الرافعي سليل أسرة شامية (لبنانية) تضرب في أعماق الماضي حتى كان من أجدادها "الرافعي" الفقيه الشافعي المحقق صاحب المؤلفات المهمة في المذهب، وقد انتقلت أسرة الرافعي الأديب إلى مصر في القرن التاسع عشر وتزايد وفدهم من لبنان إلى مصر مع نبوغهم في علوم الشريعة (وكانوا آنذاك على المذهب الحنفي) فتولوا القضاء بمصر حتى بلغ قضاة الرافعية بمصر أربعين قاضيا انتبه لعددهم البريطانيون إبان احتلالهم البلاد فأبعدوهم وضيقوا عليهم..!
هذه عائلة الرافعي قديما وهذه أسرته حديثا، ولم يتم دراسته بعد الشهادة الابتدائية إذ أصيب بمرض أثر على سمعه حتى أصابه بالصمم التام في الثلاثين من عمره تقريبا، عاش الرافعي منذ تخرجه من المدرسة في مكتبة أبيه منكبا على دراسة العربية، ولما تصدر طه حسين لتدريس تاريخ الأدب العربي بالجامعة المصرية شنع به الرافعي وسخر منه وممن صدره، واتهمه بأنه ذنب للمستشرقين أساتذته في العربية بباريس!
فأعلنت الجامعة عن مسابقة جائزتها مئة جنيه وتدريس الكتاب بالجامعة لمن يؤلف كتابا في تاريخ الأدب العربي والمهلة ستة أشهر فعاد الرافعي ليتهكم من جديد قائلا إنهم لن يسمحوا للمؤلف أن يشرح كتابه وإنما سيعطونه لأستاذ معتمد لديهم بالسوربون أيضا .. مما يعني أنه إن فهم الكتاب فلن يعدو أن يكون تلميذا كبيرا عليه أمام تلامذته الصغار
فعادت الجامعة لتغيير شروط المسابقة إلى مئتي جنيه ومهلة سنتان .. فتساءل الرافعي عمن له المكانة العلمية التي تنصبه حكما على المسابقة؟ وتساءل هل هم أيضا أساتذة السوربون؟!!
ومع تهكم الرافعي المستمر إلا أنه قرر تأليف الكتاب مع عدم عرضه على المسابقة!!
ودخل السباق جورجي زيدان .. لبناني آخر .. لكنه نصراني!
ولا أدري هل كان حنا فاخوري منافسا آخر أ م أنه متأخر عنهما .. لكنه لبناني نصراني آخر
المهم .. وضع الرافعي كتابه "تاريخ آداب العرب" الذي لم يتمه على نسقه الذي قال حتى توفاه الله ... فقد شرع في ترتيب أبوابه على الموضوعات لا على التاريخ .. ثم يتكلم عن كل موضوع تاريخيا وبذلك يتحقق كما قال تاريخ آداب العرب .. لاالأدب في تاريخ العرب
وعلى كل فالكتاب وإن لم يتم على وجهه الذي أراد إلا أنه خير كبير وبذرة نمت ساقها وقوي جذرها .. حتى إنها لتحتاج إلى أقل عناية حتى تنتهي إلى المطلوب
وعلى حد تعبير خنا فاخوري: الرافعي أديب متعصب لللإسلام!
كانت له سجالات أدبية ساخنة جدا مع المخالفين .. فأكثر من مهاجمة طه حسين في غير كتاب أشهرها تحت راية القرآن الذي يعده الكثير كتاب الرافعي في الرد على كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين
أثمر الرافعي جيلا من الأدباء الذي يحملون الدين الإسلامي عقيدة آدابهم .. يصورونه ويدافعون عنه، حتى يعد اليوم "أبو الأدب الإسلامي" لكن أبرز من خلفه حقا:
الأستاذ الجليل محمود محمد شاكر (أبو فهر) الذي خاض معركة أدبية عنيفة في مطلع الستينات مع لويس عوض ومن تعصب له أثمرت إغلاق حكومة رجال الثورة "المخلصين" لمجلة الرسالة التي تكلم منها محمود شاكر وبقاء لويس عوض في منصبة بجريدة الأهرام التي كان يديرها آنذاك محمد حسنين هيكل الصحفي المعروف
وقد سجل شاكر هذه المعركة في كتابه أباطيل وأسمار
ويقول الدكتور البوطي .. في امتحان جرى لطلاب اشريعة كان السؤال عن أفضل ما قرأ من نصوص الأدب المعاصر وكانت أكثر إجابات الطلاب هي كتاب من وحي القلم للرافعي .. ويعلق البوطي مبينا فضل الكاتب والكتاب على حركة "أسلمة" الأدب العربي ورسمه في قواعد عقائدية سليمة
ويقول البوطي أيضا في إحدى جلساته الخاصة أنه تأثر أكثر ما تأثر بكتابات الرجلين الرافعي وعلي الطنطاوي .. رحمهما الله جميعا!
يؤلف الأستاذ جمال سلطان كتابا بعنوان أدب الردة .. يحتد فيه جدا على أدباء "النهضة" وشعراء "البعث" الذين يراهم شوهوا الأدب وضيعوا اللغة والدين معا .. ويمثل لهم بنزار قباني ولويس عوض ونازك الملائكة وغيرهم ..
ومع حدة الكتاب غير المقبولة .. يبقى له فضل صيحته الدينية ونقده المبني على دراسة موسعة ورأي ثاقب .. بعد كل هذا ..
يهدي جمال سلطان كتابه إلى .. مصطفى صادق الرافعي
ليبقى الرجل عنوان الأدب الإسلامي المعاصر ورمز الدفاع عنه حتى آخر لحظة!!