اتخذت مجلسها كالعادة بمواجهة الحائط ..
طلبت منها صديقة أن تتنازل عن موقعها لصديقة أخرى
ابتعدت بضع خطوات وجلست
جاءت جلستها بمواجهة النافذة
همست : يا إلهي ..
عبر النافذة رأت شجيرات تتمايل بثقل بفعل نسمات صيفية رقيقة رفيقة قبيل المغرب
وبيت يبدو خلف الشجيرات
لا شيء غريب في المشهد إلا أن ما رأته كان صورة طبق الأصل لما كانت تراه من نافذة بيتها القديم المهجور
وكأنها كانت هناك ..
غالبت دموعها وكلما همت بصرف بصرها عن النافذة غافلتها عيناها وعادت للشجيرات والبيت
- إلهي .. إليك أشكو ما أنت به أعلم
اشتقت لبيتي.. واشتقت لمن باعدت بيني وبينهم الأيام
هل أعود إلى هناك يوماً
رب ردني إلى هناك
-------------------------
بعد أيام جلست ترتب صوراً قديمة
بعضها ملون وبعضها.. أبيض وأسود ..
ومن جديد تغالبها الدموع ..
هذه الصورة التقطها أخي لما كنا في .............
هنا ذهبنا إلى ...............
هنا ضحكنا ....................
هنا ............ وهنا............ وهنا..................
و.... يا إلهي.. هذا هو ..
أمسكت بالصورة ولم ترفع عيناها عنها للحظات لم تدر مقدارها
كانت الصورة وكأنها نفس المشهد الذي رأته من النافذة منذ أيام
والذي رأته قبل سنوات لمئات المرات
كانت صورة لبيتها من نفس الزاوية .. الشجيرات وبيت الجيران خلفها
لم تنتبه كم مر عليها وهي تتأمل الصورة إلا عندما انحدرت من عينيها دمعات جففتها سريعاً قبل أن يلحظها أحد ..
وضعت الصورة في مكان قريب منها وذهبت لبعض شؤونها..
---------------------------------------
بعد أسبوع ..
- هيا لنلحق بموعدنا .. نسافر الآن إلى هناك ..
ألقت نظرة عابرة على الصورة وحملت حقيبتها ولحقت بهم ..
وذهبت معهم إلى هناك ..
وكالعادة .. يمكنهم جميعاً الذهاب إلى البيت إلا هي ..
يمكنهم جميعاً النظر من النافذة إلا هي ..
يمكنهم جميعاً الجلوس حيث اعتادت الجلوس معهم هناك إلا هي ..
فمكانها أخذه غيرها ..
----------------------------------
ولكن هل يدوم الحال ؟
لا
تتبدل الأحوال بين ليلة وضحاها
يطمئن الظالم ويفرح بتقلبه في البلاد ولكنه لا ينتبه إلى أن للمظلوم دعوة لو أصابت طرف ثوبه لأحرقت قلبه
دخلت البيت
ووقفت خلف النافذة تمر أمامها أطياف الماضي الجميل المفارق
وعلى ذات الكرسي المغتصب منها جلست تحدثهم ويتضاحكون كما كانوا يفعلون في الأيام الخوالي
وعلى الحائط صورة لمن فارقوا المكان بالقدر المحتوم
وأسفل الصورة كانت هي .. جالسة حيث اعتاد الظالم الجلوس بديلا عنها
والمبعد عن البيت هذه المرة كان الغاصب الظالم
----------------------------------
هل كان مشهد النافذة والصورة عاجل البشرى باستجابة الدعوة ؟
ربما ..
وتذكرت آيات سورة يوسف
" كذلك كدنا ليوسف "
" إن ربي لطيف لما يشاء "