10بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهالخطوة الثانية: اعرف ربك (5)
لو استرسلنا في هذه الفكرة فلن يكون لحديثنا نهاية أبدا
فنعم الله تعالى وأفضاله سبحانه علينا لا تعد ولا تحصى
نسأله جل وعلا أن يجعلنا من عباده الذاكرين الشاكرين المخبتين المنيبين، ويقبلنا خداما لهذا الدين، و,يلحقنا بعباده المقربين الصالحين.
ولكن تلخيصا لهذه الفكرة فإننا نقول:
من أراد ان يتعرف إلى ربه ويجدد إيمانه في قلبه فعليه:
1- بالتفكر في خلق السموات والأرض، وآيات الله في الطبيعة من حوله
2- بالدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء... ادع الله وأنت موقن بالإجابة.. وادع الله حتى من أجل الملح في طعامك
3- مناجاة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، والتفكر فيها، وتمجيده بها.
4- بالاستماع لكلام الله تعالى وخطابه لنا، من خلال قراءة القرآن والتدبر في آياته.
5- بصحبة أهل الله..
صحبة أهل الله؟؟؟
نعم!!! ........ صحبة أهل الله، الذين إذا رؤوا ذُكِر الله
هؤلاء الذين أخلصوا حياتهم كلها لله، حتى صارت كل ذرة من كيانهم تهتف باسم الله، وحتى صاروا يفيضون على من حولهم نورا وهداية ومحبة
كان أحد الصحابة يقول: (لساعة مع عُمر أحب إلي من عبادة سنة)
والرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا ان أهل الله لا بد ان ينتفع بهم جليسهم...
(إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر . فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم . وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم . حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا . فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء . قال فيسألهم الله عز وجل ، وهو أعلم بهم : من أين جئتم ؟ فيقولون : جئنا من عند عباد لك في الأرض ، يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك . قال : وماذا يسألوني ؟ قالوا : يسألونك جنتك . قال : وهل رأوا جنتي ؟ قالوا : لا . أي رب ! قال : فكيف لو رأوا جنتي ؟ قالوا : ويستجيرونك . قال : ومم يستجيرونني ؟ قالوا : من نارك . يا رب ! قال : وهل رأوا ناري ؟ قالوا : لا . قال : فكيف لو رأوا ناري ؟ قالوا : ويستغفرونك . قال فيقول : قد غفرت لهم . فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا . قال فيقولون : رب ! فيهم فلان . عبد خطاء . إنما مر فجلس معهم . قال فيقول : وله غفرت . هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) (رواه مسلم)
لهذا لم ينزل الله تبارك وتعالى شرائعه ألواحا مرقومة أو صحفا مكتوبة، وأمر الخلق باتباعها، بل اصطفى من خلقه رسلا، أكمل الناس خَلقا وخُلقا، وأكثرهم صبرا ورحمة وعطفا ونُبلاً، جعلهم قدوة للعباد، ومصابيح هداية تشع الانوار الربانية على القلوب الغافلة اللاهية، فتشرق بها أنوار الإيمان، وتتبدد ظلمات الجهل، ويفيض في الارواح الحب واليقين
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} (الأحزاب 45-46)
وأمر المؤمنين بالتزام خطاهم، والتأسي بهم، واتباعهم
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران 31)
ولهذا اتبع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل جوارحهم، بعدما أحبوه بكل قلوبهم، حتى صار أحدهم لا يطيق عنه فراقا ولا حتى في جنة الخلد
فجنة الخلد بلا الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم لا تسعده ولا ترضيه
(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي [ وإنك لأحب إلي من أهلي ومالي ] وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} ) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة
(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى قيام الساعة فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فلما قضى صلاته قال أين السائل عن قيام الساعة فقال الرجل أنا يا رسول الله قال ما أعددت لها قال يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب ، وأنت مع من أحببت فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا ) (رواه الترمذي في سننه وقال صحيح)
وحتى صار أحدهم يبكي صبابة وشوقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي يبكي صبابة ليس رجلا ضعيفا او فتى يافعا ... إنه قائد محنك، فاتح عظيم، أمين هذه الامة، أبو عبيدة الجراح..
(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه وكتب له كتابا....) (قال الهيثمي: رجاله ثقات، وقال ابن حجر العسقلاني اسناده حسن)
صبابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فداه نفسي وأبي وأمي وأبنائي
ومن يستحق أن يشفّنا بوجده، وتذوب قلوبنا له حبا، إن لم يكن أشرف الخلق وأنبلهم وأكملهم وأرحمهم وأرقهم وأرأفهم وأعظمهم... صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله...
من يلمني في غرامي............ طالما عاشق جمالك
كن شفيعي يا تهامي ............ جُد تعطف بنوالك
تعلموا الحب يا من تزعمون الحب.. يا من ضللتم طريقكم في الحب...
تعلموا الحب منا
يا فؤادي زد غرامي ........... في هوى خير الانام
يلهب العذل هيامي............ آه من نار الغرام
زاد وجدي واشتياقي............ لحبيبي واحتراقي
فمتى في الحيّ يوما............ عينيَ السمرا تلاقي
روضة فيها نعيمي ........... وسروري ورواقي
ومن ثم فاض نور النبوة على الصحابة الكرام، فأصبحوا هم نجوم الهداية لمن جاء من بعدهم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) (صححه ابن تيمية)
وقال: (النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون.) (أخرجه مسلم)
قال ابن حزم: إنما حكموا بأن مجالسة ساعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مشاهدة لحظة، أو سماع كلمة فما فوقها منه عليه الصلاة والسلام تكسب صاحبها اسم (الصحابي) لشرف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن لرؤية نور النبوة قوة سريان في قلب المؤمن، فتظهر آثارها على جوارح الرائي في الطاعة والاستقامة مدى الحياة ببركته صلى الله عليه وسلم.هذا النبي فلا شمس ولا قمر ................. ولا ملاك ولا جن ولا بشرُ
أستغفر الله فالأكوان قاطبة ................... تسير من خلفه خجلى وتعتذرُ
ثم ما زال هذا النور يسري عبر القلوب الطاهرة، يرثه التابعون عن الصحابة، وتابعو التابعين عن التابعين، وكل تلميذ عن شيخه... فلا قطعنا الله عن هذه السلسلة المباركة ولا حرمنا الاتصال بها...
وللحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حظ وافر في رحلتنا هذه إن شاء الله، فبغير نوره صلى الله عليه وسلم لا نقتدي، وبغير هديه لا نهتدي، وبغير الصلاة عليه لا تقبل لنا صلاة، ولا يرفع لنا دعاء
ورضي الله عن شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: وأجملُ منك لم ترَ قطُّ عينٌ......... وأكملُ منك لم تلدِ النساءُ
خُلقت مبرّءاً من كل عيبٍ........... كأنك قد خُلقت كما تشاءُ
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم
وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم
في العالمين إنك حميد مجيد