المحرر موضوع: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)  (زيارة 51819 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا بك راجية رحمة الله وبكم جميعا إخوتي، يسرني أمرك يا نور السماء أنا في الخدمة emo (30):، نكمل إخوتي اليوم مع عنصر جديد أضع جزءه الأول على أن أكمله مرة أخرى بإذن الله.



دور الوثنــــــــــــــــيّة

يعرض مالك بن نبي إلى شرح الوثنية التي يريدها، بادئا بذكرها كأهم سمة من سمات العصر الجاهلي الذي سمّي لأجلها بهذه التسمية رغم ما عرف عن أهله من ديباجة لغوية فذّة ، فيرى أنّه إن كانت الوثنية جاهلية، فإنّ الجهل أيضا وثنية لأنّه لا يغرس أفكارا بل ينصب أصناما، ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم، وهذا كان حال الشعوب العربية حينما شيّدت معابد للدراويش، وعلى غرارها كان شأن شعب الجزائر والذي ظلّ حتى عام 1925 ورغم إسلامه يدين بالوثنيّة التي أقام نصبها بالزوايا حيث يتمسّح ويتبرّك الناس بالدراويش، ويقتنون منهم الحروز .
وما أن بزغت شمس الفكرة الإصلاحية حتى خرّت أوثان الخرافة والدروشة، وتخلّص الشعب من عبوديّتها بعد أن نصبها صنما معبودا لأكثر من خمسة قرون من الزمان يرقص فيها على دقات البنادير ويبتلع العقارب والمسامير مع الخرافة والأوهام ، وبالروح الإسلامية التي ميّزت الفكرة الإصلاحية بُعِثَ الشعب من رقاده للحياة من جديد ...

ويستطرد الكاتب موضّحا أثر الفكرة الإصلاحية التي انبثّت وعملت عملها في أوساط الشعب النائم لما يزيد عن عشرة أعوام.
فقد بدأ العمل الإصلاحي وفي جوهره تغيير الإنسان، فكانت البدايات بسيطة، وشيّدت المدارس الأولى كمدارس الغرب الأولى في عهد شارلومان تؤسّس للمدنيّة الغربيّة ، ويستشهد مالك بن نبي بفترة من فترات حياته في تلك المرحلة النهضويّة لشعبه،وقد كانوا إذا ما خلصوا إلى ساعات السمر انصبّت أحاديثهم حول التعليم والتربية وتطهير الأخلاق ، واصفا إياها بالأحاديث المطهَّرَة من الرياء والذاتيّة والغايات الانتخابية فيقول :

"فقد أصبحت لكل كلمة من هذه الكلمات ، ولكل سعي أثره وإن قل، إذ يسهم في بناء التقدم والنهضة، تماما كما تسهم القشة الصغيرة في بناء عشّ الطير إبان الربيع"

كما نهض جواد الأدب الجزائري من كبوته ينشد شعرا لليقظة الشعبية، ويتغنّى بربيع الفكرة لا ربيع الصنم...
وأصبح حديث الإصلاح مِلء المرافق الحيويّة، في المساجد والمدارس والمنازل، كما قدّمت الأمة تضحياتها لتشييد المدارس والمساجد من أجل البعث الفكري والبعث الروحيّ جنبا إلى جنب وهما عماد كلّ حضارة تدقّ ساعة انبعاثها، ولم يَحُل فقر الشعب دون تقديمه للتضحيات، بل كان إقدامُه وحماسته وانبعاثه من رقاده واستشرافه لمستقبل واعد مظاهرا لإيمانه بالفكرة الإصلاحية واستعداده لخدمتها .

وقد بلغت تقاليد مدينة تبسة (بلدتي ::)smile: ) في أعراسها وجنائزها من الوقار ما ينمّ عن تغيّر وانبعاث أقام كرامة الفرد بيّنة ظاهرة، يقول في ذلك مالك بن نبي  قولا عميق الدلالة :

"وإنه لَمِن الواضح أنّ الشعب الذي بدأ يعود إلى وقاره، ويستمسك بأسباب كرامته، ويميل إلى التناسب والجمال في مظهره العام، قد أعاد سَيْرَه في موكب التاريخ "

وانتشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أشكال عديدة استبان  في توجّه روّاد الخمّارات إلى المساجد، والتفاف روّاد حلقات الدراويش حول حلقات الدروس بالمساجد، وذلك مع محاربة الخمور وبيعها، ونشر الوعي بخطورة الدروَشَة والخرافة على العقل .

وهكذا كانت حركة الفكرة الإصلاحية في بعث النهضة، إلى أن ضلّت طريقها فيما ظنّت أنها سبيل من سبل تحقيق هدفها ساعةَ أمسكت بتلابيب السراب السياسي بذهابها إلى باريس للمفاوضات مع من ذهبوا متّخذة ساحة التغيير التي ما تزال تحتاج الكثير من العمل ظهريّا.
وهكذا سادت الوثنيّة من جديد في شكل دروشة سياسية تبيع بدل الحروز والتمائم أوراق الانتخابات والحقوق السياسية والأماني السابحة في الخيال....وبهذا لم يتمّ التخلص من الأسلوب الخرافيّ يقول مالك بن نبي :
"ذلك الأسلوب الطفولي الذي نتجت عنه قصة ألف ليلة وليلة ، تلك القصة التي استطبنا مذاقها في عصور انحطاطنا، وكان لها تأثيرها في جونا الخلقي والاجتماعي"

يبقى الجزء الثاني من هذا العنصر أكمله قريبا جدا بإذن الله ، فانتظروني emo (30):





غير متصل أبو بكر

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 705
  • الجنس: ذكر
  • إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم

بارك الله فيكم

بالانتظار   emo (30):
اللهم انصر الأحرار في كل مكان، و أهلك كل فرعون وهامان....اللهم نصراً لليبيا وسائر بلاد المسلمين

غير متصل hasbo

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 288
  • الجنس: ذكر
منتظر المزيد
موضوع رائع بالفعل
بارك الله فيكى
يارب نفسى كبت مماألم فزكها ياكريم انت هاديها
هامت اليك فلما اجهدت تعبا رنت اليك فحنت قبل حاديها
ان لم تجد برشد منك فى سفر فسوف أبقى ضليلا فى الفلا تيها
فان عفوت فظنى فيك يا أملى وان سطوت فقد حلت بجانيها
[/size]



حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا بكم إخوتي، تسعدني متابعتكم emo (30):... نكمل الجزء الثاني من دور الوثنية ...



وهكذا كانت حركة الفكرة الإصلاحية في بعث النهضة، إلى أن ضلّت طريقها فيما ظنّت أنها سبيل من سبل تحقيق هدفها ساعةَ أمسكت بتلابيب السراب السياسي بذهابها إلى باريس للمفاوضات مع من ذهبوا متّخذة ساحة التغيير التي ما تزال تحتاج الكثير من العمل ظهريّا.
وهكذا سادت الوثنيّة من جديد في شكل دروشة سياسية تبيع بدل الحروز والتمائم أوراق الانتخابات والحقوق السياسية والأماني السابحة في الخيال....وبهذا لم يتمّ التخلص من الأسلوب الخرافيّ يقول مالك بن نبي :
"ذلك الأسلوب الطفولي الذي نتجت عنه قصة ألف ليلة وليلة ، تلك القصة التي استطبنا مذاقها في عصور انحطاطنا، وكان لها تأثيرها في جونا الخلقي والاجتماعي"

وقد كانت للحكومة السياسية يدها الخارجية في الزجّ بعلماء الحركة في هذا المستنقع الآسن ، فيتساءل مالك بن نبي:
ألم تكن المعجزة الحقة في تغيير الأمة وتقدمها شيئا أغلى من الوعود السياسية الكاذبة ؟ أليس موطن المعجزة هو الذي دلّ عليه القرآن، أي في النفس ذاتها؟  أليس تغيير ما بأنفس الناس هو أساس كل تحول اجتماعي رشيد؟

ويستنتج من هذا التساؤل أن الحكومة الاستعمارية لم تكن السبب الحقيقي بل ما هي في الواقع إلا آلة اجتماعية يكون حالها من حال المجتمع  الذي تكون فيه، فإن كان حرا نظيفا فما يكون أن تواجهه الحكومة بما ليس فيه، وإن كان مجتمعا غائب الفكر، عديم الرسالة ، ذليلا خاضعا، قابلا للاستعمار كانت حكومته استعمارية، وبالتالي فإنّ ما يُقَرَّر أنّ الاستعمار ليس سببه عبث السياسيين وطمع الطامعين بل سببه الأول خضوع  المجتمع وقابليته للاستعمار.
وهكذا نلاحظ كيف يبحث مالك بن نبي في الجذور بالمواجهة الصريحة القوية للنفس والتي عادة ما تُغفَل ويلقى عليها قالب صمت صلد ...
والقابلية للاستعمار هي السبب الرئيس الذي جعل مالك بن نبي يدور بمنهجيته حول محور تغيير النفس ...
يقول بن نبي :
"وليس ينجو شعب من الاستعمار وأجناده ، إلا إذا نجتْ نفسه من أن تتسع لذلّ مستعمر، وتخلصت من تلك الروح التي تؤهله للاستعمار "

ويرى مالك بن نبي أنه لا يذهب كابوس الاستعمار عن شعب إلا بتحوّل نفسي يقيم كرامة الفرد، وتستبين به وظيفته الاجتماعية، فترتفع عنه القابلية للاستعمار، ومع ارتفاعها عنه يصبح أبيّا عصيا على الإذلال والإخضاع، وبالتالي لن يقبل حكومة استعمارية، وكأنه بتغيّر نفسه قد غيّر وضعية حاكميه إلى الوضع الذي يرتضيه ...
وقوانين الظاهرة السياسية تبيّن مدى قوة العلاقة بين الحكومة والوسط الاجتماعي، الحكومة التي تسيّر وتتأثر بالوسط في الآن ذاته، وفي هذا دلالة على ما بين تغيّر النفس وتغير الوسط الاجتماعي الذي بدوره يؤثر في حاكِمِيه، والسياسة التي تجهل هذه القواعد الأساسية سياسة تقوم على العاطفة في تدبير شؤونها، وعلى الوعود الكاذبة الجوفاء التي لا تنفّذ في بناء سلطانها بغرس الأوهام في العقول، والآية الكريمة شعار الحركة الإصلاحية "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" هي قََوام الإصلاح، ونبذ الخرافة والأوهام، وقَوام الحقيقة ومواجهة الواقع، وقَوام التغيير الحقيقي الذي يبحث في الحل الجذري الأصيل. وهي درع واق ضدّ الخرافة والدجل والشعوذة والدروشة التي تمثل الصنم والوثن بكل أشكاله التي تتجدّد ...

