في كلّ يوم يمرّ تتعمق المشاعر في قلبي... المشاعر المؤلمة القاتلة... المشاعر التي تجتاحني مع أطياف الليل ومع دقات الصباح....
الكون غريب... والحياة متعبة... متعبة جداً يا أيها الإخوة... أشعر بها تهدّ قلبي كلّ يوم ومع كلّ شعور جديد...
كبرتُ... وكبرت معي ضحكة أبي... وكبرت أمي... وماتت جدتي... ورحل جدي...
تزوجتُ... وصار لي بيت... وصرت مسؤولة عن أفكاره... عن بنيانه... مسؤولة حتى عن وضع كاسات العصير أمام الضيوف........
وصرت أيضاً طبيبة... أخشى أن يتوعك أحد أمامي فأكون مسؤولة عن حياته... أو موته......
وتغرّبتُ... ورأيت دنيا غير دنيانا.......
وعرفت الحبّ فوق هذا كله... وعرفتُ كلّ الذي يتحرك في القلب لرؤية الطيف النورانيّ الذي كان سناه من أوله يأخذ القلب بقبضته فيهزه هزاً.... كيف يتسع له هذا القلب؟... كيف يتحمّل الحبّ؟..... وفي الحبّ وجع... وفي الحبّ تعبٌ من الحبّ... وفي الحبّ دموع....
الناس طيبون... وأنا أحزن.... وأنا أشعر.... وأنا أتألم!....
الحروب والضياع والقتل في كلّ مكان... والفقر والجهل والمسكنة.....
صورة العجوز الذي يحمل سلة دخان يجول بها بين السيارات على إشارة المرور تدمي فؤادي....
والضحكات المقتولة في العيون الطاهرة تكسر روحي كسرات بعد كسرات....
السجون بين الجدران والسجون خارجها.... تقتل فيّ ابتساماتي وأملي...
أخي الذي كلّ تسليته ألعاب الكمبيوتر ومباريات التلفاز... وأختي الصغرى التي لم تكمل عشراً تقضي وقت فراغها الطويل جداً مع نفسها... تزين شعرها وتلفه ضفائر أمام المرآة... ثم تسرحه وتغير الشبرات وألوانها.... ثم تحله كي تبدأ من جديد......
أختي ستتزوج كذلك... وسيصبح لها بيتاً آخر... وستتركنا......
ما هذه الحياة؟... كيف لأبي أن يربينا بحبات عيونه... نحن الستة... ثم يتركنا واحدة تلو الأخرى... تغادر مع قطعة من قلبه... بل مع قلبه كله... وكم قلباً لأبي؟... وكم قلباً لأمي؟....... يا لدموع أمي!.... يا لحسرة قلبها.....
هي سنة الحياة... لكنها صعبة صعبة.... لكنها تهدّ الجبال.... فكيف بالقلوب؟.......
يا ربّ... صعبت علينا الدنيا... وشقّ علينا القدر... وتعبنا...... فجد علينا بكرمك... وأفرغ علينا صبراً... واحشرنا معاً... مطمئنين... راضين... آمنين......