المحرر موضوع: ملخص كتاب "حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية"  (زيارة 57767 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أم وعالِمة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 724
  • الجنس: أنثى
  • طبيبةمصريةثورية
تسجيل متابعة يا ماما هادية ....

الموضوع ده كان شاغلني كتير قبل كده و كنت بفكر فيه فعلا و بسأل نفسي ليه
لا يعاد النظر في العلوم دي من منظور إسلامي و مفهوم عربي شرقي ؟؟؟؟؟؟؟؟

الحمد لله إني لقيت شيء حقيقي يؤيد فكرتي ...
جزاك الله خيرا يا اسماء على الكتاب يارب ..
"من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً "
من يمتلك قوة هائلة .. و رسالة نبيلة .. فعليه تحمل مسؤولية جسيمة ..!

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
الثوابت والمتغيرات من المنظور الإسلامي


أ- قضية الالوهية والعبودية ثابتة:
الله سبحانه وتعالى موجود . ووجوده ثابت لا يتغير ، لأنه حيّ قيوم أزلي أبدي: ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
وهو الخالق سبحانه ، والإنسان من مخلوقاته .. ومن حق الإله أن يُعْبَد ، ومن واجب المخلوق أن يعبد إلهه .
تلك قضية ثابتة .. وليس الفرق بين إنسان وإنسان أن هذا يعبد وذاك لا يعبد .. إنما الفارق أن إنسانا يعبد الإله الحق ، وإنسانا يعبد آلهة أخرى مع الله أو من دونه سواء . وحين يخيل للإنسان في لحظة غروره – أو تمرده – أنه لا يعبد شيئا أبدا فهو في تلك اللحظة عابد لهواه.

ب- في التشريع الرباني ثوابت ومتغيرات :
•   من الثوابت عبادة الله وحده بلا شريك .
•   ومن الثوابت حرمة الدم والمال والعرض .
•   ومن الثوابت تنظيم علاقات الجنسين في قنوات منضبطة بحيث لا تنقلب إلى فوضى .
•   ومن الثوابت تنظيم علاقات الأسرة والمحافظة عليها وعلى ترابطها وتوزيع المغانم والمغارم فيها بالعدل .
•   ومن الثوابت تحريم الربا والغصب والسرقة والغش والخداع فـي المعاملات الاقتصادية .
وكل هذه وضعتها الجاهلية المعاصرة على الخط المتغير فحدث ما حدث من الفساد في الأرض .
وهناك متغيرات تنشأ من الاحتكاك الدائم بين العقل البشري وطاقات الكون المادي ، فتتغير معها صورة الحياة ، كلما عرف الإنسان جديدا من خواص المادة ، فاستغل المعرفة في التحسين والتجميل والتكميل ، وموقف الشريعة تجاه هذه المتغيرات أنها وضعت لها قواعد ثابتة تحكمها دون أن تحبسها في إطار معين، كالثوابت التي تحكم المعاملات الاقتصادية وتتغير الصورة تحتها من اقتصاد رعوي إلى اقتصاد زراعي إلى اقتصاد صناعي. وقس على ذلك بقية المجالات.
فالشريعة تتميز بالمرونة لأن الله أنزلها لتحكم الحياة البشرية مدى الزمن كله فتتسع لكل جديد صالح ، وتبقى ثوابتها ثابتة حيث يلزم الثبات .

ج- المسلم السوي لم يكن قط – ولا يكون قط – في موقف الصراع مع دينه ، ولا هو في حاجة أن ينبذه ويتمرد عليه
والشاهد هو التاريخ
فالأمة التي حملت الإسلام إلى البشرية لم تكن قبل اعتناقها الإسلام أمة علم ، ولم تكن لها عناية كبيرة بعمارة الأرض،  والإسلام هو الذي دفعها للبحث العلمي، وهو الذي دفعها لاستنباط المنهج التجريبي في البحث العلمي الذي هو عماد التقدم الذي حدث في كل ميادين العلم الحديث، والإسلام كذلك هو الذي دفع المسلمين إلى المشي في مناكب الأرض وكشف مجاهلها، وعمارتها بشتى أنواع العمارة من زراعة وصناعة وتجارة ، وبناء مدن وإنشاء طرق وتنظيم وسائل اتصال، فضلا عن الخدمات الإنسانية الرفيعة، من تعليم مجاني، وتطبيب مجاني، وأوقاف للخير ، ونشر للبر . وهذه الحضارة التاريخية الفذة ، المتعددة الجوانب ، كانت نتاج الإسلام ، وترجمة واقعية للروح الدافعة في هذا الدين .
ويخبرنا التاريخ أن فترات الالتزام والتمسك هي فترات القوة والتمكين والرفعة والازدهار في جميع الجوانب ، وفترات التفلت والانحراف ، هي فترات الضعف والهبوط وزوال التمكين .

