المحرر موضوع: ملخص كتاب "حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية"  (زيارة 57776 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعزائي أعضاء منتدى أيامنا الحلوة  ::)smile:
أحببت –كمساعدة في حل مشكلة الثقافة- أن أتطوع بتقديم ملخص لكتاب قيم كل شهر بإذن الله تعالى
فأتمنى أن تقرؤوا معي وتتابعوني
ونتناقش ان اقتضى الامر في اي نقطة غامضة او غير مقنعة
وأتمنى أكثر ان يحذو بعضكم حذوي ويقدم لنا أيضا ملخصات، او على الأقل نبذات عن أفضل ما قرأه من كتب، لتتسع حصيلتنا الثقافية..  emo (30):

الكتاب الذي اخترته لكم هذا الشهر كتاب قيم جدا، لفت نظري لأنني كنت سابقا قد تكلمت عن نفس الموضوع (تطوعا مني، ودون ان أقرأ الكتاب ::happy:) لهذا فرحت به جدا، وفرحت أكثر عندما وجدت ان ما كنت كتبته في موضوعي (.اضغط هنا) كان صحيحا  ::ok::  وموافقا لما جاء في كلام الاستاذ العظيم محمد قطب، نفعنا الله بعلمه وفكره النير وقلمه المعطاء


الكتاب الذي اخترناه هو:



حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية
لمحمد قطب


تابعونا
لطفاً يعني لا أمراً
 emo (30):
 
« آخر تحرير: 2014-09-25, 18:30:09 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يتحدث الكتاب عن ضرورة إعادة النظر في االعلوم الاجتماعية بسائر فروعها، التي تتعلق بدراسة واقع الإنسان، كعلم الاجتماع، والنفس، والاقتصاد، والتربية، وغيرها، وذلك من وجهة نظر إسلامية أصيلة، لأن هذه العلوم نشأت في الغرب في ظل ظروف خاصة بالقارة الأوروبية، هي ظروف الفصام النكد بين الدين والعلم، وبين الكنيسة والشعب، أسفرت عن عداء شديد بين الطرفين، ودفعت الشعب للثورة على كل ما هو دين أو خاضع للمفهوم الديني، من جملة ثورته على الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي، وظهرت نظريات عديدة في أوروبا في بداية عصر النهضة، تحاول تفسير الظواهر الإنسانية المختلفة، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو النفسية بعيدا تماما عن أي ظل أو أثر للدين، فتخبطت وضلت، وتعامت عن كثير من الحقائق وحرفتها وشوهتها، فخرجت نظرياتها وتفسيراتها منحرفة وبعيدة عن الحقيقة بعدا شاسعا، ولا يمكن بحال ان تعمم على كافة الشعوب والأجيال والحقب التاريخية.

ولا ينكر الكاتب تطور الوسائل والادوات وأساليب البحث والتجارب العلمية والملاحظة وتسجيل النتائج الموجودة في هذه المناهج الغربية، بل ويدعو للاستفادة منها، ولكن ضمن الإطار الإسلامي المستنير بمنهج الله وشرع الله، وما عرفناه من خلال دين الله  من حقائق قطعية عن الكون والإنسان والحياة.


والكاتب يفرق بين التأصيل الإسلامي وبين أسلمة العلوم..

فالأسلمة تعني أن نأخذ العلم كما هو، فنحذف منه ما يتعارض مع عقيدتنا، ونضيف له بعض الايات او الاحاديث التي تناسب بعض الفقرات، ونتبناه بعد هذا (وهذا ما يفعله اليوم من يحاول اسلمة البرمجة اللغوية العصبية والتنمية البشرية وما شابهها من فنون ومناهج فكرية) .. وهذه طريقة خاطئة غير نافعة.. بل إنها تؤدي لدس السم في العسل وإلباس الحق بالباطل.
أما التأصيل الإسلامي فإنه يعني أن أحدد منطلقاتي الإسلامية، وتصوري الشامل وأطره، ثم من خلاله أنطلق مستخدمة الاساليب الدراسية الحديثة والتجارب الميدانية أو المعملية. وقد أتفق في جزئيات كثيرة مع الدارس الغربي، لكن المهم أن تصوري العام والشامل مفترق عنه ومتوافق مع عقيدتي ورؤيتي الواضحة الإسلامية.

ويرصد الكاتب الأخطاء التي وقعت فيها الدراسات الغربية نتيجة حصرها لدراستها في نطاق عينة واحدة فقط، هي الجيل الاوروبي المعاصر، ثم تعميم هذه النتيجة على سائر الاجيال السابقة واللاحقة وفي كافة المناطق الجغرافية، وهذا امر غير علمي ولا موضوعي، لان الانسان ليس كالمادة الجامدة، تكفي اجراء التجربة على عينة واحدة منه..
والخطأ الثاني القاتل هو نظرتها غير الموضوعية والعدائية للدين(بسبب ظروفها الخاصة) وكل ما يمت له بصلة، والتي جعلتها تنطلق فارة منه الى اي شيء سواء كان حقا او باطلا، فتتخبط وتتيه..

وحين نتناول هذه العلوم علينا ان نتجنب هذه الأخطاء، وبالتالي علينا ان تكون لنا رؤيتنا الاسلامية المستقلة، والمتفحصة والواعية..

الكتاب قيم جدا جدا،  ::ok::
وينبهنا لكثير من الاخطاء التي نتشربها في دراساتنا رغم تناقضها مع عقيدتنا، دون ان ننتبه، او –ان انتبهنا- دون ان نعرف ما يمكننا فعله حيالها، ويقدم لنا حلا جذريا لمشكلة المسخ الثقافي والتشوه الفكري الموجود لدى كثير جدا من المثقفين في عالمنا العربي والاسلامي بكل أسف، هذا ان وجد آذانا مصغية وقلوبا واعية وسواعد مناضلة مستعدة لإدارة عجلة التغيير وأخذ زمام المبادرة...
فمن لها؟ :emoti_389:

الفقرات التالية ستكون ملخصا تفصيليا نوعا ما لهذا الكتاب القيم الذي انصح الجميع باقتنائه وقراءته قراءة متأنية واعية..  :emoti_277:

فتابعونا..  :Pc:::
« آخر تحرير: 2008-10-06, 17:34:43 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سعداء جدا بالتلخيص وننتظره ...........خاصة وأنك قد أوردت ما يلي :

