......
كم صلت لله تدعوه أن يغفر لها ما فعلته بابنتها الصغيرة لتي كانت لصيقتَها بالأمس القريب، وكانت تخشى عليها أقل سوء وأقل ضرر وهي لصيقتها، بنيّتها متغربةُ اليوم الوحيدة التي تخفي عنها  أكثر مما تبدي لئلا تشغل بالها وتقضّ مضجعها، وهي لا تعلم أن جنبها قد تجافى عن مضجعها من فرط انشغال البال بها والخوف عليها وإن أخفت هاجر آلامها ولم تبدِها ........ كم صلت لله تدعوه أن يغفر لها خطيئتها تشجعها على الذهاب على مضض من قلبها تتخيّر لابنتها مصلحتها وتؤثرمستقبلها على قرة عينها بقربها .....

كم دعت وكم بكت .... كم تدرجت في سلم الاعتراف بخطئها طيلة عامين من الغربة لا تكاد ترى فيهما ابنتها وتنعم بلقائها حتى تفارقها من جديد لأعوام أخرى كثيرة ما تزال ما أبقاها الله حية حتى تتم دراستها وتكملها ..... كم تدرجت في ذلك السلم هبوطا من الإنكار على من يحاججها عن تشجيعها لها....  إلى سِماها التي كشفت سرّ ضناها وجواها..... إلى ضعف قوتها وقلة حيلتها أمام كل موقف ووقفة بين أم وابنتها تستحضر بها هاجر وأحوال هاجر فتخرّ دموعها ساجدة لأمر الأمومة فيها والشوق المستعر لأن تشتم ريح ابنتها وتعلم شيئا عن حقيقة حالها لا عن قولها هي عن حالها .....ومن درجة إلى درجة أحطّ جعلت تتدرج الأم في سُلَّمها ......إلى أن اعترفت أو أوشكت أنها قد أذنبت في حق ابنتها التي تتجرع من كأس الغربة ألوانها الداكنة الغامقة الغامضة ........!!

وذلك الأب المتعلم المعلّم  المثقف، أستاذ الجامعة الذي رأى في ابنته صورة له ساعة كان شابا عاشقا للعلم والتعلم، فلم ير إلا أن يحفزها ويدفعها لأن ترتقي بمستواها حيث ديار العلم والعلوم ....... كذلك حاله كحال الأم ....من سيئ حال إلى أسوء.... لم يعد يعيش إلا على نبض أخبار هاجر .... ولم يعد يستسيغ للحياة طعما إلا على رؤية وجه هاجر عبر كاميرا الأنترنت يفك شيئا من أسر نفسه لنفسه وعَتَب نفسه على نفسه على ما فرّط في جنب ابنته المسؤولة منه وهو الذي ظن أنه أحسن صنعا ......

وما أسرع ما أصبحت دموعه طيّعة مطيعة كلما جاء أحدهم على ذكر بيّن أو خفيّ مما يخصّ هاجر ......... كم كانت عصية دموعه وكم كانت مجهولة عند كل من أحاط به وعرفه .... لكأنها كانت دموعا موقوتة ولكأن عقارب ساعتها كانت  تشير إلى تمام الساعة الصفر (00:00) من فراق هاجر .......!!




ونعم قد جدّ الجديد في قصّة البنية هاجر اليوم تحديدا بين أيامها وإني آتيتكم به قريبا فارتقبوا  emo (30):
« آخر تحرير: 2010-10-16, 08:08:38 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: ركام الأيــــام
« رد #8 في: 2010-10-15, 17:35:10 »

ما أحلى بوح قلمك يا فراشة

أنتظر بشعف ما جد في قصة البنية أيتها العزيزة بالإسلام  فإني مرتقبة :emoti_282:
« آخر تحرير: 2010-10-15, 17:43:33 بواسطة سيفتاب »
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

جواد

  • زائر
رد: ركام الأيــــام
« رد #9 في: 2010-10-15, 20:32:25 »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا كثيرا على هذا الإسلوب الجميل،

قرأت سربعا حكاية هاجر، لكن بالحلق غصة أأجلها حتى تنتهون.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #10 في: 2010-10-16, 07:50:54 »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا كثيرا على هذا الإسلوب الجميل،

قرأت سربعا حكاية هاجر، لكن بالحلق غصة أأجلها حتى تنتهون.


