المحرر موضوع: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........  (زيارة 42195 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

حازرلي أسماء

  • زائر
وتبقى لنا مع هذه الصفحة المشرّفة المطهرة أيها الإخوة الكرام آية ........... وإنني لأجدني في حالة من الحبور ومن السعادة لا أحب بها أن أغادر الكلمات، وها هي تتجلى لنا عن شيء يسير من كثير، وغيض من فيض فيض لا تنتهي أنواره

غدا بإذن العلي القدير نكمل سوية عيشنا مع هذه الصفحة وهذه الدرر الثمينة emo (30):

 

حازرلي أسماء

  • زائر
واليوم نكمل بإذن الله مع الآية الأخيرة من صفحتنا الحبيبة emo (30):

قوله تعالى :

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (190)

قوله (وَقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم) الآية قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآيات في صلح الحديبية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت هو وأصحابه نحر الهدي بالحديبية ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه ثم يأتي القابل على أن يخلو له مكة ثلاث أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله تعالى (وَقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم) يعني قريشاً.(1)

وفي هذا جاء سبب نزول هذه الآية الكريمة....

هذه من أول الأوامر التي نزلت بقتال المشركين الذين قاتلوا المؤمنين، ذلك أنهم لما كانوا بمكة بمعية رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أن يهاجروا للمدينة المنورة، عذبهم المشركون، ونالوا منهم وشردوهم، واستهزؤوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وتربصوا به الدوائر، وتحينوا الفرص كلها لإهلاكه وتثبيطه وقتل دعوته، فكانوا يجتمعون على إيذائه، ويتفنون في تكذيبه حيثما حلّ، ولكنّ المؤمنين الذين اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقاتلوهم ولم يعلنوها عليهم حربا طيلة مكوثهم بمكة ، رغم ما كابدوه وما عاينوه من أوان العذاب والتنكيل، حتى أذن الله لهم ورسوله بالقتال...فجاء الإذن من الله تعالى في سورة الحج :

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)

ولما أذن الله لهم بأنهم قد ظلموا لما أخرجوا من ديارهم وهتكت أعراضهم، وقاطعوهم حينما فروا إلى شعب أبي طالب بتحالفهم ضدهم لا يبيعونهم ولا يشترون منهم، لا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم....تفتّح السبيل أمام المؤمنين وفي هذا أيها الإخوة ، في هذا الصدد وفي هذه النقطة نقف وقفات متأملة لنتساءل :

كيف لهؤلاء الذين عاشوا في جوّ من الجاهلية الظلماء، تلك التي سفك الدماءٍ فيها دما بدماء وعٍرضا بأعراض، تدفعهم الحميّة فيها لأن يقتلوا ويهدروا الدماء، ويتهوروا ويلبوا نداء الغضب والثورة والثأر كأسرع ما تكون التلبية، كيف ينقلب بهم الحال ؟؟، فلا يهبّون مقاتلين منتقمين، ثائرين تقودهم ثورتهم وحب الانتقام إلى حيث لا غَيْض  لدماء ولا نهاية لحروب.....؟؟ كيف ينقلب حالهم كل هذا الإنقلاب ؟؟ أولم يشبّوا على تلك الأجواء التي أصبحت تسري من عقولهم مسرى الدم من العروق؟؟

كيف هذا التحوّل، فهم يؤذونهم في مكة، فلا يردون لهم الصاع بالصاع؟؟ يشردونهم، يخرجونهم من ديارهم، يعزلونهم، يريدون بهم كل السوء وكل المكر وكيد الكيد، وهم صابرون لا يردون....
يأتي الجواب على هذا التساؤل على شكل نقاط تومض ، فلنتأمل :








***************************************
1-أسباب النزول للواحدي
« آخر تحرير: 2008-11-04, 20:08:13 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
جاء الأمر من الله تعالى لهم " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ " من الآية 77 -النساء-

فهم لهذا الأمر مطيعون، لا تخرجهم عن حدوده دوافع ثورة ولا نوازع انتقام ولا مناشدة ثأر .....فكيف؟؟؟

تحسّس بعض أسباب الصبر على الأذى إلى حين الإذن

1- جاء هذا الدين العظيم ليطوّع النفوس التي اعتادت على الاستجابة لصوت الغضب وحميّة الجاهلية، والاندفاع والحماسة لأول ناعق ولأبسط داع، جاءت هذه الشريعة السمحة الحكيمة لتعود هذه النفوس الانضباط والامتثال لأمر قيادة راشدة، حكيمة تعرف بالتروي وبالنظر الثاقب وبالحكمة الخالصة كيف يكون الحال وكيف يكون الحلّ ، جاءت تعلمهم الصبر وترسخ فيهم ضرورة الثقة في تلك القيادة  كل الثقة، وأن الله سيحدث أمره وإن أوحى الحال بالهلاك وبما يتراءى للنفس البشرية غريبا وبعيدا ....فالثقة بالقيادة وبحسن تدبيرها وانتظار الإشارة منها ترويض للنفس على الصبر والحكمة، وقتل للهيجاء والاندفاع والثورة المتهورة، ليحدث ضبط لنوازع النفس المتسرعة، وليحدث التدرب على الاستقراء الحكيم للأمور والأحوال، فيقع التوازن بين الاندفاع والتروي , والحماسة والتدبر , والحمية والطاعة . . في هذه النفوس التي كانت تعد لأمر عظيم .

2-إن صبر المؤمنين على الإيذاء كل ذلك الوقت وعدم رد الصاع بالصاع، وهم قادرون عليه، وجه من أوجه استجلاب أهل النخوة والنجدة، والبيئة العربية هي ما عليه من هذه الصفات النبيلة، ومن توفرها على الشِّهام الذين تأخذهم نخوة عربية لنجدة المظلوم، فكان فعلا ذلك دافعا لعمل الشعور الذي هزّ هؤلاء من العرب، فهبوا وقطعوا صحيفة المقاطعة ومالوا ميلا عظيما للمؤمنين وللإيمان بالمعنى، فكانت القيادة الإسلامية آنذاك تراعي هذا الشعور وهذه البيئة.

3- القيادة الإسلامية لم تشأ أن تثير حربا داخل البيوت، فتواجد المؤمنين في مكة يعني تواجدهم بين أهليهم، وإن ظلموهم، وإن طردوهم وإن استحلوا تعذيبهم، إلا أن الإسلام بحكمة وبنظرة بعيدة المدى لم يشأ أن تثور حرب لا هوادة فيها داخل البيوت، إذ كل مؤمن له أصله وأسرته التي لها بيتها في مكة،أما عند ذهابهم إلى المدينة وابتداء تكوينهم للأمة المسلمة وللجيش المسلم وتحصنهم فيها وتمنّعهم وتقويهم، وإعدادهم عدتهم لقتال المشركين، فإنه عندذاك قد تبيّن حلف الكفر من حلف الإيمان وقد أصبح للمسلمين دولتهم المنيعة التي تغزو وتحارب وتقاتل لإعلاء كلمة الله في كل الأرض .

هذا غيض من فيض اتسمت به الشريعة السمحة الحكيمة....

ما هو الجهاد ولماذا الجهاد وما معنى الجهاد ؟؟؟

نأتي الآن أيها الإخوة الأحبة إلى نظرة حول الجهاد في الإسلام، والقتال في الإسلام ومعنى الحروب في الإسلام، ولماذا الحروب ولماذا الجهاد ولماذا القتال؟؟ وقد أثير حول هذه النقاط كلها العديد من الشبهات والأباطيل التي صوّت بها الناعقون الذين يكيدون للإسلام المكايد ويريدون به السوء والذهاب إلى غير رجعة، وأحلامهم بذاك تأمرهم وأمانيّهم تحلّي لهم وتزيّن........إن الإسلام دين القتال، دين سفك الدماء ، دين الإغارات، وغزو البلاد وتملكها بالغصب وإذلال أهلها وإدخالهم الإسلام بالغصب وبالضغط وتحت وطأة السيوف ، إنما فتحوا فتوحاتهم بالسيوف .....

ترى ما القول في هذا وما الرد وكيف الرد؟؟

إن هذا الدين وهذه الشريعة الكاملة المتسقة، وهذا الهدي الذي جاء فيها أبلجا ، جاء ليكون سعادة للبشرية كلها، جاء بالخير العميم لها برمتها، ولن يكون لها خير ولا فلاح فيما عداه من طقوس الجاهليات أو الوضعيات ، أو التحريفات البشرية للرسالات السماوية التي سبقت، جاء هذا النور ليعمّ الأرض قاطبة، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم وبعث رحمة للعالمين، وجاء القرآن نورا يكشف صفاقة الذين حرفوا وبدلوا ونافقوا وكذبوا، وداهنوا، جاء ليهدي الأرض ومن على الأرض، جاء الإسلام لسعادة البشرية، فما كان للمؤمنين وهم حملة هذه الأمانة وعليهم تبليغها للأرض وهم القادة المنوط بهم توجيه الناس، وقيادتهم لكل خير، ما كان لهم أن يتركوا الصادين يصدون، والعابثين يعبثون، وفسح المجال للناقمين الذين تقتلهم نار الغيرة والحسد والخوف من سيادة الإسلام على الأرض....
ما كان لأهل الحق أن يستحوا بحقهم ، أو أن يخافوا والحق معهم والحق لهم والحق بهم، ما كانوا ليتراجعوا أو ليجبنوا والله معهم ويتركوا خصومهم خصوم الله وأعداءه ليحكموا الأرض بفسادهم وبغيّهم وبأهواء أنفسهم وبغاياتها المتوثبة إلى الطمع والاستيلاء على غير وجه حق...

وليدقق العاقل بعقله...هل يخشى من معه الحق ويدفن رأسه بالتراب؟؟ فكيف إذن هي قوة الحق إن فعل؟؟ وهكذا أراد أعداء الله وأعداء الحق، وأولياء الشيطان أن يستأصلوا شأفة الإسلام وأن يصدوا عنه وما زالوا يفعلون، فما كان لأهل الحق أن يتركوهم يفعلون، لذا فإن :

1-من أعرض عن الإسلام من أهل البلاد المفتوحة، كان عليه أن يعطي العهود والمواثيق بألا يتصدى للدعوة ولنشرها وتعميمها، فإذا فعل لم يكن إلا السيف يظهر الحق ويزهق الباطل....

2-أما من لم يدخل الإسلام منهم، ولم يصدّ فهو على دينه، لا يغصب على تركه ما دام مسالما وتاركا الطريق أمام الدعوة لا يصدّ عنها ....

