المحرر موضوع: حكاية بائع الملوك  (زيارة 35544 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
حكاية بائع الملوك
« في: 2009-05-07, 22:17:04 »

 :emoti_133:

هل تتمنى أن يبلغ العلماء المسلمون يوما من النزاهة والقوة والمهابة، ما يمكنهم من الجهر بالحق، لا يخافون في الله لومة لائم ولا غياب مصلحة ولا بطش سلطان؟

هل تتمنى لو أن العلماء المسلمين يبلغون من الاستقلالية ومخافة الله وحده درجة تمكنهم من أن يصدعوا بالحق في وجه السلطان الظالم، ويردونه عن ظلمه، ولا يرونه أمامهم بعساكره وجنوده إلا كالقط؟

هل تحلم أن يصدر يوما من الأيام عالم مسلم فتوى بإسقاط عدالة وزير، فيستبعده الحاكم ويعزله بناء على الفتوى؟

ماذا لو كنت تحلم أن يبلغ الشعب، كل الشعب، درجة من الصلاح والتقوى والالتفاف حول العالم المسلم، تجعله يحتج على الحاكم إذا ظلمه، ويقرر أن يهاجر بأجمعه معه إذا نفاه؟ حتى يخشى الحاكم على ملكه، فيضطر بهذا الاحتجاج السلمي إلى العفو والاعتذار من العالم؟
(واسعة شوية؟)


ماذا لو كنت تحلم أن يبلغ العالِم المسلم من الهيبة والنزاهة والإخلاص ما يجعله يمسك الأمراء فيبيعهم في السوق لصالح الشعب، ويقبض ثمنهم وينفقه على مصالح المسلمين؟

(أوسع من الأولى؟؟)

هذه الأحلام الواسعة العريضة، كانت حقائق عاشها الشعب العربي المسلم في مصر في القرن السادس الهجري

وإن كنتم لا تصدقون، فتعالوا أحكي لكم
 الحكاية
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حائر في دنيا الله

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 157
  • الجنس: ذكر
  • إن معي ربي سيهدين
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #1 في: 2009-05-07, 22:24:49 »
تفضلي  يا ماما هادية
أيها السائل عني لست بي بأخبر مني
أنا لا اسلم من نفسي فمن يسلم مني؟!

غير متصل ريحان المسك

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 3329
  • الجنس: أنثى
  • جاي النصر جاي الحرية
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #2 في: 2009-05-07, 22:27:44 »
بالإنتظار  ::ok::
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #3 في: 2009-05-07, 22:32:48 »
تفضلي  يا ماما هادية

 emo (30):


زادك الله فضلا وخيرا ، وأسعدك ويسر لك أمورك بما يرضيه عنك


*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #4 في: 2009-05-08, 09:33:38 »

 :emoti_133:

هل تتمنى أن يبلغ العلماء المسلمون يوما من النزاهة والقوة والمهابة، ما يمكنهم من الجهر بالحق، لا يخافون في الله لومة لائم ولا غياب مصلحة ولا بطش سلطان؟

هل تتمنى لو أن العلماء المسلمين يبلغون من الاستقلالية ومخافة الله وحده درجة تمكنهم من أن يصدعوا بالحق في وجه السلطان الظالم، ويردونه عن ظلمه، ولا يرونه أمامهم بعساكره وجنوده إلا كالقط؟

هل تحلم أن يصدر يوما من الأيام عالم مسلم فتوى بإسقاط عدالة وزير، فيستبعده الحاكم ويعزله بناء على الفتوى؟

ماذا لو كنت تحلم أن يبلغ الشعب، كل الشعب، درجة من الصلاح والتقوى والالتفاف حول العالم المسلم، تجعله يحتج على الحاكم إذا ظلمه، ويقرر أن يهاجر بأجمعه معه إذا نفاه؟ حتى يخشى الحاكم على ملكه، فيضطر بهذا الاحتجاج السلمي إلى العفو والاعتذار من العالم؟
(واسعة شوية؟)