ولكنّ مسايرة الحركة الإصلاحية الإسلامية الجزائرية للسياسيين وسقوطها بدروشتهم -ولو عن حسن نية- كانت إيذانا بعودة الوثن في شكله السياسي، والغفلة عن الإصلاح والتغيير، وكان من ضمن أكاذيب الدروشة السياسية ذلك الشعار الذي ردّده الساسة على مسامع الشعب طويلا حتى صار يردّده باستمرار "إن الحقوق تؤخذ ولا تُعطى" ، ويجد مالك بن نبي نفورا وتقززا كبيرا من هذا الشعار الذي يكتنفه الإغراء والكذب على شعب يراد له أن يعود لنوم من نوع آخر.
فيبيّن في قوله :

"فالحق ليس هدية تعطى ولا غنيمة تغتصب ، وإنما هو نتيجة حتميّة للقيام بالواجب، فهما متلازمان، والشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدّل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي"

وهكذا عجّت البلاد في كل مكان بالخطب السياسية الرنانة تحمل الوعود الجوفاء، وتردد عبارة "إننا نطالب بحقوقنا" مبتعدا بها الشعب عن طريق الواجبات الشاق مستسهلا الكلمات المغرية، مصفقا لكل خطيب، عائدا إلى النوم والوثنية من جديد ....
يقول مالك بن نبي:

"لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق ، وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم "

ويرى مالك بن نبي أن في هذه الدروشة السياسية والوثنية الجديدة اختلاس للعقول التي أشرفت على قطف ثمار نهضتها بالفكرة الإصلاحية، فيقول أنها قد عادت للوثنية من جديد، تلك الوثنية التي تلد الأصنام المتعاقبة المتطورة، كما تتطور الدودة الصغيرة إلى فراشة طائرة إذا ما صادفت جوا ملائما . وبهذا فإن النهضة لم تتحقق في البلاد بحق، وإنما كانت صدمة قوية أيقظت النائمين، وما أن زال أثر الصدمة حتى غالب أهلها النعاس من جديد، وعاودتهم الأحلام بمواضيع أخرى، هي مواضيع الانتخابات التي قامت على أطلال الزوايا (مقرات الدراويش والأولياء الذين يتبرّكون بهم)التي دمرها معول الإصلاح الأول.وكأن هذا الإصلاح قد حطم الزوايا والقباب من دون الوثن ، وكما توارت الفكرة وغابت شمسها ساعة بزغ الصنم بجهل العقول التي مالت للخرافة والدروشة والشعوذة، كذلك غابت الفكرة ببزوغ صنم الاستمساك بالأحابيل السياسية الواهية والوعود الخرقاء، ولم يعد مجال للعمل والتغيير وحرث أرض النفوس وتقليبها ببذر بذور التغيير في كل مكان، بل جمد العمل وتوقف البذر والزرع وقعد الناس يسبحون بأخيلتهم في بحور الوعود والأماني، يريدون تغييرا وتحولا بعصا سحرية تقلبهم من حال إلى حال رغم ما يعتري جسد الشعب المريض المعلول من الآفات والعلل  ، وهكذا ورث المِيكروب السياسي ميكروب الدروشة...

وبدأت آثار التقاعس والتواكل تظهر على كلام الناس وأفعالهم، وبعثرت الجهود التي لم تصرف في مكانها الصحيح، وأهدرت الأوقات ...يقول مالك بن نبي :

"ليس الخطر من الانقياد إلى نوع من الدروشة، ولكنّ الخطر من الانقياد إلى الدروشة ذاتها، وليس الخطر أيضا من اسم الصنم ، ولكن من سيطرة الوثنية .
إن جوهر المسألة هو مشكلتنا العقلية، ونحن لازلنا نسير ورؤوسنا في الأرض وأرجلنا في الهواء، وهذا القلب للأوضاع هو المظهر الجديد لمشكلة نهضتنا
. "


الخـــــلاصـــــــــــــــــــة :

1- إذا كانت الوثنية جاهلية فإنّ الجهل وثنية .
2- من سنن الله في الخلق أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم .
3- الفكرة الإصلاحية الإسلامية نور ينبث في الأوساط ليعمل في النفوس عمله المشعّ، ومن السنن أنّ الشعاع لا يبقى حبيس القفص وإنما يخرج لينير على مَن حوله .
4- بزوغ الفكرة في النفوس يغيّر ما بها، فيتحول أصحابها شيئا فشيئا إلى أفراد يؤدون وظائفهم الاجتماعية .
5- استسهال الوعود المغرية والبحث عن الطريق السهل لنيل الأماني قعود لا يليق بشعب يريد أن يقوم برسالته التاريخية .
6- الركون إلى الاستسهال والسهل لبلوغ الأماني من دون تعب للتغيير وثنية لا تسمن ولا تغني الشعوب من جوع .
7- متى كان فكر الشعب مستيقظا، ومتى كانت فكرته إصلاحية راقية كانت حكومته على النحو الذي يرتضيه.
8- الإصلاح يبدأ من النفس، ومن ثمّ ينتشر إلى المجتمع ومتى تغير المجتمع كانت حكومته على شاكلته.
9- الاستعمار ليس سببه المستعمِر وطمعه بل سببه الرئيس قابلية الشعب للاستعمار والذلّ والخضوع، ومتى كان الشعب جاهلا، بلا رسالة سهل استعماره .
10- القابلية للاستعمار سبب نفسي داخلي جذري وجب التوجه إلى حلّه كمرض بدل التوجه إلى علاج أعراض  المرض.
11- التمسك بالدروشة والخرافة والأوهام والوعود الكاذبة وثن تتجدد أشكاله كلما خبا نور الفكرة وعملها في النفوس، فيجمد العمل على الأرض لتحلّ محلّه الأماني والأحلام .
12- إلهاء الشعوب عن دورها الأساسي في التغيير من طرق المستعمر المعروفة في تنويم الشعوب وإبعادها عن أداء دورها التاريخي ورسالتها السامية .
13- الحق ليس هدية تعطى ولا غنيمة تغتصب ، وإنما هو نتيجة حتميّة للقيام بالواجب، فهما متلازمان، والشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدّل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي.
14- مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق ، وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم.
15-ليس الخطر من الانقياد إلى نوع من الدروشة، ولكنّ الخطر من الانقياد إلى الدروشة ذاتها، وليس الخطر أيضا من اسم الصنم ، ولكن من سيطرة الوثنية.
16- النهضة الحقيقية تستلزم عملا جادا وطويلا في تغيير النفوس، والتلهّي عن التغيير بما عداه إهدار للوقت وللجهود وللإمكانيات لا يعطي ثماره.
17- النهضة الحقيقة تحافظ على نموّ الفكرة وانتشارها، ولا تقطعها لأي داع أو ناعق، ومتى كان ذلك بترت النهضة وعادت الوثنية وعاد النوم.

وهكذا نكون قد أنهينا باب "الحاضر والتاريخ" أعود قريبا بإذن الله لأضع ما سماه مالك بني نبي "الأنشودة الرمزية" لهذا الباب، ولنرى سوية مدى استيعابنا لمعانيها وقد اخترت أن أنهي بها فيما بدأ بها مالك بن نبي emo (30):


« آخر تحرير: 2009-07-14, 11:22:36 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
وكما أخبرتكم إخوتي هذه الأنشودة الرمزية التي وضعها مالك بن نبي  لباب " الحاضر والتاريخ " أرجو أن نركز مع كلماتها لنرى مدى مطابقة معانيها لما أورد في هذا الباب :



أي صديقي :
• لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق .
• وكل من سيستيقظ بدأ يتحرك وينتفض في خِدر النوم وملابسه الرثّة .
• ستشرق شمس المثالية على كفاحك الذي استأنَفْتَه هنالك في السهل، حيث المدينة التي نامت منذ أمس مازالت مخدّرة.
• ستحمل إشعاعات الصباح الجديد ظل جهدك المبارك ، في السهل الذي تبذر فيه بعيدا عن خطواتك.
• وسيحمل النسيم الذي يمرّ الآن البذور التي تنثرها يداك...بعيدا عن ظلّك .
• ابذر يا أخي الزارع. من أجل أن تذهب بذورك بعيدا عن حقلك، في الخطوط التي تتناءى عنك ....في عمق المستقبل .
• ها هي بعض أصوات تهتف، الأصوات التي أيقظَتْها خطواتك في المدينة، وأنت منقلب إلى كفاحك الصباحي، وهؤلاء الذين استيقظوا بدورهم، سيلتئم شملهم معك بعد حين .
• غنِّ يا أخي الزارع ! لكي تَهدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر، نحو الخط الذي يأتي من بعيد.
• وليدوِّ غناؤك البهيج، كما دوّى من قبل غناء الأنبياء في فجر آخر، في الساعات التي ولدت فيها الحضارات .
• وليملأ غناؤك أسماع الدنيا ، أعنف وأقوى من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنالك .
• هاهم أولاء ينصبون الآن على باب المدينة التي تستيقظ ، السوق وملاهيه، لكي يُميلوا هؤلاء الذين جاؤوا على إثرك ، ويلهوهم عن ندائك.
• وهاهم أولاء قد أقاموا المسارح والمنابر للمهرجين والبهلوانات لكي تغطي الضجّةُ على نبرات صوتك .
• وها هم أولاء قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار ، ولكي يطمسوا بالظلام شبحك في السهل الذي أنت ذاهب إليه .
• وها هم أولاء قد جمَّلوا الأصنام ليُلحِقوا الهَوان بالفكرة .
• ولكنّ شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع، وستعلن قريبا انتصار الفكرة وانهيار الأصنام، كما حدث يوم تحطّم (هُبَل) في الكعبة .


