من هم أساتذة الجامعة؟ وما دورهم؟
فوجئ الناس - في أول الأمر - بالمستشرقين الذين يقدحون في الإسلام ، ويشوهون صورته ، ويهاجمونه جهرة ، وقد أصبحوا أساتذة في كلية الآداب يدرسون أفكارهم للطلاب ، تحت إشراف طه حسين [ عميد الأدب العربي ] ورئيس قسم اللغة العربية يومئذ ، ومن بينهم المستشرق اليهودي [ مرجوليوث ] الذي كان يقول : إن محمداً صلى الله عليه وسلم مجهول النسب !
ولعلهم فوجئوا بطه حسين الذي قال في كتاب [ الشعر الجاهلي ] : "للتوراة والإنجيل أن يحدثانا عن إبراهيم وإسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما كذلك ، ولكن هذا وذاك لا يثبت لهما وجوداً تاريخياً " ( 1) يصبح في مكان الصدارة في الجامعة الجديدة ، ثم يقول في فترة لاحقة ، في كتابه [ مستقبل الثقافة في مصر ] : "إن مصر لم تكن قط جزءاً من الشرق ، وإنما كانت دائما جزءاً من حوض البحر الأبيض المتوسط ، وكل ما جاءها من الخير جاءها من حوض البحر الأبيض المتوسط ، وكل ما جاءها من الشر جاءها من الشرق" .
ولعلهم فوجئوا بمن يقول : "إن قصص القرآن الكريم قصص " فني " .. يعني لا يتحدث عن حقائق تاريخية وأشخاص حقيقيين .. إنما هي قصص فنية ، مبتدعة من الخيال لأغراض فنية !" (2 ) .
وفوجئوا .. وفوجئوا .. وفوجئوا .. وثارت ثائرة من ثار منهم .. ولكنها ثورة أضعف من أن تغير شيئاً من الواقع . ومضى الواقع الجديد يثبّت أركانه ، يمدّ له المخططون من وراء الستار ، وتتبلد عليه مشاعر الناس .. حتى جاء الوقت الذي أصبح [ الناس ] هم أنفسهم خريجي الجامعة ( أو الجامعات فيما بعد ) .. فتجانست الأفكار والتصورات والدوافع وأنماط السلوك ! ولم يعد شيء مما يجري في الجامعات يثير ما يسمى [ الرأي العام ] !
* * *
• وأما كلية الحقوق قد أنشئت لتخريج أجيال تدعو إلى القانون الوضعي، وتعادي كل شيء غيره - وتبعد عن الأذهان نهائياً قضية تحكيم شريعة الله .. ومن هؤلاء يكون رجال السياسة ورجال الحكم ، والأسماء البارزة اللامعة في المجال الاجتماعي .
• وأما الكليات العملية فهي تخرج الفنيين من أطباء ومهندسين وزراعيين وغيرهم .. ولكنها تخرجهم على الطريقة الغربية البحتة ، أي [ علمانيين ] ( 3) لا يطيقون الحديث في أمور الدين - فضلاً عن أن يتدينوا هم أنفسهم - لأنهم طلاب [ علم ] والدين خرافة ، ولأنهم [ واقعيون ] والدين أساطير. وفضلاً عن ذلك فإنهم [ يتميزون ] عن أمثالهم من [ العلمانيين ] في الغرب ، بكونهم يحتقرون لغة بلادهم ، لأنها لغة متخلفة لا تصلح للعلم ، ويتحدثون - من ثم - بلغة السادة المتحضرين، ويرفضون أن ينظروا في أي كلام مكتوب بالعربية ، ولو كان المكتوب بالعربية هو القرآن .. بل إن هذا الكتاب بالذات هو أشدّ ما ينفرون من قراءته أو النظر إليه !
• وكما كان من أهداف الجامعة تخريج الجيل الجديد من [ الرجال المتحررين ] - الذين أداروا ظهورهم للإسلام وولوا وجوههم شطر الغرب - كان من أهدافها كذلك تخريج الجيل الجديد من [ النساء المتحررات ] اللواتي انسلخن من الدين والأخلاق والتقاليد .. فقد كانت [ الفتاة الجامعية ] .. [ المثقفة ] .. [ المتحررة ] .. عنواناً للتغير المطلوب ، ودافعاً في الوقت ذاته إلى مزيد من [ التحرر ] المطلوب !
• ولكن هنا تأتي وسائل الإعلام الأخرى لتمد [ قضية المرأة ] باللهيب الدائم الذي لا يخبو أواره ، حتى يتم المطلوب كله ، وفي أقصى صورة ممكنة .
-----------------------------
فكيف عملت وسائل الإعلام، لتهيئة الرأي العام لتقبل هذه التطورات الجديدة في المجتمع؟
هذا ما سنراه في الحلقات القادمة -بإذن الله- فابقوا معنا
_____________________________________
(1 ) الأفكار الرئيسية في هذا الكتاب – وهي القول بأن الشعر الجاهلي الحقيقي كان أبلغ من القرآن ، ولذلك طمس عليه المسلمون ، وانتحلوا شعراً أقل منه بلاغة ونسبوه إلى الشعراء الجاهليين ، " ليزعموا " بعد ذلك أن القرآن أبلغ من الشعر الجاهلي ! هي أفكار مرجوليوث المشار إليه ، انتحلها طه حسين ! وقد صودر هذا الكتاب حين أثار ما أثار من ضجة ، ولكن طه حسين سئل في حديث صحفي أجراه معه محمود عوض في مجلة صباح الخير قبل وفاة طه حسين بعام واحد عن أفكاره في هذا الكتاب فقرر أنه ما زال مؤمناً بكل حرف فيها !
( 2 ) الدكتور محمد أحمد خلف الله في كتاب " الفن القصصي في القرآن الكريم " .
(3 ) لفظة " علمانية " هي ترجمة عربية مضللة لكلمة Secularism كما أشرنا من قبل ، والأولى أن تسمى " اللادينية " انظر – إن شئت – فصل " العلمانية " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة " . ومما هو جدير بالذكر أن هذه الترجمة المضللة كانت من صنع اللبنانيين المسيحيين !