بل على مثل هذا يا إخوتي فلتبكِ البواكي....ألم يدعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم للبكاء على الأسد حمزة ....
تالله لكأننا رأينا من لم نَنعم برؤياهم حين رأيناه، وكأنّنا رأينا الذين كنا دوما لا نرى ذروة الرجولة إلا فيهم....برؤياه رأينا العظام، رأينا الرجال...لكأن الحلم قد تحقق إذ رأيناهم فيه، وسرعان ما أصبح الحلم كابوسا وحزنا جاثما على القلوب بخسارة عظيم مثله....
ذلك السائر بخطاه الواثقة القوية مرفوع الهامة، منتصب القامة، رافعا رأسه تخاله قد بلغ أعلى ما يُرى... ذلك السائر على خطى الحبيب القويّ العظيم الأبيّ .... ترى مشيته قبسا من نور مشيته، ترى خطواته قبسا من هدى خَطوه ....
عظيم أبى الخروج من بيت يعلم أنهم يريدونه، أبى إلا أن يخندق غير آبه بطائرة تترصد له، غير آبه بالموت آتيه.... غير آبه بالجبان الذي يقذفه من فوق السحاب، يقذفه أعزلا وكأنما يخشى وجهه وهامته وعينيه الواثقتين لا يعلم أنه إن لم ينشد نصرا وعزّا فإنما ينشد شهادة لا يرضى عنها بديلا ....
ترمقه والأحاديث المطهّرة التي يحملُ صدرهُ مجازا فيها دكتورا تمشي على الأرض، تقول احفظوني ....احفظوني بالأفعال ولا تحفظوني في الصدور أقوالا توصدون دونها باب العمل ....هكذا هي أنا في صدره ذخيرة حق تتكلم، وتفعل وتبصر وتسمع وتمشي وتحمل السلاح وتتحدى الجبابرة الطغاة ولا تهاب ولا تخشى....
الأرض من تحت قدميه وكأنها أرض له ولأمثاله، وكأني بها تهتف فرحة: هؤلاء هم من أشرُف بحملهم، هؤلاء الأشراف الذين أعتزّ بحملهم وأعتزّ بدوس أقدامهم الباسلة تهزّني بالحق....
صوته المجلجل القويّ نور لا يرتاب ولا يتردد، موقن لا تهزّه الخطوب، ولا المصائب، موقن بالنصر، موقن أنّ الشهادة مهر النصر والعزّة....
عظيما كان وبطلا وشهيدا مات... أتته الشهادة إلى عقر داره، تردّد: ألا أيها الهمام، لست أخطئ أمثالك، ولست لغير أمثالك، ألا أيها الهمام انثرني بقلبك الحيّ أوسمة ونياشينا لا يعشقها إلا كل همام ....ولا تليق إلا بكل مقدام يخشاه العدوّ الجبان حتى أنّه لا يتوانى عن حرب بكل أبجدياتها لأجل واحد واحد وحده مثلك .....أرعبهم، أرهبهم، أتعبهم، أربكهم،أضعفهم....أذهب النوم من عيونهم العاشقة لنور الحياة الباهت لا يرجون غيره كمن يرجو انتصار النهار على الليل ليظفر بالزمن كله آية مبصرة وهيهات هيهات للحالم يقبض على حلمه المستحيل حقيقة بين اليدين ....
بمَرْآه عرفت كم ترتعد أوصال العدوّ من أرض تلد من نزار عددا لا ينتهي .... بمَرْآه عرفت كيف يتأتّى للحق أن يزهق الباطل بنظرة من عينين واثقتين