ماذا لو كنت تحلم أن يبلغ العالِم المسلم من الهيبة والنزاهة والإخلاص ما يجعله يمسك الأمراء فيبيعهم في السوق لصالح الشعب، ويقبض ثمنهم وينفقه على مصالح المسلمين؟

(أوسع من الأولى؟؟)

هذه الأحلام الواسعة العريضة، كانت حقائق عاشها الشعب العربي المسلم في مصر في القرن السادس الهجري

وإن كنتم لا تصدقون، فتعالوا أحكي لكم
 الحكاية



بل أصدّق ....فأنا الصديقة  ::)smile:

ننتظر يا ماما هادية emo (30):

ماما فرح

  • زائر
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #5 في: 2009-05-08, 11:27:43 »

متابعون بارك الله لك

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #6 في: 2009-05-12, 21:32:21 »
سارة وأسماء وماما فرح
جزاكم الله خيرا على متابعتكم وتشجيعكم، وعذرا على التأخير

وقبل أن نبدأ في حكاية الحكاية، دعونا نتعرف إلى بطل القصة بترجمة بسيطة مختصرة له:


هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السلمي

ولد بدمشق عام 577هـ/1181م ، ونشأ بها ودرس العلوم الشرعية والعربية، وتولى الخطابة بالجامع الأموي، والتدريس في زاوية الغزالي فيه، وقصده الطلبة. وله الفتاوي السديدة التي قادته للحبس، ثم للهجرة إلى مصر، فعين هناك قاضيا للقضاة، ومارس التدريس والإفتاء، وعين للخطابة بجامع عمرو بن العاص، وحرض الناس على ملاقاة التتر، وقتال الصليبيين، وشارك في الجهاد، وعمر حتى مات بالقاهرة سنة 660هـ/ 1262 م ودفن بها.
وهو سُلمي، أي منسوب إلى بني سُليم، إحدى القبائل المشهورة من مضر، والتي ينسب إليها كثير من الصحابة والتابعين.

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #7 في: 2009-05-12, 21:35:22 »
طلبه للعلم ونشأته:

عاش العز بن عبد السلام في أسرة متدينة فقيرة مغمورة، وهذه تربة صالحة للنبوغ والتفوق، وابتدأ العلم في سن متأخرة.
يروي السبكي قصة ذلك عن والده: "كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا على كبر (أي في العلم)، وسبب ذلك أنه كان في بيت في الكلاَّسة –وهي الزاوية والبناء والمدرسة عند الباب الشمالي للمسجد الاموي- من جامع دمشق، فبات بها ليلة ذات برد شديد فاحتلم، فقام مسرعا، ونزل في بركة الكلاسة، فحصل له ألم شديد من البرد، وعاد فنام، فاحتلم ثانية، فعاد إلى البركة، لأن أبواب الجامع مغلقة، وهو لا يمكنه الخروج، فطلع فأغمي عليه من شدة البرد، أنا أشك (والد السبكي يتكلم) هل كان الشيخ الإمام يحكي أن هذا اتفق له ثلاث مرات أو مرتين فقط، ثم سمع النداء في المرة الأخيرة: يا ابن عبد السلام، أتريد العلم أم العمل؟ فقال الشيخ عز الدين: العلم لأنه يهدي إلى العمل، فأصبج وأخذ التنبيه –وهو أهم كتاب مختصر في الفقه الشافعي للشيرازي، ويعتبر الكتاب الأول للمبتدئين- فحفظه في مدة يسيرة، وأقبل على العلم حتى صار أعلم أهل زمانه، ومن أعبد خلق الله تعالى."