ويقدم لنا حلا جذريا لمشكلة المسخ الثقافي والتشوه الفكري الموجود لدى كثير جدا من المثقفين في عالمنا العربي والاسلامي بكل أسف، هذا ان وجد آذانا مصغية وقلوبا واعية وسواعد مناضلة مستعدة لإدارة عجلة التغيير وأخذ زمام المبادرة...
فمن لها؟



وللفائدة فقد وجدت الكتاب على صيغة pdf
وهو مرفق أدناه

ولمن لا يملك برنامج acrobat  على جهازه هذا رابط لتحميل البرنامج في آخر إصداراته :

http://ardownload.adobe.com/pub/adobe/reader/win/9.x/9.0/enu/AdbeRdr90_en_US.exe

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مقدمة



أردت أولا أن أعرض فكرة سريعة عن " التأصيل الإسلامي " : ما هو ؟ ما المقصود به ؟ ما ضرورته بالنسبة لحياتنا الثقافية والفكرية ، بل السياسية والاقتصادية والاجتماعية كذلك ، وكلها أمور متداخلة في الكيان النفسي والحياتي ، ثم أردت بعد ذلك أن أعرض فكرة عامة عن المنهج الذي نحتاج إليه في التأصيل الإسلامي لهذه العلوم ، التي يجمعها قاعدة مشتركة هي       "الإنسان". فإذا حددنا : ما الإنسان ؟ ما تكوينه ؟ ما حدود طاقاته ؟ ما غاية وجوده ؟ ما السنن التي تحكم حياته ؟ فقد حددنا القاعدة المشتركة التي تلتقي عندها هذه العلوم جميعا وتتفرع عنها .

وكثيرا ما يوحي إلينا التخصص الدقيق – أو الغرور العلمي أحيانا – أن كلا من هذه العلوم عالم مستقل بذاته ، ولكن المنطلق المشترك لها هو الكيان الإنساني المترابط ، الذي لا تتفكك أجزاؤه في أثناء حركته على مدار حياته كلها من بدئها إلى نهايتها، وإن اختلفت اتجاهاته واهتماماته وألوان نشاطه، ما بين لحظة وأخرى.

وغني عن البيان أن العلوم الاجتماعية قد نمت وتأصلت في أوربا في ظل أجواء نفسية وفكرية معينة ، أثرت في توجيهها ، وهي أجواء الصراع بين الكنيسة والعلم ، أو بين الدين والحياة بصفة عامة ، وأن هذا الصراع قد خلَّف بصماته الواضحة عليها ، فنشأت إما معادية للدين ، أو في القليل مبتعدة عنه، ثم أصبح هذا في حس الناس هناك هو " المنهج العلمي " الذي يجب أن تسير عليه البحوث العلمية ، والذي تعتبر أي مخالفة له خللا في الفكر ، ونقضا " للروح العلمية " و " الموضوعية " وإفساداً للبحث العلمي !!

وهذا الموقف ليس موقفا علميا في حقيقته ، وإن ألبس ثوب العلم ! إنما هو موقف وجداني انفعالي، له أسبابه الكامنة في مجرى حياتهم ، وله تأثيره الخطير على " الحصيلة العلمية " التي أنتجها الغرب في هذه العلوم ، على الرغم مما بذل في دراستها من جهد ، وما استحدث في دراستها من أدوات ، وعلى الرغم من محاولة وضع " ضوابط علمية " للبحث !

إن الظروف التي مرت بها أوربا وأنتجت الانفصام بين العلم والدين ، هي ظروف خاصة بأوربا وحدها ، وليست ظروفا عالمية ؛ والمعايير التي أنشأتها تلك الظروف هي كذلك معايير محلية خاصة ، ليس لها صفة العموم ، ولا صفة اللزوم . ليست معايير " إنسانية " كما يحلو لأوربا أن تتصورها، فظروفنا التي عشناها في ظل الإسلام: سواء في فترة ازدهار الإسلام، أو في ظل الانحسار الذي طرأ على العالم الإسلامي حتى أوصل الأمة إلى حضيضها، أو في ظل الصحوة الإسلامية المباركة التي تبشر بالخير، كانت ظروفاً مختلفة عن ظروف الغرب ، فلا عجب أن تكون معاييرنا مختلفة عن معايير الغرب ، وأن يكون تناولنا للعلوم الاجتماعية – وغيرها كذلك – مختلفا عن التناول الغربي في أسسه وقواعده ، وإن التقى معه في بعض الجزئيات ، ذلك أن الخلاف الجوهري ليس في إجراء التجارب المعملية ورصد نتائجها ، إنما هو في تفسير الظواهر الاجتماعية وتأصيلها ، المستمد أساسا من تصورنا للكيان الإنساني ، ولغاية الوجود الإنساني .. وهنا يقع الخلاف ، وهنا يكمن الدافع إلى ضرورة التأصيل الإسلامي لهذه العلوم !
« آخر تحرير: 2008-10-07, 23:22:34 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر


وهذا الموقف ليس موقفا علميا في حقيقته ، وإن ألبس ثوب العلم ! إنما هو موقف وجداني انفعالي، له أسبابه الكامنة في مجرى حياتهم ، وله تأثيره الخطير على " الحصيلة العلمية " التي أنتجها الغرب في هذه العلوم ، على الرغم مما بذل في دراستها من جهد ، وما استحدث في دراستها من أدوات ، وعلى الرغم من محاولة وضع " ضوابط علمية " للبحث !


[/font]

ويستشهد الدكتور البوطي td في إطار حديثه عن هذا المنهج غير العلمي الذي يعتمده الغرب في علومهم الإنسانية والاجتماعية والذي يقول أن أبسط حكم عليه أنه غريب وطريف ، منهج يعتمد على الرغبة المنبعثة من الإنسان لا غير ....يستشهد بكلام المفكر البريطاني بنتام عن هذا المنهج الفكري :

"يجب أن يكون سير الديانة موافقا لمقتضى المنفعة ، فالديانة باعتبارها مؤثرا ، تتركب من عقاب وجزاء ، فعقابها يجب أن يكون موجها ضد الأعمال المضرة بالهيئة الاجتماعية فقط .وجزاؤها يكون موقوفا على الأعمال التي تنفعها فقط ، والطريقة الوحيدة في الحكم على سير الديانة هو النظر إليها من جهة الخير السياسي في الأمة فقط وما عدا ذلك لا يلتفت إليه "
ثم يكمل البوطي :

