المحرر موضوع: كنا وكانت!  (زيارة 29833 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

أحمد

  • زائر
كنا وكانت!
« في: 2009-01-24, 09:46:08 »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تجيء كان تامة، فتكتفي بمرفوعها، كقوله تعالى: "حتى لا تكون فتنةٌ" وتكون بمعنى وقع ووجد
وأكثر ما يعبر عن أسماء الأجناس وألقاب الجماعات وأعيان الجمادات والكائنات بالتأنيث، تقول: طلعت الشمس، وقالت العرب، وهذه النعل، وهذه يدي!
وتتكلم العرب بصيغة الجمع لأغراض، كالتعظيم، ومشاركة غير الفاعل في الفعل، وقد يقع عادة.. وأكثر ما يتكلم أهل الإسكندرية بصيغة الجمع، وإن لم يكن ثمة فاعل غير المتكلم!


حلقات
خطها القدر في كتاب الحياة، فتمثلت فينا، دمائنا، أحلامنا،..
ثم أعاد تدوينها فينا من جديد.. عبر ورقات نطالعها
عساها تكون باعث استغفار، أو مستنهض همة في الخير

نتابع معا شيئا منها



كنـــا، وكانت
- تأملاتنا -
!



متكأ مسائي اجتمعت له في بهاء مظاهر الجمال ومعانيه، فكأنما ارتدت الطبيعة حينها ثوبا في رقة ماء البحر المترامي نحو الأفق مزيَّنا بنجمات لامعات برزن في خجل متناثر على ضفاف قمر أبى إلا أن يتخذ لنفسه موضعين: أصل يرسم ثغر فتاتنا، وصورة زينت ذيل عباءتها فتموجت مع نسمات الهواء حين هب أو مال ..
وفي هدوء ألمحها تلملم ثيابها تارة وتبسطها أخرى متمثلة في دفقات المياه حين تقبل في حنان على بساط من فضل ذاك القمر تناثرت منه حين ألقى تحيته الأولى على أرضنا فكانت رمال هذا الشاطئ ..!
لم تخطئ عيني يومها شيئا من ملامح الحسن وصور الجمال، وكذ لم تخطئ أنفي أو أذني أو يدي ولساني .. إذ بت أتنفس بوضوح شذى يجمع بين طول الزمن وتجدد الحياة بهذا المكان، عبيراً، أوشكت رئتي على وقف النفس حفظا لأول دفعة هواء دخلتها منه، غير أنها لعذوبته لم تدرك أنها تفلتت بانسيابية وهدوء لتحل مكانها صويحبات كُثر ..
وكذا لم يكن متكئي بأقل نصيبا بداخلي، بل فوق مسحة من الرمل القمري تخذت مضجعي، ومن تبة منه كانت وسادتي، فتعبث يدي حين تعبث بذرات تفلتت بين أصابعها مبللة برطوبة البحر ونور القمر ووقار الليل وظلمته.. وبينما لا يخطئ لساني مذاق الحياة على هذه الحال، استمرَّ في وقع دؤوب ارتطامٌ حييّ وآخر واسع العينين عال الحاجبين .. أولهما تلك الزخة على هونها حين تقبل في ود نحو أناملي .. وتسبقها موجة صارمة تكسرت قبل أن تولد فأتمت صورة من الحسن، ما بلغت، يخالها الناظر روضة من رياض الخلد أو جناحا بقصر فردوسي ينعم به نبي أو صِديق
هكذا كان يحيا كل ذي قلب وتأمل .. يحلو فتحلو له الحياة ويجمل فتجمل له الدنيا .. وكذا كاد الحال يتأتى داخلي وتكتمل الصورة لدي فأهيم مع عشاق تلك الليلة أو أبكي مع بكّائيها .. إلا أن معنى آخر تسربت بِذرته داخلي فأنبتت حسا فوق الحس وشعورا وراء الشعور وتطلعا لما بعد التطلع فإذا بحسناوتنا بثوبها وثغرها ومخدعها تعلو في رونقها وتزداد في بهائها وتتدافع أحولها وأحوال ما بها أعلى ممر زينته سُرُج من نور لم أشهده أو أعهده من قبل وتبدأ في خفة ترسم مردود تلك الصورة بداخلي .. فأشهد جمالا لم تدركه عين بصيرة ولا باصرة، ولم يقف عليه قلب نابض أو شاعر .. إنها إدراك سر كل هذا وما أكثر منه .. إنها حين يصفو القلب فيذكر ربه في أعلى مظاهر نعمه ويشكره في أشد صور ابتلائه .. إنها إدراك الحق والوقوف عليه دركا لا يوصف واحساسا لا يُكتب إذ تتلألأ مشاهد النور بالنفس فلا يدرك المرء.. أذابَ قلبُه في معاني الإيمان أو صاغ هو الإيمان بداخله فانسبكت نفسه على حال لا تحويها لغة أو تعبر عنها إشارة
إلهي .. كم صدقتُ حين نطقتُ .. اللهم يكفيني انك الله ولا اله غيرك
فامنن بعزتك وارحم .. ولتأذن لدمعتي تسابق موج البحر ونسيمه