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أهلا وسهلا بك أخ جواد
ذاهبة الآن في حاجة، بإذن الله سأكمل الجديد حال عودتي بإذن الله تعالى ....
« آخر تحرير: 2010-10-16, 07:53:01 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #11 في: 2010-10-16, 16:37:53 »

جئت أعلم من أين وإلى أين أتيت(3)

تذكر خالتها وقد حدثتها يوما بعد شهور قليلة من ذهابها إلى فرنسا، تذكر لوعتها، وشدة اشتياقها وهي تحدثها عبر مِرسال الأنترنت...
تذكر تلك الحروف الملتاعة شوقا والتي بدت لها دموعا تكتب وآهات تتعالى، تسألها الخالة المتأسية لحالها عن حالها وما تفعل ، فتخبرها هاجر أنها من شدة الضيق الذي جثم على صدرها، ومن فرط الوحدة التي أطبقت على نفسها لم تجد من حل إلا أن تستقل الحافلة لتأخذها حيث المسجد الأول الأقرب  من مبيت الجامعة وهو الذي يبعد عنه كيلومترات عديدة....

سافرت إليه بحثا عن السكينة والطمأنينة لتهرب من وحدتها وغربتها وسطوتهما على نفسها، لتهرب من ذكريات تراكمت عليها جميعها تأخذها أخذ سكرات الموت تحيط بالمشارف على الموت ...... تأخذها الحسرة والأسى على حالها وهي التي كانت بين أبوين وإخوة تتنازعهم الأحوال بين ما يفرح وما يقرح.... ولكن الكل مع الواحد والواحد مع الكل .....
تأخذها الحسرة على أيام قريبة غير بعيدة كانت فيها المدلّلة التي تسأل الأم عن حالها إذا ما أطالت البقاء بغرفتها وحيدة، وتأتيها بكأس مما تحب من المشاريب تنعشها به وابتسامة حبها أكبر انتعاشة لقلبها وروحها .....

تأخذها الحسرة والأسى على كلام كثير كانت تبثه لأمها إذا ما تصاحبتا في المطبخ كصديقة وصديقة لا كأم وابنتها، تخبرها بدقّ الخطب وجَلَله، تبحث عندها عن ضالتها من الحكمة لتتعلم منها وتأخذ الدروس تلو الدروس بكلمات هي جزء من مقادير حلوى تعدانها سويا، أو مع مرق أو حساء يغلي قدره على نارتجتمعان على نورها.....

أين ستلتفت هناك بين تلك الجدران الأربعة في تلك المساحة الصغيرة الصغيرة التي بالكاد تكفي سريرا وطاولة للمذاكرة وبابا يفصل بينها وبين غرفة لقضاء الحاجة ....
أين هي الوجوه التي ألفتها والعيون التي تعوّدتها والأرواح التي كانت ترفّ على روحها ......

كانت تلك الحسرات وتلك الذكريات تأكل قلبها الصغير أكلا، قلبها الذي لم يتعود الفراق ولم يتعود الغربة ولسعاتها ..... سارعت للمسجد الأقرب تنشد السلوى والقرب والأنس، تنشد الصبر والسلوان ..... دخلت.... وما أن دخلت حتى هرعت لمصحف على الرف تعانقه وتسقيه بدموعها، تبثه كل شكواها وآهاتها :
"أي خالتاه لم أجد نفسي إلا مسافرة إلى ذلك المسجد القريب، بيت الله ....عساني أجد ما يزيح عن قلبي كل ذلك الهمّ الذي أحاط بكل ذرة فيّ.....لقد تعبت تعبت تعبت .....لا تخبري أمي أرجوك فقط أخبرك أنت ........لا تخبريها فما فيها يكفيها ......"

"أي خالتاه لقد وجدت في ذلك المسجد وفي ذلك المصحف وكلماته التي بدت لي وكأنها الجديدة والأقوى والأقرب يدا تربِّت على قلبي  وتكفكف دمعي وتهدئ من روعي....
أي خالتاه الأمر صعععععععععب .....صعب ...صعب"
 التاع قلب الخالة على ابنة أختها الصغيرة المهمومة الحزينة، التاع قلبها عليها، وقضت يومها على غير عادتها لا تفكر إلا بها، حتى جاء يوم قريب لم تجد بدا من أن تفصح فيه لشقيقتها عما خَبِرَت وعرفت من حال البنيّة عسى وعلّ إفصاحها يكون سببا من أسباب تتراكم لتُعلَم حقيقة وضعها فيميز والداها الحقيقة من الخيال والواقع من المتوقَّع  .......