"وحينما وجدوا أن طبيعة العقل تختلف كل الاختلاف عن هذا المنهج في البحث والنظر ، ورأوا أن ترك زمام العقل يفكر في القضايا الغيبية والمجردة كما يحب ، سيسبب لهم فساد كثير من قواعدهم وأحكامهم الفكرية التي أقاموها على هذا المنهج ، لم يبالوا أن يقيموا مدرسة فكرية أخرى قوامها الاستهانة بالعقل وإنكار حججه وبراهينه ، وأن يحذّر بعضهم بعضا من غوائل العقل على الدين (أي على الدين الذي فهموه وفق المنهج الذي أوضحناه )  وأصبح شعارها (إنقاذ الدين من العقل)!!"
« آخر تحرير: 2008-10-08, 09:17:12 بواسطة حازرلي أسماء »

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا يا اسماء على متابعتك الفعالة ومشاركاتك المفيدة ::ok::

ونتابع بجزء جديد

أتمنى من بناتي إن وجدن ان الموضوع صعب ان يخبرنني لأحاول شرحه

نحن في الخدمة
  emo (30):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
ظروف أوربا

من المعلوم عند المؤرخين والمفكرين الأوربيين أن الدين الذي اعتنقته أوربا لم يكن هو الدين الذي جاء به المسيح عليه السلام ، إنما هو الدين الذي نشره بولس في أرجاء الغرب ، وإن كان قد نسبه إلى المسيح !

ويقول " رينان "   الفيلسوف الفرنسي :
" إنه ينبغي لفهم تعليم يسوع المسيح الحقيقي كما كان يفهمه هو أن نبحث في تلك التفاسير والشروح الكاذبة التي شوهت وجه التعليم المسيحي حتى أخفته عن الأبصار تحت طبقة كثيفة من الظلام . ويرجع بحثنا إلى أيام بولس الذي لم يفهم تعليم المسيح ، بل حمله على محمل آخر ، ثم مزجه بكثير من تقاليد الفريسيين وتعاليم العهد القديم" .

ويقول "برنتون" :
" إن المسيحية الظافرة في مجمع نيقية – وهي العقيدة الرسمية في أعظم إمبراطورية في العالم – مخالفة كل المخالفة لمسيحية المسيحيين في الجليل (1 ) . ولو أن المرء اعتبر (العهد الجديد) التعبير النهائي عن العقيدة المسيحية ، لخرج من ذلك قطعا ، لا بأن مسيحية القرن الرابع تختلف عن المسيحية الأولى فحسب ، بل بأن مسيحية القرن الرابع لم تكن مسيحية بتاتا " ! ( 2) .

ولكن النصرانية التي نشرها بولس في أرجاء أوربا كانت عقيدة بلا شريعة ، إلا ما كان متعلقا منها " بالأحوال الشخصية" وبقي التشريع المهيمن على الحياة في ربوع الإمبراطورية الرومانية هو القانون الروماني ، لا قانون السماء ، بكل ما في القانون الروماني من رق وإقطاع وطبقية وحرمان للمرأة من الكرامة الإنسانية .
وحين يخلو الدين من التشريع ، ويصبح عقيدة فحسب ، فإن علماءه وفقهاءه يتحولون إلى "رجال دين" أي إلى "كهنة"، وسرعان ما يتحول الكهنة إلى وسطاء بين العبد والرب ، وتكون لهم قداسة ، ويكون لهم على قلوب الناس سلطان .. فيبدأ الطغيان !
وحدِّث عن طغيان الكنيسة الأوربية ولا حرج !


______________________

(1) أي المسيحية الأولى كما جاء في كلام الكاتب بعد ذلك .
(2)  جرين برنتون ، في كتاب " أفكار ورجال " ترجمة محمود محمود ، ص 207 .
« آخر تحرير: 2008-10-10, 16:48:19 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
ظروف أوربا(2)

طغيان الكنيسة:

وحدِّث عن طغيان الكنيسة الأوربية ولا حرج !

لقد انتقل الطغيان فشمل كل مجالات الحياة واحدا بعد الآخر ، فأضاف إلى الطغيان الروحي الذي يحتكر الوساطة بين العبد والرب ، طغيانا ماليا يشمل العشور والإتاوات والتركات وسخرة العمل الإجباري في حقول الكنيسة يوم الأحد مجانا بلا مقابل ! وطغيانا فكريا يحرّم على العقل أن يفكر لكي لا يزيغ عن " العقيدة ! " ، وطغيانا سياسيا يخضع الأباطرة لسيطرة البابوات وأهوائهم وشهواتهم ، وطغيانا علميا يقف في وجه النظريات العلمية ، ويحرّق العلماء أحياء لأنهم قالوا بكروية الأرض ، وبأن الأرض ليست مركز الكون !

وذلك كله بالإضافة إلى فضائح الأديرة وفساد رجال الدين ومهزلة صكوك الغفران ومحاكم التفتيش ووقوف الكنيسة ضد حركات الإصلاح ( 3) !

وخلال قرون متوالية احتدم الصراع بين رجال الدين وفئات متزايدة من المجتمع : العلماء و " المفكرين الأحرار " والأباطرة وغيرهم وغيرهم ، حتى حدث الانفجار المدوي في الثورة الفرنسية التي كان من بين شعاراتها : اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس ! وظهرت " العلمانية " على السطح ، بمعنى إبعاد نفوذ رجال الدين عن مجالات الحياة المختلفة بدءا بالسياسة ، ثم الاقتصاد ، ثم الفكر ، ثم العلم ، ثم الأدب والفن ، ثم الأخلاق !

ورغم أن الكتاب الأوربيين يعتبرون العلمانية قامت حين اقتصر نفوذ رجال الدين على عالم الروح والآخرة ، وتركوا " السلطة الزمنية " للأباطرة، إلا أننا نقول -من وجهة نظر إسلامية- إن العلمانية قائمة منذ لم تطبق الشريعة الربانية، أي منذ أول لحظة اعتنقت فيها أوربا النصرانية، على الرغم من وجود " الحكومة الثيوقراطية "، فقد كانت تلك الحكومة هي حكومة "رجال الدين" ولم تكن حكومة دينية ، ما دامت لا تطبق شريعة الدين . وبيان هذه الحقيقة مهم لتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة التي تطلق اسم الحكومة الثيوقراطية على الحكومة الإسلامية التي تطبق الشريعة الربانية لتنفر الناس من تطبيق الشريعة حين يتذكرون انحرافات "الحكومة الثيوقراطية " الأوربية ومظالمها وحجرها على العقول وجمودها وجهالتها وإفسادها لكل مجالات الحياة !

