الأخت الكريمة تمرة
الفقه هو معرفة النفس ما لها وما عليها. أو هو العلم بالأحكام الشرعية المكتسب من الأدلة.
ويكفي أن نعرف أن اكتساب العلم من الدليل مبني على أمور هي:
تحديد مصادر الدليل (القرآن والسنة والإجماع والقياس و...) وكثير من هذه المصادر ليس محل اتفاق بين العلماء كعمل أهل المدينة والاستحسان وقول الصحابي والاستصحاب
طرق الاستنباط من الدليل.. كظنية وقطعية دلالات الألفاظ وطرق القياس المختلفة وتحديد المقبول منها والمردود وما يقبل وما يرد من أنواع الحديث كالمرسل ورواية مجهول الحال
قواعد التعادل والتعارض والترجيح.. كالتخصيص والتقييد وتعارض العلل وقياس الشبه
وقوع الدليل بالفعل في المسألة وسلامة استنباط الحكم منه بناء على القواعد الفائتة
فالخلاصة أنهم لم يتفقوا تماما على كل مصادر الأحكام وما اتفقوا عليه اختلفوا في طرق الاستفادة منه وما اتفقوا على طرق الاستفادة منه اختلفوا في قواعد الترجيح بينه وما اتفقوا فيه على ذلك اختلفوا في وقوعه بالفعل في عين الحكم الفقهي المتنازع فيه
فالنتيجة أن درس الدليل الفقهي يحتاج إلى بحث عميق جدا في اللغة العربية وعلوم الحديث والقواعد الأصولية وعلم الكلام (العقيدة) وفي العصر الحديث ظهرت أبحاث لمجموعة من العلماء تبرز هذه الفكرة كان منها التالي:
أثر اللغة العربية في اختلاف المجتهدين .. عبد الوهاب عبد السلام طويلة
أثر الحديث النبوي في اختلاف الفقهاء .. محمد عوامة
أثر القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء .. مصطفى الخن
ويكفي النظر في مسألة واحدة في كل كتاب من هذه الكتب لنعرف عمق الدرس الذي لا يستطيعه الطالب المتوسط فضلا عن المبتدئ
وفي النموذج الذي وضعته ماما هادية..
محققو اللغويين على أن الباء تأتي لمعان عدة كالتبعيض والملابسة والإلصاق.
ودعوى الشافعية أنها هنا للتبعيض ودعوى جمهور الفقهاء أنها للإلصاق..
قالت الشافعية إن الشافعي قال إنها للتبعيض وهو إمام حجة في العربية..
قال خصومهم: لم ننكر أنها تجيء للتبعيض لكننا ننازع في مجيئها بهذه الآية لهذا المعنى.. وهذا لا حجر علينا فيه. فقد قال بقولنا محمد بن الحسن الشيباني وهو أستاذ الشافعي ولسانه حجة كذلك في العربية
وقالت الحنفية والحنابلة الإلصاق هنا هو المعنى المجمل بين الكل والبعض.. يحتاج إلى مبين يبين المراد منه تحديدا
وقالت المالكية الإلصاق هنا هو الاستيعاب للكل
وقالت الحنفية ثبت أن أقل ما مسح النبي صلى الله عليه وسلم عليه هو مقدار ناصيته فيكون بيانا منه لأقل ما يجب المسح عليه
وقالت الحنابلة بل مسح على الناصية وأكمل على العمامة .. فيكون المسح على العمامة مجزئا كالمسح على الخفين ويجب استيعاب الرأس بالمسح ولو على العمامة
وقد ساق الإمام النووي في المجموع أدلة كثيرة على مجيء الباء في هذه الآية للتبعيض وساق الإمام القدوري في التجريد أدلة أخرى على أنها للإلصاق بمعنى المجمل بيت الكل والبعض
فالواقع العملي لهذا المثال يكشف عن الآتي:
اختلاف في دلالة حرف، ثم اختلاف في رواية حديث، ثم اختلاف في وضعه بالنسبة لدلالة الآية.. وهكذا
فلو عرفنا أن كتاب مختصر أبي شجاع مثلا فيه ألف مسألة فقهية وأصغر شرح عليه فيه مثلا ثلاثة آلاف مسألة
فأي طالب مبتدئ يطيق أن يدرس ثلاثة آلاف مسألة بكل هذه التفاصيل التي في كل منها؟!!!