في قلب الليل ...إهداء إلى أبي الحبيب ,
في قلب ليلة من ليالي الطفولة البريئة , أجلسني والدي الحبيب بعد بكاء مزعج على حجره , في سيارتنا القديمة , و أمسكت المقود لأول مرة , و قد كنت اظن أن السيارة تمشي بمقودي و إرادتي , إذ لم يتخيل عقلي الطفل آن ذاك أن قدم والدي تضغط على دواسة البنزين و القدم الأخرى تتأهب للضغط على الفرامل
بينما يده شبه تمسك المقود من تحت يدي ! ,
تركني والدي أظن اني أقودها , تلك السيارة الضخمة بالنسبة لحجمي الذي لم يبلغ الرابعة , و كان شعورا رائعا , أنا و أبي و الليل و الطريق
لا أذكر أني أحببت أبي يوما اكثر من تلك اللحظة , تلك اللحظة التي شغل فيها أغنية في قلب الليل لعلي الحجار
و أخذ يشرح لي معانيها , و أنا أتوهم قيادة السيارة , في الطريق الخالي الذي ينساب نحو القمر
خاطبني والدي الحبيب كمن يخاطب راشدا واعيا , و كنت أدعي الفهم ,
فقال : يا صغيرتي , سأروي لك قصة الأغنية , كان هناك حصان عربي أصيل , يمتلكه فارس مغوار , و كان الفارس شخصا طيبا رقيق القلب , لكن الحصان كان جامحا ,
ذات ليلة مظلمة , باردة , صامتة ,
حيث لا أحد في الشارع سوى الفارس و حصانه الأسير و شجرة الصنت و الصمت ....
أخذ الحصان المأسور , ينظر باستعطاف إلى الفارس, و يصهل صهيلا شجيا , فبادله الفارس نظراته , و بعد توالي النظرات التي كانت أبلغ من الكلام , أفضى الفارس بشجونه و همومه إلى الحصان , و بادله الحصان بالمثل , فنبتت بينهما نبته صداقة قصيرة المدى , بعدها , فك الفارس قيد حصانه و صديقة
و لكن ...
كان الحصان ناكرا , إذا أن رغبته في الحرية و الإنطلاق كانت أحب إليه من صديقه الفارس و سيده السابق
و ركض الحصان بكل قوته , ركض نحو القمر , ناسيا الفارس المذهول , تاركا إياه وحيدا ,
في قلب الليل , و خوف الليل , وحزن الليل
.
.
.
و بعد كثير , في ليل آخر , وجد الفارس حصانه صدفة ,
وجده مقيدا من جديد , تحت إمرة شخص آخر , يعذبه , يقيده
, صهل الحصان مرة أخرى صهيلا شجيا
لكن الفارس المغوار لم يرد هذه المره , و لم يبادل الحصان إستعطافه , و سار الفارس وحيدا
في قلب الليل
و خوف الليل
و حزن الليل
...
و كان أبي يحب دوما ان يشرح لي معنى حكاياته , فكان لابد أن يكمل قائلا : إن الحصان يا صغيرتي ما هو إلا رمز الحرية المأسورة , الحرية التي ترغب أن تنطلق و التي نحلم بها جميعا , الحرية المخدوعة , التي ما إن تنطلق و تركض , حتى تجد نفسها مأسورة من جديد , ذلك لأنه أيتها الصغيره , الحرية لن تتحقق إلا لو كانت حرية العقل , فلا فائده لحرية الجسد دون العقل , إن الحل ليس في أن نتحرر , بل في أن تتحرر عقولنا
فنحن اسرى بعقولنا , هل فهمت ايتها الصغيره
هززت رأسي موافقه , و كأني فهمت !
ثم قلت له برجاء : بابا
نعم؟
ممكن نشتري حصان ؟ !