اقتباس
يشبه الشاعر هنا في مقطوعته النثرية الرشيقة الطبيعة الخلابة التي بدت في أحد شواطئ الاسكندرية الرملية، بفتاة حسناء، ثغرها قمر السماء، عباءتها السوداء هي هذا الأفق، والنجوم المتلألئة فيه هي التطريز الذهبي في هذه العباءة، وأطراف العباءة هي مياه البحر التي تداعب الشاطئ وتتكسر أمواجها عليه، ويشبه تموج سطح الماء باهتزاز العباءة بفعل نسيم الليل، وصورة القمر المنعكسة على سطح الماء، هي القمر الثاني الذي زين طرف العباءة، ورمال الشاطئ التي بدت فضية في ضوء القمر، هي فضلات من خيوطه الفضية نثرها على الأرض في أول مرة برز فيها في السماء، فكأنها كانت تحيته للأرض..



غير متصل ريحان المسك

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 3329
  • الجنس: أنثى
  • جاي النصر جاي الحرية
رد: كنا وكانت!
« رد #1 في: 2009-01-24, 12:29:11 »
جميل جدا ... اسلوب يجذب الإنتباه

من هو الشاعر اخ احمد ?!!
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: كنا وكانت!
« رد #2 في: 2009-01-24, 12:42:17 »
الشاعر هو أحمد يا سارة

هذه الخاطرة نشرها قديما في بدايات المنتدى بعنوان (دمعة تسابق اليم)
ثم حدث لدينا خطأ فني أدى بكل أسف لحذف عدد كبير من المواضيع .. منها هذا الموضوع الجميل

وعندما نشره أحمد أول مرة... تساءل كثير من الاعضاء عن غرضه منه، إذ لم يفهموه لجزالة ألفاظه وغرابة أسلوبه قياسا بالأساليب المباشرة البسيطة السائدة هذه الأيام .. فكتبتُ السطور المقتبسة في مداخلة أحمد، أشرح لهم جزءا من الموضوع، ليلتقطوا فكرته  emo (30):

وقلت عن احمد انه شاعر، مع ان القطعة منثورة، لأنها .................
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ريحان المسك

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 3329
  • الجنس: أنثى
  • جاي النصر جاي الحرية
رد: كنا وكانت!
« رد #3 في: 2009-01-24, 12:54:23 »
جميل اخ احمد , كلماتك فيها موهبة , بارك الله فيك ::roses2::


وقلت عن احمد انه شاعر، مع ان القطعة منثورة، لأنها .................

تسائلت بداية عن سبب كتباتك (الشاعر) في نفسي :emoti_17:

و لكن بما انك فتحت الباب و ذكرتِ الامر بنفسك ::)smile: , قولي لي , لأنها ............. , ماذا  :emoti_282:
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: كنا وكانت!
« رد #4 في: 2009-01-24, 13:28:55 »
لأن هذه القطعة النثرية في جمالها ورشاقتها لا تقل عن الشعر أبدا.. وكثيرا ما نسمع هذه الايام اشعارا سطحية المعاني، مرصوفة الالفاظ بلا انتقاء ولا فن، هذا إن كانت موزونة أصلا.. بل غزانا تيار اسمه الشعر الحديث او الحداثي، لا يمت للشعر بصلة، ولا تفهمين من أي باب أدخلوه ضمن التصنيف الشعري أصلا...
ولأن القطعة تفيض بالمشاعر التي تم التعبير عنها بجمال.. وهذا جوهر الشعر وإن لم يكن شكله
ولا أدري حقا لمَ يحجم أحمد عن النظم الشعري ويسلك النثر سبيلا له؟ مع أنه قادر على الشعر لو أراد
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ريحان المسك