_____________________
(3 )  اقرأ إن شئت فصل " الدين والكنيسة " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة " .

« آخر تحرير: 2008-10-10, 17:27:48 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
معلش يا جماعة
حتى لا يتعقد الموضوع علينا وتصعب علينا متابعته

دعونا نشرح بشكل مبسط معنى (حكومة ثيوقراطية)

المقصود بها حكومة دينية، يعني رجل دين يحكم الشعب باسم الدين، ولا يستطيع أحد ان يعترض عليه لأن من يعترض يكون كافرا زنديقا ملعونا

المصيبة فيما تم تطبيقه في أوربا أن الدين الحقيقي كان قد اختفى مع الاضطهاد الذي تعرضت له المسيحية الاولى في القرن الاول، بعد اختفاء المسيح عليه السلام..
الدين الذي توارثته أوربا كان بقايا ما تذكره التلاميذ من تعاليم السيد المسيح، مع كثير من التحريفات التي ادخلها (بولس) للديانة...
وأهم تحريف أدخله بولس هو تبشيره بأن الانسان (لا يتبرر بالشريعة بل يتبرر بالإيمان بي)
يعني الانسان لن يصل لأن يكون من الأبرار باتباعه للشريعة، ولكن فقط بإيمانه بالمسيح..
وبهذا تم إهمال الشريعة واندثارها
وصار الدين النصراني دينا بلا شريعة، يعني لا وجود لحلال وحرام لا في الاقتصاد ولا السياسة ولا المعاملات
آمِن بأن المسيح صلب ليفتديك ويكفر عن خطاياك، تدخل مملكة السماء... وافعل في الدنيا ما يحلو لك، ودع الناس يفعلون ما يحلو لهم..

طيب
عندما تقوم حكومة دينية من القساوسة والبابوات وتريد ان تحكم باسم الدين.. ما هي مرجعيتها مع عدم وجود شريعة؟ وكيف نقرر هل حكمها هذا فعلا يرضي الله وباسم الله أم لا؟ :emoti_138:
لا نعرف ولا يمكن...
فأخضع البابوات والقساوسة الناس لسلطانهم وأهوائهم كما يريدون، وحللوا لهم وحرموا وفق أهوائهم، وحكموهم باسم الرب، مع ان الاحكام صادرة من عقولهم... والويل لمن يعترض فهو كافر زنديق يجب احراقه... :emoti_291:
 
وهذه هي الحكومة الثيوقراطية أو حكومة رجال الدين أو الحكومة الدينية..

لكن في بلادنا الوضع مختلف
فنحن لم تحكمنا يوما (حكومة ثيوقراطية) بهذا المفهوم
نحن حكمنا خلفاء، يخضعون هم بانفسهم لحكم الشريعة التي أنزلها الله، ولو خالفوها أو حكموا بغيرها أو غيروا فيها لسقطت عدالتهم والتغت بيعتهم وتم عزلهم
فلم يكن يوما الخليفة او الأمير في الاسلام حاكما دينيا.. أطلاقا... ولا مشرعا حتى..
بل كان مجرد منفذ للشريعة الربانية المعروفة للجميع، ويستطيع جميع العلماء والفقهاء والقضاة ان يقيموا أداءه ويوافقوا أو يعترضوا بقياس عمله وحكمه على ميزان الشريعة المعروف والواضح لدى الجميع
فليس في ديننا أسرار..  :emoti_134:

أي أن الحكومة في بلادنا كانت دوما حكومة تنفيذية لا تشريعية، وحكومة سياسية لا دينية.. فليس لها أي حصانة ذاتية إلهية، او حق في تحليل حرام او تحريم حلال... ولا تعمل الا ضمن اطار الدستور الذي ارتضاه الشعب، الا وهو القرآن والسنة

أرجو ان نفهم هذا المصطلح وحقيقته واللعب الذي يتم به لنفهم ما يتحدث عنه الناس في البرامج والكتب عندما يتناولون هذه القضية :emoti_144:

لانهم يحاولون أن يعمموا علينا التجربة الاوروبية..  :emoti_6:
فاوروبة تكره الحكومة الدينية لانها حكومة ثيوقراطية... إذن يا مثقفين (يا ببغاوات تقلد الغرب بالأحرى) اعترضوا على تحكيم الشريعة الاسلامية وعودة الناس للدين لاننا لا نريد حكومة ثيوقراطية تجعلنا نرجع للعصور الوسطى المظلمة!!
ياسلام!!
ياريت يا (أذكياء) نرجع للعصور الوسطى،  اصل يا فالحين العصور الوسطى كانت مظلمة بالنسبة لأوروبا، أما بالنسبة لنا فقد كانت عز التقدم والتفوق والتنوير...




*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك


طيب والمصطلح الآخر  :emoti_17:

العلمانية

تعالوا نشوف حكايته



خضعت أوروبا فترات طويلة (طيلة العصور الوسطى) لهذا النوع من الحكم... (الثيوقراطي)
لهذا لما بدأت تتعلم وتتنور وتعمل عقلها، (بعد احتكاكها بحضارة الاسلام ) وجدت ان هذه الحكومة مرفوضة تماما وبغيضة، فثارت عليها :emoti_214:

وصارت أوروبا تريد ان يكون الحكم للعلم... لا للدين... فظهر مصطلح (علمانية) أي أننا لا نريد الدين ان يتحكم في حياتنا بعد اليوم،  emot::بل نريد العلم ان يحكمنا..
لماذا؟
لأن العلم والدين كانا عندهم على طرفي نقيض...

وأصل مصطلح (علمانية) في اللغة الاجنبية هو secularism     في الانجليزية ،    أو   secularite   بالفرنسية وترجمته الحرفية (اللادينية)
لكن المتأثرين بالفكر الغربي لم يجرؤوا على دعوة الناس إلى (اللادينية) فترجموا المصلح إلى شيء له ارتباط بالعلم واختاروا له كلمة (علمانية)

بالنسبة للاوروبيين الأمر سواء
فالاخذ بالعلم يعني ترك الدين، فالدين والعلم عندهم متناقضان... فاللادينية والعلمانية مترادفان

لكن في ثقافتنا العربية الاسلامية، لا تعارض أبدا بين الدين والعلم... فالدين يحث على العلم، والمسلمون عندما كانوا متمسكين بدينهم كانوا في أوج حضارتهم العلمية، ومتفوقين علميا على كل العالم من حولهم...  ::cong:

لهذا فالدعوة إلى التمسك بالعلم ونبذ الدين (العلمانية) لا معنى لها في بلادنا إطلاقا...
والدعوة للهروب من تحكيم الشريعة الاسلامية بدعوى أننا لا نريد حكومة (ثيوقراطية).. أيضا لا معنى لها عندنا إطلاقا


 ولكنه التقليد الاعمى، والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية المتغلبة، أو الرغبة في الهروب من تكاليف الدين والعيش كما نهوى بلا ضابط ولا رابط،  :emoti_159:فهو عصيان لله وتمرد على دينه، مغلف بثوب التقدمية والتحضرية والدعوة للتطور من خلال تحكيم العلم في حياتنا عبر المناداة والدعوة لقيام أنظمة علمانية

وهكذا نرى أنه لا وجود لشيء اسمه (علمانية وسطية) كما يحلو لبعض الناس أن يروج.. فالعلمانية تعني (تنحية الدين وتحكيم العلم، وكأنهما متناقضان لا يجتمعان، ويعني قصر الدين على المشاعر والعلاقة بين العبد وربه، وتنحيته من أن ينظم علاقات العباد بعضهم ببعض، فلا شان له بالبيع والشراء والزواج والطلاق والحكم والسياسة... لا شأن له بالحياة)

فمن ينادي بالعلمانية ينادي بهذا
ومن لا ينادي بهذا فهو لا ينادي بالعلمانية بل بشيء آخر، وان كان لا يعرف ويظن انه يطالب بالعلمانية ولكن لا يطالب بتنحية الدين، فهو مسكين لا يفهم ما يردد فعلينا أن نفهمه..  :emoti_281:

وبس

يارب تكون المصطلحات واللعبة التي فيها اصبحت واضحة  :emoti_138:

عموما لو كان اسلوبي معقد  :blush::
تابعوا معنا تلخيص الكتاب، وستتضح الامور بشكل اكثر ومفصل emo (30):

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
النظرة المسيحية الأوروبية للإنسان:


لقد كانت نظرة مسيحية القرون الوسطى إلى الإنسان أنه خاطئ بطبعه ، هابط بشهواته ، لا أمل في رفعه من هبوطه طالما هذه الشهوات مركبة في طبعه – إلا أن يكبتها ويجتثها من جذورها .
وامتزجت هذه النظرة – عقائديا – بعدة أمور ، كلها خطير ، وإن كانت خطورتها لم تظهر لأصحابها في حينها !

1-  امتزج تقديس الرب وتعظيمه في حسهم بتحقير الإنسان في المقابل ! كأنما الألوهية والعبودية طرفان في معادلة ، لا يرتفع أحدهما إلا بإسقاط الآخر . ( 4)

2-  لم يعد الأمل في " الخلاص " ممكنا عن طريق " الأعمال " التي يقوم بها الإنسان ، ما دام خاطئا بطبعه ، ولا سبيل إلى تنقيته وترقيته طالما جرثومة الخطيئة في دمائه . إنما يجيء الخلاص من "الاعتقاد" في الرب المخلص يسوع ، الذي إذا آمن به الإنسان ربا ومخلّصاً تغفر له خطاياه .

3-  انصرف اهتمامهم عن تحقيق " ملكوت الرب " في الحياة الدنيا على اعتبار أن هذا عمل ميئوس منه ، إنما يتحقق ملكوت الرب في الآخرة وحدها ، كما أشار ولفرد كانتول سميث في مقدمة كتابه " الإسلام في التاريخ الحديث Islam in Modern History " وهو يعقد موازنة بين رؤية المسلم ورؤية المسيحي للتاريخ ، إذ يقول : إن المسلم يرى أن تحقيق ملكوت الرب يكون بإطاعة شريعته وتطبيقها في الحياة الدنيا ، ولهذا يسعى أن يجعل سلوك الفرد وسلوك المجتمع مطابقا للشريعة ، ويرى أن النجاح في الحياة الدنيا لا يتأتى إلا بتحقيق " ملكوت الرب " في هذه الحياة . بينما يشعر المسيحي أن مهمة تقويم المجتمع أمر خارج عن اختصاصه ! إنما هو يسعى إلى الخلاص الفردي ، كل فرد بمفرده . كما أن صورة المجتمع ، ونجاحه أو فشله أمر خارج عن نطاق العقيدة ! بل إن كثيرا من المسيحيين الأتقياء ينظرون إلى النجاح في الحياة الدنيا على أنه فتنة تصرف الإنسان عن طريق الخلاص ، وأن الابتهاج بالنجاح الدنيوي خطيئة يجب أن يتخلص منها الإنسان ولا يسمح لها بأن تتملكه !

4- دعوى أن الرضى بالظلم والألم والشقاء هو الذي يؤهل الناس لنيل الملكوت في الآخرة !
وقد استخدمت الكنيسة هذه العقيدة في مقاومة حركات الإصلاح حين جاء أوانها في أوربا ، وفي تخذيل الناس عن الثورة على الظلم الواقع عليهم مما جعل ماركس يقول قولته المشهورة : " الدين أفيون الشعوب " . وهي قولة صادقة على دين الكنيسة الأوربية في العصور الوسطى ، وكان هذا منها دفاعا عن وجودها الذاتي في الواقع ، إذ كانت الكنيسة منذ زمن قد أصبحت من ذوات الإقطاع ، فلم يكن يعقل أن تشجع الناس على الثورة على الإقطاع !

5-اعتقاد الكنيسة بالثبات المطلق في كل شيء، ونشرها لهذه العقيدة . ومضمونها أن الله قد وضع نظاما ثابتا للكون المادي بشمسه وأرضه ونجومه وسماواته ، ووضع كذلك نظاماً ثابتاً للحياة البشرية لا يتغير – لأنه من إرادة الله الثابتة – وهو نظام يقسم الناس إلى طبقتين رئيسيتين : رجال الدين ورجال الإقطاع والملوك والأباطرة من جانب ، والشعب من جانب آخر .
وكان لذلك التصور أثره – ولا شك – في الجمود الذي اتسمت به الحياة الأوربية في عصورها الوسطى المظلمة !