وتدل هذه القصة على أن العز نشأ في أسرة دينية ومجتمع إسلامي، ومحيط علمي، يقدر العلم ويجل شأنه، كما أنها تدل على الورع والتقوى، وصرامة العز في دينه وقوة شكيمته، وتحمله الصعاب والشدائد في سبيل مرضاة الله.
(ليس كبعض شبابنا الملتزم اليوم، يجري وراء الرخص من هنا وهناك، سواء كانت بدليل راجح او مرجوح، وسواء كان ممن تجوز لهم هذه الرخص أم لا)
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #8 في: 2009-05-12, 21:37:49 »
قصد العز العلماء، وجلس في حلقاتهم، ينهل من علومهم، ويكب على الدراسة والفهم والاستيعاب، فاجتاز العلوم بمدة يسيرة. يقول عن نفسه: "ما احتجت في علم من العلوم إلى أن أكمله على الشيخ الذي أقرأ عليه، وما توسطته على شيخ من المشايخ الذين كنت أقرأ عليهم إلا وقال لي الشيخ: قد استغنيت عني، فاشتغل مع نفسك، ولم أقنع بذلك، بل لا أبرح حتى أكمل الكتاب الذي أقرؤه عليه في ذلك العلم."
(ليس كالمغرورين من شباب هذه الأيام، لا يكاد أحدهم يقرأ كتابا أو كتابين، حتى يبدأ في تأليف الرسائل والمقالات في ضلالات الداعية الفلاني، وأخطاء العلامة العلاني)

واختار العز فطاحل العلماء العاملين، فأخذ علمهم وتأثر بهم وبأخلاقهم الفاضلة، وسلوكهم الرفيع في الحياة، فجمع بين العلم والأخلاق والسلوك والعمل، حتى صار أعلم أهل زمانه ومن أعبد خلق الله تعالى كما قال السبكي.

وجمع العز في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية، فدرس التفسير وعلوم القرآن، والفقه وأصوله، والحديث وعلومه، واللغة والتصوف، والنحو والبلاغة وعلم الخلاف.
وكان أكثر تحصيله للعلم في دمشق، ولكنه ارتحل أيضا إلى بغداد للازدياد من العلم، فقد كانت الرحلة لطلب العلم قد أصبحت قاعدة مستقرة في الحضارة الإسلامية، وتعتبر منقبة ومفخرة ومزية لصاحبها. وقد رحل إلى بغداد في ريعان شبابه عام 597هـ وأقام بها أشهرا، يأخذ العلوم والمعارف، ثم عاد إلى دمشق.

ترك الشيخ تراثا علميا ضخما في علوم التفسير والحديث والسيرة والعقيدة والفقه وأصول الفقه والزهد والتصوف وتلاميذ جهابذة، وحارب البدعة وأحيا السنة، وكانت له فتنة مع الحشوية من المنتسبين للحنابلة في أمور العقيدة



المشاركة المقبلة بإذن الله، ستبدأ بها الحكاية، ونعرف لماذا سمي بطلنا بـ (بائع الملوك)
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

جواد

  • زائر
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #9 في: 2009-05-13, 15:02:16 »
بارك الله بكم وجزاكم خيرا كثيرا،

اقتباس

وتدل هذه القصة على أن العز نشأ في أسرة دينية ومجتمع إسلامي، ومحيط علمي، يقدر العلم ويجل شأنه، كما أنها تدل على الورع والتقوى، وصرامة العز في دينه وقوة شكيمته، وتحمله الصعاب والشدائد في سبيل مرضاة الله.

هذه العبارة لخصت لنا الداء والدواء،

فمن أشد مصائب اليوم أن تنكر المجتمع للعلماء وأضاع قدر العلم الشرعي وأهمل العلوم الحياتية وجعل الهدف منهما اما وجاهة اجتماعية او كسبا ماديا،

وكلمة حق، ما كان ذلك ليحدث الا بتهاون العلماء أنفسهم، وتركهم القدوة وانشغالهم بأنفسهم أو بالمكانة العلمية على حساب التطبيق فى النفس والواقع.