فمنبع القوة لهذه الأمة هو هذا الدين ، ومصدر الضعف الذي يلم بها هو البعد عنه، بينما الأمة التي اعتنقت دين بولس كان دينها هو الداء ، كلما زادت جرعته في حياتها زاد ضعفها وفسادها والظلمات التي تحيط بها ، وكان جزءا من علاجها أن تخرج من ذلك الدين.
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
تسجيل متابعة يا ماما هادية ....

الموضوع ده كان شاغلني كتير قبل كده و كنت بفكر فيه فعلا و بسأل نفسي ليه
لا يعاد النظر في العلوم دي من منظور إسلامي و مفهوم عربي شرقي ؟؟؟؟؟؟؟؟

الحمد لله إني لقيت شيء حقيقي يؤيد فكرتي ...
جزاك الله خيرا يا اسماء على الكتاب يارب ..


شكرا لمتابعتك يا سارة، والحمد لله ان فكرة الكتاب وموضوعه قد نالا إعجابك

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
وهم ضخم

ولكن هناك وَهْماً ضخما يسيطر على الناس في الجاهلية المعاصرة ، منشؤه التمكين المادي الذي أحرزه الغرب في تاريخه الحديث . ذلك الوهم هو الظن بأن هذا التمكين لا يمكن أن ينشأ إلا عن منهج سليم للحياة ! ومن ثم فكل ما يفعله الغرب صحيح وسليم ومستقيم !

جهل كبير بالسنن الربانية التي يُجْرِي الله بها حياة البشر على الأرض
( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ، كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً )
والإرادة المذكورة في الآية ليست مجرد الرغبة ! فالرغبة بلا عمل لا تؤدي إلى شيء . إنما هي الرغبة مع استخدام الأدوات المؤدية إلى تحقيق الرغبة ،
ولله حكمته في ذلك . فهذا تمكين الاستدراج ، يستدرج به الله الخارجين على عبادته ليزدادوا إثما :
( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )  .

هذا التمكين مهما طال فنهايته الدمار :
( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ، فَقُطِـعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).

وفضلا عـن " الضنك " الذي يعيشون فيه رغم الوفرة المادية وفتح أبواب التمكين عليهم :
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً .. ) .

وهذا الضنك في حياة الغرب اليوم يتبدى واضحا في الأمراض النفسية والعصبية والقلق والانتحار والجنون والخمر والمخدرات والجريمة ، التي تتزايد على الدوام ولا يجدون إلى وقفها من سبيل، ذلك كله فضلا عن المصير البئيس في الآخرة

أما الذين آمنوا فيشتركون في جانب من هذه السنن ويفترقون في جانب .

يشتركون في أنه لا تمكين بغير جهد يبذل ، وأدوات تتخذ ..
ويفترقون – بالنسبة للحياة الدنيا – في أمرين: هما البركة والطمأنينة
الطمأنينة مقابل القلق والانتحار والخمر والمخدرات والجريمة . والبركة مقابل الضنك .
أما في الآخرة فالفارق هو فارق الجنة والنار ..

تلك هي السنن الربانية التي تحكم هذا الأمر . ويتبين منها أن النجاح المادي والتمكين في الأرض ليس في ذاته دليلا على استقامة المنهج وصلاحه،

ولا يعني هذا أن حياة الغرب كلها شر أو أنها خلت من جوانب الخير ! كلا ! فما من جاهلية فـي التاريخ كله كانت كلها شرا ، وكانت خالية من الخير .
ولكن الخير الجزئي المتناثر في الجاهليات لا يمنع وَسْمَ الجاهلية بأنها جاهلية ! ولا يعطيها شرعية الوجود من ناحية أخرى . ولا يمنع عنها الدمار في النهاية !