قريبا جدا بإذن الله أبدأ مع الباب الثاني من هذا الكتاب "المستقبل "





حازرلي أسماء

  • زائر


والآن بعدما أنهينا الباب الأول "التاريخ والحاضر"، نعرض إلى الباب الثاني من الكتاب : "المستقبل"
وفيه يتطرّق مالك بن نبي إلى جملة من العناصر والعناوين التي ينتقل فيها من موضوع إلى آخر بمنهجيّة تصاعديّة يفتح بها العنوان بابا للعنوان الموالي . دعونا لا نذكرها جملةً حتى لا تلتبس علينا المعاني ، بل لنتعرف إلى كل عنوان في حينه .

ونبدأ بما بدأ به مالك بن نبي  :

من التكــــــــديس إلى البنـــــــــاء :

يخصّ مالك بن نبي بالحديث العالم الإسلاميّ الذي عاش دهرا طويلا خارج نطاق التاريخ،إذ يرى أنه مثل المريض الذي استسلم لمرضه، وتبلّدت فيه الأحاسيس حتى لم يعد يشعر بالألم، وغدا وكأنه جزء من كيانه الذي لا غنى له عنه، حتى إذا ما تعالت بعض الأصوات تذكّره بأنّه المريض، أفاق من سباته العميق وقد عاد له الشعور بالألم،ويرى مالك بن نبي أنّ هذه الاستفاقة والانتباهة التي حصلت له بداية حقبة تاريخية اسمها : "الـــــنهضة"

ثم يفتح مالك بن نبي بتساؤل من يضرب بالأعماق ولا يطفو على السطح بابا للتأمل والتحليل
"ولكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ "  ، فهو يرى أنّ مجرد الشعور بالمرض لا يعني بداهة الدواء .
فيفسر ما مثلته حركة الخمسين عاما الأولى من القرن العشرين على أنه النتيجة الموفّقة للجهود الباحثة في المرض وأسبابه، وسبل علاجه من جهة، كما أنه بالمقابل النتيجة الخائبة لتطوّر استمرّ دون أن تشترك الآراء في تحديد وتوحيد أهدافه واتجاهاته، بل كانت رؤى مبعثرة ، وتحليلات متفرقة...
 يقول مالك بن نبي أنّ العالم الإسلامي بهذه الجهود المتفرقة، والدراسات المتشعبة المختلفة ، قد بدأ يأخذ دواء ضدّ الفقر في مكان منه، وعقارا ضدّ انعدام التنظيم في مكان ، ودواء ضدّ الاستعمار في مكان آخر...
وإنّ ما افتقرت إليه هذه الدراسات برأي مالك بن نبي هو التحليل المنهجيّ للمرض، أي الدراسة التحليلية التي تحدّد المرض الأصلي أولا من قبل المسارعة إلى وصف علاجات جانبية .
وبذلك مكث العالم الإسلامي زمنا طويلا ،تعالَج من مرضه الأعراض ولا يعالَج فيه المرض.
(وهنا نلاحظ التعمّق الذي هو منهج مالك بن نبي المعروف، إذ يعود دوما بالأمور إلى أصولها الأولى ليبحث بحثا معمّقا، ويحلّل تحليلا متدرّجا)
يقولأن ّهذه الدراسات بنيت على أسس الأمزجة الخاصة بكل دارس، وبآرائه الفردية، ووفق مقتضيات تخصصاته، فرأى رجل السياسة أنّ مشكلة العالم الإسلامي سياسية ولا يمكن حلها إلا بوسائل سياسية وتلك رؤية الأفغاني، بينما رأى رجل الدين أن المشكلة في اختلال عقدي ولا تحل إلا بتصحيح العقيدة، وبالوعظ ، وتلك رؤية محمد عبده...

يمثل مالك بن نبي هذه الدراسات، وهذه النظرات المتباينة في جسد المريض، بحالة مصاب بالسل الجرثومي، يصف له الطبيب دواء ضدّ الحمّى وهي عارض من أعراض المرض، ولا يصف له الدواء الذي يصيب المرض في مقتل .

ثم يلتفت الكاتب إلى العالم الإسلامي ...هذا المريض الذي يشكو من آلام عديدة تفرّقت على أعضاء جسده،وإذ لم يتسنّ له معرفة حقيقة مرضه ولم يجد طبيبا يحدده له ،يهرع إلى أي صيدلي ينشد الدواء، أي دواء.... المهمّ أنه في حِمى صيدلي.... !! فيعمَد إلى الشرب من آلاف الزجاجات ليواجه آلاف  الآلام .... !!!
يتساءل مالك بن نبي :
"ولنا أن نتساءل حينئذ إذا ما كان المريض الذي دخل الصيدلية دون أن يدرك مرضه على وجه التحديد ، هل ذهب بمحض الصدفة لكي يقضي على المرض، أو هل يقضي على نفسه ؟"

وعلى هذا دخل العالم الإسلامي صيدلية الحضارة الغربية يطلب الشفاء ، وعلى وقع هذا التوجّه الفعلي من المريض يرى مالك بن نبي الحاجة الملحّة إلى تحليل يُسفِر عن المعنى الواقعي لهذه الحقبة من تاريخ العالم الإسلامي، كما يتبيّن به ما ينبغي إضافته من تعديل ....
فكانت أول مرحلة من مراحل هذا التحليل أن سمّى الحقبة التاريخية تلك التي توجه فيها المريض هذا التوجّه بــ
"بادرة حضارة" لأنه توجّه باحثا عن حضارة (الدواء) -----------> (المرحلة 1)

ثم وبعد الانتهاء من مرحلة التسمية لا يحب مالك بن نبي أن يضيع جهده ووقته سابحا بالخيال بعيدا عن الواقع الذي أمامه، كأن يسخط على المريض وعلى توجّهه، ولا يفعل غير السخط والصراخ والعويل وهو قد توجّه وانقضى الأمر، وبالتالي فالمرحلة الثانية التي يراها واقعية وضرورية
هي الإقرار بالواقع  ----------->(المرحلة 2)

وبعد هذا يتجه مالك بن نبي إلى تتبّع هذا الواقع، وبمعرفة ما يجري على المريض وهو في حالته تلك، وبتوجّهه الذي توجّهه، يريد أن يحدد المرض ضمنا، أي بتتبع خطوات منهجية، وأولها استقراؤه لهذا الواقع ... فيقول مالك بن نبي أن العالم الإسلامي وهو يأخذ حبة هنا ضدّ ألم من آلامه، ويأخذ هناك حبة أخرى ضدّ ألم آخر، ببنائه لمدرسة يحارب بها الجهل في قطعة منه، أو بمطالبته بخروج المستعمر من قطعة أخرى، أو بتشييده مصنعا،  هو في الواقع رغم حركته هذه لم يحقق حضارة، كما يستنتج إلى جانب استنتاجه عدم تحقيقه لحضارة، السلبية في جهود المجتهدين وذلك بمقارنته لحال العالم الإسلامي خلال خمسين عاما، بحال كل من اليابان والصين، اليابان التي انتقلت خلال خمسين عاما (1868-1905) من مرحلة العصور الوسطى (بادرة حضارة) إلى الحضارة الحديثة ...

وعندما يجري مالك بن نبي المقارنة من بعد تتّبعه للحقائق الماثلة على الأرض، جهود الخمسين عاما الأولى من القرن العشرين في العالم الإسلامي يستشعر غرابة في حالة المريض الذي يفحصه (العالم الإسلامي) وعلى هذا يصل مالك بن نبي في حفره إلى عمق أكبر فيطفق باحثا عن المقياس العام لعملية الحضارة ...
فيقول : "إنّ المقياس العام في عملية الحضارة هو أنّ الحضارة هي التي تلد منتجاتها، وسيكون من السخف أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها "

حتى الآن ماذا فعل مالك بن نبي ؟

1- سمى الحقبة التاريخية (بادرة حضارة)
2- أقــــــــــــــــــرّ بالواقــــــــع.
3- هَدَفَ مع إقراره بالواقع إلى التطلّع إلى المرض الحقيقي، وذلك بتتبعه للأحداث وباستقرائه لمجريات هذا الواقع الذي أقرّه .
4- قارن حالة العالم الإسلامي(50عاما) مع حالة اليابان التي انتقلت من مرحلة بادرة الحضارة إلى الحضارة خلال المدة نفسها .
5- استغرابه من الفرق الشاسع بين الحالتين، ولعدم تحقيق العالم الإسلامي لحضارة مع ما يُبذَل من جهود، ومع توجّه المريض إلى الصيدلية وأخذه من الأدوية ضدّ آلام عديدة تلمّ به .
6- بحثه عن المقياس العام للحضارة .