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 3329
  • الجنس: أنثى
  • جاي النصر جاي الحرية
رد: كنا وكانت!
« رد #5 في: 2009-01-24, 13:45:27 »
صحيح

من اراد ان يكتب شعرا و كانت عنده تلك الموهبة فلينميها اولا و يتدرب جيدا ثم بعد ذلك يعرضه حتى لا يكون كشعر الحداثة ::nooh:



و بالفعل القطعة النثرية التي كتبها الأخ احمد أعجبتني جدا بما تضمنته من معاني و ألفاظ مختارة بعناية , لا اعرف ماذا اقول انا احب مثل هذا الأسلوب سواء كان نثرا او شعرا , جزاك الله خيرا اخ احمد , كلماتك رائعة و تدل على احساس عميق و موهبة قوية  ::ok::
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي

أحمد

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #6 في: 2009-01-25, 21:03:32 »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال تعالى: "أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون" رغم أنه صلى الله عليه وسلم ما نظم الشعر قط، بل كان يخطئ في حفظه، بل قال تعالى فيه أيضا: "وما علمناه الشعر وما ينبغي له"
فالشعر في قولهم "شاعر نتربص به ريب المنون" هو معناه اللغوي، ادراك اللطيف من المعاني، فلم أعترض على وصفي به في التفسير المنقول. مع اعتراضي الشديد على تسمية الحداثي شعرا!!

أما كتابتي الشعر المنظوم فهي تجارب سطحية ساذجة، لا أنظر إليها بعين الاهتمام

والحمد لله أن أعجبكم نثري، وفهمتموه

وعسى ألا يحتاج لشرح في المرات القادمة بإذن الله

أحمد

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #7 في: 2009-01-25, 21:11:27 »
كنا، وكانت