أجل لم يعد أمرها وصعوبة حياتها غريبة بخفيّة على أحد وإن سعت حثيث السعي لتخفي، فهي بين اعترافاتها بين أيدي أحبة لها تفرغ عندهم شيئا من مكبوتاتها، وبين دموعها التي تقف حائلا دون أن تكمل حديثا مُدَّعًى لها عن خير حال، وبين قريب آخر يستفزها لتحكي وتروي ما بها، بين كل هذا وذاك لم يعد أمرها خفيا ........
كانت إذا هزها الشوق لجدتها وأخوالها هاتفتهم لتسأل عن كل واحد بينهم بل وحتى عن كل قريب بعيد عرفته يوما، وعن حاله، تستجدي سماع صوت كل واحد وحده،تشتاق لصوت جدتها الحبيبة الحنونة الطيبة، فإذا ما سمعتها صاحت وصرخت بحرقة المشتاق الملوّع : "جدتي الحبيبة .... جدتي كم أشتاق إليك ..... جدتي كيف حالك آه يا جدتي آه ثم آه كم أشتاق للجميع ............" وتجهش باكية، تنفجر باكية ......... لتصمت عن الكلمات، ويصمت الكل عن الكلمات ويغلبه الدمع، وينقلب الأحبة المتكلمون إلى بكاة متألمين لألم صغيرتهم الحبيبة ..................
تلك هي الغربة وذلك فعلها في الغريب ، في فتاة وحيدة لا أنيس لها ولا رفيق .... تكابد عناءها وهولها وحدها وما من معين ولا ظهير.....

وعادت هاجر بعد عامها الأول محمّلة بالشوق والحنين، ومحملة بنجاح مبين، نجحت وكانت ضمن الأوائل في عام مسابقة عسير عسير على الفرنسيين أنفسهم، فتفوقت على الفرنسيين، ونجحت رغم ضآلة نسبة النجاح قياسا إلى عدد المتسابقين من الطلاب ..... عادت بكل آلامها تحمل هذا الإكليل الذي كان أكثر ما حال دون قرار العودة النهائية، كان تعبها لأجل دراستها منقطع النظير ونجاحها وتفوقها أكبر حائل دون أن يقطع قطعها لذلك الدرب الشاق................ جعلها تتأرجح بين آهات الغربة ولسعاتها وبين دراستها ونجاحها الذي لم يكن متوقّعا مع أهوال الغربة التي لاقت ......!!

وتعود هاجر لغربتها ، في العام الموالي، والدراسة كعادتها هي أكلها وشرابها وهي أنفاسها التي تخرج والتي تلج .......وهموم الغربة ما تزال جاثمة ، وهاجر هذا العام يكلؤها الرحمن بعين رحمته فتواظب على حصة أسبوعية لتحفيظ القرآن لأطفال المسلمين بفرنسا، أحكام التجويد التي تعلمتها صغيرة وكانت تواظب معها على حفظ القرآن كانت لها خير معين على أن تعطي من خير ما أعطاها الله ......
لم تنبهر هاجر بفرنسا وبالغرب ولا بطلاب الغرب ولا بأساتذة الغرب، بل لكل منهم عندها قصة جعلته أحطّ من أن تنبهر به وإن كان العالِم أو طالب العلم الذكي المتميز، كانت تعلم أن كل زملائها في قاعات الدرس، كلهم بلا استثناء الشاب منهم والشابة قد استقلوا بحياتهم الخاصة ولم يعودوا تحت وصاية والدِيهم !! كانت تعلم أن كلا منهم يعيش مع خدنه في بيت له وحده على علم أوليائهم بل بتشجيع من أوليائهم .....!! لم تعد هاجر تنطلي عليها أقاويل العرب عن حضارة الغرب وقد عرفت بأم عينها كم هي همجية وشهوانية وحيوانية، وكم هي أبعد ما تكون عن معاني الإنسانية ......

علمت هاجر علم اليقين أن الأب الفرنسي إذا لم تخرج عنه ابنته ذات الثمانية عشر ربيعا ولم تسارع لتكوين حياتها الخاصة ليس بزوج أو بزواج بل بخدن عشيق يرافقها وترافقه، سارع هذا الأب المسكين لرفع قضية هو الرابح فيها لا محالة... قضية يشتكي فيها ابنته التي ما تزال جاثمة على صدره ولم تخرج لتريحه ويرتاح منها ..... والقضاء الفرنسي سيحكم له بالإيجاب وسيمدّ ابنته بما يعينها على تلك الخطوة المحتومة، فسيمدها ببيت وعشيقها الذي تختاره .................!!!