                                                          الـــحــــــــضارة
                                                                  |
                                               تـــــــلد          |
                                                                  |
                                                                  |
                                                             مــــنتجاتها




                                                           الـــمنتجات
                                                                  |
                                             لا  تـــــــلد        |
                                                                  |
                                                                  |
                                                             حــــضارة



ثم وانطلاقا من مبدأ إقرار مالك بن نبي بالواقع، يقول أن ّامتداد الحضارة الغربية في القرن العشرين شكل قانونا تاريخيا لذلك العصر، ومن العبث أن يوضع ستار حديدي بين الحضارة التي يريد العالم الإسلامي تحقيقها، وبين الحضارة الغربية الحديثة ....

ثم ينظر مالك بن نبي إلى هذا الواقع، أو إلى هذا الإقرار الواقعي فيراه المشكلة بأكملها، إذ يرى من الخطأ أن يشتري من يريد إنشاء حضارة كل منتجات الحضارة المنشأة، وهذا ما يعكس المقياس الذي يحدده معنى الحضارة ، ويرى أن هذا العكس للمقياس وللقضية مستحيل التحقيق كما وكيفا ...
طيب إلى أين وصل مالك بن نبي حتى الآن ؟

7- لقد بحث عن مقياس الحضارة

                                                          الـــحــــــــضارة
                                                                  |
                                               تـــــــلد          |
                                                                  |
                                                                  |
                                                             مــــنتجاتها


8- استنتج أن مفهوم اتصال العالم الإسلامي بالحضارة المنشأة  ممثّلا  في اشتراء كل منتجاتها لإقامة حضارته بها مفهوم خاطئ، بل هو لبّ المشكلة، بل هو المشكلة بأكملها .







« آخر تحرير: 2009-07-16, 12:57:37 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر


نكمل مع  "من التكديس إلى البناء"

يستطرد مالك بن نبي ليزيد في الحفر عمقا آخر ببحثه في مدى إمكانية تحصيل كل منتجات الحضارة الأخرى من حيث الكم ومن حيث الكيف  .

من ناحية الكـــــيف :
من المستحيل أن تبيع أي حضارة منتجاتها مع مشتملاتها، بمعنى أنّها تبيع المستهلكين منتجاتها مفرغة من روحها، ومن
فكرتها ومن تطلّعها الذوقي.

من ناحية الكــــــمّ :
مع الاستحالة المزدوجة في أن يجد العالم الإسلامي المال الكافي لاشتراء العديد الهائل من المنتجات الحضارية فإن الأمر منتهٍ إلى ما يسميه مالك بن نبي "الحضارة الشيئية " ، مما يؤدي إلى ما أسماه "التكديس".

والعالم الإسلامي في أعوامه الخمسين عمل على تكديس منتجات الحضارة الأخرى، ولم يعمل على بناء حضارته، وهو ما يجعل المجتمع مع مرور الوقت وتراكم الأشياء، في حالة حضارية  بعيدة كل البعد عن نتائج التجارب التي مرت بها حضارات تكونت في المدة نفسها والتي أخضعت واقعها الاجتماعي إلى قوانين تكوّنت بها حضارتها وهي ذاتها التي تراقب استمرارها وتطوّرها ...

وبهذا استنتج مالك بن نبي أنّ العالم الإسلامي أراد أن يكوّن حضارة من تكديسه لمنتجات غيره، وهو القلب الصريح للمقياس الحضاري الذي بيّنه سالفا .
ويضرب مالك بن نبي مثلا لتلك القوانين المكونة للحضارة والمراقبة لاستمرارها، بالأورانيوم الذي يتحلل  جرام واحد منه بصفة طبيعية خلال أربعة مليارات وأربع مائة مليون سنة (4400000000 سنة) بينما سرّع المعمل الكيميائي هذه العملية فتحققت في بضع ثوان، فيسقط هذا التسريع للعملية الطبيعية في علم الكيمياء على علم الاجتماع ، ليتحدث عن تركيب الحضارة التي أراد العالم الإسلامي تحقيقها، ولكنّ مالك بن نبي يقتبس من الكيمياوي طريقته فيبحث عن العناصر المكوّنة للصيغة التركيبية التي تنتج الحضارة :


ناتج حضاري = إنسان + تراب + وقت


والتراب هنا يقصد به المادة الداخلة في تركيب المنتج الحضاري 1

وبطريقة الجمع الحسابية بين النواتج الحضارية تنتهي هذه الصيغة إلى :

حضارة = إنسان + تراب + وقت


ومن هذه الصيغة التي استنتجها يرى أن مشكلة الحضارة تتمثل في ثلاث مشكلات أساسية، مشكلة الإنسان، ومشكلة التراب، ومشكلة الوقت.
ثم لا يغفل مالك بن نبي من يقول معترضا على الصيغة  أنه إذن ومع توفر هذه العناصر الثلاثة فلم لا تقوم الحضارات حيثما توفرت ؟
يجيب على هذا مالك بن نبي مقتبسا من التحليل الكيمياوي ، فالماء بتشكله من الأوكسجين والهيدروجين لا يتشكل إلا بقانون يقتضي تدخل مركب لا يتكون الماء بدونه، وبالمثل فإن الحضارة لا تتم ولا تتحقق إلا بتدخل ما نطلق عليه
"مركب الحضارة" أي العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة ، وهذا المركّب موجود فعلا وهو "الفكرة الدينية " التي ستفصل فيما هو آت ...

ويقول بعد هذا مالك بن نبي :
"فإذا اتضح صدق هذه الاعتبارات عن التفاعل الكيميائي الحيوي وعن ديناميكية الواقع الاجتماعي  كان لنا أن نخطط بطريقة ما مجال تطوره كاطراد مادي نعرف قانونه."

ثم يشير إشارة مهمة جدا إلى خطورة ما يشيعه ما يسمى بأدب الكفاح في العالم الإسلامي من أن يتحول التكديس من نطاق الأحداث البسيطة غير المؤسسة إلى نطاق الفكرة الموجهة فيضرب مثلا بهذه العبارة التي اقتبسها من كتاب "هذا العالم العربي" للمؤلفين نبيه فارس وتوفيق حسين :
"لقد سار العالم العربي في طريق هذه الحضارة التي يسميها الناس الحضارة الغربية، وما هي إلا حضارة إنسانية استمدت أسسها من حضارات إنسانية عديدة، ومنها الحضارة العربية الإسلامية، وأسهم ويُسهِم في إغنائها غربيون وشرقيون، ملاحدة ومؤمنون، ولا رجوع للعالم العربي عن هذه الطريق ولا نكسة  "

فيشير إلى خطورتها من حيث أنها تسهم في الإكثار من الاتجاه نحو التكديس والتقاعس والتواكل مع ما تبثه هذه الكلمات من  التصبير، والحجج البالية التي يركن بها الشعب إلى النوم وإلى وثن الاتكالية، ولا يسود الوثن إلا ساعة تغيب الفكرة .

__________________________________________________________________________


(1) تجنب مالك بن نبي استخدام مصطلح (مادة) بدل مصطلح (تراب) تحاشيا للبس في الكلمة إذ أنها تعني في باب الأخلاق مفهوما مقابلا لكلمة (روح) وتعني في با ب العلوم مفهوما ضد مفهوم كلمة (طاقة) وفي الفلسفة تعطي فكرة نقيض ما يطلق عليه اسم (المثالية)، بينما لفظ (تراب) لم يتطور، واحتفظ من حيث معنى المفردة ببساطة جعلته صالحا ليدل على هذا المعنى الاجتماعي بدقة أكبر، وقد ضم هنا مظهرا قانونيا يخص تشريع الأرض في أي بلد، ومظهرا فنيا يخص طرق استعماله، وهذان مظهران يمثلان مشكلة التراب ..


« آخر تحرير: 2009-07-16, 13:03:48 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
هل من متابع ؟؟ :emoti_64: :emoti_64:

أين أنتم إخوتي ؟؟ أتمنى بحقّ أن تتابعوا الموضوع الذي تأتي عناصره تباعا ...
أختي الحبيبة بسمة ذياب تتابع الموضوع معنا، ولكنها تجد مشكلة في كلمة السر لتدخل، أحييك من هنا يا بسوم  ::)smile:
في المداخلة الموالية بإذن الله نَعرض إلى عنصر جديد من باب "المستقبل" فتابعونا



حازرلي أسماء

  • زائر


بعدما أنهينا عنصر "من التكديس إلى البناء" ، ومقياس الحضارة الذي استند عليه مالك بن نبي في تحليله لمرض العالم الإسلامي  (الحضارة هي التي تلد منتجاتها وليس المنتجات هي التي تلد حضارة) والصيغة الأساسية التي وصل إليها لإقامة حضارة :
حضارة = إنسان + تراب + وقت
وأن مشكلة الحضارة أساسا تصبح مشكلة المركبات الثلاث الأساسية، مشكلة الإنسان ومشكلة التراب ومشكلة الوقت، وأنّ الفكرة الدينية هي المركّب الحضاري الذي يساعد على امتزاج العناصر الثلاثة .

ينتقل مالك بن نبي إلى عنصر آخر يسميه

الــــــــدورة الخــــــــالدة

فيضع هذا القول  على رأس الموضوع : "إنه من السنن الأزلية أن يعيد التاريخ نفسه كما تعيد الشمس كرّتَها من نقطة الانقلاب"
 -نيــــتشه-

يقول مالك بن نبي أنّ للتاريخ دورة، فهو يسجّل للأمة مآثرها ومفاخِرَها تارة، ويتركها لنومها تغطّ فيه ولأحلامها تارة أخرى، ولذلك وجب على شعب  يريد حلّ مشكلاته أن يعرف مكانه من دورة التاريخ ليعرف عوامل النهضة والسقوط فيه .
كما يرتبط علاج المشاكل بنطاق الدورة الزمنية ، إذ الفرق شاسع بين مشاكل تُدرَس في نطاق الدورة الزمنية الغربية وأخرى تُدرس في نطاق الدورة الزمنية الإسلامية، فلا يجوز استيراد مناهج وحلول من شرق ولا من غرب تكون بعيدة عن روح الأمة، بإغفال حالها في المرحلة التي هي فيها.  فهو يرى أنّ أي تقليد في هذا الميدان جهل وانتحار .

ثم ينطلق مالك بن نبي من النقطة الزمنية التي هو فيها (1948) معبّرا عنها بما يوافقها بالتأريخ الهجري(1367هـ) كتدليل منه على خصوصية البحث والتحليل عنده، وإدراكه العميق أنّه يدرس ويحلّل ويبحث عن حلول لمشاكل إسلامية لا يريد أن يقتبس لها حلولا غربية ....

فينطلق من هذه النقطة كبداية تاريخية يعايش أحوالها بالجزائر كنقطة انطلاق لأحداث مستقبلية هي في ضمير الغيب ، ثم ينظر إلى ما يحيط بها من حال البلاد الإسلامية ، فإذا الأوضاع متشابهة، والمشاكل تكاد تكون واحدة، ثمّ يتساءل عن وجهة السفر من نقطة الانطلاق هذه كما عن الزاد يريد أن يصل إلى معرفتهما من خلال تحليله ...
فيسمي مالك بن نبي الآية الكريمة : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" النص المبدئي للتاريخ التكويني
ويسأل : هذا الشعب حديث اليقظة هل بيده أسباب تقدّمه ؟
ولكي يجيب عن هذا التساؤل، يرى ضرورة التأكد من شرطين :
1- مدى مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني .
2- هل يمكن للعالم الإسلامي تطبيق هذا المبدأ في حالته الراهنة ؟

الــــــــــــشرط الأول : مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني :

ينظر مالك بن نبي نظرة كونيّة فإذا الحضارة كالشمس تشرق في أفق شعب ما، ثم تتحول إلى أفق شعب آخر، ومن العبث أن يظنّ المتسلطون الذين تأخذهم العزّة بالإثم بالشمس وقوفا عن دورانها وعن دورتها، محاولين بباطلهم إطفاء النور.

يقول مالك بن نبي :
"فإن الأقدار لا تلبث أن تقود الحضارة إلى حيث قدّر الله لها السير، من دور إلى دور، ومن فجر إلى فجر، غير عابئة بما يحاوله الباطل من إطفاء النور، أو تغيير الحقائق"

وطبيعة بداية السير إلى الحضارة(منطلق السَّفَر) أنّ الزاد أبسط الزاد، فلا هو فطاحلة من العلماء، ولا هو ذخائر من العلوم ، ولا هو الإنتاج الصناعي..... بل إن الزاد هو المبدأ الذي هو أساس كل مظاهر الرقيّ تلك.
يؤكّد مالك بن نبي في هذا المقام على أنّ كل من أراد إقامة حضارة إنما ينطلق من تلك التركيبة السابقة:
حضارة = إنسان + تراب +وقت  إضافة إلى المركّب الحضاري الدافع (الفكرة الدينية)، ثم يتطرّق إلى تحليل دورتين حضاريتين هما الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية.

فعن نقطة انطلاقهما ، يرى أن كلتيهما انطلقت من الفكرة الدينية التي طُبِع بها متلقّوها، وتطلعوا بها إلى غايات سامية، ويؤكّد بذلك على مبدأ أنّ الحضارة لا تنبعث إلا بالعقيدة الدينية ، يفصّل بقوله أنّ وحي السماء الذي يتخذه الناس شِرعة ومنهاجا على الأرض هو الباعث الأساسي للحضارة فيقول :
"فكأنما قدّر للإنسان ألا تشرق عليه شمس الحضارة إلا حيث يمتدّ نظره إلى ما وراء حياته الأرضيّة، أو بعيدا عن حقبته، إذ حينما يكتشف حقيقة حياته الكاملة، يكتشف معها أسمى معاني الأشياء التي تهيمن عليها عبقريته و تتفاعل معها ".

يبدأ مالك بن نبي بالحضارة الإسلامية، فيعود إلى الوراء قرونا من الزمن...
حيث جزيرة العرب قبل نزول القرآن، ولم تكن فيها إلا العوامل الثلاثة مجرَّدة، الإنسان والتراب والوقت، إذ الإنسان على التراب وبين يدي الطبيعة ضائع وقته هباء.... فثلاثتها خامدة راكدة ، وبعبارة أخرى لا تؤدي دورا تاريخيا، حتى إذا ما سطعت شمس الإسلام بأمر "اقرأ" بين جنبات غار حراء وَثَبَتِ القبائل العربية على سطح التاريخ تحمل حضارة للعالم كلّه امتدّت على مدى قرون من الزمان .

ويُسقِط مالك بن نبي طبيعة زاد المنطلَق الذي بيّن مدى بساطته على أهل هذه الحضارة الأُوَل، والذين لم يكونوا علماء ولا مفكَرين، بل كانوا بسطاء، توجّهت بصائرهم المشرقة إلى ما وراء أفق الأرض ، فتجلّت لهم الآيات في أنفسهم، وتراءت لهم الأنوار في الآفاق ...
وهكذا وبالفكرة الدينيّة تكوّنت الفكرة المخصّبة بالإنسان والتراب والوقت، وكان ذلك من أسرار دعوة القرآن المؤمنين إلى التأمل في سِيَر الأمم السابقة .
ويرى مالك بن نبي أنّ أساس منطَلَق الحضارة الإسلامية كان روحيا بحتا...
وأنّه في تلك المرحلة من الروحانيات العالية تركّبت عناصر الحضارة الجوهريّة----->(1) .
إلى أن كانت معركة صفّين التي يستغرب مالك بن نبي عَدَّ المؤرخين لها مرحلة ثانوية، وهي التي انتقلت بوقوعها الحضارةُ الإسلامية من طور القوّة الروحيّة العظمى إلى بوادر فتور الروح ...

ثمّ خرجت الحضارة الإسلامية مع حالها تلك من عمق النفوس كقوة دافعة إلى سطح الأرض تنتشر أفقيا من شاطئ الأطلنطي إلى حدود الصين (الفتوحات)....
 وكانت في هذه الفترة قد تغلّبت على الجاذبية الأرضية بما تبقّى فيها من مخزون روحيّ  ترسّب من القوة العظمى للروح  في بداية انطلاقها-----> (2) .

ثم أخذت الروح فيها تضعف شيئا فشيئا حتى أخلدت إلى الأرض ----->(المرحلة 3 والأخيرة) .

وعلى ضوء هذا التحليل يقول مالك بن نبي أنّ المدنيات الإنسانية حلقات متصلة تشترك كلها في نفس المراحل التي تمرّ بها.
(1)و(2)و(3)، إذ تبدأ قوية جدا بسيادة القوة الروحية للفكرة الدينيّة مع بدايتها، ثم تبدأ بالأفول بفتور الروح والجنوح إلى العقل، ومن بعدها فقدان العقل بتغلّب جاذبية الأرض عليها .
والدرجة الأخيرة التي تبلغها هي منحنى السقوط الذي تخلقه عوامل أحطّ من الروح والعقل، فمتى تقبّل الإنسان توجيهات الروح والعقل وهي عوامل نموّ الحضارة (نستذكر هنا ما ذكر مالك بن نبي من تضحيات الشعب الجزائري رغم فقره مع قوة إيمانه بالفكرة الإصلاحية لتشييد المدارس والمساجد مظاهر البناء الديني والبناء الفكري للفرد المسلم ووصفَه لهما بعِماد الحضارة).

إذن فمتى تقبل الإنسان توجيهات الروح والعقل اختُزِنَت فيما وراء شعوره، وتطلّع إلى الحفاظ على الحضارة، وأداء دوره الاجتماعي، وتطلّعت بالتالي الأمة إلى أداء دورها التاريخي، أما إذا ما أعرض عن كليهما فقد أطلق العنان للغرائز تحطّه من علُ إلى أسفل درك ليرتدّ ذلك الإنسانَ البدائي .
وكذلك حدث مع الحضارة الإسلامية، إذ بدأت روحية بحتة قوية، ثم انتشرت أنوارها، ثم كانت الخلافات والصراعات إلى أن آل الحال إلى ما هو عليه اليوم .
قوة روحية باعثة -------> جنوح نحو العقل مع فتور الروح------>فقدان للروح والعقل ( سقوط )

ويشير مالك بن نبي إلى أنّ التاريخ يقرّر أنّ الحضارة تولد مرتين، مرة عند ميلاد فكرتها الدينية ومرة عند تسجيل هذه الفكرة في الأنفس، ووفق هذا يتحدّث يبين أنّ  الحضارة المسيحية سارت على نفس الطريق الذي سارت عليه الحضارة الإسلامية، رغم أنّ المسيحية قد سبقت الإسلام بقرون عديدة ، إلا أنّ ميلاد الفكرة الدينية وميلاد عملها في الأنفس  كلاهما جمعتْهُما الحضارة الإسلامية في وقت واحد، ذلك لما وجدته من أنفس شاغرة، فارغة كانت وعاءَها في حين ميلادها، أما المسيحية فقد ولدت وبين الناس خليط من الأديان والثقافات كالعبرية والرومانية واليونانيّة، فلم يُتَح لها أن تدخل قلوبهم وتعمل عملها في حين ميلادها.
 يستشهد مالك على هذا برأي المفكر (هيرمان دي كسرلنج) في كتابه (البحث التحليلي لأوروبا) حيث يقول : " ومع الجرمانيّين ظهرت روح خُلقية سامية في العالم المسيحي"-وكان ذلك بعد حوالي ألف عام من ظهور المسيحية-.

