الجزء الأول:
كانت ساحة كبيرة غير متضحة الملامح،
طيبة الرائحة، تثير الفضول وتغرس رغبة المغامرة.
حاولت الاقتراب منها كثيرا الا أننى دائما ما أجد نفسى مقيدا فلا أرجع الا وقد ازددت اصرارا على العودة مرة أخرى.
كل يوم أشاهد المنظر الغامض فتتوق نفسى الى معرفة خباياه وحقيقة شكله ومظهرة،
سيطرت الفكرة على رأسى واحتلت الجزء الأكبر من اهتمامى حتى جاء يوم تحررت منى القيود لأجد نفسى أمام باب ضخم
أتحسسة بشغف على أعرف ما وراءة.
كان شعورا غريبا اقشعر منه بدنى واضطربت له نفسى متوجسة مما تجهله.
ظل الحلم يراودنى يوما بعد يوم، وبدأ شعور الرهبة يضمحل تدريجيا حتى وجدت نفسى يوما أطرق الباب غير عابئ بما يخفيه.
استجمعت قواى وشحذت حواسى ثم دخلت من فرجة صغيرة أترقب بحذر الأشياء من حولى.
كانت أجمل مما توقعت،
وسريعا هدأت نفسى وسكنت روحى.
غريبة هذه المدينة يبدوا عليها الحزن رغم جمالها، والقلق رغم سكونها، والغموض رغم بساطتها.
لم تتمتع عينى كثيرا، فسرعان ما احسست بحجارة حادة تدمى القدمين وتبلى الأحذية سريعا،
أسرعت فى المسير أبحث عن مكلن أفضل قليلا،
انزلقت قدماى فجأة فى حفرة كبيرة أشبه ببئر عميق،
حاولت التشبث بجدران البئر الملساء، أخذت أصرخ وأصيح فما أجابنى غير صوت ارتطامى بالقاع الصلب، و أظلمت الدنيا من حولى.
استيقظت من النوم وقد اعترانى فزع شديد حتى بت أشعر بآلام الارتطام تغمر كل جسدى.
ولفترة غير قصيرة، جلست صامتا شارد الذهن أحاول تفسير ما حدث دون جدوى.
مضت بضعة أيام لم يفارق فيها الحلم مخيلتى، لا أمل من التفكير فيه محاولا سبر اغواره وفهم غموضه،
كانت ليالى الشتاء البارده تضفى على غرفتى رهبة و وحشة،
أحكمت اغلاق النافذه واطفأت المصباح.
كان الظلام مخيما على المكان من حولى ولم أدرى فى اى مكان انا الآن،
كل ما استطعت تمييزه كان صوت أنين رقيق لم أسمع مثله فى حياتى،
سرت فى جسمى قشعريرة بارده وبدأ الخوف يدب فى أوصالى،
جاهدت هواجس نفسى واستجمعت قواى ونهضت من مكانى،
ثم تحركت بإتجاه الصوت الذى أخذ يزداد رويدا رويدا كلما اقتربت منه.
بدأت ارى ضوءا خافتا الا انه كان كافيا لأرى طريقى جيدا، وما هى الا خطوات قليله حتى وجدت نفسى فى الساحة الجذابة مرة أخرى.
كدت أن أنسى ما قادنى الى هذا المكان الجميل الا انه ظل يتردد على مسمعى بحزن شديد.
أرهفت حواسى وأخذت أتبع الصوت من جديد حتى وصلت الى كوخ جميل المنظر حوله حشد من الناس،
يقف على بابه رجل طيب المظهر يوزع الطعام على الناس ويجيب من يسأله منهم.
تعجبت كثيرا، فلقد خيل لى أن الصوت قادم من داخل الكوخ.
ازداد الغموض غموضا وبدأت أشعر بالقلق مرة أخرى حتى حسمت أمرى.
تسللت الى الكوخ فى بطئ وحذر باحثا عن الصوت الذى اصبح قريبا جدا من باب الكوخ الخلفي،
اقتربت من الباب الخشبى وبدأت ادفعه الى الداخل ببطئ شديد وقلبى يخفق فى شدة وتوتر،
راودتنى نفسى كثيرا أن أرجع من حيث أتيت او ابتعد سريعا قبل فوات الأوان،
لكن فضولى كان له رأى آخر.
كان الكوخ من الداخل قاتم اللون ضعيف الانارة اشبة ببيت مهجور عفى عليه الزمن.
شيئا فشيئا بدأت عيناى تعتاد الظلمة وتميز الأشياء من حولى حتى تبينت صاحب الصوت.
اندهشت كثيرا وظللت واجما أحدق فيما تراه عينى حتى ظننت انهما تخدعانى.
لم يجل بخاطرى ابدا ان ساكن هذا المكان جواد أبيض جميل سرعان ما سرى حبه فى قلبى.