السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالأمس تأملت صفحتين اثنتين من سورة البقرة،وهما اللتان وردت بهما قصة طالوت وجالوت ،فخرجت من تأملي وقد مررت في السياق القرآني للقصة بمحطات تصفية ثلاث
في عجالة أذكر أصل القصة ....ذلك أن قوما من بني إسرائيل بعد سيدنا موسى مع واحد من الأنبياء الكثر الذين بعثوا فيهمطلبوا من نبيهم أن يسأل الله سبحانه أن يعيّن لهم ملكا يكون قائدهم للقتال في سبيل الله ....ولنتأمل جيدا عبارتهم الحرفية في سبيل الله وذلك يقينا منهم أنهم إنما يريدون القتال في سبيله من أثر إيمانهم وتصديقهم فسألهم نبيهم عندها مباشرة أنه إن كتب عليهم القتال ربما لن يقاتلوا وذلك من وحي حكمته وتمام عقله بأن الكلام أيسر بكثير من الفعل عندما يجدّ الجدّ فأجابوه من توّهم أن كيف لا يقاتلون وقد أخرجوا من ديارهم وأبنائهم
يعني هنا لنتأمل أنهم قوم متيقنون أنهم على حق وأن لهم كل الحق في الذود عن حقهم بعدما سلبت أراضيهم وسبي أبناؤهم
فلما كتب عليهم القتال إذا بهم يتولون انظروا إخوتي الفرق بين الموقف القولي والموقف الفعلي ، وأن نبوءة النبي بسؤاله قد تحققت وخاصة بنو إسرائيل الذين عرفوا عبر التاريخ بنقضهم لكل عهد، وهذا الحال لا يخصهم وحدهم وإنما يخص كل أمة لا تقدر مواقفها الحقيقية إلا بقدر إقدامها على الفعل وليس بمجرد التشدق القولي...
تولوا إلا قليلا منهم وهذه محطة التصفية الأولى التي وقفت عندها فالعدد الذي كان قد تناقص وانتهى إلى عدد الصادقين المقبلين على الفعل، ثم يخبرهم نبيهم أن الله قد بعث لهم طالوت ملكا فإذا بهم يحاجون كعادة اليهود في المحاججة...ولكم أن تتذكروا معي هنا قصة البقرة إذ أمرهم الله بذبح بقرة بلا ألف ولام التعريف فإذا بهم يسألون ويمعنون في السؤال حتى شقوا على أنفسهم فشق الله عليهم يحاجون في اختيار الله لهم....
ثم وبعدما يرسل لهم الله التابوت آية تحمله الملائكة وبعد تصديقهم واطمئنانهم لهذه الآية العينية يقبلون مع طالوت مقاتلين فيأتي دور محطة التصفية الثانية ها هنا وهي مع قصة النهر الذي ابتلاهم الله به فيخبرهم ملكهم أنه من شرب منه لن يكون معه ولن يتبعه وأن من لم يشرب فسيتم معه المسير إلى القتال في سبيل الله بعدما يكون قد اختبر في صدقه وإقدامه على الله تعالى باختبار شهوة نفسه وهم في أشد حالات الظمأ وتأملوا إخوتي كيف أنه سبحانه لا يسد كل منافذ الرحمة على طبيعة البشر وإنما يقول سبحانه إلا من اغترف غرفة بيده وهذه الغرفة يعني بها شربة تذهب حرارة الظمأ المستعرة ولا يراد بها أن يغرق الشارب بالماء فيشرب حتى يرتوي .....فيأتي قوله سبحانه "فشربوا منه إلا قليلا منهم" وبالعبارات القرآنية نفسها وبذات الاستثناء "إلا قليلا منهم" هم الذين نجحوا بالاختبار فكانوا في زمرة المؤمنين الصادقين المختبرين في صدقهم باختبار صعب ها نحن أمام تناقص جديد في عدد المؤمنين المكملين المسير معه.....
أراه وكأنما هو الغربال الذي يطرح الزائد الذي لا معنى له ويبقي على الأصلح بين الأصلح ....فلما جاوز طالوت النهر هو والذين آمنوا معه بعبارة
"هو والذين آمنوا معه " وكأن درجة الإيمان قد استحقت لهم بعد هذين الاختبارين وهاتين المحطتين ثم في آخر القصة يستعظم الباقون معه ، (الفئة القليلة الباقية معه) يستعظمون جيش جالوت المقبلين عليه فيقولون "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده"
فيأتي في السياق قوله سبحانه
"فقال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين"
تأملوا إخوتي وصفه سبحانه الجديد للفئة الصادحة بهذه الحكمة وهذا اليقين
وصفهم بالذين يظنون أنهم ملاقو الله وهنا الظن ليس بمعنى الظن وإنما هو بمعنى اليقين. يعني هذه محطة التصفية الأخيرة
حيث نطق الذين يتيقنون من لقاء الله ومن وعد الله بالنصر للذين على حق وأنه مع صبرهم وإن كانوا قلة
من هذا إخوتي ومن هذه القصة ألا نستنتج أن الفئة القليلة الصادقة المختارة من فعل صدقها وتصديقها وإقبالها الفعلي لا القولي وتحملها للشدائد كلها وصبرها على كل عائق وكل شدة هي التي يكون وزن الواحد منها بوزن العشرات أو المئات ، وأن نصر الله للأمة برمتها قد يأتي على يد هذه القلة الصادقة؟؟ هذه الفئة القليلة المختبرة في صدق إيمانها وإقبالها على الله ؟؟؟
ولكم أن تتأملوا