المحرر موضوع: قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون  (زيارة 21236 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

أحمد

  • زائر
بسم الله الرحمن الرحيم

تكررت تلك الكلمات في الكتاب الكريم في مطلع سورتين

يوسف: إنا أنزلناه
والزخرف: إنا جعلناه


فحركوا يا قوم عقولكم في عربية القرآن

واشحذوا قرائحكم

وأعملوا سجاياكم

واستذكروا النحو والصرف والبلاغة ونكات العلماء وإشاراتهم

وائتوا بما ظهر لكم


من يأتينا بخبر هذه الآية:
"أفرأيت من اتخذ إلهه هواه"
على أن لها تكلملتين:
وأضله الله على علم..
أفأنت تكون عليه وكيلا


غير متصل (أمة الرحمن)

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 400
  • الجنس: أنثى
  • *عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا
أريد أن أتعلم...
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ..

أحمد

  • زائر
بسم الله

الله المستعان

تسوق الآيتان الكريمتان الذم الشديد لهذا الذي "اتخذ إلهه هواه" فتارة تصفه بأن الله تعالى أضله "على علم" وتارة تخلي مسؤولية النبي صلى الله عليه وسلم عنه "أفأنت تكون عليه وكيلا"

مع أننا إذا تأملنا العبارة "اتخذ إلهه هواه" لما وجدنا فيها ما يستوجب إلا المدح والثناء!
ولنبدأ بالإعراب:
اتخذ: فعل ماض.. والفاعل مستتر تقديره هو
إلهه: مفعول به أول، والهاء مضاف إليه عائد على الفاعل
هواه: مفعول به ثان، والهاء مضاف إليه عائد على الفاعل كذلك

والفعل "اتخذ" من أفعال الصيرورة، التي يتحد مفعولاها ذاتا ويختلفان صفة، مثال قولك: اتخذت الطين إبريقا. فهما ذات واحدة ولكن صفتهما مختلفة.

هذا مع أن المفعول الأول هو الصائر، والمفعول الثاني هو المصير إليه، فالمفعول الأول في المثال هو الطين وهو الصائر إبريقا، والمفعول الثاني هو الإبريق وهو المصير إليه.

.. عد إذن إلى قوله تعالى: "اتخذ إلهه هواه" فالصائر "إلهه" والمصير إليه "هواه" مما يعني أن هذا الشخص قد صير إلهه الذي يعبده هوى له يتعلق به فؤاده ويهفو إليه.

فلماذا يُذم إذن؟!!

في الحقيقة الآية لا تعني هذا أبدا، وإلا فهذا الذي اتخذ إلهه هواه حقيقةً محمود، يشهد له حديث "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" الذي رواه الخطيب وغيره

وحسنه النووي وغيره من المحدثين

فكامل الإيمان الذي يتكلم عنه الحديث هواه تبع لأحكام الدين، فكأنه أحب هذه الأحكام وتعلق بها حتى صار لا يهوى غيرها.. !

فماذا تقصد الآية إذن؟

الخلاصة أن الآية تقصد ذم من اتخذ هواه إلهه،.. أي أنه - بناء على ما سبق - قد اتبع هواه في كل شيء حتى صار كأنه إلهه الذي يعبده.. فهذا حقا من يستحق الذم

كل الذم.

طيب.. كيف يتأدى هذا المعنى من اللفظ القرآني؟

هناك توجيهات لا تخلو جميعا من طرافة:

توجيهان نحويان وآخر بلاغي

أما التوجيه النحوي الأول:

الآية مبنية على القلب. والقلب معروف في اللغة على ندرة وقلة استعمال.. مثل قولهم: خرق الثوبُ المسمارَ وكسر الزجاجُ الحجرَ، فمتى ظهر المعنى وأُمن اللبس صح حمل الكلام

على القلب مع أنه لا يقاس عليه.
فتكون الآية مبنية كذلك على قلب مواضع المفعولين كقلب مواضع الفاعل والمفعول في المثالين السابقين.

لكن هذا التوجيه ضعيف؛ لأنه على طريقة نادرة في لغة العرب ولا نكتة بلاغية فيه.

أما التوجيه النحوي الآخر:
الآية مبنية على التقديم والتأخير، فأخر المفعول الأول وقدم المفعول الثاني، لإفادة الحصر، فمعلوم أن تقديم المفعول يفيد الحصر، وهو جائز متى ظهر المعنى وأُمن اللبس وذلك مشهور

في لغة العرب ويقاس عليه، وفائدة التقديم والتأخير هنا إفادة الحصر، كأنه لم يتخذ لنفسه إلها سوى هواه.

أما التوجيه البلاغي:
فعلى التشبيه المقلوب:
وهو هنا استعارة لفظ المفعول الثاني للمفعول الأول، واستعارة لفظ المفعول الأول للمفعول الثاني
فكأن أصل العبارة: اتخذ هواه إلهه..
ثم استعار لفظ إله للهوى بجامع شدة الاتباع، فصارت اتخذ إلهه إلهه
ثم استعار لفظ الهوى للإله بجامع المحبة والتعلق، فصارت اتخذ إلهه هواه.

