لا أعرفها من قبل، ولم ألتقِها بحياتي مرة، ولكنّ من الناس من إذا قابلتهم مرة تناسمت الأرواح قبل بنات الشفاه، وهدهدت نسمات الأرواح القلوب تستوثق من الصورة بين صور القلوب لا بين صور الذاكرة
كانت بمعية ابنتها تسأل عن محلّ يبيع بعض المستلزمات الخاصة،أرشدتها إلى واحد حذو مكان اللقاء،فأخبرتني وقلبها يرتسم على شفتيها مفترا أنّها تريد الحاجيات لسفرة العمر التي طالما انتظرتها وطالما راودتها حلما يطوف ويطوف ويطوف ولا ينفكّ حلما ورديا مزهرا يروي صدى المشتاق لأن يطوف الجسد يوما مع الروح التي تطوف
أخبرتني أنها ستذهب للعمرة قريبا بعد أيام، وابنتها المرافقة ترمقها بعينين ذابلتين مُغْرورقتين حينا،تتصنّع التلهي عنها هاربة من وَشي العيون حينا آخر تظنّ أنّ بها عليها قوة ، إلى أن أفشتني المرأة سرّ عيني ابنتها.... إنها المريضة التي ينمّ صوتها الخافت عن قلب ضعيف، ضعيف عليل يعييها، وأبناؤها الذين فقدوا الوالد من عهد قريب يخشون عليها ويخافون فَقدَها في رحلة لن يرافقها فيها أحدهم، إلا أن شوقها، للطواف والسعي والصلاة بأعظم بيوت الله على أرض الله يفوق حاجتها لمرافق وتفكيرها في فائدة المرافق ....
وكلما أوغلت في الحديث عن تلك البقاع كلما ازدادت ابتسامتها إشراقا وانقلب الوجه الشاحب من فعل الضعف، -وإنّ من الضعف لقوة توهِن القوة وتغلبها على أمرها-انقلب وضّاحا صبوحا ....
ويكأنّ شمسا تطلع من الوجوه إذا كانت صورة أخرى لقلوب تنفست هواء السعادة وإن كانت قلوبا ضعيفة عليلة، ألا إنّ علة القلوب في فَقدها لمعنى الفرح بالإيمان ولنفحات الإيمان ولمذاق ثمرات الإيمان النضرة الشهية، أما قلوب مسّها وَهَن المرض ومازالت تنبض بروح الإيمان فلعمري قلوب سليمة صحيحة ندية ....... قلوب وإن خفَتَ النبض ، وإن سكت.... حية تعرف معنى الخلود وتذوق النعيم مقيما ...!!!
اللهم ارزق قلوبنا صحة الإيمان واليقين ...