- آفاقُنا -

رسالة طالها التعديل

لست بحاجة معك أبدا للعودة إلى نقطة البداية، تلك النقطة التي لا نعود إليها إلا على أعتاب ود جديد، ومحبة نذوقها للمرة الأولى، بل علّ البداية هي من تعود إلينا إن خانتها الذكرى يوما، أو عدت عليها عادية الأيام والليالي، وعندها سنجلس.. معا، معا فلست أملك التاريخ وحدي، ولا جرت الأحداث عليّ فردا! سنجلس فتُسمع لنا قصة يحفظها الدهر عن ظهر قلبه، وتخطها الأيام بأفخر أقلامها، وتأتي يوم القيامة ظلا ظليلا ساعة الحشر، وماء كوثرا يوم الظمأ، فهي قصة لم تعتدها دروب المدن، ولم تألفها ثنايا الزمن، بل ربما لم تر ملائكة الرحمن نظير أحداثها منذ فارقت أرواح العهد الأول أبدان أصحابها، عهد الصديق والفاروق، ذي النورين وابن عم رسول الله، وما ذلك بالمبالغة أو التوسع في الحديث، كلا..! فهي قصة قلوب أيقظتها رحمة المنان، فاحترقت فيه حبا، وكانت وقودا لجوارح كانت ولا تزال تندفع بأقصى سرعتها مسابقة الزمن، مغالبة الدنيا، مطاولة السحب رفعة، والماء انسيالا، والنار التهابا، ترى الحياة فوق النجوم تقصيرا، ولا تغفل عن موطئ قدمها بين الطين والماء! سيكون ما سيكون، وسيجعل الله من بعد عسر يسرا، وسيوفق الله أهل الطاعة لطاعته، وأهل المحبة لمحبته،.. وسيأتي قوم جعلوا الله غايتهم والرسول قدوتهم والجهاد سبيلهم، ومن يهد الله فما له من مضل، فلم يبالوا بعد على أي جنب كان في الله الممات! سيكون كل ذلك، وستكون تلك القلوب التي نمت على مياه أولئك القوم الدافئة، وترعرت على سنابلهم اليانعة، حتى اخضوضر عودها، واستوت سيقانها، وطابت ثمرها، وكانت أكثر مما تمنت، ونالت بأكثر مما سعت، ستكون شامة بين القوم، وتاجا على رؤوسهم، ورحم الله من قال "واجعلني للمتقين إماما"
هذه هي النهاية التي أقرؤها على نفسي وعليك، إذ استغنيت عن ذكر البداية، أو استعادتها، فلسنا بأحوج إلى تذكارها من حاجتها إلى ادكارنا، ولست في شك مما أقول أو على تخوف منه، فما عند الله دائما هو خير وأبقى، ولسنا نطمع إلا فيما عند الله، وما توحدنا إلا فيه، وما اجتمعنا ولا افترقنا إلا عليه، هكذا أؤمن، وكذلك أراك تعتقد.. وإن ساور الشك نفسي فيّ لحظات، فليس يساورني فيك لحظة، كذا إن ضقت بأمري أياما، فلست أضيق بأمرك يوما،.. وكيف وسجل عمري مع الله.. ممدود أمام عيني أرى آثار مدادك فيه واضحا، تزين أركانه وتجمل أطرافه، وتشيد ركنا هنا، وآخر هناك،.. ولست أقول مدعيا لجميل، أو منتحلا لنعمة!
أخي، ما استطعت أن ألقاك اليوم.. صفر اليدين، مكتفيا باتسامة أحملها شيئا من رقة مزعومة، وقلب أكثرت عليه الدنيا شواغلها، فأكون معك ولست معك، فما برحت أخلص نفسي مما علقها، وأنفض يدي مما ملأها، وأفرغ ذهني مما شغله وألهاه، أراود القلم تارة، وأخلو برواق مخيلتي تارات، مجتهدا في تخليص كلمة أو خاطرة، عساني آتيك معتذرا، أو مقابلا شكرا بشكر، وجميلا بشيء من جميل، ولكن يبدو أنها قد اعتادت الأخذ دون العطاء، والكسب دون المنح، فما جادت بشيء ولا فاضت بجديد، فاستجديتها، وأعدت التأمل، أستذكر حروفي، وأستنشط عبراتي، أروم شيئا يشفع لي عند اللقاء، فأرفو به ثوبا طالما وصلتَه، وقطعتُه، وطالما شددتَه وأرخيتُه، فلم أجدني إلا باقيا على عهدي مذ بلغتني رسالتك، باكيا شاكيا ضارعا، مستلهما مولاي ولا ملهِم لي سواه، داعيا إياه، مبتهلا له بكل ما أستطيع وزيادة.! فراودتني بدايتي راجية أن تفوز بشرف الذكر، متمنية علي أن أكتب لها شيئا عنك،.. عفوا! خانني القلم، فقد تمنت أن أكتب لك شيئا عنها، فأشرفت عليها ووثبت ببصري نحو مستقبل شديد القرب، شديد الوضوح، مع أنه عسر الطريق، خطر المزالق، فوصفت شيئا مما به، وكتبتُ ما ترى!
« آخر تحرير: 2009-01-25, 21:19:06 بواسطة أحمد »

غير متصل ريحان المسك

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 3329
  • الجنس: أنثى
  • جاي النصر جاي الحرية
رد: كنا وكانت!
« رد #8 في: 2009-01-25, 21:20:50 »
اخ احمد كلماتك جميلة كالمعتاد ::ok::

و لكن

أعرف انني اثقلت في الطلب :emoti_138:

اريد شرحا , بمعنى , من تقصد بنثرك ؟!!

اما الهدف فقد فهمته جيدا
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي

أحمد

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #9 في: 2009-01-25, 21:22:19 »


اريد شرحا , بمعنى , من تقصد بنثرك ؟!!

اما الهدف فقد فهمته جيدا

« آخر تحرير: 2009-01-25, 21:30:40 بواسطة أحمد »

غير متصل ريحان المسك

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 3329
  • الجنس: أنثى
  • جاي النصر جاي الحرية
رد: كنا وكانت!
« رد #10 في: 2009-01-25, 21:30:18 »
فهمت

عُلم :emoti_282:

اعجبني هذا المقطع كثيرا , خاصة الذي تحته خط

ما شاء الله تبارك الله




أخي، ما استطعت أن ألقاك اليوم.. صفر اليدين، مكتفيا باتسامة أحملها شيئا من رقة مزعومة، وقلب أكثرت عليه الدنيا شواغلها، فأكون معك ولست معك، فما برحت أخلص نفسي مما علقها، وأنفض يدي مما ملأها، وأفرغ ذهني مما شغله وألهاه، أراود القلم تارة، وأخلو برواق مخيلتي تارات، مجتهدا في تخليص كلمة أو خاطرة، عساني آتيك معتذرا، أو مقابلا شكرا بشكر، وجميلا بشيء من جميل، ولكن يبدو أنها قد اعتادت الأخذ دون العطاء، والكسب دون المنح، فما جادت بشيء ولا فاضت بجديد، فاستجديتها، وأعدت التأمل، أستذكر حروفي، وأستنشط عبراتي، أروم شيئا يشفع لي عند اللقاء، فأرفو به ثوبا طالما وصلتَه، وقطعتُه، وطالما شددتَه وأرخيتُه، فلم أجدني إلا باقيا على عهدي مذ بلغتني رسالتك، باكيا شاكيا ضارعا، مستلهما مولاي ولا ملهِم لي سواه، داعيا إياه، مبتهلا له بكل ما أستطيع وزيادة.! فراودتني بدايتي راجية أن تفوز بشرف الذكر، متمنية علي أن أكتب لها شيئا عنك،.. عفوا! خانني القلم، فقد تمنت أن أكتب لك شيئا عنها، فأشرفت عليها ووثبت ببصري نحو مستقبل شديد القرب، شديد الوضوح، مع أنه عسر الطريق، خطر المزالق، فوصفت شيئا مما به، وكتبتُ ما ترى![/font][/size][/color]
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي

أحمد

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #11 في: 2009-01-26, 18:04:49 »
بارك الله فيكم حسن مجاملتكم

أحمد

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #12 في: 2009-01-26, 19:15:19 »
كنا، وكانت

- آدابُنا -


معان لم تخل منها حياه البشر، بسيطة، واضحة، عفوية، بل ربما شاركنا فيها غير بني الإنسان، فبدت على حركاته وسكناته، أفعاله وانفعالاته، يؤديها بصمت تارة، وبفزع وصخب تارات أخرى، أما البشر، فقد سالت على ألسنتهم في مراكب صوتية مقطعة، اختلفت مخارجها، وتمايزت صفاتها، لكنها امتازت جميعا بسرعة الأداء، ووضوح التركيب، ولا تسل عمن أسالها على ألسنتهم في هذه الصور دون غيرها إلا بعد أن تعثر على إجابة واضحة عمن علم القط كيف يموء، والحمام كيف يهدل؟
انطلق الناس في أصقاع الأرض، وتباعدت بلدانهم، واختلفت مساكنهم، فجد لكل فريق في حياته جديد لم يعهده إخوانه البشر من قبل، والتئمت كل طائفة على حالها فتغيرت أصواتهم وما يشعرون، وتبدلت حروفهم وما يدرون، وشيئا فشيئا، أصبح الكائن بالمشرق لا يكاد يعي من أخيه بالمغرب حرفا مما يقول! وبقدر ما كان ابتعاد المواطن، يكون جفاء الأفهام، وتعاجم الألسنة، حتى بدا الحال كشجرة عظيمة، أصلها ضيق، وفرعها باتساع الأفق، ثم اتسعت البلدان، وتقاربت المدن، وجد بالحياة ما آذن الجميع بالرحيل، هذا لرزقه، وذاك لعبادته، وآخر... دعه وشأنه! حتى تلاقت الجموع، بسوق، أو بحرب، أو عند بيت محرم، تخاطبوا، وتفاهموا، كل فريق بقدر قرب الآخر من فرعه الذي انبثق به عن أصل شجرتهم الأم! وهي شجرة ككل شجرة، أصل أصيل، وفروع عظيمة، وفروع صغيرة، وأوراق أصغر، حتى عدوا كل فرع عظيم لغة، وكل فرع صغير لهجة، وكل ورقة صوتا يميز صاحبها، وسعى الجميع للتميز، فتفننوا، وأمعن كل فريق في تجميل ما ينطق، وتزيين ما يتحدث، ولا جرم، فالخطاب عنوان صاحبه، والبيان سمته وشاهده، ولأن ألسنتهم تسقى بماء واحد، تلاقحت قرائحهم، وأخذ كل فرع من أخيه أطيب ثمره، وألين أغصانه، واشتد السباق بينهما واحتدم، فسعى بعض لطرق لباب مخاطَبه طرقا سريعا لا يكاد يبلغه إلا وقد أسلم له جولته، وسعى آخر لأخذه الهوينى، وطرق أسماعه شيئا فشيئا، حتى ينقله من ربوة لأختها، ومن فنن للذي يليه، حتى يجاوز به دوحات الغوطة، وأيك الأندلس، مارا بكوثر الدنيا، وفياضها، نيل مصر، من روافده، إلى مصباته، ومن أعلى هضابه إلى أدنى واديه، فلا يغادره، إلا طوع أمره، ورهن إشارته، فكان الأول الشعر، وكان الآخر النثر!
فإن أسرع الشعر الوثبة لقارئه، فالنثر أعمق أثرا، وقارئ "وحي القلم" كاملا أكثر عددا بكثير من قارئ "الشوقيات" بتمامه!