عرفت هاجر كل هذا ..... فلم تعد ترى في الغرب إلا حقيقته لا كلمات العرب المنبهرة بمادياته ..........
وبين الفرنسيين أنفسهم وقد تكالبت المادية بطوائلها عليهم، أولئك الذين خرجوا من الدين إلى اللادين ............من بين هؤلاء من يختارهم الله سبحانه برحمته ليحتضنوا الإسلام ويدخلو حضيرته الآمنة، وعرفت منهم هاجر .... عرفت منهم تلك الفرنسية زميلتها التي كانت لا يستقيم يومها ونهارها إلا إذا اصطبحت على آلة البيانو تضرب عليها ألحانها المفضلة لتشجيها ...... وما أن أسلمت حتى اختبرت نفسها في أكثر ما تحب وتعشق، وتركت البيانو ولم تبعه لا لشيء إلا لتعرف من نفسها طاعة لهواها أم لربها الذي عرفت ......... ونجحت نفسها تلك الفرنسية "جاكلين"  وصارت تخبر هاجر عن كرهها المعازف وأنواعها ،وأنها أصبحت تتقزز منها وتنفر منها ولم تعد تحب سماع الموسيقى بعدما عرفت الأصوات المجلجلة بالقرآن ............!! وأن الحجاب لا يليق أن يكون لباسا يصف أو يشف لا يليق أن يكون سروالا ملتصقا بالجسم ونسميه اعتباطا "حجاب".............!!!!
نعم هي نسمات رحمة الرحمن الرحيم لا تدع عبدا من عباده الذين يلجؤون إليه إلا ولامسته ورفّت عليه لتؤنسه وتذهب وحشته ......

ومع كل هذا وذاك من آلام ورحمات تتنزل على العبد المؤمن بقيت هاجر في لج الغربة تصارع المصارعين الذين يتصيدون للإسلام وللمسلمين  ثغرة بين الثغرات، ولصاحبات الحجاب على وجه أخص .............
في عامها الثاني عند عودتها أصبحت هاجر أكثر إفصاحا، وأكثر اعترافا بأن الذي تلقاه هناك أكبر من طاقة احتمالها وهي الشابة الوحيدة.....
فكثيرا ما حدثت والدتها عند عودتها الصيفية أنها كانت تصادف في طريقها بين الجامعة وغرفتها بالمبيت أوضاعا  خليعة لا تجد حيالها إلا الهرب كالمجنونة إلى غرفتها، توصد دونها بابها، وتهرع لمصحفها باكية وكأن الروح منها تصعّد في السماء..... تلوذ به وبكلماته بلسما ودواء ..........

وهكذا............ ومع كل اعتراف لها يرسخ بذهن الأبوين لا ينمحي يزيد الجرح عندهما غورا، ويزيد الإحساس بالذنب فيهما قوة، لم تكن اعترافاتها عابرة ولا مارة مر الكرام، بل كانت تقيم في أذهانهم لتحيطهم خُبرا بثقل الحقيقة .........

وعند عودة هاجر هذا العام صيفا بعد انقضاء عامها الثاني في فرنسا حدث ما لم يكن متوقعا وما لم يحتسب ......... فهل نكمل ؟؟

« آخر تحرير: 2010-10-16, 17:07:46 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

جواد

  • زائر
رد: ركام الأيــــام
« رد #12 في: 2010-10-16, 21:49:22 »
في انتظار التكملة،

عسى ألا يحدث ما أخشاه...

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #13 في: 2010-10-17, 17:53:25 »

جئت أعلم من أين وإلى أين أتيت(4)

في عامها الثاني تمرّست هاجر وصقلتها الغربة فأصبحت أكثر قدرة على التحدي وإتيان الجديد، كانت تقتطع من نزر الوقت اليسير الذي لا مذاكرة لها فيه لتدرّس طلابا فرنسيين من الطور الثانوي مادة الرياضيات لتميزها فيها، وكانت أن فاجأت أسرتها بعودتها خلال منتصف السنة على غير عادتها بما جمعت من مال من تلك الحصص التي كانت تعطيها...
لم يتوقع والداها مجيئها،فالمفترض أن تعود مرة واحدة كل عام خلال إجازة الصيف،  اتفقت وشقيقها على أن يأتيها المطار دون أن يخبر أحدا هو الآخر ...وما هي إلا ساعات بين ساعات الزمن  المُوحَش من بُعد هاجر حتى إذا هاجر بشحمها ولحمها تتسلل لا  رِكز ولا حسّ ترمق والدتها الحبيبة...تنتظر أن تكمل ركعات لها من صلاتها..... وتنتهي  الركعات وتعود الأم لزمنها الموحَش لينقلب في لحظة زمنا وضيئا بوضاءة وجه من رأت ....
لم تكد  تصدق ما رأت عيناها، وكأن الله الرحيم قد استجاب لدعائها القريب بين يديه وهي الساجدة التي لا تتخلف عن دعوة لها عند السجود  فإذا قرة عينِها ملء عينها ....  