نسأل الله التيسير والسداد،

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #10 في: 2009-05-13, 20:32:46 »
صدقت يا جواد
لكن طبعا لا يمكننا ان نعمم، فلا زال هناك علماء مخلصون مجاهدون، لكنهم قلة في وسط هذه الكثرة الكاثرة من المسلمين غثاء السيل

على أية حال القصة مليئة بالعبر. بل لولا أنها قصة موثقة تاريخيا، لظنناها ضربا من الخيال أو الأساطير

وستبين لنا القصة دور العالم، ودور الأمة أيضا في إعلائها للعلماء وائتمارها بأمرهم

تابعونا
 ::)smile:
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #11 في: 2009-05-14, 20:39:54 »
ونبدأ الان بالحكاية  ::)smile:
أرجو الانتباه لأسماء الملوك، فبطل قصتنا عاصر عددا  من الملوك المختلفين والمتباينين جدا في مواقفهم... فلا تختلطن عليكم الأسماء والشخصيات


العز بن عبد السلام في دمشق:

عاش العز بن عبد السلام في دمشق في ظل الملك الأشرف، ثم بعد وفاته في ظل أخيه الملك الصالح إسماعيل، وكان الملك الأشرف ميالاً إلى الحشوية من الحنابلة، لذلك حدثت للعز فتنة عظيمة.

وذلك أن العز بن عبد السلام زمن الملك الأشرف كان يدعى مفتي الشام، حتى أصدر الحشوية من الحنابلة فتياهم في مسألة كلام الله تعالى،  ووافقهم الملك الأشرف موسى، وصار يعتقد أن من يخالف ذلك كافر حلال الدم، فدس الحشوية إلى الملك أن العز أشعري العقيدة، فأوقعوا بينه وبين الملك.

وهنا عزله الملك من مناصبه وحبسه في بيته، وأمره ألا يجتمع بأحد من الناس، وألا يفتي، ولما جاء أستاذ الدار الغِرز خليل (أي سعادة السيد خليل) برسالة الملك الأشرف بدمشق للشيخ العز بعزله عن الإفتاء وعدم الاجتماع بأحد ولزوم بيته، تقبل الأمر بصدر رحب، واعتبرها :
"هدية من الله تعالى، أجراها على يد السلطان، وهو غضبان، وأنا بها فرحان، والله يا غِرز، لو كانت عندي خِلعة تصلح لك على هذه الرسالة المتضمنة لهذه البشارة، لخلعت عليك، ونحن على الفتوح، خذ هذه السجادة صلِّ عليها"
فقبلها وقبَّلها، وودعه وانصرف إلى السلطان، وذكر ما جرى بينه وبينه، فقال السلطان لمن حضره: قولوا لي ما أفعل به؟ هذا رجل يرى العقوبة نعمة، اتركوه، بيننا وبينه الله.

وبقي الشيخ على تلك الحال ثلاثة أيام، حتى تدخل العلامة جمال الدين الحصيري شيخ الحنفية في زمانه، وأنكر على السلطان عمله، وأيد كلام العز وقال: "هذا رجل لو كان في الهند أو في أقصى الدنيا، كان ينبغي للسلطان أن يسعى إليه في بلاده، لتتم بركته عليه وعلى بلاده، ويفتخر به على سائر الملوك، وقال عن عقيدته: "هذا اعتقاد المسلمين وشعار الصالحين ويقين المؤمنين، وكل ما فيها صحيح، ومن خالف فيها وذهب إلى ما قاله الخصم فهو حمار."

فعندها تراجع الملك الأشرف واعتذر واسترضى الشيخ، وأوصى به حكام دمشق خيرا، وطلبه في مرض موته لنصحه والدعاء له.
وعاد العز إلى الإفتاء، وتجاوزت شهرته بلاد الشام، وقُصد بالفتاوى من الآفاق.

ثم جاء الملك الكامل من مصر، وانتزع سلطنة دمشق من أخيه الملك الأشرف، وأكرم الشيخ العز وأوصى به خيرا، ثم حل الود والصفاء بين الشيخ العز والملك الأشرف الذي استطاع ان ينفرد بسلطان دمشق من جديد، ومرض بعد ذلك، وكان يطالب العز بالزيارة والنصح والدعاء، فأشار عليه العز بإبطال المنكرات ورد المظالم، وتطبيق الشرع، والالتزام بالقرآن والسنة، فأمر السلطان المريض نائبه وأخاه الصالح إسماعيل بتنفيذ أوامر الشيخ، ثم توفي الأشرف وخلفه الصالح إسماعيل.