غير متصل ريحان المسك

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 3329
  • الجنس: أنثى
  • جاي النصر جاي الحرية
رد: كنا وكانت!
« رد #13 في: 2009-01-26, 19:37:44 »
ما شاء الله

جميل

بارك الله في قلمك اخي احمد


لا أعرف ماذا اكتب من تعليق على هذا النثر , كلامك في تلك السطور وافيا

جزاك الله خيرا
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: كنا وكانت!
« رد #14 في: 2009-01-26, 19:51:40 »
 ::)smile:

وجهة نظر تستحق الاحترام
ومع ذلك فكلما أردنا ان نستشهد لفكرة ما، استدعينا ما في ذاكرتنا من أبيات الشعر .. لا من صفحات النثر
وقد لا يكون متمو الشوقيات بعدد متمي وحي القلم، لكن دون شك ما يحفظ من هذا ويتمثل به في المناسبات المختلفة، أكثر بكثير مما يحفظ من ذاك، هذا إن حفظ

فإن أردت أن أتكلم عن وجوب التضحية من أجل الحرية أتمثل قول الشاعر
وللحرية الحمراء باب ......... بكل يد مدرجة يدق

وإذا أردت ان أعزي أحدا في مصابه واذكره بالرضى بالقضاء أقول
دع الايام تفع ما تشاء.............. وطب نفسا بما حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي ........... فما لحوادث الدنيا بقاء


وإذا تطاول علي أحدهم في الكلام تذكرت قول الشافعي
إذا نطق السفيه فلا تجبه ........... فخير من إجابته السكوت
فإن جاوبته سريت عنه.............. وإن خليته كمدا يموت

وإذا أردت أن أذكر أهمية تربية البنات تمثلت قول حافظ
الأم مدرسة إذا أعددتها.............. أعددت شعبا طيب الأعراق

وإذا أردت أن أبين ان قيمة الإنسان بنفسه لا بثيابه تمثلت قول أبي فراس
إن الغني هو الغني بنفسه .................... ولو انه عاري المناكي حافي

إلى أخر هذا مما لا يخفى عليك... وقالوا الشعر ديون العرب ولم يقولوا ذلك عن النثر

أليس كذلك؟
  ::)smile:
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

ماما فرح

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #15 في: 2009-02-03, 01:44:42 »
::)smile:

وجهة نظر تستحق الاحترام
ومع ذلك فكلما أردنا ان نستشهد لفكرة ما، استدعينا ما في ذاكرتنا من أبيات الشعر .. لا من صفحات النثر

إلى أخر هذا مما لا يخفى عليك... وقالوا الشعر ديون العرب ولم يقولوا ذلك عن النثر

أليس كذلك؟
  ::)smile:

 :emoti_282: :emoti_282:

الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان

الشعراء يتبعهم الغاوون

 :emoti_17:

هل العبرة بالقالب أم بما يحويه؟

هل العبرة بالبيان أم بالثوب الذي يرتديه؟

سؤال لا اعتراض

أمثال العرب مثلا أكثر سهولة وأيسر حفظاً من أبيات الشعر ومازلنا نستخدمها ولو خفي عنا أصلها




« آخر تحرير: 2009-02-03, 01:50:28 بواسطة ماما فرح »

أحمد

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #16 في: 2009-02-03, 09:44:33 »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزانا الله وإياكم جميعا