وتطير هاجر لغربتها بعد أيام قليلة، لتكمل رحلة التحدي، وتعود لوطنها صيفا  وقد نجحت لعامها الثاني على التوالي وبتفوق،بارزت الفرنسيين في عقر دارهم، وكابدت أرزاء الغربة ودرست ونجحت وتفوقت.......وحجابها سلاحها الذي تتحدى به ولأجله كل الصعاب .....
إجازة الصيف أطول هذا العام، وبقاؤها بمَنْدُوحة أكبر  للعبّ من شذى الأحبة وأنوارهم ..... ولَشَدَّ ما فرحت وسرّت إذ انتهى إلى علمها يقينا أنها لن تعود إلا بعد انقضاء الشهر الكريم، فرمضان بعيدا عن الأحبة غربة فوق الغربة ......

شهر رمضان الكريم هذا العام  كريم والله الكريم أكرم ......

إنه شقيقها الذي يكبرها ببضع سنوات، شقيقها الذي تخرج ويعمل منذ عامين، له صديق حميم قريب هو لمنزلة الأخ أقرب .... عبد الرحيم ....القريب البعيد .... البعيد هو الآخر من أعوام ستة، عبد الرحيم الذي يدرس الطب بفرنسا وبعد ثلاثة أو أربعة أعوام أخرى ينهي دراسته، هو الآخر يقضي رمضان هذا العام بين أحبته وذويه هو الآخر ....وقد أمضّته الغربة ..... يسأل صديقه في معرض حديث لهما عن الدراسة، يسأله عن شقيقته التي يعلم أنها منذ عامين قد ذاقت ما ذاق من كأس الغربة ، يذكر معه ساعة سأله كعارف بالأحوال ومُعايش للوسط الذي تعتزم شقيقته أن تغشاه وكيف أجابه ساعتها ألا ترسلوها، احذروا أن ترسلوها فالحال أصعب من أن تغشاه شابة بلا رفيق أو أنيس وهو على الشاب عصيب ..... يذكّره كم حذره ساعتها تحذير الأخ العارف من أن يغامروا بإرسالها أو أن ينصاعوا لرغبتها وإن كان تميزها غالبا.....

يسأله عن حالها اليوم، فيجيبه الشقيق أسامة بشيء من أخبارها .... وأنها التي تصارع وتقاوم لأجل حجابها ..... استرسل عبد الرحيم في السؤال : ترى هل خُطبت؟؟ ألا تفكرون بتزويجها؟؟ يجيبه أسامة أن  شقيقته قريبا لم تكن  تفكر بهذا الموضوع وهي بهذه السن ، وأنها مع انغماسها بدراستها وانهماكها فيها لم تكن تقبل بالفكرة أصلا خوفا مما قد يعيقها وهي التي خاضت في هذا الدرب الصعب، ولكن مع تبيّن  صعوبة وضعها غريبةً تبدل رأي الوالدين اللذين لم يكونا يفكران بتزويجها مع بدايات دراستها،  تبدّل اليوم رأيهما ولا أظنهما يمانعان لو تقدم من يرضون دينه .....

عبد الرحيم : إذن ليس هناك الساعة من خاطب ولا خطيب ؟؟ ولا أي ارتباط ؟؟
أسامة : لا لم يحدث نصيب. خطبت ولم يكن هناك من قبول .
عبد الرحيم : إذن فإنني أريد التقدم يا أسامة .... أريد خطبة شقيقتك ....
أسامة: هل تمزح؟؟ ما الذي تقول يا رجل؟؟
عبد الرحيم : أقول الجد لا الهزل ..... واليوم اليوم تحديدا يزوركم والدي .....

كان لقاء عبد الرحيم بأسامة هذه المرة لقاء قد خطط عبد الرحيم أن يكون موضوعه هاجر .....
عاد أسامة محملا بهذه الأخبار وهو لا يكاد يصدق، صديقه الحميم الذي لطالما افتخر بصحبته، ذاك الشاب المتدين الخلوق الذكي المتميز في دراسته، الذي كان الأول بين كل أترابه علما وخُلُقا يخطب شقيقته .......
كان والد هاجر أول من علم، ووالدتها، وأذن والدها بزيارة والد عبد الرحيم في ذلك اليوم من رمضان ..... وكم كان الجو حميميا ووالد هاجر يعرف والد عبد الرحيم أوكد المعرفة، ويعرف كل عائلته ويعرف الوسط المقارب لوسطهم، عائلة دين وعلم .....