وغيرُ هذا المفكر من الكتّاب الغربيّين أيضا لاحظوا بعث الحضارة المسيحيّة بفعل روح فكرتها الدينيّة، كشهادة المؤرخ هنري بيرين في كتابه (محمد وشارلمان)، الذي يرى في شارلمان الشخصية التي بعثت مبدأ المسيحية في النفوس البِكر، فأنبتت فيها الحضارة ، تماما كما فعل الرسول من قبل .

وساد أوروبا علوّ في الضمير الديني وطموح من عهد الكارولنجيان إلى عهد النهضة(687-987م) ، أما مع بداية عهد النهضة فقد طُبِعت الحضارة الأوروبية ببعدها عن الروح الدينية بسيادة طابع ديكارت ومع اكتشاف كرستوف كولومب لأمريكا .
وبعد تحليله للدورة التاريخية للحضارة المسيحية يجد مالك بن نبي مرورها بنفس المراحل التي مرت بها الحضارة الإسلامية مستشهدا أيضا بما ذهب إليه (كسر لنج) في تبيينه للمرحلة الثانية بقوله :"إن مركز الثقل للحضارة تزحزح عن مكانه، وتحول بالنهضة والإصلاح الديني من مجال الروح إلى مجال العقل "

والمرحلة الثالثة وهي مرحلة السقوط أي مرحلة غياب الروح والعقل، وانطلاق الغريزة يشير إليها العديد من الكتاب الأوروبيين الذين سادهم شعور بفناء المدنية الأوروبية مثل  (أوزولد إشبنجلر) في كتابه (أفول الغرب ) .

وبهذا التحليل لكل من الحضارتين الإسلامية والمسيحية يكون مالك بن نبي قد تأكد من شرط
هل المبدأ القرآني سليم في تأثيره التاريخي ؟  في إجابته على سؤال :
إذ مرت الحضارة من القوة الروحية التي أشعت على الأنفس بشعاعها الساطع، وانطلقت منها تشعّ على المجتمع وعلى العالم حضارة مكتملة، ثم وكلما خبا نور الفكرة الدينية أي تأثير الروح في النفس كلما اقتربت الحضارة من السقوط، إلى أن تسقط ساعة تفقد الروح والعقل معا .
يقول مالك بن نبي :
"وجملة القول إن الوسيلة إلى الحضارة متوافرة مادامت هنالك فكرة دينية تؤلف بين العوامل الثلاثة : الإنسان والتراب والوقت، لتركّب منها كتلة تسمّى (حضارة)"

في المداخلة القادمة بإذن الله سنفصّل تأكد مالك بن نبي من الشرط الثاني في إجابته على سؤال : "هذا الشعب حديث اليقظة هل بيده أسباب تقدّمه ؟"  وهو شرط : هل يمكن للشعوب الإسلامية تطبيق هذا المبدأ في حالتها الراهنة؟


فتابعونا وانتظرونا emo (30):


« آخر تحرير: 2009-07-17, 19:38:49 بواسطة حازرلي أسماء »

ماما فرح

  • زائر

هل من متابع ؟؟ :emoti_64: :emoti_64:

أين أنتم إخوتي ؟؟ أتمنى بحقّ أن تتابعوا الموضوع الذي تأتي عناصره تباعا ...
أختي الحبيبة بسمة ذياب تتابع الموضوع معنا، ولكنها تجد مشكلة في كلمة السر لتدخل، أحييك من هنا يا بسوم  ::)smile:
في المداخلة الموالية بإذن الله نَعرض إلى عنصر جديد من باب "المستقبل" فتابعونا






تسجيل متابعة وعودة للقراءة

وترحيب بالأخت بسمة  ::ok:: مرحباً وأهلا بأهل القبيلة الكرام




« آخر تحرير: 2009-07-17, 16:04:20 بواسطة ماما فرح »

غير متصل hasbo

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 288
  • الجنس: ذكر
هل من متابع ؟؟ :emoti_64: :emoti_64:

أين أنتم إخوتي ؟؟ أتمنى بحقّ أن تتابعوا الموضوع الذي تأتي عناصره تباعا ...
أختي الحبيبة بسمة ذياب تتابع الموضوع معنا، ولكنها تجد مشكلة في كلمة السر لتدخل، أحييك من هنا يا بسوم  ::)smile:
في المداخلة الموالية بإذن الله نَعرض إلى عنصر جديد من باب "المستقبل" فتابعونا



متابعووووووووووووووووووووووووون
يارب نفسى كبت مماألم فزكها ياكريم انت هاديها
هامت اليك فلما اجهدت تعبا رنت اليك فحنت قبل حاديها
ان لم تجد برشد منك فى سفر فسوف أبقى ضليلا فى الفلا تيها
فان عفوت فظنى فيك يا أملى وان سطوت فقد حلت بجانيها
[/size]



حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا ومرحبا بك ماما فرح  ::)smile:سعيدة جدا بوجودك  ::)smile:

أهلا بمتابعتكم إخوتي
عندي مشكلة بالنت، لذا أكتب لكم من مقهى للنت، ادعوا لي أن تحل سريعا...وسأعود عندها لإكمال الموضوع بإذن الله

حازرلي أسماء

  • زائر
إذن بعد تحليل مالك بن نبي لكل من الحضارتين الإسلامية والمسيحية لمعرفة مدى مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني كشرط أول يحقق معرفة إن كان الشعب حديث اليقظة بيده عوامل تقدّمه، يأتي دور التأكد من الشرط الثاني أي إمكانية تطبيق العالم الإٍسلامي للمبدأ القرآني الآن ..



الشرط الثــــاني : إمكانية تطبيق المبدأ القرآني الآن :

كما بيّن مالك بن نبي فإنّ المزج بين العناصر الثلاثة الأساسية للحضارة لا يكون إلا بتدخّل المركّب الحضاري والذي ما هو إلا الفكرة الدينية التي بها تتغيّر النّفس ، فهل يمكن تحقيق هذا في عالمنا الإسلامي اليوم ؟

الإجابة على هذا السؤال هي دون أدنى تردّد أو شك بالإيجاب :"نـــعم" ، فإنّ قوة الدين عامّة في التأثير على الكون، قائمة في كل زمان وفي كل مكان ولا تخصّ ساعة ميلاد الفكرة في التاريخ فحسب، بل إنها تتجدّد بفعلها في الأنفس والتي علمنا أنّها الميلاد الثاني للحضارة ما لم يخالف البشر شروط الدين .

قال تعالى : " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" النور -من الآية 63-

وإنّ حاجة الشعب الراني إلى حضارة ملحّةٌ إلى بعث عمل الفكرة الدينية في الأنفس ، وتستدعي الصبر والمثابرة ، وإبلاغ الرسالة الحضاريّة وتوريثها للأجيال، ليقوم كل فرد بأداء رسالته . يقول مالك بن نبي في ضرورة تحميل الرسالة وتوريثها وتحمّل الآلام الجسام في سبيل تبليغها  : "والدين وحده هو الذي يمنح الإنسان هذه  القوة ، فقد أمدّ بها أولئك الحفاة العراة من بَدو الصحراء الذين اتبعوا هَدْيَ محمد صلى الله عليه وسلم . وبهذه القوة وحدها يشعر المسلم –على الرغم من فاقته وعُريه الآن- بثروته الخالدة التي لا يدري من أمر استخدامها شيئا  ".

وبهذا يكون مالك بن نبي قد تأكّد من الشرطين اللذين يجيبان على سؤال :
هذا الشعب حديث اليقظة هل بيده أسباب تقدّمه ؟
1. مدى مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني .
2. هل يمكن للعالم الإسلامي تطبيق هذا المبدأ في حالته الراهنة ؟

ومادام التاريخ قد طابق المبدأ القرآني، بما تبيّن من تحليل مالك بن نبي لدورتي الحضارتين المسيحية والإسلامية من مدى تأثير الفكرة الدينية  في قيامهما وانتشارهما، وما دامت إمكانية تطبيق هذا المبدأ قائمة في كل زمان ومكان بحكم ملاءمة تجدّد انبعاث الفكرة الدينية في الأنفس لتسجيل ميلاد حضارة، فإنّ أسباب تقدّم الشعب المستيقظ من سباته الراني لطريق الحضارة ملك يده  ...

ثم ينتقل مالك بن نبي إلى التأكيد على ما أسماه:

العــــــــدّة الدائــــــمة

كما بيّن مالك بن نبي من قبل فإنّ زاد منطلق الإنسان الذي يسميه رجل الفطرة والذي يرنو لأن يصبح رجل حضارة  ليس الأملاك ولا العلماء ولا الجامعات ولا المعاهد العلمية وإنما هو تلك العناصر الأساسية الثلاثة البسيطة ،هو (الإنسان) والتراب والوقت، وقد تبيّن ذلك جليا حينما كانت تقدّر الدول المتقاتلة في الحرب العالمية خسائرها بساعات العمل وبالجهود البشرية وبمنتجات التراب ، وهكذا كلما دقّت ساعات الخطر وأذنت بالرجوع إلى القيم الأساسية استعادت الإنسانية مع عبقريتها قيمة الأشياء البسيطة التي كوّنت عظمتها .

يقول مالك بن نبي عن ذلك :
"تلك هي القيم الخالدة التي نجدها كلما وجب علينا العودة إلى بساطة الأشياء، أي في الواقع كلما تحرك رجل الفطرة وتحركت معه حضارة في التاريخ ."