----------------------------------

ما رأيكم في هذه العلاقة بين الملوك والسلاطين من جهة، وبين العلماء من جهة أخرى

لاحظوا أسلوب كلام شيخ الحنفية القوي، وتعريضه بالسلطان ... !!

هل رأيتم مثل هذا؟

وما تعليلكم؟؟

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #12 في: 2009-05-20, 21:34:12 »
طيب... لا يوجد تعليلات وتعليقات  :emoti_64:

نتابع اذن
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #13 في: 2009-05-20, 21:46:16 »
العز بن عبد السلام في دمشق (2)

ولم يكن الصالح إسماعيل على وفاق مع الإمام العز منذ حياة الأشرف، لأنه كان يعتقد برأي الحشوية، كما أن الملك الكامل –سلطان مصر- لما زار الشيخ العز وتودد إليه وأكرمه وقربه، استفتاه قائلاً: إن هذا –مشيرا إلى الصالح إسماعيل- له غرام برمي البندق، فهل يجوز له ذلك؟ فقال العز: "بل يحرم عليه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: إنه يفقأ العين ويكسر السن"، فسخط عليه الصالح.

ولما ولي الصالح إسماعيل سلطان دمشق بعد أخيه، كان سلطان مصر قد آل إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، ابن الملك الكامل، وكان قويا مهيبا جبارا بطاشا، مع صلاح وتقوى، فملك الديار المصرية، وسار في أهلها السيرة المرضية، واتجه بنظره إلى بلاد الشام، وعزم على ضمها إلى ملكه، لأنها في الأصل ملك والده الكامل.

هنا خاف الملك الصالح إسماعيل خوفا منعه الطعام والشراب والمنام، وطاش عقله وخاب رأيه، وجبن قلبه، فلم يلجأ إلى المواجهة والمنازلة مع ابن أخيه نجم الدين، ولم يسع إلى المصالحة والمهادنة، وإتما التجأ إلى أعداء الله من الفرنجة الصليبيين، فاصطلح معهم وتحالف معهم ضد نجم الدين، وسلم إليهم لقاء ذلك صيدا والشقيف وصفد، وأذن لهم بدخول دمشق لشراء السلاح لقتال المسلمين في مصر، وهذه خيانة عظمى، واستسلام ذليل، وخروج عن الدين والشرع.

هنا أفتى العز بن عبد السلام: "يحرم عليكم مبايعة الفرنجة السلاح، لأنكم تتحققون أنهم يشترونه ليقاتلوا به إخوانكم المسلمين."
ثم صعد منبر المسجد الأموي الكبير، وذم موالاة الأعداء، وقبّح الخيانة، وشنع على السلطان، وقطع الدعاء له بالخطبة، وصار يدعو أمام جماهير المسلمين بما يوحي بخلعه واستبداله فيقول: "اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً، تعز فيه وليك، وتذل فيه عدوك، ويعمل فيه بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك"، والناس يبتهلون بالتأمين والدعاء للمسلمين، والنصر على أعداء الله الملحدين.


وكان الملك الصالح إسماعيل خارج دمشق، فلما وصله الخبر، أحس بالخطر، وأصدر أمرا كتابيا بعزل الشيخ من الخطابة والإفتاء، وأمر باعتقاله، واعتقال الشيخ ابن الحاجب المالكي الذي شارك في الإنكار على السلطان.

ولما قدم إسماعيل إلى دمشق أفرج عنهما، وأمر الشيخ بملازمة داره، والامتناع عن ملاقاة الناس، ومنعه من الفتيا.


يتبع ان شاء الله
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ازهرية صغيرة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 995
  • الجنس: أنثى
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #14 في: 2009-05-20, 21:48:23 »
تابعى والله المعين
اللهم كم عاهدناك بألا نعود.. فما كان منا إلا نقض العهود
وهانحن نعاهدك على ألا نعود، فإن عدنا فعد علينا بالمغفرة يا ودود

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #15 في: 2009-05-27, 21:01:30 »
ارتحاله من دمشق إلى مصر :

ضاق العز بن عبد السلام بالإقامة الجبرية في منزله، وتعطيل العمل الدعوي المسؤول عنه شرعا، فقرر مغادرة دمشق، والهجرة إلى أرض الله الواسعة، فاتجه إلى مصر عن طريق القدس.

ولكن السلطان الصالح إسماعيل خشي من هجرة الشيخ، وأراد مساومته بالتراجع عن رأيه والاستسلام للسلطان، ليستغل فيه نقطة الضعف البشري بعد عزله وأثناء غربته وهجرته.
فجاءه الملك الناصر داود، أخو إسماعيل، فأخذه وأقام عنده بنابلس مدة، ثم انتقل إلى بيت المقدس واقام به مدة، ثم جاء الصالح إسماعيل والملك المنصور صاحب حمص، وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم إلى بيت المقدس، يقصدون الديار المصرية، فسير الملك الصالح إسماعيل بعض خواصه إلى الشيخ بمنديله، وقال له: تدفع منديلي إلى الشيخ، وتتلطف به غاية التلطف، وتستنزله، وتعده بالعود إلى مناصبه على أحسن حال، فإن وافقك فتدخل به عليّ وإن خالفك فاعتقله في خيمة إلى جانب خيمتي.
فلما اجتمع الرسول بالشيخ، شرع في مسايسته وملاينته، ثم قال: " بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وماكنت عليه وزيادة، أن تنكسر للسلطان، وتقبل يده لا غير". فقال العز: يا مسكين، ما أرضاه أن يقبل يدي فضلاً أن أقبل يده، يا قوم! أنتم في واد وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به"
فقال له: قد رسم لي إن لم توافق على ما يطلب منك، وإلا اعتقلتك، فقال: افعلوا ما بدا لكم، فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان.

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #16 في: 2009-05-27, 21:06:22 »
فقال له: قد رسم لي إن لم توافق على ما يطلب منك، وإلا اعتقلتك، فقال: افعلوا ما بدا لكم، فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان. :emoti_411:

وكان الشيخ يقرأ القرآن، والسلطان يسمعه، فقال يوماً لملوك الفرنج: تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن؟ قالوا: نعم، قال: هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره عليّ تسليمي حصون المسلمين، وعزلته عن الخطابة بدمشق، وعن مناصبه، ثم أخرجته فجاء إلى القدس، وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم.(عم يبيض وش)
فقالت له ملوك الفرنج: لو كان هذا قسيسا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها.(كسفة)

ثم جاءت العساكر المصرية،  :emoti_389: ونصر الله تعالى الأمة المحمدية، :emoti_389: وقتلوا عساكر الفرنج، emo (11): ونجى الله سبحانه وتعالى الشيخ، فجاء إلى الديار المصرية. :emoti_316:
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #17 في: 2009-05-30, 09:23:27 »
:emoti_209:  يريد أن يبيع الملوك :emoti_209:

وصل الشيخ العز إلى مصر سنة 639هـ ، ولقيه في مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب، الذي كان يعرف مكانة العز وعلمه وتاريخه، فاستقبله بحفاوة، وبالغ في إكرامه، عينه في أعلى المناصب: خطابة جامع عمرو بن العاص، وقضاء القضاة.

وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب شديد المراس، صلباً، قوياً، طموحاً، وله أطماع واسعة، فأراد أن يقوي جيشه، ويصطفي قواده، ويحمي نفسه، فاشترى من مال الدولة (بيت المال) المماليك الأتراك، واستجلبهم من أواسط آسية وغربها، ودربهم على الفروسية والفتوة والقتال، حتى نالوا ثقته، فاتسع نفوذهم، حتى صاروا أمراء وقادة الجيش، وبلغ أحدهم أن صار نائب السلطان مباشرة.