وجاء الوالد الخاطب في ذلك اليوم من رمضان، والتقى وليّ عبد الرحيم بوليّ هاجر ...... التقى الصديقان في موضوع غير كل ما جمعهما من مواضيع....ربما توقعا كل حديث إلا أن يجتمعا على هذا .....  مسبب الأسباب .... علمه سبحانه الذي أحاط بكل شيء ....وبكل حال .... يسيّر وييسّر... ويكتب ما لا يكون في الحسبان ..........

وتوالت الأحداث الجديدة السعيدة  منذ ذلك اليوم يوما بعد اليوم في سرعة غريبة ..... وقُبل عبد الرحيم، وقبلت هاجر وتوالت المراحل... وأجمل ما في الأمر أن كان لقاؤها به ببيتهم بحجابها الذي لأجله اختارها ولأجل تشبثها به في بلاد تحاربه اختارها .....

وقبل يومين وتحديدا يوم الجمعة من الأسبوع الفارط كان عقد النكاح بالجزائر للعروسين الغائبَين ....فهاجر قد عادت لجامعتها بعد رمضان وعبد الرحيم عاد هو الآخر لجامعته بعد رمضان .... كل منهما في مقاطعة، كل منهما في جامعة ...........والدها ورجال من أهلها ووالده ورجال من أهله غصّ بهم المسجد حيث رُصّت أولى اللبنات النورانية للميثاق الغليظ الذي صيّرهما زوجين ..... وخلال إجازة الصيف لهذا العام بإذن الله سيكون الزفاف .......................

غربة هذا العام لكليهما  لن تكون كغربة كل عام ........... غربة هذا العام لهاجر أخف وطءا، وغربة العام المقبل أخف عليها بكثير تلك المغتربة الوحيدة وقد بات لها رفيق وأنيس ........ وقد باءت دعوات الأم ودعوات كل الأحبة بهذا الخير العظيم ........

عبد الرحيم.........  الرحيم الذي  رحم هاجر من لسع سنوات غربة كانت ستطول ووحده الله يعلم إلامَ كانت ستؤول ..............
والحمد لله رب العالمين .......................



« آخر تحرير: 2010-10-17, 19:12:20 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: ركام الأيــــام
« رد #14 في: 2010-10-17, 18:04:43 »

الله يا أسماء ما أجملها من تتمة

الحمد لله يا جواد لم يحدث ما تخشاه  :emoti_282: لم تترك دراستها وهي المتفوقة إنما رزقها الله بالزوج الصالح رفيقا وأنيسا

سبحانه المنعم الرحيم يا أسماء

أتعلمين يا فراشة وكأن القصة من الحواديت الأسطورية وأجمل ما فيها أنها واقع وليست خيال

وعلى رأي يا هادية ممكن أقول

بلا سندريللا بلا بطيخ  :emoti_282:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

جواد

  • زائر
رد: ركام الأيــــام
« رد #15 في: 2010-10-17, 20:14:42 »
جزاكم الله خيرا على القصة،

لكن كعادة من في بلدي، لا يرى الا قاتما ، فسامحوني!

فالحقيقة أني أرفض تماما أن تكون تكون هذه الصورة قدوة للفتاة المسلمة،

فما أجمل بريق الغرب والدراسة الأجنبية خاصة اذا كانت لفتاة تسمع منذ صغرها أن مجتمعها الشرقي هاضم لحقها وأن لها أن تنافس الرجل في المجتمع لتثبت له جدارتها،

ولما بدأ الخطاب الديني في أخذ شكله الجديد، صرنا نسمع نفس الكلام لكن بإضافة بسيطة، وهي أن تحافظ على حجابها ودينها وأخلاقها،

وهكذا تكره غالبية الفتيات فكرة التربية، فكيف تحبس نفسها ولماذا تضحى بعلمها وتفوقها العلمي، أمن أجل تربية الأبناء؟

اننا هكذا نقلب القاعدة شذوذا، ونصيغ طريقا وعرا ندر من يستطيع النجاح فيه،

ثم أليس في القصة جرأة كبيرة على سفر المرأة وحدها الى بلاد الغرب دون محرم أو حافظ؟

إذا كنا نصرخ لترك أبنائنا هناك ، فما بالنا ببناتنا؟

معذرة، فالأمر حقا من أصعب ما يكون...

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #16 في: 2010-10-18, 06:58:38 »
سيفتاب وأخي جواد جزاكما الله خيرا على حسن متابعتكما ....

تلك يا أخ جواد قصة واقعية، كل أحداثها وقعت.... وأحببت سردها لتبقى عبرة لمن يعتبر ....

