فقاقيع ...
مسرحية من مشهد واحد ...
----
الشخصيات
أحمد : مريض
عزت : طبيب نفسي
------------
وصف المشهد
غرفة , مستطيلة , تبدو من بياض لون أرضيتها , حوائطها و المعطف الطبي المعلق على ركن من أحد حوائطها أنها تقبع في مستشفى ما
و في أحد أركانها أريكة من ذلك النوع الذي يستخدمه الأطباء النفسيون لكي يستجوبوا مرضاهم ...
على مائدة الطبيب النفسي , إستلقى شاب , يبدو ملامحه النشيطة و بنيته التي تتأرجح بين الطفولة و الشباب أنه يناهز الخامسة عشرة ,
يتأمل النافذة التي إستقرت في منتصف الحائط المقابل
دخل شخص مهيب يرتدي البياض و نظارة سميكة تغطي عينيه , مغلقا باب الغرفة , ثم جلس متناولا قلما أزرقا و دفترا أبيضا
و كان أول سؤال سأله لذاك الراقد : ها يا أحمد , هل لازلت ترى فقاقيع ؟
يتنهد أحمد تنهيده حاره قائلا : آه يا دكتور لو تعلم , إنها في كل مكان ... في الشارع , في البيت, في الهواء , تطير بقسوة من فوقي , تعبرني , و حين المسها , تلك الفقاقيع الصابونية الرقيقة , حين ألمسها فقط تتلاشى من امامي ...
يكمل الطبيب عزت بصوته الروتيني بلا اكتراث : و هل الفقاقيع موجودة في هذه الغرفة يا أحمد ؟
أحمد و هو ينظر في اللا شيئ : نعم , ألا تراها يا صديقي ؟ .. كيف لا تراها و أنت تجلس بداخل فقاعة ضخمة ؟
تحتويك , تحجزك عني , حتى صوتك يا صديقي يصل إلي على هيئة صدى و كأنه يأتي من قمة جبل شاهق !
يدون الطبيب ملاحظة سريعة في دفتره , سائلا : منذ متى بدأت ترى هذه الفقاقيع ؟
أحمد شاردا : في طفولتي , اشترى لي والدي ذات يوم علبة إسطوانية , لم افهم في البداية ما وظيفتها , فتحتها فإذا هي مملوءة بصابون أخضر اللون , لازلت إلى اليوم اذكر رائحته المنعشة , وقتها , علمني والدي كيف أنفخ , و نفخت اول فقاعة في حياتي
كانت تلك آخر مرة يشاطرني فيها والدي بشئ ...
يدون عزت بضع حروف في دفتره
يرمقه أحمد بنظرة لا معنى لها مستطردا : عدت إلى بيتي , و ظللت أنفخ الفقاقيع, حتى طردوني من المنزل
نزلت شارعنا , أتجول و أجري , تسبقني فقاقيعي , أباهي بها المشاة , الذين اتخذت منهم جمهورا لي , أنفخ الفقاقيع في وجوههم كساحر غير موهوب ! يحول الماء و الصابون إلى كرات طائرة عابثة ...
أحببتها , فقاقيعي , لكنها لم تكن تحبني , كانت تطير و تبتعد كلما اقتربت منها , و إذا لمستها تفرقعت و نشرت رذاذا على شعري و عيني , فتحرقني لأبكي
ثم دخل في نوبة بكاء , تركه الطبيب يبكي و لكأن بكاؤه دواء !
الطبيب : و لما كبرت ؟
أحمد و قد علقت في أحبال صوته نبرة حزينه : لما كبرت , بدأت أراها في أحلامي , فقاقيع صغيرة و لكنها كانت تكبر معي يوما بعد يوم , و فجأه , خرجت من أحلامي , حتى رأيتها مجسده على أرض واقعنا , رأيتها تعزلني عن أخي , أبي , أمي , إخوتي , أساتذتي , تعزلني عن عروبتي , إسلامي , فلسطيني , أقصاي و عراقي
فقاقيع ... هشة , تطير بعيدا ,
أبي الحبيب إنه مجرد فقاعه كبيرة من المشاغل , لا يأتي بيتنا إلا بعد الثانيه صباحا
والدتي أيضا فقاعة أخرى , من الطبخ و الغسيل و الأوامر
حتى أخي الأصغر فقاعة , جالسة دوما على الحاسوب
جميعنا فقاقيع هشه بعيده عن بعضها البعض , نعيش جميعانا في فندق البيت السعيد , لكننا جميعا ما نحن إلا مجردفقاقيع
الطبيب يعود لتدوين بعض السطور قائلا بنبرة تجذب الانتباه : ما الذي تتمناه يا أحمد أكثر من اي شيئ آخر ؟
أحمد و قد ارتسم على وجهه ابتسامه مشرقة : أريد علبة فقاقيع
يخرج الطبيب من جيبه علبة اسطوانية زهرية اللون , ينتشلها أحمد بسرعة , يفتح الغطاء بلهفة مما يجعل نصف الصابون ينسكب على يديه و ربما أصاب بنطاله منه شيئا
لكنه لا يبالي
فنظره موجه إلى العصاة الدائرية و التي غمسها في علبة الصابون , و نفخ ببطئ , لتولد فقاعة تكبر بنفخاته , فإذا به يحمل فقاعته بحذر جم , و يضعها جانبا للحظه , ثم ينفخ فقاعه أخرى أصغر حجما ,
ليصبح لديه فقاعتين , ملامح وجهه جاده مثل جراح محترف , يقرب أحمد الفقاعتين من بعضهما بحذر جم , فإذا بهما يلتئمان , ليصيران فقاعة واحدة
تم تقليل : 32% من الحجم الأصلي للصورة[ 1600 x 1200 ] - إضغط هنا لعرض الصورة بحجمها الأصلي
حينها ...
حينها فقط...
يضحك أحمد ضحكه هيستيرية ,
تعلو صوت ضحكاته لتملأ أرجاء الغرفة
يضغط الطبيب على زر خفي وراء المكتب
يأتي ممرضان يرتديان زيا ابيضا
يمسك احدهما بيده اليمنى و بينما يحاصره الآخر باليسرى
و يجران أحمدا خارج الغرفه
و هو يضحك
يذهب تماما
ليبقى فقط صوت ضحكاته المبتعده
يتناول الطبيب
قلمه الأزرق
و دفتره المعتاد
مدونا عدة ملاحظات
----------------------------
ستار