3-أما من دخل الإسلام وهداه الله منهم، فكان حقا على المؤمنين حمايته والحَول دون فتنته في دينه بإغراءأو بأذى ، فتدفع عنهم كل ذلك بالقوة ، تحافظ بذلك على خيرهم وهداهم ، وعلى سريان الدعوة وانبثاث النور في الأرجاء ....
فالقوة ليست من أجل القهر وإكراه الناس وغصبهم على ما لا يحبون، وأخذ ما ليس لهم فيه وجه حق، وإنما هي القوة التي تمنع انبثاث النور، وكأنها الشمس التي بقوتها وبقوة ضيائها تعم الأرض كل صباح لا يغلبها الظلام فيكون سرمدا، ولكنها تأتي بقوتها تعم الأرض ضياء وخيرا ....

القوة من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، من أجل تحقيق خير البشرية وخيرية أهل الإسلام على البشرية جمعاء، لأنهم حملة الشعلة المضيئة، وعلى عاتقهم يقع التنوير وتقع الهداية وتقع القيادة الرشيدة للخيروالسلام والصلاح ....

إنه الجهاد في سبيل الله، في سبيل إعلاء كلمته، للعقيدة، لتعميم خيرها على الأرض، لقيادة البشرية نحو الخير،لإحقاق الحق، لعدم الاستئثار بالخير بل تعميمه على الناس أجمعين، فيلجأ كل راغب في هذا الدين لا يخشى قوة أخرى تمنعه وتصده وتمضي به إلى سبل الهلاك.

من أحكام القتال في الإسلام

إذا تأملنا هذه الآية الكريمة نرى أمر الله تعالى للمؤمنين الذي أوذوا وتحملوا وصبروا وأذن لهم أنهم قد ظُلِموا ...أمر لهم بأن يقاتلوا في سبيل الله ، فتحديد للغاية مباشرة مع الأمر ، تحديد للغاية مع الأمر مباشرة ، الغاية هي الله، هي إعلاء كلمته ف يالأرض، هي الغضب لدين الله ولتمكينه، فلا ريادة ولا سيادة ولا جاه ولا أموال ولا مغانم ولا مكاسب ولا مناصب ، إنما هو وجه الله المبتغى ورضاه وتعميم وجوب الخضوع لحاكميته سبحانه ولأمره ولتدبيره...
الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن اله لا يحب المعتدين  وهنا تتبين أحكام القتال في الإسلام .... نذكر منها على سبيل البيان الصريح الصحيح بعض أحاديث للحبيب صلى الله عليه وسلم يعلم فيها أصحابه كيف يكون القتال في الإسلام

1-عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال:" وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان " . . [ أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي ]

2-وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه " . . -أخرجه الشيخان- .

3-وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:" بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إن وجدتم فلانا وفلانا ( رجلين من قريش ) فأحرقوهما بالنار " . فلما أردنا الخروج قال:" كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا , وإن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى فإن وجدتموهما فاقتلوهما " . . - أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي -

4-وعن بريدة قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا أمر الأمير على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى , وبمن معه من المسلمين خيرا . ثم قال له:" اغزوا باسم الله , في سبيل الله , قاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا " . . - أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي - .

5-وروى مالك عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال في وصيته لجنده:" ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله , فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له , ولا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما "


وهكذا هي سماحة الإسلام حتى في أشد المواقف صعوبة.... مع العدوّ، العدو الكافر، وهذه هي الأخلاق ............
أفلا سمع الناعقون الكاذبون اليوم شيئا من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم وهم ينسبون لأنفسهم ما يسمونه بالإنسانية ويلصقون بالإسلام كل إرهاب وتخويف وتجبر وإفساد ......

وهكذا كان المؤمنون حقا، وفي سبيل الله وحده كان جهادهم وكان تعبهم وكان نَصَبهم...، في سبيل إعلاء كلمة الله وإن قُتِلوا فموتهم عليها موت شرف وعزة وفرح واستبشار بمن يلحق بعدهم بأن الله قد صدقهم وعده وأن الجنة مثوى لهم .........

وكانوا لقاء الجنة يفتدون بالأرواح، ولم يكونوا يُغرَوا بشيء كإغرائهم بالجنة فكانوا يدفعون الثمن راضين مطمئنين، بل ساعين له كل السعي، باكين على أنفسهم إن لم تنل منه حظا .........

ولن تعود السيادة ولن تعود لنا الدنيا إلا إذا أعدنا الدين وسيلة وهدفا، ولن تعود لنا إلا إذا بعناها بالجنة


« آخر تحرير: 2008-11-04, 20:11:47 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
**********************************درر  نــــــَـــــــــــثْر درة *************************

أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يجعلنا من المتدبرين المنتفعين المهتدين بالقرآن الكريم ، المتقين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى :
ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين

وأحاول قدر ما وسعني فهمي البسيط الذي إن أصبت به فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان أن أضع بعض الفوائد التي نخرج بها من كل صفحة مباركة ، وصفحتنا التي عشنا معها ودرّتنا التي تنثر علينا الدرر هي :

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(188) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (190)

1- الإسلام موائم لطبيعة النفس البشرية، موائم لضعفها وهو دين اليسر، والله الذي يعلم هذا الضعف يعلم ماهية التيسير وكيفية التيسير
2- الصيام بدأ غير مفصّل الأحكام، ثم فصّلت أحكامه لما عاين أصحابه ضعفهم بأيديهم، فزادهم الله تيسيرا على تيسير بإحلال الرفث إلى النساء ومباشرتهنّ ليلة الصيام.
3-الزوج لزوجته والزوجة لزوجها بمثابة اللباس في ضمان كل منهما للآخر سترا، وطمأنينة وسكينة وثقة والتحاما وحبا ورحمة وودا وحماية ووقاية وملجأ وكفاية وسلامة وعزا .
4-الله تواب  يتوب على العبد الضعيف المخطئ النادم العائد غير متكبر ولا مصرّ على خطئه، وعفوّ يحب العفو ، وكلها من أبواب رحمته بعباده.
5-لقاء الزوجين ليس لقاء لإشباع شهوة فحسب وإنما هو لقاء تأسيس وبناء ابتغاء ما كتب الله من الولد لكليهما زيادة في خير الأمة وفي عدد ناصريها، لقاء تؤدي إليه غريزة فيجعل لها الله هدفا ساميا يرتقي بكليهما من علاقة أرضية فيها من الشهوة ليربط المؤمن دائما بربه في كل لحظات حياته.
6-الأكل والشرب والجماع أمور تحلّ للمؤمن من بدء الليل أي غروب الشمس إلى تبيّن الخيط الأبيض من الفجر حيث يمسك عنها جميعا بنية ليسمى صائما.
7-تحريم إتيان الرجل لامرأته وهو عاكف في المسجد حتى في وقت الإفطار من يوم الصيام ارتقاء به بصفته عاكفا بالمسجد على العبادة.
8-كل ما سلف من تبيان فرضية الصيام وأحكام تيسيره على العاجزين وأحكام  العلاقة الزوجية فيه، وأحكام الأكل والشرب وأحكام الاعتكاف حدود الله التي بينها لعباده وهو سبحانه يحذر من مغبة  الاقتراب من هذه الحدود والحَوم حولها لأنه العالم بضعف الإنسان وهو يقيه الاقتراب لئلا يودي به ضعفه إلى الوقوع فيها .
9-تبيان الله للحدود والأمر بعدم الاقتراب منها لئلا تُتَعَدّى هو ابتغاء خير الإنسان وخيره بلوغه مراقي التقوى.
10-تحريم أن يأخذ أحد ما ليس له بحق من المال بدعوى حجج باطلة وحاكم يحكم بالباطل لقاء رشوة أو تزوير أو كذب أو تدليس، والظاهر يكون للناس حقا وهو باطل مغلّف.
11-جعل الله الأهلة مواقيتا للناس يحيون بموجب تنظيمها لأمور معاشهم، فالإسلام دين وقت واحترام للوقت ودين نظام واعتدال .
12-الإسلام يسعى دوما لمحو آثار الجاهلية الظلماء، وهو يبين أنما البرّ هو التقوى وليس طقوسا تؤتى بظاهر لا معنى له والأصل خواء .

13-مما سبق علمنا أن البرّ أوصاف ربانية بعينها بينها لنا الله في آية البرّ (الآية 177 البقرة)والهدف منها الوصول إلى التقوى (راجع الرابط التالي : http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=1780.msg23721#msg23721) وها هنا يقتصر سبحانه بعد تبيان ذلك لنا سابقا على أن يصف البرّ بالتقوى ، ثم يبين أن التقوى بدورها تؤدي إلى الفلاح لينتج عندنا :

البرّ ----------->--------------------- التقوى      التقوى----------->------------------ الفلاح

14-أمر الله المؤمنين بقتال الذين يقاتلونهم بلا اعتداء بل في سبيل الله وإعلاء كلمته وليس في سبيل جاه أو مال أو ثأر أو أي غاية من غاية النفس التي تبرأت بذلك من أدران الجاهلية وخلصت لله وحده .
15-أمر القتال جاء للمؤمنين وهم يترقبون لا يردّون ينتظرون الأمر من قيادة حكيمة راشدة يثقون بها ولا يحكّمون أهواءهم ولا يلتفتون لنداءات الحميّة والحماسة والاندفاع الجاهلية فيهم، وهم بهذا يتخلصون من كل براثنها ويحيون بالإسلام في كل جزئية من جزئيات الحياة.
16-الجهاد في الإسلام غايته إعلاء كلمة الله ، وكفّ الصادّين عن سبيله لحماية اللائذين به المعتنقين له والمرتمين في حماه من كل فتنة بأذى أو بإغراء.
17-فتوحات الإسلام كانت كلها نبل وشهامة وحرية، فمن أسلم يُحمى جانبه ويُحمى دينه، ومن أبى يؤخذ منه العهد بعدم التصدي لدعوة الله ، أما من أبى وصدّ فيقاتل لئلا يكون عقبة أمام دعوة الله وخيرها الذي جاء ليظلّ البشرية جمعاء.
18-المسلمون قادة العالم ورواد البشرية بما يحملون من الحق والخير الذي لا أخير منه لسعادة الأرض وأهل الأرض.
19-المسلمون أصحاب خير لا يستأثرون به لأنفسهم بل موكل بهم تعميمه،والذود عن حياضه.
20-المسلمون لا يغزون البلاد ويستذلون العباد ويكرهونهم أن يكونوا مسلمين وإنما يأتونهم بالخير وهم أحرار أن يأخذوه أو أن يعرضوا عنه.
21-الإسلام يكفل حرية المعتقد ولكن دون أن يُعترض للدعوة أن تبلغ الآفاق.
22-أحكام القتال في الإسلام رحمة على رحمة في قلب أشد الأوقات صعوبة ، وقت الحروب.
23-الإسلام منهج حياة كامل متسق متكامل الأطراف يدعو للحياة وللسعادة وللخير .
24-المسلمون مدعوّون في كل زمان لأن يقودوا العالم ولن يقودوه إلا إذا تمكن الإيمان من قلوبهم تمكنه من سلفهم الصالح، وحين تكون الدنيا ملك أيديهم وتتملك الجنة قلوبهم .
« آخر تحرير: 2008-11-05, 08:17:41 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نلتقي أيها الإخوة الكرام الأحبّة اليوم من هذا الأسبوع الجديد الذي كتب الله لنا فيه الحياة، ومع صفحة جديدة نعيش معها أجمل اللحظات وأحبّ اللحظات، ومع درّة جديدة نريد أن نتملّى بحسنها وبوضاءتها، وببريقها المشعّ نورا علينا في الحياة...الصفحة رقم 30 من مصحفنا الشريف من سورة البقرة العظيمة الجليلة، هذه السورة التي أوصانا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقراءتها، لأن في قراءتها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلَة والبطلة هم السحرة ....قدّرنا الله سبحانه، ورزقنا العيش بالقرآن، وللقرآن ومع القرآن .....