هاجر قريبتي القريبة فما أنا إلا تلك الخالة شقيقة الأم .... وأعرف التفاصيل عن قرب.... نعم يا أخ جواد مهما كانت المبررات قوية....فهاجر نعمت بتنشئة دينية ولله الحمد، وكانت على خلق وتميزت دراسيا منذ صغرها، حتى نجحت ضمن العشرة الأوائل على مستوى الوطن في شهادة البكالوريا .... وعرفت بذكاء وقاد وعزيمة وإرادة غير عاديّين، وتلك كانت دوافع والدَيها اللذين لم يكونا يوما يتخيلان قبولهما لهجرتها ولدراستها بعيدا رغم مؤشرات ذلك فيها.....

وقررا بعد تشبثها بأن تدرس على مستوى عال من فرط هبوط مستويات جامعاتنا العربية -وهذه حقيقة لمستها أكثر بعدما درست- أن يستسلما لرغبتها الجامحة....

ثرنا ضد قرارهما ولم نرضه أبدا .... وكلما التقينا بشقيقتي حملناها كل الذنب، وأن تساهلهما هذا إنما هو تساهل في أمر من أوامر الله تعالى وهو سبحانه العليم القدير الذي يحفظ للمرأة كل خصائصها ويعلم كينونتها التي لا تحتمل كل هذا، خاصة إن كانت من بيئة محافظة لا يخدعها بهرج المدنية الغربية
كشف الله سبحانه نتيجة هذا التساهل من هاجر نفسها ومما عانت ولاقت، وندما أشد الندم ..... وما قصتها إلا عبرة ودرس لكل من تظن أن الأمر فيه من السهولة ..... فالله سبحانه لو لم يتغمدها برحمته هذه وبستر من عنده يعلم وحده القضاء الذي قد يكون رُدّ بدعاء الحزنى على رحيلها والمهتمين لهمها، ودعاء والديها النادمين، وبتشبثها هي بأساسيات تربيتها  .....

تغمدها الله برحمته بهذا الشاب الذي أصبح حليلها المرافق، وإلا فلا اعتبار لكل الدوافع ..... وربما كانت هاجر لتصبح بين خَيارين أحلاهما علقم إما أن تواصل ويعلم الله ما كان سيلحقها، أو أن تقطع دراستها رغم تقدمها ورغم تميزها وكل تعبها فيها ........وفعلا قبل أن يستجد ما يستجد أصبحت تسرّ لأمها أنها لم تعد تقدر على العودة ....

هو الله الرحيم الذي رحمها.... ولكن القاعدة أخي جواد هي القاعدة ومن يشذ عنها يعلم العاقبة بأم عينه، فإما معترف متراجع لتدين فيه، وإما متعام متجاهل يظن من نفسه قوة ..... هذه القصة أراها موعظة وعبرة .... وقريبا أعادت بداياتها نفسها مع فتاة متميزة جدا كانت ضمن الأوائل هي الأخرى وكانت تفكر مليا بمواصلة دراستها بالخارج فما كان مني إلا أن أعدت عليها تجربة هاجر بكل معاناتها لتعلم حقيقة ما تراه مخيلتها ورديا .....فرغم كل الضمانات والأمن المضمون بالمبيت الجامعي إلا أن حالة المجتمع هي التي تطغى وهي التي تطفو وظواهر الانفلات لا مناص من التعثر فيها في كل مكان وإن كانت هاجر لا تكاد تعرف من البلد إلا جامعتها ومبيتها وبعض الأماكن التي تقضي منها حاجة ملحة لها .

لا كمال إلا في ديننا ....ولا حكمة ولا بصيرة إلا باتباع كل أوامره ....والحمد لله على الإسلام نعمة

« آخر تحرير: 2010-10-18, 07:08:33 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل elnawawi

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 5374
  • الجنس: ذكر
  • يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
رد: ركام الأيــــام
« رد #17 في: 2010-10-21, 05:24:19 »
يا سبحان الله .. كل هذه المعاناة وهي فتاة .. إذا كيف يفعل الشباب هناك إذن ؟
إذا كان الشباب في بلادهم المسلمة لا يسلمون من الفتنة ويتقلبون ليلا في معاناة طويلة .. فماذا يفعلون في الغرب إذا ذهبوا ؟

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #18 في: 2010-11-10, 15:10:47 »
أهلا بك يا نووي ومعذرة على تأخر الرد مني
فعلا المعاناة أكبر من أن تصور، ولكن رحمة الله قريب  emo (30):


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: ركام الأيــــام
« رد #19 في: 2010-11-10, 15:38:04 »

أحيانا كثيرة نشتاق للأمس  حينما نلتفت حولنا فلا نجد إلا الماضي بحلته الوردية التي كانت حقيقة  ، أما الحاضر فحلته مرقعة خلِقة، والمستقبل لا يعلمه إلا الله ...