فاستعار لفظ كل مفعول للآخر .. فسمي تشبيها مقلوبا.

والقرينة هنا استحالة المعنى الظاهر كما بينا واستقامة المعنى على نحو ما توجه.

والله أعلم

« آخر تحرير: 2010-01-01, 08:22:56 بواسطة أحمد »

غير متصل elnawawi

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 5374
  • الجنس: ذكر
  • يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
بارك الله فيك يا أحمد .. استطعت ان أفهم الشرح كاملا ..
ولي سؤال بسيط .. هل لهذا التقديم والتأخير علاقة بالمجاز العقلي ؟ كما في قول الشاعر " كم تشتكي وتقول أنك مُعدِم " والمقصود "مُعدَم" ؟

أحمد

  • زائر
جبر الله بخاطرك دوما أخي الحبيب

المجاز (عموما) هو استعمال الشيء في غير ما وضع له

فإن كان في اللفظ فهو إما استعارة أو مرسل .. مثل: رأيت أسدا على المنبر، استعار أسد للرجل الشجاع، ومثل: أعتق رقبة، استعمل الرقبة في معنى الإنسان كله لا في الرقبة فقط. .. وتلاحظ أنه إن الاستعارة ما كانت العلاقة فيه بين اللفظ المحذوف (المشبه) واللفظ المستعار (المشبه به) هي المشابهة .. أما في المجار المرسل فالعلاقات كثيرة .. مثل الجزئية في مثال الرقبة، أو الملامسة في بيت عنترة: فشككت بالرمح الأصم (ثيابه)..!

وإن كان في الإسناد فهو مجاز عقلي.. مثل: أنبت الماء النبات، أسند الإنبات للماء مع أنه في الحقيقة لله، لكن الماء سبب فيه فيكون مجاز عقلي علاقته السببية.

فقول الشاعر: كم تشتكي وتقول أنك معدِم ... مجاز عقلي فعلا لأنه أسند الإعدام له، وليس ثابتا له في الحقيقة.

أما في الآية فليس في التوجيهين النحويين مجاز، فالتوجيه الأول مبني على قلب مواضع المفعولين، والثاني مبني على مجرد التقديم والتأخير مع بقاء كل مفعول بحركته الأصلية لإفادة الحصر، مثل: محمداً ضربت، وزيداً أكرمت .. فهذا يفيد أني لم أضرب سوى محمد ولم أكرم سوى زيد .. فكذلك الآية على نحو ما سبق.

أما في التوجيه البلاغي فهو مبني على الاستعارة لأنه استعار لفظ الإله للهوى والهوى للإله .. والعلاقة المشابهة.

والله أعلم

غير متصل (أمة الرحمن)

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 400
  • الجنس: أنثى
  • *عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا
السلام عليكم ورحمة الله

فتح الله عليك أخي ..ورزقك الله العلم وخيره...

عندما ذكرتم في أول شرحكم الأول بأن تأملنا في الأية يستوجب المدح والثناء

إستغربتُ إذ أنني لم أجد أي مدح أو ثناء في الآية

لكن مع تتمت شرحكم الدقيق ..تبيّن لي ما ذكرتموه أول شرحكم..بارك الله بكم

هذا الموضوع أحسّه قيّماً

أتمنى أن لا تبخل علينا مما فتح الله عليكم
جزاكم الله خيراً
« آخر تحرير: 2010-01-01, 20:57:21 بواسطة (أمة الرحمن) »
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ..

أحمد

  • زائر
بسم الله

جبر الله بخاطرك أختنا الكريمة

وفتح الله علينا جميعا بكل خير هو أهله

 emo (30):

أحمد

  • زائر
بسم الله

في سورة الشورى آية يعدها علماء العقائد قانونا كليا لباب من أبواب علم الكلام (العقيدة) ويستدلون بها على معنى، لو تأملنا الآية على ظاهرها لوجدناها تنافي هذا المعنى تماما!!

الباب هو "صفات الله تعالى" والقانون الأهم فيه "كل ما جرى ببالك فالله بخلاف ذلك" وأصل هذا القانون "مخالفة الله تعالى لجميع الحوادث في كل شيء!" والدليل على هذا قوله تعالى:

"ليس كـمـثله شيء"

فما الذي يؤديه ظاهر الآية من معنى، وكيف تؤدي ألفاظُها المعنى الذي اتفق عليه علماء المسلمين جميعا؟!


الكلام كبير
والبحث ليس سهلا

فهل من متابع؟

:emoti_64:

غير متصل (أمة الرحمن)

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 400
  • الجنس: أنثى
  • *عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا
متابعون وبإهتمام..

 emo (30):
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ..

أحمد

  • زائر
بسم الله

الله المستعان


نتأمل ظاهر الآية أولا ثم نرى كيف أدت معناها الآخر من خلال هذا الظاهر


الآية الكريمة تقول:

ليس كـمثلـه شيء"

وبالإعراب:

ليس فعل ناسخ
كمثله: الكاف حرف جر، ومثل مجرور، والهاء مضاف إليه والجار والمجرور خبر ليس متعلق بمحذوف وجوبا
شيء: اسم ليس

وبالتأمل في المفردات:
الكاف أداة تشبيه .. تقول: فلان كفلان أي يشبهه

مثل أداة تشبيه أخرى .. تقول: فلان مثل فلان أي يشبهه

من المعنى الإعراب وفهم المفردات نجد أن:

الآية تنفي أن يكون هناك شبيه لشبيه الله تعالى.

أعد التأمل .. بعد فهم المفردات والإعراب تجد كأن الآية تقول:

ليس يشبهُ شبيهه شيء!

مهلا!

ظاهر الآية إذن .. يثبت شبيها لله تعالى، ثم ينفي أن يشبه هذا الشبيه أحد.

فكأن الآية التي يستدل العلماء بها على أحديته المطلقة يثبت ظاهرها شريكا له تعالى عن ذلك علوا قديرا

فكيف يتأدى المعنى الذي استدل به العلماء من هذا الظاهر (المخيف!) ؟

فاصل، ونواصل

 emo (30):

غير متصل إيمان أحمد

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 97
  • الجنس: أنثى
  • ربي أشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقده من لساني

 :emoti_133:


جزاك الله خيرا أخي الفاضل علي هذا الموضوع القيم


ونتمني المزيد  :emoti_282:


فاصل، ونواصل

 emo (30):


متابعون إن شاء الله وجزاك الله عنا خيرا emo (30):


جواد

  • زائر
تسجل متابعة
جزاكم الله خيراً

غير متصل elnawawi

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 5374
  • الجنس: ذكر
  • يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك

فكيف يتأدى المعنى الذي استدل به العلماء من هذا الظاهر (المخيف!) ؟

 emo (30):

كيف ؟!

أحمد

  • زائر
عذرا أن تأخرت عليكم

لكنه السفر

وإعادة ترتيب الأحوال بين البلدين ليس يسيرا

 emo (30):

...

هناك مسالك عدة للعلماء في تفسير زيادة إحدى أداتي التشبيه في الآية

لكننا سنقتصر معا على بعضها مما نرى فيه دقة في النظر وبراعة في فهم القرآن على لسان العرب


المسلك الأول

الكاف ومثل أداتا تشبيه.. والتشبيه يفيد المشابهة

والمشابهة تأتي بمعان منها: المماثلة، والمقاربة، والمشاكلة


فأنت تقول: هذا كهذا .. أو هذا يشبه هذا.. أي يماثله

وتقول: القمح كالذرة .. أو القمح يشبه الذرة .. أي يقاربها

وتقول: شُبِّه علي كذا .. أي أُشكل


فإذا حملت  الكاف على المقاربة


بقي معنى الآية

ليس يقارب   أن يشبهه شيء

فكأن الآية لا تنفي فقط أن يكون هناك "مِثلاً" لله .. أي نظيرا له ومثيلا

وإنما تنفي حتى مجرد أن يقاربه سبحانه شيء في ذاته أو صفاته


غير متصل (أمة الرحمن)

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 400
  • الجنس: أنثى
  • *عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا
سبحان الله
 رغم ظاهر الآية إلا أنها آية خطيرة في وحدانية الله
وتنزيهه عن أي تشبيه ...

لاإله إلا الله..

بارك الله بك
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ..

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
موضوع مفيد وممتع

بارك الله بك

وبانتظار المزيد منك

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
موضوع مفيد وممتع

بارك الله بك

وبانتظار المزيد منك




 em10::
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

أحمد

  • زائر
لا تطمعوا في مزيد قبل ٢٠ يوما تقريبا

دعواتكم

أحمد

  • زائر
emo (30):


مر قريب من أربعة أشهر على هذا الموضوع لا عشرون يوما فقط!!


لا إله إلا الله

أحمد

  • زائر
المسلك الثاني

نعتبر الكاف ومثل أداتي تشبيه يفيدان معنى المماثلة على ظاهرها

ويحمل الكلام على نفي مثيل المثل فعلا

لكنه لا يعتبر هذا إثباتا للمثل

إنما يعتبر تعليلا لنفي المثلية عنه سبحانه بطريق نفيها عن مثيله المفترض


فالآية لم تكتف بنفي المثلية عن الله تعالى

بل نفتها وذكرت معها دليل النفي

وذلك مثل قولهم: مثلك لا يكذب

أي أنت لا تكذب لأن الذي يماثلك لا يكذب ..

والمراد بالذي يماثلك الذي تكون فيه صفاتك لا أن هناك مماثلا لك بالفعل