وهذه هي الآيات البينات من صفحتنا الغالية :

وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ(191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفَُورٌ رَّحِيمٌ(192) وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ(193) الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ(194) وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (195)وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ(196)

وقد توقفنا المرة السابقة مع آخر آية من الصفحة 29 وهي تسبقة لما في هذه الصفحة الجديدة وذلك في قوله سبحانه:
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (190)

وعشنا مع هذه المقدمة ما يسر لنا الله أن نعيش، ونكمل بإذن الله اليوم ، وفي ذات السياق، سياق القتال الذي كتب على المؤمنين، وكيف كتب، ولماذا كتب، وميزاته، وخصائصه، والإنسانية التي اتسم بها هذا القتال، والحكمة التي رنا إليها شرعه سبحانه وتشريعه له....

فقد جاء أمره سبحانه لعباده المؤمنين الذين نكّل بهم وعذّبوهم، وشردوهم وأخرجوهم من ديارهم وهم ينتظرون الإذن بالرد حتى أذن لهم سبحانه في قوله:
"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"  الآية 39 من سورة الحج
ثم كان الأمر بالقتال وكانت من بدايات هذا الأمر الآية 190 من سورة البقرة وهي مقدمة الآ]ات التي بين أيدينا من صفحتنا المشرفة
وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ(191)

ثقفتموهم بمعنى وجدتموهم على وجه الأخذ عند إيجادهم، وهو أخذ بحذق وفطنة وخفة ولنتأمل المعنى اللغوي :

ثَقَفَهُ يثقُفهُ ثَقْفًا غلبهُ في الحِذْق وبالرمح طعنهُ.
وثَقِفَ الرجلُ يثقَف وثَقُفَ يثقُف ثَقْفًا وثَقَفًا وثَقَافَةً صار حاذقا خفيفًا فطنًا.
وثَقِفَهُ يثقَفهُ  ثَقْفًا صادفهُ أو أخذهُ أو ظفر بهِ أو أدركه والشيءَ ثقافةً وثقوفةً حذِقهُ.
وفي سورة البقرة وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ قيل أي حيث وجدتموهم في حلٍّ أو حرمٍ. وأصل الثقف الحذق في إدراك الشيءِ علمًا أو عملاً فهو يتضَّمن معنى الغلبة ولذلك استُعمل فيها قال الشاعر
فإما تثقفـوني فاقتلوني **** فإن أَثْقَف فليسَ ترونَ مالي 
(1)

وهذا أمر إلاهي لقتل المشركين حيثما وجدهم المؤمنون في حلّ أو حرم، وأن يخرجوهم من حيث أخرجوهم، ويعني بها مكة التي أخرجوا منها، واضطهدوا فيها حتى أخرجوهم منها يبحثون عن ملاذ للدعوة....
والفتنة أشد من القتل
إذ كان المشركون يعيبون على المسلمين القتال عند المسجد الحرام وفي البلد الحرام، فيبي لهم سبحانه أنّما فتنة الإنسان عن الدين الذي ارتضاه له خالقه، وإخراجه من نور الإيمان إلى ظلمات الشرك والوثنية، والصدّ عن دين الله وعن الدعوة أشدّ من هذا الذي يتبرمون منه، فالشرك ظلم عظيم وهو أشد الظلم، هذه الفتنة التي تحصل للمؤمنين عن دينهم، وهذه الفتنة التي يريدون بها للمشرك أن يبقى مشركا ولا تشمله رحمة الإسلام، أشد من القتل الذي يستكبرونه...وفتنة الإنسان عن الإسلام وعن الإيمان، وطأتها أشد من كل وطأة لأنها ظلم له ولنفسه ولبشريته من نيل الخير الذي يعمّها في كل حال وفي كل زمان....هي معرفة الإنسان لربه، وعبوديته لربه، وأن يفرده وحده بالعبادة وبالألوهية، وبالربوبية، ولا يشرك من دونه شيئا ولا أحدا ، ولا يتخذ له ندا، ويعلم علم اليقين أنما كل الحق منزّل من عنده لخير البشر أجمعين، إفراد بالعبادة ، وإخلاص فيها لوجهه وحده ، تذلل بين يديه وحده....وتخلّص من ربقة الهوى ومن سطوة النفس ومن تفلّت عقالها...ومن تسلط الإنسان على الإنسان

وللشهيد سيد قطب رحمه الله في هذه وقفة وتأمل جميل نسوقه هنا :
إن الفتنة عن الدين اعتداء على أقدس ما في الحياة الإنسانية . ومن ثم فهي أشد من القتل . أشد من قتل النفس وإزهاق الروح وإعدام الحياة . ويستوي أن تكون هذه الفتنة بالتهديد والأذى الفعلي , أو بإقامة أوضاع فاسدة من شأنها أن تضل الناس وتفسدهم وتبعدهم عن منهج الله , وتزين لهم الكفر به أو الاعراض عنه . وأقرب الأمثلة على هذا هو النظام الشيوعي الذي يحرم تعليم الدين ويبيح تعليم الإلحاد , ويسن تشريعات تبيح المحرمات كالزنا والخمر , ويحسنها للناس بوسائل التوجيه ; بينما يقبح لهم اتباع الفضائل المشروعة في منهج الله . ويجعل من هذه الأوضاع فروضا حتمية لا يملك الناس التفلت منها . (2)

قيل لبعض الحكماء ما أشد من الموت قال الذي يتمنى فيه الموت ، والإخراج من الوطن فتنة، ومفارقة الأحبة والأهل فتنة لأنّ عندها كثيرا ما يكون أهون على الإنسان موته من وقوعه بها...
ومنه قول القائل
لقتل بحد السيف أهون موقعا***على النفس من قتل بحد فراق

ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام  حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم
وهنا يحدد الله سبحانه مقاتلتهم عند المسجد الحرام ببدء المشركين القتال والمقاتلة عنده، وذلك لشدة حرمته

خطب صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، فقال: ياأيها الناس: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض، ولم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي. وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم عادت حراما إلى يوم القيامة. فبين صلى الله عليه وسلم، أنه خص في تلك الساعة بالإباحة على سبيل التخصيص، لا على وجه النسخ فثبت بذلك خطر القتال في الحرم، إلا أن يقاتلوا فيدفعون دفعا

حتى يقاتلوكم فيه، أي إذا بدئ منهم القتال فلتقاتلوهم عند المسجد الحرام على وجه الخصوص دون باقي الأماكن، لأن حرمته تقتضي أساسا حرمة القتال فيه، إلا أنهم إذا بدؤوا بذلك الاعتداء منهم وهم مشركون، وفوق  شركهم لا يراعون حرمته، فالأولى أن يكون الرد عليهم من مؤمنين بالله لا يستحلون حرمته إلا لما بدر من ظلمة مشركين يريدون الصد عن سبيل الله تعالى، وإن ترك لهم المجال، وفسح بينهم وبين ما يريدون من قتال في مكان محرم فذلك أشنع وأبغض ....
كذلك جزاء الكافرين، جزاء الكافرين قتالهم، وقتلهم وردّ اعتدائهم وتعديهم بإزهاق أرواحهم الكافرة المعاندة التي لم تنحن لجلال المولى سبحانه .

فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم

فإن انتهوا ........واالانتهاء هنا يكون عن كفرهم، عن غيّهم، عن عنادهم، عن تمنّعهم من الإيمان،ويكفوا عن إصرارهم ....انتهاؤهم الجالب لمغفرة الله ورحمته إنما هو انتهاؤهم عن الكفر، ولا مجال هنا لانتهاء عن أمر سواه يكون مجلبة لمغفرة الله ورحمته، فإن هم انتهوا عن قتال المؤمنين، فأي شيء يجلب لهم مغفرة الله ورحمته؟
انتهاؤهم عن كفرهم باب يفتحونه للدعوة، باب يوصدونه دون الصدّ....

وما أعظم الإسلام , وهو يلوح للكفار بالمغفرة والرحمة , ويسقط عنهم القصاص والدية بمجرد دخولهم في الصف المسلم , الذي قتلوا منه وفتنوا , وفعلو بأهله الأفاعيل !!! (3)

وقد ذكرنا في مداخلاتنا السابقة الغاية من القتال ومن فرضه، وهدف المسلمين من الامتثال لأمرهم سبحانه به، وننقل هذا للإفادة الزائدة:

وغاية القتال هي ضمانة ألا يفتن الناس عن دين الله , وألا يصرفوا عنه بالقوة أو ما يشبهها كقوة الوضع الذي يعيشون فيه بوجه عام , وتسلط عليهم فيه المغريات والمضللات والمفسدات . وذلك بأن يعز دين الله ويقوى جانبه , ويهابه أعداؤه , فلا يجرؤوا على التعرض للناس بالأذى والفتنة , ولا يخشى أحد يريد الإيمان أن تصده عنه قوة أو أن تلحق به الأذى والفتنة



*********************************
(1) الغني
(2)في ظلال القرآن لسيد قطب
(3) الظلال لسيد قطب
(4) نفس المصدر السابق
« آخر تحرير: 2008-11-09, 12:14:59 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
ونكمل أيها الإخوة مع الآية الكريمة الموالية، قوله تعالى :

وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ(193)

نرى تكرر لفظ الفتنة، وتكرر التخويف من الفتنة، ففي الأولى بين سبحانه أن الفتنة أشد من القتل، وقد قلنا أنما هي فتنة المؤمنين عن دينهم، وفتنة الإنسان بصده عن خيرية الإسلام واعتناقه لخيره....

وهاهنا تتكرر، حتى يتبين لنا
أنما الغاية العظمى من القتال إنما هي ردّ هذه الفتنة  ردّ استهدافهم لفتنة الناس في دينهم

وهنا يبين الإسلام العظيم أنّ أشدّ الناس شرا للناس هم الذين يفتنونهم في دينهم، ويتعرضون لهم بالأذى الفعلي، أو بإشاعة الفساد ومظاهر الفساد والإغراض وتمرير الرسالات الهدّامة في قالب مزيّن مغلّف يستحسنه الإنسان ويرى فيه جلد حمل والذئب من وراء الجلد الناعم متخفّ....

هنا يبين الإسلام أن حياة الإنسان برمتها في كفة وعقيدته في كفة أخرى، وأن الحق يحكم بأن ترجح إحداهما وهي كفة العقيدة، لأن الموت في سبيلها وفي سبيل إعلائها وتبيانها وتوضيح مسالكها للناس شرف ورفعة ونيل للخير كله، وأن قتل من يصدّ عنها ويحول دون بلوغها والنهل من فيوضات رحمتها وخيرها للبشرية جمعاء شرف أيضا ورفعة .... فسواء في ذلك من قاتل في سبيلها وفي سبيل تفتح الأبواب أمامها فحياته قد تكون لها الثمن دون أدنى اعتقاد خسارة منه وممن حوله من المعتقدين اعتقاده، أو قتل ذاك الذي أوصد دونها الأبواب، فحياته ثمن أيضا، ثمن بخس لإعلائها ....
وشتان بين الموتين !!!!.........فموت في سبيل الحق، وموت في سبيل الباطل، موت في سبيل الإعلاء واليد من الأيادي المعليه، وموت في سبيل الإطاحة وقد شلّت يد كانت من الأيادي المطيحة أو الحالمة بالإطاحة ....

ويكون الدين لله     حتى لا تكون فتة ويكون الدين لله، فالفتنة هي الإبعاد عن دين الله، وهنا "حتى" تعني الغاية والغاية هنا ألا تكون فتنة ويكون الدين لله خالصا، ليس للأهواء، ولا للناس، ولا للجاه ولا للسلطان ولا للباطل بكل أوجهه، ولا يكون للشيطان نصيب منه ...
وكذلك يكون الدين لله، فيصدّ كل من صدّ عن الدعوة ...

وفي هذا المقام نذكر ونتذكر، نذكر أيها الإخوة حالنا وما نحن عليه،..... الدين لله، لا نرتضي غيره شرعة ومنهاجا لحياتنا، لكل جزئيات حياتنا، نبتغي فيها كلها وجهه سبحانه، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين ..... أين نحن من هذا؟؟؟

أين شباب يقف بالساعات الطوال أمام مرآة تكاد تصرخ أو تصفعه على وجهه المقابل لها ليستفيق، وهو يمشط على منوال فلان من الفنانين، أو وهي تلبس على شاكلة علانة من الفنانات المتمايلات الراقصات، ....... أهذا هو الدين لله ....؟؟؟؟

كيف أصبحنا بهذا الحال، وكيف آل إلى هذا مآلنا ؟؟؟ إن لم يكن من تخاذلنا ومن بعدنا عن الحق وعن ارتضائنا العزة فيما سوى الإسلام فما كان إلا أن أذلنا الله ....
كيف الدين لله، ونحن قد أصبحنا الوسيلة والغاية، فمنا وفينا عوامل الهدم، ولم نعد نكلفهم تعبا ولا نَصَبا ، وإنما قد تولينا عنهم التهديم بعدما تشربنا من مدارسهم الغربية المغرّبة، وبعدما بهرنا بهم، وبعدما انبهرنا بحالهم، نرى فيهم الكمال، حتى صرنا نخاف أن يميلوا يوما ما إلى الإسلام ويوقنوا أنه الحق فنميل معهم إليه بحكم أنهم قد مالوا إليه، فقد تعودنا النسخ واللصق ....!!!!!

أين نحن من الدين لله ؟؟؟.... وقد بات المحق بيننا والداعي إلى الحق يخشى أن يقول كلمات الحق لئلا تؤوّل ويقال عنه إرهابي أو متزمت أو منغلق أو ناعق بالرجعية؟؟؟
أين نحن من الدين لله ونحن نرمي بالكنوز يمنة ويسرة ونتركها لذرات التراب تغزوها، ونتشبث بالفُتات من أكلاتهم المتعفنة، ويكأنّنا نفتقر للعزة ، ويكأننا نفتقر للحكمة حتى نأتي بها من سين أو من عين .....
ويقول أحدهم من بني الإسلام  : إن المثل الفرعوني يقول : "أحب الكتاب أكثر من حبك لأبيك وأمك" !!!!! لهف نفسي ..... فأنت تستمدّ منهم الحكمة لما نضبت ينابيعها التي بين يديك، ولكن ما عساي أقول ومن لم يحبّ أن يرى لم يرَ ولن يرى ، ومن تعطش للملح الأجاج والفرات الزلال بين يديه، فلن يرتوي بقطرة منه، مادام ينهل مما يؤجج  نيران العطش في نفسه فلا يزيده الشرب منها إلا عطشا ولن ينهل من غير الأجاج...................!!!!

ولنتملّ بأحوالنا فإذا نحن أقرب للذل والهوان منا للعزة، وما ذلك إلا من صنع أيادينا ومن قابليتنا للاستعمار، ومن غفلتنا عن خير هو بين أيدينا وتطلعنا واشرئباب رقابنا إلى ما ليس لنا وما ليس كاملا ولا متسقا، والباطل يغزوه من بين يديه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته، ذلك أنه من وحي عقل مهما ادعى الكمال أو ادّعي له الكمال فهو الناقص .....

وإذا أراضينا اليوم مستباحة ويقولون فيما يقولون أنهم يحررونها، وغيرها مهددة بتحريرهم !!!!!!!
فإن لم تكن منا استفاقة، وإن لم تكن منا التفاتة، وإن لم تكن منا نهضة فلن يكون لنا الخير ولن تعود لنا الخيرية ........
وكما يقول مالك بن نبي فيمن ذهب إلى فرنسا من المصلحين الجزائريين منساقين خلف السياسيين ودعواتهم، "بماذا عدتم من هناك؟؟؟ أليس اليقين أن النهضة والاستفاقة من أمتنا من الداخل ولن يعطينا العدو شيئا فيه لنا خير ؟؟؟؟"

فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين

والذين ينتهون هم هؤلاء المشركون....الذين إن انتهوا فانتهاؤهم كما أسلفنا هو انتهاء عن الشرك والضلال إلى الإيمان والهدى، فإن انتهوا فلن يبقى عليهم عدوان، بل إن العدوان لا يكون إلا على الظالمين، وهم بانتهائهم لن يبقوا من الظالمين ، بل سيصبحون إخوة في الله وفي الدين ....ولا عدوان عليهم بحكم دخولهم في هذا النطاق البديع الجميل المحصّن الكامل ......

وهنا إخوتي لغويا، نتساءل لماذا جاء لفظ "العدوان" وغايته حق ولا عدوان فيه ولا اعتداء ؟؟؟

لنتأمل هذا الجواب......
والعدوان: الظلم، وأريد به هاهنا: الجزاء. فسمي الجزاء عدوانا مقابلة للشىء بمثله كقوله: {فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } (1)

والقياس بذات اللفظ من جنس مقابلة الفعل بالفعل فالعدوان هنا هو الجزاء، وليس العدوان من التعدي والظلم ، وتسمى المشاكلة وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى ، كقوله تعالى : "وجزاء سيئة سيئة مثلها" الشورى 40 قال الزجاج العرب تقول : ظلمني فلان فظلمته أي جازيته بظلمه .





**************************
(1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي
« آخر تحرير: 2008-11-09, 20:27:58 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
والآن نكمل مع الآية الموالية من هذه الصفحة الحبيبة قوله تعالى :

الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ(194)

إنّ لهذه الآية سبب نزول نذكره بادئين :

قوله (الشَهرُ الحَرامُ بِالشَهرِ الحَرامِ) الآية قال قتادة: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي القعدة حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فلما كان العام المقبل دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة وأقاموا بها ثلاث ليال وكان المشركون قد فجروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فأقصه الله تعالى منهم فأنزل (الشَهرُ الحَرامُ بِالشَهرِ الحَرامِ) الآية.(1)

كما أنّ هناك فائدة لغوية توضح لنا المعنى فيما توضح ذلك أن قوله سبحانه الشَهرُ الحَرامُ بِالشَهرِ الحَرامِفيه إيجاز بالحذف تقديره : هتكُ حرمة الشهر الحرام تقابل بهتك حرمة الشهر الحرام، ويسمى حذف الإيجاز .

إذن فكما هتك المشركون حرمة ذي القعدة، وحرموا الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام  من تأدية العمرة،وردوهم وصدوهم عن البيت، فكذلك قد أمرهم سبحانه بأن يهتكوا حرماتهم ندا بندّ، وفي ذات الوقت قصاصا منه سبحانه للمؤمنين، والحرمات قصاص، فمن اعتدى في شهر حرام يعتدى عليه أيضا في شهر حرام، ومن اعتدى في مكان حرام يعتدى عليه في مكان حرام، والله سبحانه وتعالى قد أراد البلد الحرام أمانا وأمنا وحرمة تظل العباد ، حرمة مكان، وأراد في الأشهر الحرام حرمة، وأمنا وسلاما يظل العباد ، حرمة زمان، فمن هتك تلك الحرمات، يعتدى عليه بالمثل قصاصا، ليس أحد خير من أحد وليس من يفزّع ويراد به العذاب والتباب بأهون على الله من الذي أراد....ولا أقل شأنا منه، وإنما الله هو العدل هو الرحيم، هو الرحمن الذي لا فرق عنده بين أعرابي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى، التقوى هي المقياس، وهي التي تعلي، وهي التي ترفع عند الله.... من يتقيه، من يعظم شعائره، من يوقّر حرماته..... أما من ينتهكها، ويضرّ ويسيئ لغيره، ويريد بهم الهلاك والويل، فالله سبحانه يتوعده بأمر عباده سَوْمَهُم الصاع بالصاع، المثل بالمثل، لا فرق، ولا فروق.....
هو الله الذي لا يحابي، ولا يفضل، ولا يترك الإمرة لأحد على أحد بالباطل ومن غير وجه حق، ولا يحب من يرضى بالذل والهوان والظلم...
وفي ذلك نذكر قول الفاروق رضي الله عنه :"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " ....ذلك في كل حال، في حال المؤمن مع المؤمن، فما بالك بحال الذي كفر وضلّ واختار سبيل الغيّ  مع من آمن ووحّد ووجه وجهه لله وحده، واتخذ سبيل الرشاد سبيلا ...

ولأن الله سبحانه عادل يقيم بالعدل ويحكم بالعدل والمساواة، فقد تبعت هذه الكلمات الربانية الموجّهة قوله : فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ

وكما بينا سالفا فإنها هنا المشاكلة وهي التساوي في اللفظ والاختلاف في المعنى فهنا اعتداء المسلمين هو الجزاء، وليس اعتداء ظلم...

بالمثل، بالندّ ....وهذا هو القصاص، فهو سبحانه يفصّل قوله "والحرمات قصاص " بقوله  "بمثل" دون زيادة ودون اتباع هوى فيزيد عدوانا وظلما وجَورا وإنما بالمثل، لا يزيد ولا ينقص........فإن أنقص فذلك  أنّ الذي اعتدي عليه أقل شأنا من المعتدي، وإن زاد وكأن المعتدى عليه أكثر شأنا من المعتدي .....

سبحان الله ....هذا الدين الذي يعلمنا كيف نكون مع المشركين الضالين الكافرين، فكيف إذن بالحال المراد بين المؤمنين ؟؟؟؟؟!!!!!
سؤال يقفز للذهن حقا.... إن كان هذا العدل المطلوب، والمساواة والأخذ بالمثل دون اعتداء وتعدّ لما هو بين مؤمن ومشرك، فكيف بين مؤمن ومؤمن؟؟
المؤمنون الذين تصبغ علاقتهم رحمة وودّ وحنان وحبّ وإيثار
يحضرني ها هنا  قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه

يا الله........ يالسموّ هذه العلاقة الحميمية، ويالأهميتها، ويالهذا الميزان الذي جعل لها .... بماذا تقاس ؟؟؟ تقاس بالإيمان ...وهل أعلى من الإيمان صفة ؟؟
واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين فهي أمور ثلاثة، تعالوا نتأملها وقد وصل بينها جميعا حرف العطف "و"

فأولها :
1- فاعتدوا عليهم بمثل ما عتدوا عليكم
و
2-اتقوا الله
و
3-اعلموا أن الله مع المتقين

لنستذكر يا جماعة الخير سوية آية فرض القصاص وهو سبحانه يردفها بقوله :"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" البقرة 179
أي أن الغاية هي التقوى، والهدف هو التقوى ....
وللنظر هنا أيضا فإذا القصاص في الحرمات يتبعه الله بقوله واتقوا الله، فهي الصفة التي يجب أن يلتزموها، وتلازمهم.... التقوى، لأن من يتقي لن يعتدي، فخشيته من رب العزة وابتغاء مرضاته ستكونان له الدافع لأن يلتزم الحدود المبينة منه سبحانه ولا يتعداها إلى أمر هواه
، ثم تأتي الثالثة :
واعلموا أن الله مع المتقين  يذكرهم مثنيا سبحانه بذكر التقوى، مكررا لها ...وهي بذلك ضمان فوق الضمان أنّه سبحانه يكون مع عباده المتقين، حتى يفرحوا بمعية الله تعالى ويرون الامتثال لأمره لقاءها أمرا يسيرا ميسّرا، لا يشقّ على أنفسهم، ولا يتبعون الهوى، بل يتبعون ما بين الله وما أمر ......

إذن : 1-أمر بالإعتداء بالمثل ، 2- أمر بتقوى الله ، 3- تأكيد على معية الله للمتقين.

ونولي وجوهنا شطر الآية الأخرى من صفحتنا قوله تعالى :

وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (195)

وقد جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، أنه لما التقى جيش المسلمين وجيش الروم حمل أحد المسلمين على جيش الروم، فألقى بنفسه في وسطهم، ثم رجع إلى جيشه مقبلا، فصاح المسلمون، قد أدى بنفسه إلى التهلكة، فصاح فيهم أبو أيوب الأنصاري أنما أنتم تتأولون هذه الآ]ة ، وإنما نزلت فينا صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنا لما عزّ الإسلام وكثر ناصروه ، وكان النصر حليفا لنا، قلنا سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ علينا العودة إلى أهلينا وأموالنا وإصلاحها والاهتمام بها واسترداد ما ضاع منها ، فنزلت هذه الآيةفينا يبين الله أنّ تركنا للجهاد تهلكة لنا....

ولنتأمل أيها الإخوة كيف قرن الإنفاق بالجهاد وآيات القتال في سبيل الله، والإنفاق أيضا يبيّن أنه في سبيل الله لإعداد عدة الجيوش وتجهيزها، وتمكينها بما تحتاج من عتاد، وكثيرا ما قرن القرآن الكريم الجهاد بالإنفاق
من مثل قوله تعالى : "وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" الحديد 10

فالجهاد بالنفس وبالمال في سبيل الله تعالى، ولننظر كيف أنّ الله سبحانه يتوعد بالهلاك والتهلكة من ترك الجهاد والإنفاق في سبيله، لأن الغلوّ في حب الدنيا،وفي الابتعاد عن الإنفاق من شأنه أن يخضع صاحبه لسطوة المال وفتنته...وتلك هي التهلكة بعينها ....
وسبحان الله ترك الجهاد وترك الإنفاق في سبيل الله للجهاد أهلكا الأمة فعلا .... فالحرمات تنتهك، والأراضي تستباح، والحق يؤخذ عنوة، ونحن نتفرج....
ويوم اثّاقل المؤمنون إلى الأرض واستثقلوا الجهاد والإنفاق  في سبيل الله  أخلدوا إلى الأرض، وأخلدوا للهوان والذلّ، وبات الحق يؤخذ، والأطفال تذبّح، والحرمات تستباح ونحن نتفرج، نغفل ونلهو ونلعب وتبرد قلوبنا برد الثلج عن الحق، أو نبكي ونولول، أو نتحسر ونضرب كفا بكف ولا نملك إلا الشجب والتنديد والتظاهر وإحراق الأعلام في الساحات والميادين ...........

فهي التهلكة، لأن العدوّ تقوى شكيمته، ويغزو ويعتدي ويستبيح على مرأى من أعين الغافلين الذين ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة يوم أن تركوا الجهاد في سبيل الله والإنفاق في سبيله ....

والجهاد في سبيل الله والإنفاق في سبيل الله مراتب عليا، ولا يستوي من جاهد مع من قعد، ولا يستوي من أنفق مع من تمنّع...........ويرتقي سبحانه في الوصف والأوصاف والبيان ليأتي ذكر الإحسان، وكأنّ المؤمن إذا جاهد وأنفق في سبيل الله إنما يرتقي إلى مرتبة الإحسان بذلك، فهو لا يبخل بنفسه والنفس غالية، ولا يبخل بماله والمال غال .... فما عنده من زينة الدنيا ومن قَوَامها ومن استقامة معنى وجوده فيها يرخص لديه لقاء رضى الله ولقاء رضوانه، فهو يرتقي إلى درجة الإحسان عُليا مراتب الإسلام
ويقول صلى الله عليه وسلم :
"أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك " فبالإحسان يتورع المؤمن عن كل معصية ويأتي كل طاعة ....
ولنتتبع الأثر خطوة خطوة .................

فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عله بمثل ما اعتدى عليكم --------------------------ردّ بالمثل وقصاص
اتقوا الله----------------------------------------------------------------------------------لزوم التقوى لئلا يكون الاعتداء
وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة-------------------------------الإنفاق في سبيل الله لتجنب التهلكة التي هي البعد عن الجهاد والإنفاق في سبيله
وأحسنوا إن الله يحب المحسنين-----------------------------------------------------بلوغ درجة الإحسان ومرقى الإحسان

هي درجات يصعدها المؤمن، هو مصعد يأخذه من حال إلى حال أحسن منها، هي إرادة الله الخير كله للمؤمن بهذا الإيمان وبهذا الإسلام والتسليم الكلي لله تعالى ، ولأمره الذي لا ينزل به وإنما يصعد به الدرجات تلو الدرجات ليبلغ أعلاها وأسماها ويرتقي ابتغاء حياة لله وابتغاء مماة تبلغه رضوانه وأعلى مراتب الجنة ....

وهناك فائدة أيضا من أمر أكيد، ذلك أنه لم يرد في القرآن الكريم ذكر الجهاد إلا وأتبع بـ "في سبيل الله" لتتبين بجلاء بغية الإسلام من الجهاد والتي إنما هي إعلاء كلمة الله تعالى وفتح الأبواب أمام الدعوة إلى الله .....



 




***************************
(1)أسباب النزول للواحدي
« آخر تحرير: 2008-11-09, 20:30:08 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
***************درر نثــــــــــــر درة*******************

ونأتي إلى درر نحاول استخراجها من هذه الآيات الكريمات كعادتنا أيها الإخوة في موضوعنا هذا.....
وهي من قوله عزّ من قائل :

وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ(191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفَُورٌ رَّحِيمٌ(192) وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ(193) الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ(194) وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (195)وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ(196)


1-أمر الله للمؤمنين بقتال المشركين حيثما وجدوهم في حلّ أو في حرم، والأمر بإخراجهم كما أخرجوهم حتى يشفي صدور المؤمنين الذين تربصوا ولم يردوا منتظرين إذن الله تعالى لهم بالقتال .
2-الفتنة عن الدين وعن العلاقة بالله عز وجل أشد من القتل الذي عابه المشركون على المؤمنين إذ قاتلوهم في المسجد الحرام.
3-أمر المؤمنين بالرد على المشركين بالقتل عند المسجد الحرام إن هم بدؤوهم، ذلك أنه لا أحد أفضل من أحد وحتى تتطهر تلك البقاع منهم والمؤمنون أولى بها منهم .
4-إشارة إلى واسع مغفرة الله سبحانه لمن ينتهي من المشركين عن غيّه وعن ضلاله ويعتنق الإسلام دينا.
5-غاية القتال هي درء الفتنة في الأرض، وهي في سبيل الله سبحانه وفي سبيل إعلاء كلمته في الأرض وليس قتال أهواء وقتال انتقام للنفس من النفس.
6-الإسلام جعل كل أمر من أمور المؤمن وكل حال من أحواله خالصة له سبحانه متجردة من كل هوى ومن كل نزعة، حتى أنه لتهون عليه نفسه لقاء نصرة دين الله.
7-المسلمون قوم لا يعتدون إلا على من ظلم، وأكبر الظلم الشرك بالله وإشاعة هذا الشرك وحب إفشائه في الأرض، والصد عن سبيل الله عنوانا لأكبر الفساد فيها.
8-العدوان لفظا يردّ لجنس اللفظ ولكنه معنى هو الحقّ وليس الاعتداءمن المؤمنين.
9-من اعتدى على مسلم في شهر حرام يعتدى عليه في شهر حرام، والحرمات قصاص، فلا زيد أحسن من عمر عند الله ولا عمر أدنى من زيد عنده، إنما الناس سواسية .
10-رد العدوان والمظلمة يكون بالمثل، ولا يكون بزيادة واعتداء فوق الاعتداء إشفاء لغليل في النفس ولغاية فيها.دين ليس أرقى منه حتى في أشد الحالات، القتال.
11-الدعوة إلى تقوى الله حتى لا يكون اعتداء، فهي الحائل دونه وهي الدافع لأن يكون الجزاء بالمثل من غير مغالاة وخروج عن الإنسانية من مثل التمثيل بالأجساد والاعتداء على الشيوخ والنساء كما هي صورة الحروب في زماننا، زمان المدعين الإنسانية.
12-الله مع المتقين، بمعيتهم، يزيد دروبهم نورا ويزيدهم منه قربا، ويزيدهم حبا لحبه وحب من أحبه وحب العمل الذي يقربهم لحبه.
13-التهلكة في الإسلام هي تفضيل المال والبنين والدنيا بكل زينتها المحلّلة على جهاد في سبيل إعلاء كلمته، وعلى إنفاق لتجهيز المجاهدين في سبيل الله.
14-ركون الناس للدنيا فعلا هلاك لحالهم، وهذا ما نعاينه، والمسلمون قد ركنوا إليها ولم يعد لهم الهدف الأكبر إعلاء كلمة الله في الأرض كقادة للبشرية أنيطت بهم هذه المسؤولية.
15-متى عاد المسلمون يذودون عن الإسلام، ويذودون عن حياضه، ويرفعون رايته عاليا في كل الأرض عادت عزتهم.
16-جاء الأمر بالإنفاق على المجاهدين وعلى الجهاد، ثم التحذير من مغبة الركون إلى الدنيا على الجهاد، ثم ارتقى إلى الإحسان وهذا حال من الارتقاء في الدرجات يريده الله لعباده المؤمنين.
16-الأمر بإتمام الحج والعمرة لله خالصة وليس ابتغاء أية غاية دنيوية.
17-المحصورون، الذين تحول دون إتمامهم لحج أو عمرة صدّ عدو أو مرض عليهم بالهدي.
18-حلق الرؤوس دليل على تحلل الحاج من حجه، فجاء الأمر بعدم التحلل إلا بعد أن يبلغ الهدي مكانه الذي يذبح فيه
19-من اضطره مرض برأسه أو أذى من هامة به إلى الحلق فحلق قبل التحلل وقبل الهدي فهذا مجاز له ذلك، ولكن عليه الفدية من صيام ثلاثة أيام أو صدقة أو ذبح.
20-من تمتع بالعمرة إلى الحج من الحجيج الآمنين، فعليه أن يتحلل من عمرته بالهدي، ليمكث منتظرا حلول موعد الحج ثم يحرم بعدها بالحج وهذا هو التمتع
21-من لم يجد ما يذبح به، عليه صيام عشرة أيام كاملة ثلاثة في الحج، وسبعة عند رجوعه بلده، وهذال لمن ليس من أهل الحرم هناك.
22-الدعوة المتكررة إلى تقوى الله، الله شديد العقاب لمن يتعدى حدوده التي بينها لعباده، ولمن يستهزئ بقدسيات العبادات.
« آخر تحرير: 2008-12-06, 10:10:35 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
نكمل اليوم مع الآية الأخيرة من هذه الصفحة المشرفة قوله تعالى :

وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ(196)

نلاحظ أيها الإخوة الترابط الموجود بين الآيات الكريمات ، فالله سبحانه وتعالى فصل في أحكام الصيام حينما بدأ بفرضيته ثم أحكامه، ثم عن الأهلة والتي بين سبحانه أنها مواقيت للناس والحج، والحج يلي الصيام وشهوره تلي شهر الصيام،وفي عَرَض ذلك، جاء ذكر القتال، وكيف يكون حال المؤمنين الذين خشوا أن يصدهم المشركون في عمرة القضاء، وأكبر خشيتهم أن يردوا عدوانهم وهو شهر حرام، فبين الله لهم أن عليهم ردذ العدوان وفي الشهر الحرام ، كما تجرؤوا هم على فعل ذلك ....ويتبع القتال بالحديث عن الإنفاق في سبيل الله للجهاد في سبيله....
ثم نصل إلى الحج والعمرة وأحكامهما مع هذه الآية .....

وإتمامهما يقصد به أداؤهما أتمّ الأداء لله، ابتغاء وجهه، وابتغاء مرضاته وحده ، والعمرة كالحج في شعائرها ما عدا الوقوف بعرفة الذي يكون في الحج ....

فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي


وأتموا الحج والعمرة لله


وأكمل لاحقا بإذن الله فأنا مضطرة للمغادرة emo (30):
« آخر تحرير: 2008-11-10, 12:50:52 بواسطة حازرلي أسماء »

ماما فرح

  • زائر

تسجيل متابعة

صار لي وقت طويل أرجيء قراءة الموضوعات الطويلة الدسمة إلى وقت فراغ على رواقة

ولم يأت الفراغ ولم تظهر الرواقة في الأفق

  ::cry::

حازرلي أسماء

  • زائر

تسجيل متابعة

صار لي وقت طويل أرجيء قراءة الموضوعات الطويلة الدسمة إلى وقت فراغ على رواقة

ولم يأت الفراغ ولم تظهر الرواقة في الأفق

  ::cry::


أهلا وسهلا ومرحبا يا ماما فرح يا غالية sm::))(
نورت الموضوع  emo (13):

معك يا ماما فرح ، فكم نعتزم من أمور ثم تحول المشاغل دون إنجازها ....أعانك الله وسدد خطاك وبارك في مسعاك
ولكن هذه المرة حبسة مع كبسة :emoti_282: لن تغادري متابعة الموضوع  ::)smile:


بإذن الله تعالى سأكمل اليوم مع الآية الأخيرة من صفحتنا وقد أحصرت فلم أكملها في حينها emo (30):

غير متصل الشيماء أحمد

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 485
لم أستطع أن أمر من هنا دون أن أكتب تعليق
جزاكِ الله خيراً يا أسماء ... لي عودة ان شاء الله ... للأسف أصل دائماً في هذه الموضوعات الرائعة في نهايتها فأحتاج للوقت لأقرأ ... سأحاول أن أقسم الموضوع وان شاء الله أسجل متابعة لما بقي

حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا ومرحبا يا شيماء على الرحب والسعة أختاه ....وأنتظرك حال تفرغك يسر الله لك  emo (30):

حازرلي أسماء

  • زائر
وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ(196)

وتجدر الإشارة أيها الإخوة هنا إلى تاريخ فرضية الحجّ كركن من أركان الإسلام الخمسة فهناك مصادر تشير إلى أن فرضيته كانت في السنة التاسعة أو العاشرة للهجرة ارتكانا إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج حجة الوداع في السنة العاشرة ، ولكنّ هذا  ليس بالحجة الواضحة وإنما قد يكون صلى الله عليه وسلم قد أجل حجته إلى السنة العاشرة، نظرا إلى حال المشركين وإلى ما بينهم ....

وقد ذكر في آيات سورة الحج  أو أشير إلى الهدي والنحر والطواف والإحلال من الإحرام وذكر اسم الله . وهي شعائر الحج الأساسية . وكان الخطاب موجها إلى الأمة المسلمة موصولة بسيرة أبيهم إبراهيم . مما يشير إلى فرضية الحج في وقت مبكر , باعتباره شعيرة إبراهيم الذي إليه ينتسب المسلمون . فإذا كانت قد وجدت عقبات من الصراع بين المسلمين والمشركين - وهم سدنة الكعبة إذ ذاك - جعلت أداء الفريضة متعذرا بعض الوقت , فذلك اعتبار آخر . وقد رجحنا في أوائل هذا الجزء أن بعض المسلمين كانوا يؤدون الفريضة أفرادا في وقت مبكر ; بعد تحويل القبلة في السنة الثانية من الهجرة . (1)



فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي

ُأحصِرَ بمعنى حُبِسَ  ، حبسه مرض أو خوف أو عدو

يعني هنا يبين سبحانه أن الإنسان إذا ما خرج ناويا حجا أو عمرة، أو حجا وعمرة ولكنّ الأقدار شاءت أن يحبسه عن إتمامهما أمر ، من مثل مرض أو عدو يصدّ بحرب فإنّ فداء ذلك والذي يبقي الأجر والثواب كمن حج أو اعتمر تماما هو الهدي والهدي هنا هو ما يهدى لله

هَدْيٌ - [هـ د ي]. (مص. هَدَى). 1."قَدَّمَ الْهَدْيَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِِ" : مَا يُهْدَى مِنَ الذَّبَائِحِ للِتَّصَدُّقِ بِهَا(2)


ما استيسر من الهدي
أي ما تيسر منه ، وكذلك الحال كان يوم الحديبية عندما صدّ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه عن العمرة، وقد شقّ على الصحابة أن ينحروا وهم لم يبلغوا بالهدي محلّه، ففعل الرسول صلى الله عله وسلم ذلك فاقتدوا به، وقد اشترك الصحابة يومه العدد في ناقة ، وما استيسر هو من أنواع النعم أيضا بين بقر وإبل وغنم ومعز ....

ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله

وحلق الرؤوس هو إشارة إلى الإحلال من الإحرام، وهو هنا حال غير المحصرين، أي لاذين أدوا مناسكهم بحرية ودون أي حابس، فحلق الرؤوس هنا للإحلال من العمرة أو الحج لا يكون إلا عند بلوغ الهدي محلّه ويكون ذلك بعد الوقوف بعرفة، في منى في اليوم العاشر من ذي الحجة، وهذا بلوغ الهدي محلّه أي مكانه الذي ينحر فيه أما قبلها فلا حلق للرأس ولا تقصير ....

فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك

يأتي هذا الاستثناء لمن كان مريضا في حال غير الإحصار أي في حال الأمن، فمن كان به مرض أو أذى في رأسه يحتم عليه حلق رأسه كحل لمرض برأسه وأذى ألمّ به، فليفعل ذلك ولكن عليه أن يفدي بأحد ثلاثة أمور صيام والصيام مدته أيام ثلاثة، أو صدقة أو نسك والنسك هو الذبح ....
وتجدر الإشارة ونحن ف عَرَض هذه الآية الكريمة وهذا المقطع تحديدا أن نزيد الأمر جلاء بوضع سبب النزول الذي جاء فيه:

فَمَن كانَ مِنكُم مَّريضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَأسِهِ الآية قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصيام ثلاثة أيام والنسك شاة أخبرنا محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عامر الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن المهدي قال: حدثنا طاهر بن عيسى التميمي قال: حدثنا زهير بن عباد قال: حدثنا مصعب بن ماهان عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوقد تحت قدر له بالحديبية فقال: أيؤذيك هوام رأسك قال: نعم قال: احلق فأنزلت هذه الآية (فَمَن كانَ مِنكُم مَريضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَّأسِهِ فَفِديَةٌ مِّن صِيامٍ أًوصَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ) قال: فالصيام ثلاثة أيام والصدقة فرق بين ستة مساكين والنسك شاة.(3)






---------------------------------------------------------------------------------

(1) في ظلال القرآن لسيد قطب
(2) الغني
(3)أسباب النزول للواحدي
« آخر تحرير: 2008-11-17, 08:44:29 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
فإذا أمنتم , فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي

سنذكر ها هنا حصورتين للتمتع بالعمرة إلى الحاج فالمسلم إما أن يهلّ محرما من الميقات عمرة، فعندما يقضي مناسكها، يحرم للحج بعدها وينتظر حلول أوان الحج ، والصورة الثانية من التمتع هي أن يحرم بعمر وحج معا سويا وعندما ينهي عمرته، ينتظر أيام الحج ، وفي كلتا الحالتين على الحاج أن أن ينحر ليتحلل من العمرة، ويتمتع بأيام ما بين انتهائه من عمرته وانتظاره أوان الحج ، وتحلله يكون بنحره لما استيسر من الهدي وهو كما ذكرنا سالفا شيء من النعم المباح .
فمن لم يجد ما يذبح به وما ييسر له النحر....؟

فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم . تلك عشرة كاملة
إذن فالفدية في حال عدم استطاعته الذبح صيام ثلاثة أيام في الحج وهذه الأيام الثلاثة تبدأ بومين قبل يوم الوقوف بعرفة أي أيام السابع والثامن والتاسع
من ذي الحجة، وسبعة أيام إذا رجع الحاج إلى بلده ، فتكون بذلك عشرة كاملة وقد جاء قوله سبحانه "تلك عشرة كاملة" زيادة في التأكيد ...

ولعل حكمة الهدي أو الصوم هي استمرار صلة القلب بالله , فيما بين العمرة والحج , فلا يكون الإحلال بينهما مخرجا للشعور عن جو الحج , وجو الرقابة , وجو التحرج الذي يلازم القلوب في هذه الفريضة . (1)

ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
ولأن أهل الحرم القاطنين فيه هم أهل عمارته وما كان لهم من عمرة وإنما لهم الحج وحده، فإنه لا هدي لهم ولا فدية ....

واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب
الإعلام بشدة عقابه سبحانه مدعاة لاستجاشة التقوى في النفوس، تقوى الله سبحانه وتعالى واتقاء غضبه ، وهذه هنا مرحلة للإحلال بين عمرة وحج، يدعو الله أهلها للتقوى ولأن تبقى العلاقة بالله سبحانه علاقة يتقون فيها  غضبه وعقابه ...

لمن خالف ليكون علمكم بشدة عقابه لطفا لكم في التقوى(2)





 


 ******************************

(1) الظلال لسيد قطب
(2) الكشاف للزمخشري

« آخر تحرير: 2008-11-17, 08:54:50 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
هذه مداخلة سأعود لها بإذن الله .... درر نثر درة.....

حازرلي أسماء

  • زائر
والآن ننتقل سوية إلى الصفحة الموالية من مصحفنا الحبيب الشريف  emo (30):

وهي من الآية 197 إلى الآية 202 قوله سبحانه وتعالى :

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ(197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ(198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199)فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201)أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ(202)

ويمضي بنا السياق القرآني في إتمام رحلتنا مع الحج ومناسكه وشعائره ، يمضي سبحانه يبين لعباده أحكام الحج وأيامه وعباداته المختلفة

الحج أشهر معلومات ......
وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، ولغة أيها الإخوة يأتي الجمع على أكثر من واحد، يعني يأتي على المثني كقوله سبحانه وتعالى:
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما التحريم من الآية 4

ونفصل بعض الشيء إخوتي في قول أئمة المذاهب في أشهر الحج....
فمن فرض فيهن الحج.... أي فمن لبى وأحرم للحج فيها وعقد على أداء الفريضة فيها ...فأفعال الحج لا تصح إلا فيها والإحرام بالحج لا ينعقد أيضا عند الشافعي في غيرها، وعند أبي حنيفة ينعقد إلا انه مكروه....فإذا سألنا كيف مكروه والكلمة تعني أشهر يعني جمع ؟؟
نقول كما أٍسلفنا أن الجمع يقع على الأكثر من واحد يعني على المثنى مثلا فكان الشهران وبعض الشهر أشهرا
فلا سؤال فيه إذن وإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل ثلاثة أشهر معلومات وقيل نزل بعض الشهر منزلة كله كما يقال رأيتك سنة كذا أو على عهد فلان ولعل العهد عشرون سنة أو اكثر وإنما رآه في ساعة منها....(1)

و ذهب الإمام مالك إلى أن الإحرام به صحيح على مدار السنة...

فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج  

والرفث قد عرفنا معناه سابقا وهو الجماع وكل دواعيه ومستحثاته من كلام وغيرها وسواء ذلك في حضرة النساء أو مطلقا، والفسوق إتيان المعاصي كبيرها أو صغيرها، والجدال هو مخاصة الرجل لأخيه حتى يغضبه
فكل هذا في الحج محرم وهناك فائدة تركيبية لغوية في هذا الصدد وفي هذه الآية ذلك أنّ
"لا رفث ولا فسوق " صيغته نفي وحقيقته نهيٌ أي لا يرفث ولا يفسق وهو أبلغ من النهي الصريح لأنه يفيد أن هذا الأمر مما لا ينبغي أن يقع أصلا فإن ما كان منكرا مستقبحا في نفسه ففي أشهر الحجّ يكون أقبح وأشنع، ففي الإتيان بصيغة الخبر وإرادة النهي مبالغة واضحة .(2)

وما تفعلوا من خير يعلمه الله

وهي إشارة وتذكير للمؤمن وهو يؤدي هذه الفريضة وقد بين له سبحانه ما يحرّم عليه فيها ليكون كله، بكل ذرة فيه خالصا لله مرتقيا ساميا عن كل أحوال الأرض وأحوال النفس البشرية التي تتوق لشهوة أو لحاجة فيها تقضيها أو لميل مع هوى أو مع الشيطان، تذكير للمؤمن وهو خالص مخلص لله في توجهه لهذه العبادة أنّ الخير الذي يفعله ويأتيه يعلمه الله، وهذا وحده تحسيس وإلقاء في الحسَ أن الله يعلم ما يفعله من الخير، تذكير له أن خيره لن يضيع بل إن الله سبحانه يراقبه وسيجازيه عليه خير الجزاء الذي وعده وهو الذي لا يخلف وعده ....وكما يقول سيد قطب وهذا وحده جزاء قبل الجزاء ....

وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ

ويجدر بنا أولا معرفة سبب نزول هذا المقطع من الآية الكريمة

قوله (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى) أخبرنا عمر بن عمر المزكي قال: حدثنا محمد بن مكي  قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: حدثني يحيى بن بشير قال: حدثنا شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز وجل (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى). وقال عطاء بن أبي رباح: كان الرجل يخرج فيحمل كله على غيره فأنزل الله تعالى (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى).(3)

وتزودوا إذن نزلت في هؤلاء الذين يمنون على الله أنهم يحجون بيته فكيف لا يطعمهم!! سبحانه وتعالى يأمر بالتزود حتى لا يطلب المؤمن ويحوج نفسه لغيره وهو قادر على أن يكفيها ، هي هنا قاعدة أيها الإخوة لو نتأمل، قاعدة تحفظ إنسانية الإنسان في كل مكان، وتحفظ كرامته وماء وجهه، قاعدة الأخذ بالأسباب التي يأمرنا سبحانه بها، الأخذ بالأسباب الذي جعله سبحانه حتى نستفيد مما سخر لنا، وليس معناه أنه خالق كل شيء من الإنسان إلى كل ما يحيط به، معناه أنه وهو القادر على كل شيء أن نكتف الأيادي وننتظر منّه وتفضله ونحن قاعدون، وإنما هو الأمر بالأخذ بالأسباب

قل سيروا في الأرض فانظروا   من الآية 20 العنكبوت

أفعال أمر كلها متتالية .... أحيانا ثم يميتنا ثم يحيينا وإيه المصير، وهو على كل شيء قدير، على أن يذهب بنا ويأتي بقوم آخرين ، على أن يخسف بنا الأرض، وعلى أن يطبق علينا الجبال وعلى أن يغرقنا في قاع البحار، على كل ذلك وأكثر هو سبحانه قدير، على أن يطعمنا ونحن قاعدون، على أن يلبسنا ونحن قاعدون على كل ذلك سبحانه قدير، ولكنه سبحانه يأمرنا بالفعل ، بالحركة ، باستخدام العقل ، وإلا فما قيمته وما جدواه إن لم يكن لأجل أن يسخر ما يحيط بالإنسان، ما وفره الله سبحانه للإنسان ، يستخدمه ويطوعه ويحقق الخلافة في الأرض بإعمارها ....

هذا هو الأخذ بالأسباب على حقيقته، وهؤلاء صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجون في سرايا، ويخرجون غزاة، ويخرجون محاربين، لو شاء الله لأظهرهم على الكافرين من غير عناء ولا تعب ولا شقاء ولا استشهاد ولا موت، وهم أهل الحق... ولو شاء سبحانه ما نال محمدا صلى الله عليه وسلم تعب ولا نصب ولا عذاب ولكنه سبحانه جعله لنا قدوة بشرية تتحرك، وتحرك ما أودع الله فيها من عقل وحواس وجوارح لتعمل ويكون لها من بعد الجزاء لقاء ما عملت ....

وهكذا كان الأمر بالتزود بالزاد، من أكل وشرب وما لزم قوتا، وغذاء هو سبب من أسباب الإبقاء على القدرة والحفاظ على الاستطاعة لأداء الفريضة،
فإن خير الزاد التقوى....والتقوى هنا نفهمها على وجه أنّها عدم الإثقال على الناس وطلبهم ونحن قادرون على كفاية أنفسنا لو تزودنا إنما هذا من التقوى إنما هذا من رقي الإسلام وصورة الإسلام وكفاف المسلمين وعفاف أياديهم وأنفتهم .....
وكذلك على وجه أنها خي رالزاد الذي نتزود به لأرواحنا في الدنيا لنكون على النحو الذي يرضي الله عنا فنغادرها وقد أخذناها معنا زادا ينجينا من أهوال يوم عظيم ومن عذاب الله المقيم

وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ


اللُّبُّ : العقل؛ سلبتْ بجمالها لُبَّه/فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ج أَلْبَابٌ وأَلُبٌّ.- من كُلِّ شيءٍ: خالصه وخيارُه؛ لُبُّ المقالة هو في قول الكاتب كذا وكذا.- الجوزِ واللوزِ ونحوهما: ما في جوفه؛ أكلتُ لُّبُ اللوزة ورميت قشرها ج لُبُوبٌ.- الأرضِ: في الجيولوجيا هو النطاق الصخريُّ المحيطُ بسطح الأرض. (4)

وأولو الألباب هم أول من يعرفون الله فيتقوه خير تقاته، ولا يموتون إلا وهم مسلمون...أولو العقول الذين لا يعطّلون عقولهم عن العمل بل يجعلونها تعمل بحرية، دون تعطيل ودون غاية في النفس من كبر أو استعلاء على الحق فيكون اللامعقول بدل المعقول ويكون اللامنطق بدل المنطق لا لشيء إلا للكبر والعناد فيتعطل العقل ولا يترك حرا يسيح في معرفة الله .


-------------------------------------------------------------
(1) الكشاف للزمخشري
(2) صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني
(3)أسباب النزول للواحدي
« آخر تحرير: 2008-11-17, 12:06:38 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر
نكمل أيها الإخوة الكرام مع موضوعنا ....ومع صفحاتنا الكريمات

وصلنا إلى هذه الآية الكريمة من صفحتنا الشريفة :

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ(198)


نبدأ إخوتي بإيراد سبب نزول هذه الآية الكريم، ومعرفة السبب تزيد المعنى وضوحا، وتزيد الهدف بيانا

قوله (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) الآية أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الجبري عن شعيب بن الزارع قال: أخبرنا عيسى بن مساور قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء بن المسيب عن أبي أمامة التميمي قال: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم ذوو كرى في هذا الوجه وإن قوماً يزعمون أنه لا حج لنا قال: ألستم تلبون ألستم تطوفون بين الصفا والمروة ألستم ألستم قال: بلى قال: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يرد عليه حتى نزلت (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) فدعاه فتلا عليه حين نزلت فقال: أنتم الحجاج.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خشنام قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر ناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِن رَّبِّكُم) في مواسم الحج.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الحج يقولون أيام ذكر الله فأنزل الله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) فاتجروا.
(1)

إذن فإن أقواما خشوا أن يتاجروا في موسم الحجّ ، وقد كان ذلك في عهد الجاهلية كائنا، فخشوا أن يكون إبقاؤهم على ذلك الحال إبقاء على شكل من أشكال الجاهلية، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية تبيانة للإباحة منه بالاتجار في هذا الموسم، وقد جاء اللفظ بـ "تبتغوا فضلا من ربكم" كبيان أعظم على أنّ هذا الفضل إنما ابتغاؤه من عند الله رزقا، كما يبتغى منه كل فضل وهو ذو الفضل العظيم

ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم

الجُناح لغة
الجُنَاحُ : الإثم والجُرْمُ فَلاَ جُنُاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ.-: المَيْلُ إلى الإثم.-: ما يُتَحَمَّل من الهَمِّ والأذى.-: الطائفة من الشيء؛ مَرَّ في سمائنا جُناحٌ من الطيور المهاجرة/ أنا إليك بجُناحٍ، أي بشوق.(2)

وهي هنا الإثم إذن ....فلا إثم  أن تبتغوا فضلا من ربكم اتّجار ونحوها، الابتغاء من فضل الله سبحانه باتخاذ الأسباب وباقتناع القلب ويقينه من أنّ الفضل بيده وأنّما هو يسعى ليعطيه الله، يرزقه هو، يتفضل عليه هو، يحسن إليه بفضله هو يعطيه منه، يؤتيه منه، وهذا اليقين في القلب وحده لهو مبعث من أهم مباعث الاتصال بالله وطلب ما يُطلب بتقوى وبما يرضيه وليس على سبيل اللهج واللهث خلف حطام الدنيا وعبادة المال والوقوع تحت سطوته، وإنما بيقين أنّ له سبحانه ما أعطى وله ما أخذ....
وبرضى ....برضى بما يقسمه سبحانه له برضى بقليله أو بكثيره الذي يعطيه...وليس بلهفة للمال ولزيادة المال حتى بلوغ درجة عبادة المال والعياذ بالله، ولذلك لنلاحظ أيها الإخوة كيف أنه سبحانه يأتي في سياق هذا على ذكر
فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ
ذلك بمعنى أنّ طلب الفضل من رزق بما يرضي الله والقلب موقن بأنه الرزاق ذو الفضل المتفضل لا يتعارض مع العبادة، ذلك بمعنى أن الإنسان إذا عاش حياته بكليتها بالإسلام فإنما هو يعيش بعبادة ويعيش في عبادة في كل ما يقوم به، في كل أموره وفي كل أحواله، وهو يدرس، وهو يعمل وهو يربي وهو يبني وهو يشيد وهو يبلغ مصاف العلم العليا، وهو يكتشف وهو يخترع وهو يأكل وهو يشرب وهو يسعى في الأرض ليعيش، يعيش بمقتضيات الإسلام، بمقتضيات العبادة وبأوجه العبادة في الأرض ، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى :

"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الآية 56 الذاريات


 


----------------------------------------------------------------------------
(1) أسباب النزول للواحدي
(2) المحيط
« آخر تحرير: 2008-11-23, 10:53:39 بواسطة حازرلي أسماء »

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
 :emoti_133:

أنا مقصرة جدا في متابعة هذا الموضوع، وذلك بسبب ضخامته ودسامته...  :blush::
لكنني قرأت المشاركة الأخيرة الآن (قرأت نتفا كثيرة منه، لكنني أنتظر ان أقرأه كاملا بإذن الله)

لفت نظري يا أسماء حرص الصحابة رضوان الله عليهم عند دخولهم إلى الإسلام، على التبرؤ من كل ما كان منهم من عادات جاهلية مهما كانت، ودخولهم للإسلام بالكلية.. {ادخلوا في السلم كافة}.. لقد أرادوا أن يعيد الإسلام صياغتهم بشكل كامل من الألف للياء، حتى إنهم صاروا يتحرجون من كل أمر كانوا يمارسونه في الجاهلية، وإن لم يرد تحريمه في الإسلام، فنراهم مبتعدين عنه، أو متسائلين عن حكمه، كما في تحرجهم هنا من التجارة في الحج، وكما في تحرجهم من السعي بين الصفا والمروة لأنهم كانوا يفعلون هذا في الجاهلية، حتى نزلت آية {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}...

قارني هذا بحال المسلمين اليوم، و بعض الملتزمين منهم خصوصا، كيف يحاولون ترقيع جاهليتهم ببعض القطع الممزقة من دينهم، وكيف يبحثون عن التساهيل والتراخيص لكيلا يغيروا من واقعهم الاجتماعي والسلوكي شيئا، فلا يكلفهم الدين إلا بضع شعائر تعبدية يؤدونها، وبعض العبارات والشعارات يرددونها، وقليلا او كثيرا من الدموع يذرفونها في التراويح والمناسبات.. ثم ننظر لحياتهم فنراها كما هي: اختلاط وعلاقات عاطفية وتكاسل واهمال وغييبة ونميمة وعدم اتقان في العمل وسوء خلق مع الجيران والارحام، وانانية وتهاون ولهاث على حطام الدنيا ومتاعها الزائل وووو .....
يريدون ان يقنعوا انفسهم ان الالتزام لا يفترض به ان يغير شيئا من حياتهم... وان من ينادي بغير هذا فهو متزمت لم يفهم الاسلام حق الفهم


نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والسر والعلن، ويعافي قلوبنا وأرواحنا، ويصبغنا بصبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة


*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا ومرحبا بك يا ماما هادية ....أهلا بملاحظاتك القيّمة emo (30):

فعلا هذا هو الحال، وتلك للأسف هي المقارنة،ولكنّ الإسلام ما جعل إلا ليكون المنهج، الأسلوب... الوسيلة التي بها نحيا والغاية التي إليها نرنو....
"ما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون" ....... وعبادته نعم ليست بضع شعائر تأتي في مناسبات يرقّ لها القلب، وتدمع لها العين ومن بعدها تولّي وتروح، وإنما يأبى الإسلام أن يظهر وتستبين سبيله إلا إذا كان العيش به والعيش له ....

الإسلام نعم ليس صلاة تؤدّى في وقتها، وبعد الصلاة هي الدنيا نعيشها بطولها وعرضها، ونعيث فيها شهوة وعبثا، هي الدنيا وكأنما هي وحدها وهو وحده، وكأنما الصلاة وحدها والدنيا وحدها....فأين إذن "تنهى عن الفحشاء والمنكر" أين ستنهى عن الفحشاء وأين ستنهى عن المنكر؟؟، هل تنهى عنهما في الصلاة؟؟ عند الدخول في الصلاة؟؟؟ أم أنها تنهى عنهما إذا ساح الإنسان في الأرض وسعى فيها من بعدها؟؟ ليسعى فيها على بينة من أمره وعلى صراط قَويم رسمت  معالمَه صلاته وعباداته وذكره لله في كل حين .........

ونعم الصحابة ظل حالهم حال ذاك الخائف المتوجس خيفة من أن يبقى بحياته شيء أو نزر قليل من حطام الجاهلية ودناءة الجاهلية...يخاف أن يأتي أمرا، فيقول في هذا سيد قطب فيما معناه أنهم يسألون ، لا ينفكّون يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن حالهم، عن شيء كانوا يقومون به سابقا، في الزمان الخليّ من جاهليتهم، يخافون أن يأتوه في زمنهم العامر بالإسلام فيكون به بقاء آثار منها، يريدون أن يكون كل أمرهم على الإسلام على بينة منه وحده، يريدون أن يكون لهم النَّفَس الذي يلج ويخرج، يريدون أن يعيشوا به حقا ،وأن يعيشوا له حقا ....لأنهم أدركوا تمام الإدراك أنه النور ووحده النور ولن ينير لهم إلاه ....

حتى في القرآن كثيرا ما نجد "يسألونك" ....وأنقل ها هنا واتفاقا مع ما ذكرته ومع ما نحن بصدده أورد ف يالمداخلة المقبلة مقطعا هاما للشهيد سيد قطب