ولكن  ..............
لنبحث في أنفسنا،أنا وأنت وفلان وعلان من كل من مايزال هذا الشعور الحي يزورهم، لنبحث في أنفسنا أولا، سنجد فيها من الضعف ما يخوّل لنا الصبر على هذا الحال وتخفيف التأفف منه ، سنجد أننا أيضا ضعفاء من نواح ومَن حولنا ضعفاء من نواح، فحقيق علينا أن نعمل ونجدّ ولا نيأس ونحن نعلم أننا كالمرضى الذين هم  أكثر صحة من غيرهم فهم يأخذون بأيديهم إلى حاجة يقضونها أو إلى سرير تفكير يتمددون عليه لعل حساباتهم تعاد في هدأة من الهدوء والراحة واختلاء النفس بالنفس، إلى نافذة صغيرة تفتح يطلون منها على خضار أو ماء جار أو سماء صافية  ويتنسمون منها هواء عليلا ينعشهم وينعشنا سواء بسواء .....

عندما نكتشف ضعف أنفسنا نستطيع أن نتحمل المرضى من حولنا...
عندما نتذكر بين الحين والحين ضعف أنفسنا والنقص الذي يعترينا وما ينفك يعترينا  سنمدّ اليد ولن نطبقها دون أياد أخرى ربما تحتاج ليدك ويدي ويده ويدها.... أما إذا رأينا بعين السليم الذي ليس به أي علة فعندها سنسأم ونمل ونتعب من مراعاة السُّقم من حولنا، وسنعود إلى ماض قلّ فيه السّقم أو ندروا  وكثر فيه الأصحاء لنحلم بأنفسنا بينهم .....
وسنتعب .... وكم عدت  إلى تلك الصفحات الماضية، وكم تعبت وكم قلت في نفسي : "إلى أين ؟؟!!"   إلى أين برزء هذا الحال ؟؟ ولكن بين الحين والحين تأتيني صفعة توقظني من حلمي، وتبلغني صيحة قوية من أعماق أعماق نفسي الأمارة حينما تنقلب لوامة تهزني هزا عنيفا فلا أرى الحال من حولي إلا ساحة عمل وجب ألا أمل منها ولا أضجر وألا أتأفف منها وأبكي  وكأنني الطبيبة الوحيدة في بيمارستان مرضى لا أمل لهم في الحياة ....

سبحان الله في ضعف أنفسنا قوة، في التأمل  في ضعف أنفسنا ونحن نسعى قوة تدفعنا لنكمل ولنتحمل ولنجد الأعذار فنصبر ونعمل ونحن على الله متوكلون .....نعمل ونسعى ونحن على يقين أننا نبحث عما يداوينا في خضم سعينا لمداواتهم......

هي الرحمة في معانيها الواسعة سعة فعلها بالنفوس، هي التي تحمّل بها محمد صلى الله عليه وسلم ذاك الذي شقّ صفوف الملتفين حوله يستزيدون من نوره في المسجد، وبجرأة لا نظير لها يطلب منه أن يحل له الزنا، فناداه وقربه وحاوره ومسح على قلبه حتى خرج وهو أبغض شيء إلأى نفسه الزنا،  هي رحمته التي هدّأ بها من روع أصحابه وهم يتنادَون بضرب من بال بالمسجد فينهاهم عن أن يقطعوا عليه بولته، ويأمرهم أن يهرقوا على بوله ماء، ثم يناديه فيبين له أنما المساجد جعلت للصلاة ولذكر الله ولم تجعل لمثل ذلك ...
هي رحمته التي جعلته يشيح بوجهه عن الغامدية وهي تعترف بين يديه وتسأله أن تتطهر من خَبث الفاحشة ، فيسألها بدوره  أن تذهب وتعود بعد أن تضع حملها، فتعود..... فيشيح بوجهه راحما سائلها أن تعود بعد فطام الولد، فتعود.... فلا يملك إلا أن يرحم هذه التائبة بإقامة الحد عليها، ويصلي عليها صلاة المعلم المربي على المؤمن الطاهر ويصلي خلفه أهل المدينة وهو يخبرهم عن صدق توبتها وعن فوزها......

هي رحمته....وهو الرحمة متجسدة فِعالا، هو الرحمة التي بعثت للعالمين .......... لئن كان هذا فعله وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يتحمل ويصبر ويرحم....فحقيق علينا أنا وأنت وهو وهي  والذنوب تأسرنا أن نتحمل  و نصبر ونداوي ولا نيأس ولا نمل ففي مداواتهم مداواة لأنفسنا .......
« آخر تحرير: 2010-11-10, 16:27:42 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب