قرأت كتاب "اللاهوت العربي" ليوسف زيدان بناء على تزكية أحد الاخوة المنبهرين به، والذي قال أنه مليء بالذخائر ...
وكتبت عنه النقد التالي:
---------------------------------------------
لاأستطيع نقد الكتاب كله، لأن هذا يستلزم مني تأليف كتاب مماثل له في الحجم... وأشك في ان رأيي سيكون له أي تأثير في المعجبين بهذه النوعية من الكتب.. لكنني سجلت ملاحظات سريعة لنفسي.. وعذرا لأني لا املك وقتا لشرحها.. لعلها مع ذلك تكون واضحة
الانتقاد الأساسي بالنسبة لي على الكتاب يكمن في ثلاث نقط
الاولى: التدليس والتحريف المتعمد لكثير من احداث التاريخ التي اعرفها بشكل قطعي، مما يجعلني متشككة في الاحداث الاخرى التي تحدث عنها والتي اجهلها : كتفاصيل الصراعات المسيحية
الثانية: ابتساره لمشاكل علم الكلام وانتقائيته في الحديث عنها وفي تعريفها لتخدم فكرته ,,, وهذا ليس من الموضوعية والامانة العلمية في شيء
الثالثة والاهم: تناوله للبحث بناء على فكرة تطور الاديان، والتي يقوم عليها علم الاجتماع الغربي، والذي يرتكز الى فكرة ان الناس كانت بلا دين، ثم تطورت ديانتها الى عبادة المجهول او الطبيعة ثم الاوثان ثم التثليث ثم التوحيد، وسيستمر التطور حتى يصل لعبادة العلم او الالحاد حين يستغني الانسان بالعلم والعقل عن الدين..
بهذه العقلية وهذا الاسلوب من المقاربة يفسر التشابه بين الاديان ويصر عليه ويلح عليه، ويخلط الحابل بالنابل فيها ويظلم بعضها لصالح بعض..
والأسلوب الاسلامي للمقاربة، المستند لما اخبرنا به الله تعالى خالق الكون والعالم به من خلال كتابه العزيز (والذي يجب ان نكون مؤمنين به كمسلمين) ان التطور لم يكن وفق هذا المدرج، بل بدأ الناس مؤمنين من لدن سيدنا آدم أبو البشر، ثم انحرفوا بسبب اغواء الشياطين وهوى الانفس، فأرسل الله لهم الرسل، فكانت سلسلة التاريخ سلسلة من الضياع عن درب الله ثم العودة له برسالة جديدة حتى جاءت خاتمة الرسالات.. وعلى ضوء هذا التفسير القرآني يسهل علينا جدا ان نفهم التشابه الموجود بين الديانات الثلاث موضوع البحث، بل وحتى بقايا الملل والديانات المختلفة التي لا تخلو من بقايا مواعظ من انبياء سابقين –الله اعلم بهم-
وبالمجمل فإن الكتاب اشعرني بتقارب شديد بينه وبين كتاب دان براون "شيفرة دافنشي" مع الاختلاف بين الاسلوب القصصي والاسلوب العلمي (كما يفترض به) لكن الغرض واحد وهو تمييع مفاهيم الدين وازالة الفواصل بينها، وخلط الحق بالباطل، ثم ادعاء ان العنف في العالم متولد من النزعات الدينية، (وهي دعوى سمعتها من نوال السعداوي ومن مريم نور وعدد من الملحدين.. يدعون لنبذ التدين لانه سر العنف في العالم) مع ان الحقيقة الموضوعية والتاريخية تفيد ان العنف سببه الطمع الدنيوي في المال والسلطة والسيطرة، والذي يحول الدين الحق دونه، فيكون صراع يبدؤه اهل الباطل نحو اهل الحق لازاحتهم وخنق اصواتهم المنادية بالعدل والحق (وليس العكس.. ليس ان اهل الحق يريدون اخراس اهل الباطل فيبدؤون بالعنف كما يصور الكاتب) وعندها يضطر اهل الحق للدفاع عن انفسهم، (حرب دفاعية) او عن المستضعفين من اهل ملتهم (الفتوحات) ويمكن للتعمق في هذه الفكرة مراجعة كلام الشيخ الغزالي عن الجهاد في الاسلام.
وتاريخ العنف المسيحي الذي لم يبدأ الا بعد ان اقتحمت الوثنية المسيحية وسيطرت عليها، فعندها بدأ العنف المسيحي.. هذا التاريخ الدموي لا يمكن بحال ان يسحب ويطبق على التاريخ الاسلامي... (وحروب الابادة المسيحية ومحاكم التفتيش، لا يجوز ان تقارن او يعمم حكمها على مراحل بسيطة من الصراع بين الفرق الاسلامية.. كانت دائما الفرق الضالة هي البادئة بها)
وبالنسبة لجدلية العنف، فتفسير سيد قطب لها افضل من تفسيره واحق.. واكثر انسجاما مع ايماننا بالله وبشرعه.
تلك هي الخطوط العامة لاعتراضي على الكتاب.. وهناك نقاط تفصيلية المحت اليها سريعا فيما يلي: