لا أعلم بماذا ابدأ , لا أعلم ماهي الكلمات التي ستصف شعوري في تلك اللحظة
لقد ابكتني
نعم لقد ابكتني تلك الإنسانة العظيمة
عندما رأيتها اول مرة كانت على رصيف الشارع
جالسة بذل و هوان بلا حول و لا قوة
تلقي بدعوة لذاك , و بدعوة لتلك
تقول له يااارب كن لشباب ابني حافظا و تقول لها يااااارب كن لإبنتي موفقا و استر عليها
تلقي بكل تلك الدعوات المستجابة و لم تطلب شيئا من المال الكريم يعطيها و البخيل يرمقها بنظرة القساوة و الإجحاظ
عندما رأيتها اول مرة لم أعرها ذلك الإنتباه دعوت لها و دخلت المطعم
عندما هممنا بالخروح بعد انتهائنا خطرت على بالي , فأسرعت بالخروج قبل أهلي لكي تتسنى لي الفرصة لمخاطبتها
وقفت بجانبها
قلت
خالة ما الذي وضعك في هذه الحالة , أليس لديك ابناء ؟!!
نظرت إلي تلك العجوز بوجهها المتجعد المليء بالحزن و الهم و الصدمة و أشرت لي بسبابتها و إصبعها الوسطى , اي لديها اثنين من الأبناء
لم استطع ان اتمالك نفسي
قلت لها
اين هما , ألا يأتيان إليك لكي يساعدوكي
أومئت العجوز رأسها بالرفض و الدموع كانت قد تساقطت على خديها المهترئين و قالت بصوتها الضعيف الذي هو اشبه بصوت انسان يختنق
قالت لي
واحد فقط يأتي إلي و أشّرت الى كيس ابيض بجانبها فيه علبة او علبتين فارغتين , لا ادري ربما كان فيهما طعام او شراب
عاودت النظر اليها فلم اتحمل نفسي الا و بكيت و بكيت و بكيت
كيف ذلك
تلك الأم التي تعبت و حملت و ارضعت و ربت و في نهاية المطاف يكون مكانها رصيف الشارع ؟!!
أيعقل هذا ؟!!
في تلك اللحظة خرج اهلي من المبنى و قد رآني ابي ابكي من حرقة قلبي قلت له اعطني ما عندك و بسرعة و بدون سؤال
اخذت النقود و توجهت الى تلك المسكينة و اعطيتها اياها و قلت لها من فضلك يا خالة ادعيلي
يا الهي
لم أرى مثل تلك الدعوة
دعوةمن القلب
قالت لي
ياااااااااااااااااااارب يوفقك يا بنتي و يستر عليكي و يجعلك من المتفوقين و الموفقين في حياتك
قالتها و الدموع تنهمر من عيونها
عاودت النظر الى زوادتها الفارغة فلم اتمالك نفسي و اعطيتها العلبة التي تحتوي على باقي الطعام الذي اخذناه من المطعم , نظرت حولي فرأيت مع امي قارورة ماء , اخذتها منها و اعطيتها لتلك العجوز المسكينة
رجعت الى امي و الدمعة لم تنشف من عيني , سألتها , ايعقل وجود امثال هؤلاء الأشخاص , لا يوجد ذرة من الرحمة في قلوبهم و لا العطف و لا الحنان
و عندما هممنا بالمشي الى السيارة قلت لهم انتظروني
ذهبت الى تلك العجوز و سلمت عليها , لا ادري ما الذي حصل , وجدت نفسي ادنو منها و احضنها و اقبل وجنتيها
و هي
حضنتني بقوة و قبلتني ايضا , و دعت لي من كل قلبها , احسست ان ابواب السماء كانت مفتوحة في تلك اللحظة و ان الله استجاب لها دعواتها
يا الهي
لا ادري ما الذي حصل لي , لقد صدمت , هذه اول مرة لي ابكي و انفعل بتلك الطريقة امام عجوز في الشارع
يا ترا , هل هي غاضبة على ابنائها , ام ترضى عليهم كل يوم و تدعو لهم بالهداية ؟!!
و الله عندما ذهبت ادراجي الى بيتي لم استطع الا و الدعاء على اولادها الجاحدين , كيف يستطيعون فعل ذلك كيييييييييييييييييييييف لم استطع ان اتخيل
يرمون امهم في الشارع و هم يتنعمون بكل مافي هذه الدنيا , الم يبين لنا نبينا اننا ننصر بضعفائنا , كيف سيستجيب لنا الله دعوتنا عندما ندعي لفلسطين بالنصر و نحن لم ننصر بعد من كان سببا في وجودنا في هذه الدنيا
يا الهي , يااااااا الهي , عندما رجعت الى البيت توضئت و صلليت و دعوت لها في سجودي يااااااااارب ساعدها و كن بعونها و هيء لها من يساعدها
تلك اللحظة عندما ضممتها , أحسست بها , شعرت بأنها تحتاج لتلك الضمة الحنون , شعرت بأنني أدخلت بعضا من السرور الى قلبها , هذا ما جعلني ارتاح في تلك الليلة
انني ادخلت بعضا من السرور و الرضا الى قلب ام ضحت و تعبت و شقت الى ان رُميت الى جانب رصيف شارع امام مبنى تدعو للقادم و الذاهب
لم تطلب شيئا من النقود
انما تدعو و تدعو و تدعو بذلك الصوت الضعيف الذي هو اشبه بصوت انسان يختنق من الهم و الحزن
أبكتني