وفي المداخلة الموالية بإذن الله سننتقل مع مالك بن نبي إلى عنصر جديد، يفصّل فيه أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة



« آخر تحرير: 2009-07-21, 17:22:27 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر


أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة :

يبين مالك بن نبي كيف أنه لا يهدف إلى دراسة واقعة الحضارة على أنّها أحداث يبلّغنا التاريخ قصتها، بل على أنّها ظاهرة يرشدنا التحليل إلى تبيّن جوهرها ومعرفة قانونها، وبالتالي استجلاء دور الفكرة الدينية في تركيبها وبعثها، أي كيف لها أن تغيّر ما بنفس الإنسان ليؤدّي رسالته التاريخية. يذكر مالك بن نبي شيئا عن المؤرّخين ودورهم، وكيف أنّ التاريخ في البداية لم يكن عندهم إلا سردا للوقائع، ولم يكن دراسة عقليّة لأحداثه، حتى إذا جاء ابن خلدون كان اكتشافه لمنطق التاريخ في مجرى أحداثه، كما كان أوّل من سنّ قانون (الدورة التاريخيّة ) إلا أنّ مصطلحات عصره وقفت به عند إخراج نظرية تطور الدولة ولم يضع عن تطوّر الحضارة .

بينما كانت المدرسة الماركسيّة تفسّر الوقائع الاجتماعية على أنّ التكامل التاريخي  لا يكون إلا بتوفّر مركَزَي التقاطب لقِوَى الإنتاج (الحاجة والفنّ الصناعي) أي الضرورات الماديّة وحاجات الإنسان التي تترجمها مخترعاته وصناعاته لسدّ تلك الحاجات، بينما لم توجِد هذه التفسيرات الماركسية سببا لتلاشي العلاقات الاجتماعية وتفكّكها مع بقاء الوسائل والمصنوعات، فنظريّته كانت خاضعة بالكليّة للجدلية الماديّة البحتة .
أما القرن العشرون فقد تفتّحت فيه مناهج تفسير أخرى، لا ترتكز على الماديّة، كمثل تفسير الفيلسوف (كسر لنج) للحضارة الأوروبيّة على أنّها مركّبة أساسا من الروح المسيحيّة والتقاليد الجرمانيّة.

أما (شبنجلر) Spengler فقد فسّر الحضارة على أنّها ثمرة عبقرية خاصّة يتّسم بها جنس بعينه، وأضاف عليها (Walter Shubert) أنها نتاج عبقرية يتسم بها عصر معيّن .

ويأتي المؤرخ الإنجليزي الكبير (جون أرنولد تويني) ليدخل العامل الجغرافي في تفسيره للحضارة على أنّها رد شعب ما على تحدٍّ يواجَهُ به، وتكون الطبيعة (الجغرافيا) هي العامل الأساسي في هذا الردّ، وفعاليّة ذلك الردّ هي التي تحدّد حال الشعب فإما وثبة، وإما توقف وجمود وإمّا فناء .

ثمّ وبعد سرده لكل هذه النظريّات في تفسيرها للوقائع التاريخية في إطار ظاهرة الحضارة، يحاول مالك بن نبي تطبيقها على واقعة الحضارة الإسلامية، فلا يجد أي واحدة منها تفسّر قيامها وانتشارها التفسير الصحيح ، فلا هي تكوّنت من العامل الجغرافي حسب نظرية تويني، ولا هي تكوّنت عن الحاجة والوسيلة الصناعية حسب نظرية ماركس، ولا هي عن عبقرية ميّزت عصرها .

ثم يستطرد مالك بن نبي ، موضّحا أنّ حضارة معيّنة تقع بين حدّين اثنين ، ميلاد وأفول، ليبدأ المنحنى من النقطة الأولى في خطّ صاعد واصلا إلى الثانية في خط نازل، وبين الطّورين المتعاكسين يوجد ما يسمّى  بـ (الأوج) وهو طور انتشار الحضارة وتوسّعها .

1- يمثّل  مالك بن نبي هذه المراحل بمخطّط بيانيّ يسمّي فيه الأطوار بمسمَّياتها التي رأيناها معه من قبل في خلال حديثه عن الدورة الخالدة  (الروح، العقل ، الغريزة)

وهذا هو المخطط  كما رسمه(اضغط على الصورة لتبدو أكبر) :



2- وبعد المخطط الذي يسمح بمراقبة اطّراد الحضارة يبيّن مالك بن نبي أنّ دراسة تطور الحضارة هي في الأساس دراسة العلاقة العضويّة بين الفكرة وسنَدها ، فأما الفكرة فيعني بها الفكرة الدينية (الإسلام) وأما السَنَد فيعني به (المسلم) وهذه العلاقة في حقيقتها هي كل القيم النّفسيّة الزمنيّة التي تميّز مستوى حضارة في وقت معيّن .

إذن العلاقة بين الفكرة والسّنَد :

                                       الإسلام <---------> المسلم
                                                        |
                                                        |
                                                        |
                                                        |
                                          القيم النفسية والزمنيّة التي
                                            تميّز مستوى الحضارة


3- اطّراد الحضارة = صورة زمنيّة للأفعال وردود الأفعال المتَبَادَلَة بين الفكرة والسّنَد (الإسلام والمسلم).

مثال : الفرد في النقطة 0  على المخطّط يمثّل    حالة الفطرة =  الإنسان الطبيعي بكل غرائزه أو الفطريّ(l’homonatuna) ، تأتي الفكرة الدينيّة لإخضاع غرائزه لعمليّة شرطيّة يسمّيها علماء النّفس (الكبت) بينما تحدّدها الفكرة الدينية وفق مقتضياتها بأنّها التنظيم والضبط . وبالتالي فإنّ الفرد يتخلّص من قانون الطبيعة ليخضع إلى المقتضيات الروحيّة فيمارس حياتَه حسب قانون الفكرة الدينية، قانون الروح .  ولنتأمّل هذا المثال الذي ضربه مالك بن نبي  مع تحليله الرائع :

"هذا القانون نفسه هو الذي كان يحكم بلالا حينما كان تحت سوط العذاب، يرفع سبّابته ولا يفتر عن تكرار قولته "أحد !..أحد !.. "، إذ من الواضح أنّ هذه القولة لا تمثّل صيحة الغريزة ، فصوت الغريزة قد صمت، ولكنّه لا يمكن أن يكون قد ألغِيَ بواسطة التعذيب. كما أنّها لا تمثل صوت العقل أيضا فالألم لا يتعقّل الأشياء "

كما كانت في كلمات تلك المرأة الزانية التي جاءت تعترف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطلب إقامة الحدّ عليها لتطهيرها، وكذلك كانت لغة ذلك العصر روحيّة بحتة، إذ خرجت هذه الوقائع عن الطبيعة إلى سيطرة الروح على الغريزة.

ويواصل المجتمع الإسلامي الذي أشعّت الفكرة الدينية في أنفس أفراده إشعاعه على العالم، فتنشأ المشاكل المحسوسة بحكم التوسّع، كما تتولّد ضرورات نتيجة اكتماله، فينعطف المجتمع إلى العقل لتلبية هذه المقاييس المستجدّة، فكان استيلاء الأمويّين على الحكم، ولم تعد سيطرة الروح على الغرائز بتلك القوة، وبدأت الغرائز بالتحرّر ، ويُسقط مالك بن نبي هذه الحال في هذه المرحلة على عصر النهضة الأوروبية الذي تميّز بالجنوح إلى العقل والابتعاد عن الرّوح .

وفي مرحلة الانعطاف إلى العقل يلاحَظ كفّ المجتمع عن توجيه سلوك الأفراد مع بوادر تحرّر الغريزة، فينخفض المستوى الأخلاقي مدلّلا على نقص الفعاليّة الاجتماعية للفكرة الدينيّة ، وتنقص الفعالية شيئا فشيئا، ومع تناقصها تزداد الغريزة تحرّرا إلى أن يبلغ هذا التحرّر تَمَامَه، فيبدأ الطور الثالث وهو طور الغريزة الذي ينتهي فيه دور الفكرة الدينية في مجتمع منحلّ، ويكون قد دخل نهائيا في ليل التاريخ، وبه تتمّ دورة في الحضارة .

وهذه هي دورة الحضارة، تبدأ بظهور الفكرة الدينية وتأثيرها في الأنفس، وتنتهي حينما تفقد القوة الروحية للفكرة سيطرتها على الغرائز .
ثمّ وبعد التفصيل في دور الفكرة الدينية في دورة الحضارة، ينتقل مالك بن نبي إلى الحديث عن الإنسان في حالتين، الحالة السابقة للحضارة، وحالة نهاية الحضارة، فأما الأول فيسمّيه الإنسان الفطري أو رجل الفطرة، وأما الثاني فيسمّيه المتفسّخ حضاريا، ثمّ يبيّن الفرق الشاسع بين الاثنين مبتعدا عن الحكم السطحي بتماثلهما لما يجمع بينهما من أوجه الشبه.

فالإنسان الفطري مستعدّ للقيام بعمل محضِّر ، بينما المتفسّخ حضاريا لم تعد له الطاقة التي يقدم بها عملا محضِّرا ، ويمثّل بصورة مستقاة من علم الطاقة المائية ...
جزيء الماء في حالة (قبل) دخوله خزان ينتج الكهرباء ، فيه طاقة تقدم عملا نافعا إذا ما استغلها الخزان للري أو لإنتاج الكهرباء، وذلك رجل الفطرة، وأما في الحالة الثانية  (بعد) خروجه من الخزان فقد فقد طاقته المذخورة، ولم يعد قابلا لاستعادة حالته إلا إذا تبخّر لترجعه التيارات الجوية الملائمة إلى أصله، وذلك حال المتفسّخ حضاريا والذي لم يعد بمقدوره تقديم عمل محضّر نافع، إلا إذا تغيّر عن جذوره الأساسية .

