أتساءل كثيرا هذه الأيام.. لماذا تبدو صورتك بمخيلتي شديدة الوضوح؟ لماذا أراني كأني أراك أنت أنت.. بقامتك المتميزة، وجهك الباسم، صوتك الذي أشعر كأني أسمعه كل يوم غير مرة، حركاتك، انفعالاتك، هزلك، جدك،.. أرى كل هذا وكأن تلك المسافات التي بيننا قد تلاشت أو لم يكن لها محض وجود أصلا أو كأن صحبتنا قد طوت من الزمان عشرات السنين، أو من الدنيا مئات المواقف وآلاف الأحداث!
أعود لرشدي وأقول لنفسي مهلا! عن أي صحبة تتحدثين؟ وأي رفقة طال عمرها أو كثرت أحداثها بوسعها أن تفعل شيئا مما هو كائن الآن وقد وصفتِ طرفا منه؟
إنها قلوب المؤمنين حين تلتقي على طريق وعرة شاقة، فيشملها الرحمن فتصبح كسرب طيور ضعيفة هاجرن مع مطلع الشتاء من أقصى بلاد الشمال بحثا عن بصيص دفء وشيء من راحة، وما يقوى قلب طائر منهم أن يقطع المسافة وحده، فتآخوا حتى صار الجميع كأنما يخفق بقلب واحد، ويصفق بجناحين اثنين فقط!
ومثل هذه الوحدة لا يصنعها طول الصحبة أو كثرة البلدان بل ربما لا تكون غايتها إلا زيادة الوهج اشتعالا والنار حرارة، أما وحدة القلوب فقد بدأتها وحدة الأهداف ووحدة العقيدة والإيمان.. فليس لنا سوى هذا من طريق، ولا بعد الله غاية!
... أبعد كل هذا أسأل كيف لي أراك معي دائما؟.. ما أرانا بأقل حالا مع الله عن هذه الطيور مع ما تبحث عنه في طريق هجرتها!