____________________________

( 4)  وسنرى خطورة هذه النظرة حين حدث " الانقلاب " الأوربي ، فمجّد الإنسان وأسقط الإله !!
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
مصادمة العلم بالدين

ولكن الطامة الكبرى كانت مصادمة العلم بالدين ، وتحريق العلماء أحياء لأنهم قالوا بكروية الأرض ، وبأن الأرض ليست مركز الكون !  :emoti_138:

يقولون في كتاباتهم إن الكنيسة وقفت هذا الموقف من العلم والعلماء لأن نفوذها كان قائما على الخرافة ، وأنها خشيت لو انتشر العلم وقوّض الخرافة أن يتقوض سلطانها على قلوب الناس، وهذا صحيح، لكنه ليس السبب الوحيد، بل هناك سبب آخر مهم، ألا وهو أن العلوم التي اعتنقها العلماء ونادوا بها كانت في أصولها علوما إسلامية ، تعلمها علماؤهم حين تتلمذوا على كتب العلوم الإسلامية . وقد كانت تعني في نظر الكنيسة غزوا فكريا إسلاميا يهدد كيانها ، وسيطرتها على الناس . لذلك كانت حربها لها حربا صليبية في حقيقتها ، لمقاومة الخطر الإسلامي الزاحف على أوربا من الشرق والغرب والجنوب !
فحين احتك الأوربيون بالمسلمين – احتكاكا حربيا في الحروب الصليبية ، واحتكاكا تجاريا عن طريق جنوة والبندقية ، واحتكاكا ثقافيا وحضاريا في الأندلس والشمال الأفريقي وجنوب إيطاليا وصقلية الإسلامية – حدث تحول هائل في الحياة الأوربية .

لقد وجدت أوربا نمطا من الحياة يختلف تماما عن النمط الذي عاشت به طوال قرونها الوسطى المظلمة.
 وجدت دينا بلا كنيسة ولا رجال دين ! دينا يمارسه الناس في علاقة مباشرة بين العبد والرب لا يدخل فيها كاهن ولا قسيس.
ووجدت فكرا واسع الآفاق متعدد الجوانب ، لا حجر فيه على العقل البشري ، ولا رقيب فيه على الناس إلا ضمائرهم ولا محاكم تفتيش تقتحم ضمائر الناس لتفتش عن المخبوء فيها لتقذف به وبحامله إلى النار !
ووجدوا علاقات اجتماعية ليس فيها إقطاع ، وليس فيها عبيد يسامون الخسف والذل والهوان ( 5) . ووجدوا شريعة موحدة يتحاكم إليها الناس كلهم سواسية ، لا تخضع لهوى أمير الإقطاعية الذي تتمثل فيه السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية كلها في آن !
ووجدوا علما هائلا في كل أبواب المعرفة المتاحة يومئذ، وحضارة مشرقة وطيدة الأركان.
وهذا كله على الرغم مما كان قد طرأ على المسلمين من انحرافات خلال قرون من الزمان !

ولم يكن لأوربا بدٌّ من أن تتأثر بهذا كله تأثرا يغير حياتها من الأساس . وكان يمكن – كما قال ويلز – أن تدخل أوربا في الإسلام ..
وكانت الكنيسة أول من استشعر هذا الخطر " الداهم ! " الذي يشكل بالنسبة لها تهديدا مباشرا لكيانها وسلطانها ، ولدينها كذلك ! فوقفت بعنف تذود عن نفسها ، وتصد المد الإسلامي عن أوربا بكل ما تملك من سلطان .

واتخذت الكنيسة وسيلتين أساسيتين لوقف المد الإسلامي : الأولى محاكم التفتيش بكل ما تشتمل عليه من وسائل التعذيب الوحشي ، والثانية أنها كلفت كتابها وشعراءها أن يشنوا حملة شعواء على الإسلام يشوهون فيها صورته في نفوس الأوربيين ، ويلصقون به وبأهله أبشع التهم التي تدعو إلى النفور منه والشعور بالبغضاء نحوه ..

وعلى الرغم من ذلك كله فقد كان الإسلام هو الذي أخرج أوربا من ظلمات القرون الوسطى لتبدأ "نهضتها"، وإن كانت بسبب التشويه الذي تبنته الكنيسة لم تدخل في الإسلام.

ووجدت أوروبا نفسها  في مأزق خطير لم تنج من آثاره حتى اليوم، ولم تجد مخرجا من مأزقها ذلك إلا أن ترجع إلى تراثها الوثني الذي عاشته قبل دخولها في دين الكنيسة ، أي التراث الروماني الإغريقي ، لتستمد منه مقومات نهضتها ، وتبتعد في الوقت ذاته عن " الدين "

وكان هذا التراث يحمل في طياته فكرة خبيثة عن العلاقة بين البشر و " الآلهة " .. علاقة صراع دائم لا مودة فيه ولا هوادة ولا تعاطف .. الإنسان من جانبه في محاولة دائبة لإثبات ذاته بتحدي " الآلهة " وعصيانها والتمرد عليها ، و " الآلهة " من جانبها في محاولة دائبة لتحطيم الإنسان وإذلاله كلما أراد أن يثبت ذاته .. وتلك هي مأساة الحياة ! (6)

لقد انقلبت أوربا في " نهضتها " مائة وثمانين درجة كاملة ، لتنتقم من الكنيسة ، ومن الدين الذي أذلت به الكنيسة رقاب العباد ..

انقلبت من
•   دين يؤمن بالغيب (7 ) ويكاد يهمل عالم الشهادة ، إلى " دين " يصب اهتمامه في عالم الشهادة ويهمل عالم الغيب !

•   من دين يمجّد الله ويسقط الإنسان من الحساب إلى "دين" يمجّد الإنسان ويسقط الإله من الحساب !

•   من دين رهباني يزدري الجسد ولذائذه الحسية إلى دين غارق في لذائذ الحس إلى درجة الحيوانية!

•   من دين يحارب العلم إلى علم يحارب الدين، ومن دين يحارب الحضارة إلى حضارة تحارب الدين !

•   من دين يتصور " الثبات " في كل شيء ويرفض التطور ، إلى " دين " يتصور التطور في كل شيء ويرفض الثبات في أي شيء !

______________________________

( 5)  كان في العالم الإسلامي رق . ولكن الإسلام كان قد جفف كل منابع الرق التي كانت قائمة قبله ، فيما عدا بابا واحدا هو رق الحرب التي تقع بين المسلمين والكفار . ولكن ذلك الرقيق كان يعامل معاملة إنسانية وتفتح أمامه كل السبل لتحريره .
(6) يرجى مراجعة الرابط التالي للاطلاع على أسطورة برمثيوس الاغريقية
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=1761.msg23163#msg23163

( 7)  الذي يسمونه في لغتهم الميتافيزيقا ( أي ما وراء الطبيعة ، أو ما وراء العالم المحسوس ) .
« آخر تحرير: 2008-10-14, 12:54:00 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

جواد

  • زائر
تسجيل متابعة.

جزاكم الله خيرا.

حازرلي أسماء

  • زائر
جزاك الله كل خير ماما هادية على هذا التلخيص .....الكتاب حقا رااائع .....

حول أمر العلمانية ، هناك من يبحث ، ويحلل فيجد أن الترجمة الصحيحة التي أريدت ل securalism     هي العَلمانية بفتح العين وليس بكسرها ، لأن من يقول بكسرها إنما يظلم العلم ويدخله في دائرة أنه المبعد عن الدين .... وفي أي حال من الأحوال وفي كل حال فإن securalism
أريدَ بها إبعاد العلم عن الدين بل فصل الحياة برمتها عن الدين وعن حاكميته وتشريعه  أو كما قالوا هم أنفسهم "إنقاذ العقل من الدين "

ويرى بعض الكتاب العلمانيين العرب أنّ العَلماني بفتح العين من "العَالم" وليس من العلم  هو رجل الدنيا  بينما الغير علماني هو رجل الدين ....ولنرَ كيف أنهم في كلا الحالتين وكلا الوصفين يريدون الفصل والتفريق بين الدين والدنيا وبين الدنيا والآخرة ........ وعلى قولهم ما لقيصر لقيصر وما لله لله ....

ويريد بعضهم التأصيل التاريخي للعلمانية في التاريخ الإسلامي ............أي أنهم يسيرون بقطار العلمانية ويريدون تأصيلها ونسبها للإسلام ....
وربما كان ذلك مردّ الخلط بين مفهوم الحكومة الثيوقراطية والحكم الإسلامي .....

نتابع معك بارك الله فيك

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لمتابعتكم يا جواد
ويهمنا ان نسمع رأيكم ونستفيد من نقاشكم

وشكرا لمشاركتك يا أسماء
وما أود التوكيد عليه أن العلمانية، بفتح العين أو كسرها، وسواء كانت ترجمة دقيقة للمصطلح الاجنبي او غير دقيقة، فالمهم الفكر الداخل فيها...

فكرتها الاساسية ليست أبدا الدعوة للاخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا، فمعظم دعاتها يلهثون وراء الثقافة الغربية لا العلوم التقنية والطبيعية بكل أسف
(يرجى مراجعة الفرق بين العلم والثقافة في ملخص كتاب "الاسلام ومشكلات الشباب" على الروابط التالية: )

http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=1645.msg20721#msg20721

http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=1645.msg20722#msg20722

وانما هي دعوة لفصل الدين عن شؤون الحياة، بحيث تنظم العلاقات بين الناس في المجتمع، وبين المجتمع والمجتمعات المجاورة قوانين وضعية يتواضع عليها البشر، ويتم حصر الدين في نطاق دور العبادة والضمائر، لمن شاء ان يتمسك به...

فأيا كان الاسم او المصطلح لهذه الفكرة فهو مرفوض... فالعبرة بالمسمى (اي المحتوى) وليس بالاسم سواء كان مفتوحا او مضموما او مكسورا...

وأما البحث عن جذور للعلمانية في الاسلام، فهي لعمري أخطر وأخبث، لانها محاولة لالباس الحق بالباطل، وستر الراقصة الغانية بجلباب الفاضلات...

فالإسلام منذ أول لحظة أعلنها صريحة واضحة أن الحاكمية لله تعالى، وان رفض شرع الله، وتنصيب الانسان لنفسه او لغيره من العباد ليحكموا ويشرعوا انما هو منازعة لله تعالى في ألوهيته وحاكميته.. {والله يحكم لا معقب لحكمه}
سواء كان التشريع في امور الطعام والشراب، او المناسك والعبادات، او الزواج والطلاق، او معاملات الحرب والسلم، او البيع والشراء..
{ما فرطنا في الكتاب من شيء}
"يرجى مراجعة سورة الأنعام، وربط الله تعالى التشريعات المختلفة بعقيدة الايمان بالله، والانكار على من يشرعون من لدن انفسهم "...
والأمة الاسلامية عاشت في ظل دستورها المنزل من السماء قرونا عديدة، ولم تكن بحاجة لاستيراد اي قوانين لا في مجال الاقتصاد ولا السياسة ولا السلم ولا الحرب ولا الاحوال الشخصية ولا العقوبات
فالأطر العامة مقننة
والمستجدات يتم قياسها عليها
والتفاصيل الاخرى يتم ضبطها وفق ضوابط المصالح المرسلة والاستحسان المبني على اصول الشريعة..

فمن يعتقد ان الاسلام مجرد عبادات، او اخلاقيات، او عقيدة في القلب، لا يعرف الاسلام، ويهدم جزءا اساسيا من بنائه...
وهاقد جربنا هؤلاء الناعقين قرنا كاملا من الزمن، فما الذي جلبوه لبلادنا ؟؟ إلا الخراب والدمار والفساد والويلات؟
وياما جاب الغراب لأمه





« آخر تحرير: 2008-10-14, 12:50:52 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر
ماما هادية اسمحي لي أن أضع تعريفا لغويا واصطلاحيا فيه من التفصيل للثيوقراطية :

الثيوقراطيـــة:

وهي عبارة عن كلمتين في اليونانية: "ثيو " معناه : ديني و "كراتيس " معناه: حكم، وهو الحكم، القائم على التفويض الإلهي، أي أن الحاكم يختاره الله فيحكم باسمه ويستمد منه سلطته، يحيط به جمع من الكهنة يسيطرون على الناس ويستغلونهم.

وهذا المعنى النابع من التاريخ الأوروبي لا ينطبق على مفاهيم الحكم الإسلامي، لأن إمام المسلمين أو خليفتهم، لا يختاره الله، بالمعنى السابق ولم يفوض إليه أن يحكم باسمه، بل تختاره الأمة، فينوب عنها في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.  ثم إنه لا توجد طبق كهنة أو رجال الدين في الإسلام، وإنما يوجد العلماء، شأنهم شأن غيرهم من العلماء في العلوم والآداب والفنون، وليس لهؤلاء العلماء الاجتهاد في موضع النص القاطع الثابت بالوحي الإلهي.


*************

الخلط القائم هو القول بأن الحكم الإسلامي مساويا للثيوقراطية

وحتى لا أذهب بالموضوع يا ماما هادية  مذهبا آخر ، فسأنتظر إلى حين انتهائك من التلخيص بإذن الله ، ثم أضع شيئا عمن يسعون للتأصيل التاريخي للعلمانية في التاريخ والتراث الإسلامي، وعن ليهم للنصوص بما يتفق وأهواءهم لبلوغ مرادهم وكم يحملون من فكر خطير...

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
جزاك الله خيرا يا أسماء
مداخلاتك دوما تثري الموضوع


*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
تأثر العلوم الاجتماعية الغربية بالظروف الأوروبية




ثم زاد الطينُ بلةً بالداروينية ! والتي:
1-  نفت الداروينية  صفة الخلق عن الخالق سبحانه وتعالى ، ونسبتها إلى الطبيعة . فقال دارون : " الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق :
Nature creates everything and there is no limit to its creativity . 

2- نفت الغاية من الخلق . فالإله الجديد – الطبيعة – يخبط خبط عشواء .Nature works haphazardly .
3- ركزت على حيوانية الإنسان وماديته . فهو لم يخلق إنسانا من أول لحظة ، إنما هو نهاية تطور السلسلة الحيوانية، والبيئة المادية هي التي تدفع الكائنات إلى التطور الدائم ، الذي انتهى بالإنسان ..

وبالنسبة للعلوم الاجتماعية بالذات كان هذا الرافد الأخير أخطر الروافد جميعا ، وأشدها في التأثير !

إن الموضوع الأساسي للعلوم الاجتماعية كلها هو " الإنسان " . وبحسب تصورنا للإنسان يكون مسيرنا في هذه العلوم . فإذا كان تصورنا للإنسان أنه حيوان متطور ، وأن خالقه لا غاية له من خلقه ، فأين مكان " القيم " يا ترى؟ وما " المعايير " التي تحكم حياة هذا الكائن ؟ أم إنه لا خير ولا شر ، والكل في الميزان سواء ؟!

قضايا خطيرة في الحقيقة .. لا نلتفت إليها حين نتلقى علمنا في العلوم الاجتماعية من الغرب ، بينما هي مفرق طريق بيننا وبينهم : في التصور ، وفي طريقة التناول ، وفي النتائج المستخلصة ، حتى لو التقى فكرنا وفكرهم في بعض الجزئيات أو في كثير من الجزئيات ! فالجزئية وحدها لا تعطي التصور . إنما التصور المبدئي هو الذي يفسر الجزئية ويضعها في مكانها من الصورة الكلية المتكاملة .

إن دعوى الموضوعية في العلوم الاجتماعية التي يقدمها لنا الغرب دعوى داحضة ، ما دامت تستمد أساسا من التفسير الدارويني للإنسان، وتلوّن بهذا التفسير كل التجارب وكل الأبحاث، وتؤثر لا محالة في النتائج الأخيرة المستخلصة من الأبحاث !
ويكفي هذا لاستشعار الحاجة الملحة إلى التأصيل الإسلامي لتلك العلوم .


« آخر تحرير: 2008-10-19, 22:16:12 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
أحوال الأمة الإسلامية


اعتنقت أوربا دين بولس بدلا من الدين السماوي ، ولكن الأمة الإسلامية قد اعتنقت الدين السماوي الحقيقي المنزل من عند الله للبشرية كافة وللزمن كله من مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزمان، ولنركز في نظرتنا السريعة على الجوانب التي يتقابل فيها موقف الدينين من قضايا الحياة الكبرى ، لنتبين فيما بعد أثر ذلك التقابل في المسيرة التاريخية لكل من الأمتين .

نلاحظ أن الإسلام هو نقطة الوسط المتوازن بين النقيضين المتطرفين :

1-ليست الدنيا نقيضا مقابلا للآخرة ، وليس العمل لإحداهما صارفا عن العمل للأخرى . إنما يعمل الإنسان بجهده كله لعمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني فيكون قد عمل للآخرة في ذات الوقت دون أن يحتاج لأن يحيد عن طريقه أو يعطل طاقة من طاقاته ، أو يهمل واجبا من واجباته . ومن ثم لا تتنازع الدنيا والآخرة في حسه ، ولا تتمزق بينهما نفسه.

2- إن الإيمان بالله ليس نقيضا مقابلا للإيمان بالمحسوس،
ففي تركيب النفس الإنسانية كما فطرها الله تتجاور النزعتان معاً وتتآلفان وتتناسقان ، نزعة الإيمان بما تدركه الحواس ، والإيمان بما لا تدركه الحواس .. وتلك مزية ميز الخالق بها الإنسان عن الكائنات الأخرى، فالحواس تتعامل مع الكون المادي – مع عالم الشهادة – تعاملا كاملا يشمل السمع والبصر (وما يؤديان إليه من ملاحظة وقياس واستنباط وتجربة وتعلم واختراع واستغلال ) والأفئدة تتعامل مع عالم الغيب، فتؤمن بالله ، وتتلقى عنه، وتعمل بمقتضى وحيه، بلا تعارض ، ولا تنازع ولا شتات ..

3- والله  والإنسان ليسا ندين متصارعين كما تصور الأسطورة الوثنية الإغريقية، بحيث يكون ارتفاع أحدهما هبوطا للآخر، بل الإنسان هو العبد الخاضع لجبروت الله والمتطلع لرحمته ، ولكنه في عبوديته مكرم ، لأن الخالق كرّمه ، ووهبه من فضله ، وعلّمه ورشّده ، وهداه النجدين . ومِنْ أكرم ما كرمه به أنه لم يقهره على الإيمان كما قهر بقية الكائنات ، إنما وهب له عقلا يميز به ، وإرادة فاعلة يختار بها بين طريقين :
( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) .

4- الإسلام لا يستقذر الدوافع الفطرية ولا يكبتها ،
بل يدعو إلى إعطائها مجالها الطبيعي لتعمل ، ولكنه يضبطها ليرفع منطلقها ، ويربطها بالقيم العليا لكي لا تسف وتهبط إلى مستوى الحيوان ، ويظل أداؤها " إنسانيا " في جميع الأحوال :
" وإن في بضع أحدكم لأجرا . قالوا يا رسول الله ، إن أحدنا ليأتي زوجه شهوة منه ثم يكون له عليها أجر ؟ قال : أرأيت لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فإذ وضعها في حلال فله عليها أجر " 
" ألا إني أتقاكم لله ، ولكني أصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "  .
( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )  .

5- لا الحياة كلها تتطور .. ولا الحياة كلها ثبات !والإسلام يثبّت الثوابت ويسمح بالمتغيرات !


يتبع لنعرف الثوابت والمتغيرات من منظور إسلامي إن شاء الله
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*