لا أخالفكما كثيرا

فلم أنكر وثبة الشعر
ولا أراكم تنكرون عمق النثر

ومن النثر ما يقوم مقام الشعر أيضا كما قالت ماما فرح
ولكن يبقى للشعر موسيقاه

أحمد

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #17 في: 2009-02-22, 00:52:13 »
كنا، وكانت
أمي
- معنى لا تحده حاصرتان -
emo (30):

راودنني جميعا عن قلمي وورقاتي، فكنت أخضع أحيانا وأتأبى أحيانا أكثر، حتى لم تنج إحداهن تقريبا من مواقعة دفاتري بورقة أو ورقتين، أو ربما سبع ورقات أو تسع كن أكثر ما أخذ مني وسط زحمة الكلمات والخواطر! ولا عجب؛ فقد رزقني الله منهن الكثير الذي لا تكاد تجد فيه نوع تشابه أو محض مقاربة، إلا من حيث أمومتهن لأحمد
وحيث كان أحمد هو مجمعهن إذن، وحيث كان سر ذلك وجود معنى خاص فريد لدى أحمد اجتمعن عليه على شعور أو لا شعور، كان منطلق الكلام الليلة ومختتمه هو أحمد أو ذلك المعنى!
ولما كنت أتحرر مجاهدا من ذاتية مللتها في كتاباتي، فليتنح أحمد قليلا، وليتقدم الليلة شقيق الفكرة والموضوع ليكون منطلق حديثنا ومختتمه كما وعدنا، أعني: ذلك المعنى الخاص الفريد الذي سبق الكلام عنه آنفا!
ولكن.. يبدو أن هذا المعنى مما يسميه المتكلمون "اعتباريا" أي أن وجوده ليس وجودا ذاتيا يمكن رؤيته على انفراد، بل هو يشبه أن يكون شيئا بين شيئين لا يرى إلا برؤيتهما، ولا يفهم إلا من خلالهما، تماما كالجهة فإننا لا نفهم الفوق إلا إذا أدركنا شيئين أحدهما يعلو الآخر، أو أحدهما أدنى من الآخر.
سنعود إذن لما تحاشينا الكلام عنه: هن، وأنا. أو بعبارة أوضح: أمي وأحمد، وحسبنا في هذا الحديث أن نقف فقط على الجانب القريب للآخر، فغرضنا استطلاع ذلك المعنى الاعتباري الذي يقف بينهما وقوف الجهة بين المتقابلين!
ومع كثرتهن سيطول الكلام، ومع شدة اختلافهن سيطول الكلام أكثر، خصوصا أننا نزعم أن ثمة رباطا قويا بينهما، فسنجتهد في إبرازه، فربما تعقد الكلام أيضا، فلا تبال قارئي العزيز لشيء، وغض الطرف عن مقالي هذا فور بدء شعورك بالملل أو عدم الفهم أو الضيق أو السآمة أو أي شيء من هذا قريب!
أطلت المقدمة جدا، وعهدي أن أقتضب من لباب الموضوع لئلا يطول الحديث، وتساهلت في الأسلوب كثيرا، وعهدي ألا يفهم الحذاق ما أكتب إلا بعد لأي وطول عناء، فما بالي خرجت اليوم عما اعتدت عليه لفظا ومعنى؟ أقول: وما بالي إذ غادرت الثمرة وقطفت الأوراق، وما بالي إذ تركت السمك وجمعت الماء، وما بالي إذ عِفتُ الطعام وتلذذت بالجوع!
كذا إن تركت فلسفات الحياة وأفكارها ومعانيها، دينيها ودنيويها، أهمها ومهمها، تركت كل ذلك وجلست أكتب في أوضح ما خلق الله، وأبسط ما خطه القلم، وأجلى معاني الحياة.. أمي!
ربما أفكر في جسد، فهذه بدينة وهذه نحيفة وهذه بين بين وتلكم...  لا أدري!، أو هذه جميلة وهذه أجمل، وهذه أجمل وأجمل.... غير أن الأبدان لم تكن يوما لتعرف هذا المعنى أو تقترب منه، بل ما أبعدهما، وما أشد تنافرهما