وهذا ما يبيّن أثر الفكرة الدينية في سلوك الإنسان لتجعل منه إنسانا قابلا لإنجاز رسالة وأدائها، كما تدفع المجتمع أيضا إلى الحفاظ على استمرار الحضارة، وذلك هو تبَيُّنُهُ لهدف جهوده البعيد، وهذه الاستمرارية في النشاطات الاجتماعية والأعمال الحضارية سببها متعلق بغائيّة معيّنة تمنح بها الفكرة الدينية الأنفس الوعي بهدف معيّن ، تصبح معه الحياة ذات دلالة ومعنى، وذلك بالتمكين لهذا الهدف من جيل لجيل ، وحينئذ تكون قد مكّنت لبقاء المجتمع ودوامه (وهذه الغائية تتمثل في مفهوم الآخرة وتتحقق تاريخيا في صورة حضارة ).

يقول مالك بن نبي :
"وإن هذه المشكلات ذاتها التي تتعلق بعلم النفس الفردي والاجتماعي، قد سبق وأن وجدت لها الفكرة الإسلامية حلها منذ ثلاثة عشر قرنا من الزمن، حتى تحرّك الإنسان السابق على الحضارة والذي بنى الحضارة الإسلامية ....إلى حيث يسوقه الله ".



« آخر تحرير: 2009-07-21, 17:45:34 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر


بعد تطرّق مالك بن نبي إلى "التكديس والبناء " مفسّرا معنى التكديس في إطار توضيح مقياس الحضارة، ثمّ مسهبا عن دورة التاريخ الخالدة بتحليله لكل من دورتي  الحضارتين الإسلامية والمسيحيّة، مردفا بتوضيح دور الفكرة الدينيّة في تكوين الحضارة.
يدخل مالك بن نبي الآن في تفصيل العناصر الثلاثة الأساسيّة المركّبة للحضارة، كلّ عنصر على حِدة : الإنسان والتراب والوقت .

العنصر الأول : الإنســـــــــان :

يبين مالك بن نبي أنّ مشاكل الإنسان تختلف باختلاف بيئته ، فلا وجه للموازنة بين رجل أوروبا المستعمِر ورجل العالم الإسلامي القابل للاستعمار ، فكلّ منهما في طور تاريخيّ خاصّ به .
ففي البلاد الأوروبيّة المشكلة الاجتماعيّة التي يعانيها الأفراد مشكلة (حركة) ناشئة من العلاقة بين الحاجات وتيار الإنتاج الصناعي المسرّع، بينما أزمة الشعوب الإسلامية أزمة (ركود) وقعود عن السّير في ركب التاريخ .فهُم هناك في حاجة إلى مؤسسات وزيادة مؤسسات،بينما العالم الإسلامي في حاجة إلى رجال ، ويذكر الجزائر كمثال يعايش ظروفه، فيقول مالك بن نبي : "فالمسألة هي أنه يجب أولا أن نصنع رجالا يمشون في التاريخ ، مستخدمين التراب والوقت والمواهب في بناء أهدافهم الكبرى" .


ويذكر أنّ بالجزائر صنفين من الناس، فرجل مدينة ورجل بادية ، رجل المدينة الذي من أهمّ ما يميّزه الانهزامية المتمكّنة منه من أثر دواعي الانحطاط التي قضت على مدنيات تعاقبت على بلاده، فيسميه (رجل التعليق) إذ لا هو رجل الفطرة، ولا هو المتفسّخ حضاريا، كما يسميه (رجل النصف )  الذي يرضى من كل طريق بالنصف في الفكرة وفي التطوّر وفي العمل،فيستحضر حال رجل المدينة في الجزائر مع الفكرة الإصلاحية التي لم يرضَ بإكمالها بل جعلها نصف فكرة، ساعة بترها وحوّلها إلى السياسة لأنه لم يكن مستعدّا إلا لنصف الطريق .

وحتى يفهم تأثير الإنسان في التاريخ وفي الحضارة، يعتمد مالك بن نبي في دراسة مشكلته على قوى تأثيره في المجتمع فيذكر أنها كل من : فكره، عمله ، ماله .وأنّ قضيته منوطة بتوجيهه في ثلاث نواح :

1- توجيه الثقافة .
2- توجيه العمل .
3- توجيه رأس المال .


نتساءل الآن . ماذا يعني بفكرة التوجيه ؟؟

يشرح مالك بن نبي فكرة التوجيه على أنها عملية استغلال ملايين السواعد العاملة والعقول المفكرة في العالم الإسلامي وتوجيهها التوجيه السليم لصناعة حضارة .حتى لا تضيع جهودها وأوقاتها من غير تحديد للوجهة وتوحيد للسّير ، بتحريك طاقات الأفراد وفق مقتضيات الفكرة الدينية الدافعة للعمل الجماعي بما يناسب كل عضو من أعضاء المجتمع.

وهذا الموكب هو الذي يحدّد مجرى التاريخ ، ففكرة التوجيه إذن هي توحيد للجهود، وتوحيد للوجهة والهدف لتأدية العمل الحضاري في أحسن الظروف وبأحسن استغلال للطاقات، لتحقق أمة بأكملها رسالتها ولتراقب استمرارها من جيل لجيل .
فكرة التوجيه كما يعرفها مالك بن نبي هي قوة في الأساس، وتوافق في السّير، ووحدة في الهدف .

ومن خلالها نفهم كيف يشعّ نور الفكرة فينتقل من مناجاة الضمير لنفسه إلى تحريك الضمائر الجماعية، وهو ما يحقّق قيام شعب بأكمله برسالته .




غير متصل ازهرية صغيرة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 995
  • الجنس: أنثى
متابعون معكى باذن الله
اللهم كم عاهدناك بألا نعود.. فما كان منا إلا نقض العهود
وهانحن نعاهدك على ألا نعود، فإن عدنا فعد علينا بالمغفرة يا ودود

غير متصل hasbo

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 288
  • الجنس: ذكر
متابع
يارب نفسى كبت مماألم فزكها ياكريم انت هاديها
هامت اليك فلما اجهدت تعبا رنت اليك فحنت قبل حاديها
ان لم تجد برشد منك فى سفر فسوف أبقى ضليلا فى الفلا تيها
فان عفوت فظنى فيك يا أملى وان سطوت فقد حلت بجانيها
[/size]



حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا ومرحبا بك يا أزهرية في موضوعي ... تسعدني جدا متابعتك  ::)smile:

أهلا بمتابعتكم جميعا إخوتي ...أسأل الله أن ينفعنا به

تابعونا فهناك الجديد  emo (30):
 

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا يا أسماء على هذا الموضوع الهام والتلخيص الرائع
اقتبست بعض العبارات التي أعجبتني جدا، بل ووضعت احداها في واجهة المنتدى



لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق ، وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم "

يريدون تغييرا وتحولا بعصا سحرية تقلبهم من حال إلى حال رغم ما يعتري جسد الشعب المريض المعلول من الآفات والعلل  ، وهكذا ورث المِيكروب السياسي ميكروب الدروشة...

متى كان فكر الشعب مستيقظا، ومتى كانت فكرته إصلاحية راقية كانت حكومته على النحو الذي يرتضيه.

 الإصلاح يبدأ من النفس، ومن ثمّ ينتشر إلى المجتمع ومتى تغير المجتمع كانت حكومته على شاكلته.


"إنّ المقياس العام في عملية الحضارة هو أنّ الحضارة هي التي تلد منتجاتها، وسيكون من السخف أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها "
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
ولكن اسمحي لي أختي أسماء ان اناقش الفكرة التالية:

مناقشة:

اقتباس
ووفق هذا يتحدّث يبين أنّ  الحضارة المسيحية سارت على نفس الطريق الذي سارت عليه الحضارة الإسلامية، رغم أنّ المسيحية قد سبقت الإسلام بقرون عديدة ،

كنت قد حضرت من زمن طويل محاضرة لأستاذة استشهدت بهذا الكلام لمالك بن نبي، ولكنني من وقتها وللآن أرى أن تحليله في هذه النقطة قد جانبه الصواب، لأنه ليس هناك تاريخياً ما يسمى بحضارة مسيحية انبعثت من الفكرة الدينية المسيحية. كذلك فإن هذا الكلام لا يفسر لنا قيام كثير من الحضارات المادية رغم تخلف فكرتها الدينية، كالفرعونية والهندية واليونانية والصينية والفينيقية والآشورية وغيرها... وحضارات الأقوام الكافرة التي قص علينا القرآن قصصها كعاد وثمود مثلاً، فهي لاشك حضارات لم تنبعث من فكرة دينية إطلاقاً.

وعودة لما أسماه الكاتب بالحضارة المسيحية، وهو مصطلح منتشر في كتابات الأوروبيين رغم كذبه وبهتانه...

فتاريخيا أتباع المسيحية الحقيقية لوحقوا واضطهدوا وتفرقوا في البلاد، ثم اعتنقت الدولة الرومانية المسيحية، ولكن بعد أن حرفتها وجعلتها أقرب للوثنية منها للديانة السماوية، فأدخلت فيها فكرة الثالوث والمخلص والفداء، وألغت التشريع تماما، وجعلت الجزاء في اليوم الاخر مرتبطا بالإيمان بعقيدة الثالوث والمخلص الفادي، لا مرتبطا باتباع الشرائع، وبهذا فرغت المسيحية تماماً من معناها، والحضارة التي تبنت هذه العقيدة الجديدة ونشرتها هي حضارة مادية وثنية كانت قائمة بالفعل، وهي الحضارة الرومانية، ثم مع ازدياد انتشار الفكرة المسيحية واتساع نفوذ القساوسة والرهبان دخلت أوروبا عصورها الوسطى المظلمة، ثم كان البعث والنهضة مرتبطا بتطليق الفكرة المسيحية المحرفة والتحرر منها، والاتجاه نحو الإلحاد
هذا ما يحكيه لنا التاريخ، وهو مختلف تماما –في هذه الجزئية- عن تحليل مالك بن نبي... وإن كان لا يتناقض مع استنتاجه النهائي من ان التاريخ يترجم القاعدة القرآنية {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}..

 ألا ترين هذا؟
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*