وكما أسلفنا فإن أولاها قوله تعالى :
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ (185)
آل عمران
أما ما أستخلصه من هذا الباب المفتوح على الفوز فهو أشياء :
جاءت أول آية في القرآن الكريم تتحدث عن الفوز وعن الذي فاز وتنعته بأنه هو الذي زحزح عن النار وأدخل الجنة ، وهنا كما ترون أيها الإخوة لم تأت تزحزح عن النار ولم تأت دَخَلَ الجنة
وإنما جاءت : "زُحْزحَ و أُدْخلَ"
وزحزح في اللغة العربية زُحْزِحَ أَي نُحِّيَ وبُعِّدَ .
زَحْزَحه فتَزَحْزَحَ دَفَعه ونَحَّاه عن موضعه فَتَنَحَّى وباعَدَه منه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صام يوماً في سبيل الله زَحْزَحَه اللهُ عن النار سبعين خَريفاً"
المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1622
خلاصة الدرجة: صحيح باللفظ الأول
زحزحه أَي نَحَّاه عن مكانه وباعده منه . يعني باعده عن النار مسافة تُقطع في سبعين سنة , لأَنه كلما مَرَّ خريف فقد انقضت سنة ، ومنه حديث الحسن بن علي : كان إِذا فرغ من الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس وإِن زُحْزِحَ أَي وإِن أُريد تنحيته عن ذلك وأُزْعِجَ وحُمِلَ على الكلام
فإذن فزُحزح بمعنى أبعد ....والمبعد هو الله عز وجل .....
أدْخلَ : أدخله الله عز وجل الجنة ....
لننتبه أيها الإخوة لهذا الحديث :
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يدخل الله أهل الجنة الجنة . يدخل من يشاء برحمته . ويدخل أهل النار النار . ثم يقول : انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه . فيخرجون منها حمما قد امتحشوا . فيلقون في نهر الحياة أو الحيا . فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل . ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية . وفي رواية : فيلقون في نهر يقال له الحياة . ولم يشكا . وفي حديث خالد : كما تنبت الغثاءة في جانب السيل . وفي حديث وهيب : كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل .
المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 184
خلاصة الدرجة: صحيح
أي أن الله سبحانه وتعالى يدخل الجنة من يشاء برحمته وليست أعمالنا التي تدخلنا وإنما رحمته سبحانه .
فهو من يزحزح عن النار برحمته ، وهو من يدخل الجنة برحمته ....[/color]
[/size]
كل نفس ذائقة الموت .... كل نفس ستذوق طعم الموت ... كل نفس ستموت وسيكون مآلها الموت ....وكما قلنا هو البداية الحقيقة للمآل الذي سيؤول له الإنسان ، وأجره سيوفّاه فإما أن يزحزح عن النار وإما أن يدخل الجنة .....
ووفّى على وزن فعّل هي أن يعطي الحق تاما غير منقوص ....
والله سبحانه العدل الذي سيوفّي المرء أجره تاما غير منقوص ، لا يبخسه حقه ، وإنما هو زائده برحمته ومضاعف له حسن الأعمال إذ الحسنة بعشر أمثالها ويزيد والسيئة بواحدة ويعفو .
وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ....ليست بالدائمة الباقية الخالدة ، وإنما هي المغرّرة ، التي تغرّ والآخذة التي تزيّن ، وهي التي لا تدوم مهما بدا فيها من برهج ومهما تحدث المتحدثون عن زينتها ..... والحقيقة والسعادة والخلود في دار هي الباقية ، الدار الآخرة ....
فما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ...........
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر ، وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال : يا رسول الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا ؟ فقال : ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها
المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/174
خلاصة الدرجة: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
لم تأت "من زحزح عن النار فقد فاز " و"من أدخل الجنة فقد فاز" وإنما ضمّن المعنيان تحت "مَن" واحدة لأن الزحزحة عن النار توجب وتحتم الإدخال إلى الجنة
إذن
1- الموت الحقيقة الكبرى في دنيا الغرور والزوال
2-الموت بداية للحياة الدائمة
3-الأجر يوم القيامة موفّى غير منقوص
4-من زحزح عن النار وأدخل الجنة برحمة من الله فقد فاز
ويكأنّنا نلمح أول آية في القرآن الكريم جاء فيها ذكر الفوز ، تتحدث عن الموت ، ويكأنّنا نستشعر أن الموت وهو بظاهره نهاية هو في الحقيقة بداية ، ويبدأ أول ذكر للفوز بذكر الموت وما يكون بعده من شروط للفوز .................
ويكأن الفوز والسعادة الحقيقية الدائمة ما هي إلا بميزان ما يكون في الحياة الآخرة التي علينا أن نسعى لها سعينا
إن الله تعالى يعلمنا أنّ السعادة التي في الدنيا ليس لها طعم دائم ، أما هناك فلا مقطوعة ولا ممنوعة
فلا شَيبة ، ولا مرض ولا قلق ، ولا عجز ولا موت في الجنة ........................
وكيف نفوز هذا الفوز ؟؟؟؟ إن لم نسعَ له سعينا ؟؟؟ حتى نكون أهلا لرحمة ربنا يوم القيامة التي يزحزحنا بها عن النار ويدخلنا بها جناته ......
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ (185)
فإن لم تسعَ للفوز سعيك ........فهل تريد أن تكون من الخاسرين؟؟؟