وربما أفكر في عقل، فهذه عبقرية، وهذه ذكية، وهذه ساذجة، وتلكم.. لا فرق، ولكن، للعقول مضمار تجد فيه عدّائيه، وملعب تعرف به لاعبيه، مضمار الأستاذية وملعب الأخوة، ومنصة الأبوة أحيانا، على كل.. لا يحوجها هذا المعنى كي تزاحم فيه أو تثبت وجودها
بل ربما أفكر في قلب، فتجمعهن طيبة القلب وإن تفاوتن تفاوتا ذريعا، ورحابة الذراع، وسعة الصدر، وهذا ما يقارب الأذهان حين يتحدث كل امرئ عن أمه، أو عن معنى الأمومة لديه، وأكاد أقر بما يقولون!
ثم أنتبه فأرفض السير حيث سار الناس، إذ قد وجدت يوما قلبا أطيب وذراعا أرحب وصدرا أوسع، وما وجدت عند ذلك أمي، بينما قد يحدث العكس أحيانا، فما كانت تبكي أمي إلا وأبكي، وما أحسست يوما أنها في ضيق إلا كأن الدنيا كلها تساوي أن تعود بسمتها! فأينا هذه اللحظة أم الآخر لو كانت هذه الأمومة؟!
إنه علاقة خاصة لا تختص عنها غير علاقتي بمولاي جل شأنه، علاقة يمتلئ بها صدري من داخل فأشعر أني دونها لا أعرفني، ويشتعل بها جسدي من خارج فتحلو حياتي وتسوء على قدر هذه الشعلة المتقدة دفئا ولمعانا، علاقة لا نتحدث عنها كثيرا، ولا نكتب عنها كثيرا، بل ولا نعطيها كثير تفكير أو عمل، بل على العكس.. نتحدث إليها عن غيرها، ونكتب لها عن غيرها، ونأخذ منها لنعطي أنفسنا والآخرين، نجيء عليها، ونقسو، ونبتعد عنها، ونشرد، بل نفعل أكثر من ذلك.. نتحدث إليها عنها، فلا نجد في ذلك كلفة أو مشقة، لا نخجل أن نطئطئ رؤوسنا أمامها، ولا نخشى أن ترتفع هاماتنا مادامت هي بأعلى!
بوح فوق البوح، وحديث وراء الحديث.. قد يكون كلمتين، وقد يكون شهرا متصلا، يكفينا منه قطرة لنحيا، ولا يشبعنا منه ملء بحار سبع!
تتفتح براعمنا، فتبدو ورقاتنا صغيرة هذيلة لم تشتد بعد، وتتفح أزهارنا فتبدو بذورها هشة لم تستو بعد، وعادة ما لا يحب المرء أن يراه أحد صغيرا، أو عييا، أو ضعيفا، لكننا عند أمي قد نتلذذ بذلك ونرجو ألا يتغير
عطف عند الصغر، حنان عند النشأة، فخر وإعزاز عند الكبر..
بقي: أنها مهما كان لا تنسى أمومتها، ومهما كان لا ننس بنوتنا، فلا نبال أخطأنا أم أصبنا، فلسوف ننعم بإرضائها، وننعم بمرضاتها، ليشرق صبح جديد .. يتجدد فيه معنى فريد اجتمعن عليه من أشتات بعيدة أنثيات كن جميعا أمي

« آخر تحرير: 2009-02-22, 00:53:57 بواسطة أحمد »

ماما فرح

  • زائر
رد: كنا وكانت!
« رد #18 في: 2009-02-22, 01:16:17 »

الله يا مولانا

هذه من الخواطر التي لا يملك المرء أمامها إلا الصمت !! فأي رد قد يفسد روعتها

حفظ الله لك بيانك وجعله خالصاً لوجهه مصوباً حيث شاء هو سبحانه

غير متصل ريحان المسك

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 3329
  • الجنس: أنثى
  • جاي النصر جاي الحرية
رد: كنا وكانت!
« رد #19 في: 2009-02-22, 06:42:13 »
ما شاء الله

كلمـات جميلة و معبرة

جزاك الله خير الدارين ...

و لكن عندي سؤال

لماذا اشرت الى الأم لعدة اشخاص في بادئ الأمر و في اخر سطر ؟؟؟
نحن أمة عظيمة في التاريخ .. نبيلة في مقاصدها .. قد نهضت تريد الحياة .. و الحياة حق طبيعي و شرعي