ولما تولى العز منصب قاضي القضاة، باشر بإصلاح الأمور، وإقامة العدل، ومنع الانحراف والخطأ، وهنا اكتشف أن القادة الأمراء لا يزالون في حكم الرق لبيت مال المسلمين، ولم يثبت عند الشيخ أنهم أحرار، وبالتالي فإن الحكم الشرعي هو عدم صحة ولايتهم من جهة، وعدم نفوذ تصرفاتهم العامة والخاصة من جهة أخرى.

ولم يُشهِّر بهم الشيخ، ولم يرفع راية العصيان المسلح، وإنما بلغهم ذلك أولاً، وأوقف تصرفاتهم ثانياً، ولم يصحح لهم بيعاً ولا شراءً ولا نكاحاً، فتعطلت مصالحهم بذلك...   ::)smile:


وكان من جملتهم نائب السلطان.. (بسيطة خالص)

 فلما بلغهم ذلك، اضطرب أمرهم، واستشاطوا غضباً، (لم يعد أحد من الشعب يبيع لهم ولا يشتري منهم، ولا ينفذ أوامرهم، على اعتبار انهم فاقدو أهلية بموجب فتوى الشيخ) ... انظروا الفتوى وقيمتها في ذلك الزمن...

ولكن أمراء المماليك كبحوا جماح غضبهم، وجاؤوا للشيخ بالحسنى والمساومة، واجتمعوا به للاستفسار عن مصيرهم في رأيه، فصمم على حكم الشرع، وأنه يجب بيعهم لصالح بيت المال، ثم يتم عتقهم ليصبحوا أحراراً، ثم يتولوا تصريف الأمور، وقال لهم بصراحة: "نعقد لكم مجلساً ويُنادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي". (بسيطة يعني)

بالله عليكم تخيلوا ذلك..
وزراء وأمراء الجيش ونائب السلطان يتوسلون للشيخ أن يرفع حكمه عنهم، ويغير فتواه التي جعلت الناس لا يبيعونهم ولا يشترون منهم، ولا يزوجونهم، والشيخ يأبى..
وماذا تريد أيها الشيخ..
يقول ببساطة شديدة: تنفيذ حكم الشرع، تنزلون لسوق النخاسة أيها الأمراء والوزراء، وأقرع فوق رؤوسكم بالجرس وأنادي... أمراء للبيع!!... ملوك للبيع!!... ونعقد عليكم مزادا علنيا، ومن يدفع أكثر نبيعكم له، ونضع ثمنكم في بيت مال المسلمين، فإن أعتقكم الشاري صرتم أحرارا، وعندها تجوز ولايتكم وإمارتكم...

أحقيقة هذه أم خيال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

بل حقيقة ورب الكعبة، تناقلتها كتب التاريخ بالروايات الموثقة، وانبنى عليها جملة من الأحكام الفقهية، وأحكام نظام القضاء والسياسة...

لا يسعني إلا أن أقول وبالعامية (متل هلأ فرد شكل)

لكن هل سينجح الشيخ؟ أم سيُقتل؟ أم يُعتقل؟؟

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل الميماس

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 479
  • الجنس: ذكر
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #18 في: 2009-05-30, 22:00:06 »
والله شوقتينا أختي ، مع أني قرات كثيرا عن الشيخ الجليل العالم البار ولكن أسلوبك تحسدي عليه ، بارك الله فيك وأمدك بالعلم
وأين حمص وما تحويه من نزهٍ  :  ونهرها العذب فياضٌ وملآنُ

لاتكتب( إنشاء الله) بل اكتب إن شاء الله

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: حكاية بائع الملوك
« رد #19 في: 2009-05-30, 22:32:36 »
والله شوقتينا أختي ، مع أني قرات كثيرا عن الشيخ الجليل العالم البار ولكن أسلوبك تحسدي عليه ، بارك الله فيك وأمدك بالعلم

جزاكم الله خيرا اخي الكريم على هذا التشجيع

وتابعونا
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*