نستنتج من هذا:

أن منهج الغرب في تناوله للعلوم الاجتماعية منهج لا يتفق معنا لأنه نتاج ظروف غير ظروفنا ، وليس علما "موضوعيا" كما يزعم الغرب ، وأن التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية حاجة ملحة للأمة الإسلامية ، وأن الصحوة ينبغي أن تضع هذا الأمر في حسابها ، وتوجه له من الاهتمام ما هو جدير به ، وإلا فسيظل الغزو الفكري المنبث في هذه العلوم في الوقت الحاضر يفسد عقول الدارسين ، ويبث فيها تبعية مريضة تجاه الغرب !
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كيف يكون التأصيل الإسلامي
للعلوم الاجتماعية


تجدر الإشارة أولا إلى أننا اخترنا كلمة " التأصيل الإسلامي " بدلا من كلمة " الأسلمة " التي شاع استخدامها في الفترة الأخيرة ، لأن كثيرا مما كتب في مجال " أسلمة العلوم " لم يكن تأصيلا إسلاميا حقيقيا بالمعنى المطلوب ، بقدر ما كان اعتمادا للمفاهيم الغربية ، مع وضع " طلاء " إسلامي عليها ، يتمثل في بعض الآيات والأحاديث التي يرى مستخدموها أنها تناسب الموضوع !
التأصيل الإسلامي عمل مختلف .. إنه الانطلاق ابتداء من منطلق إسلامي ،  باستخدام الوسائل العلمية (التي طورها الغرب او غيره) والمشهود لها بالدقة والجودة، والتي تناسب البحث المطلوب، سواء التقى بعد ذلك في بعض الجزئيات أو لم يلتق مع ما كتبه الغرب في تلك العلوم .

 ففي التاريخ مثلا أو في الاجتماع قد نتفق معهم في رصد الظاهرة التاريخية أو الظاهرة الاجتماعية لأنها واقع مشهود لا يختلف الناس في رؤيته . ولكن تفسيرهم للظاهرة ، المنبثق من رؤيتهم الخاصة ، كثيرا ما نختلف معهم فيه ، لأن رؤيتنا ورصيدنا الواقعي والميزان الذي نزن به مختلف عنهم. وأوضح مثال على ذلك أنهم يرون أن إلغاء عالم الغيب ( الذي يسمونه الميتافيزيقا ) أو في القليل إهماله ، كان تقدما تاريخيا واجتماعيا وإنسانيا اكتسبه الغرب في عصره الحاضر ، بينما نرى نحن ذلك انتكاسة إنسانية لا تليق بالإنسان ..


يتبع
« آخر تحرير: 2008-10-31, 11:12:52 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فصلت الفقرة السابقة في مداخلة مستقلة لاهميتها الشديدة
الاستاذ محمد قطب يتحدث عن علوم الاجتماع والعلوم الانسانية عموما
وانا اريد اسقاط نفس الكلام على الثقافات الجديدة الوافدة علينا تحت مسى (البرمجة اللغوية العصبية) (التنمية الذاتية) (علوم الطاقة) وغير ذلك من برامج تربوية، تتم أسلمتها لا تأصيلها اسلاميا، ويتم إحلالها رويدا وريدا -بما فيها من دخن وخبث- محل مناهج التربية الاسلامية والثقافة الاسلامية الاصيلة.... وتقوم بهذا -بكل اسف- جامعات ومعاهد معتمدة ورسمية، علما ان هذه المواد نفسها غير معتمدة في المعاهد العلية المرموقة في الدول التي صدرتها لنا... فيرجى الانتباه
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
الخلل في دراسة الغرب للعلوم الاجتماعية:


 إن التصور الغربي للإنسان يشتمل على عدة اختلالات أساسية:

الخلل الأول هو اعتبار أن الإنسان هو ذلك الحيوان الدارويني المتطور.
تقول الداروينية إن الإنسان لم يخلق إنسانا من أول لحظة ، إنما هو تطور عن كائن آخر هو القرد الشبيه بالإنسان ، المتطور بدوره عن أحد القردة العليا الأربع : الشمبانزي والغوريللا والأورانج أوتانج والجيبون ، وإنه مر في تطوره بمراحل عدة ، كان يقترب فيها في كل مرة من وضعه الحالي
وكان الواجب بالتالي أن يكون التركيز على ما تفرد به الإنسان عن أشباهه من الكائنات السابقة عليه ، التي تطور عنها ، لا على أوجه الشبه بينه وبين تلك الكائنات .. وذلك كله على فرض صحة الفرضية من أساسها .. ولكن الذي جرى على يد داروين كان هو التركيز على أوجه الشبه بين الإنسان والقردة العليا ( مع افتراض وجود حلقة مفقودة بينهما ) أكثر من التركيز على ما تفرد به الإنسان .. أي – بعبارة أخرى – التركيز على حيوانية الإنسان ، وليس على إنسانيته !
إن الذي تطور في الإنسان – كما تقول الداروينية – هو عقله وإبهامه !

ولأمر ما نشرت هذه النظرية على نطاق واسع في كل الأرض (1 ) ! ولكن الذي يعنينا منها هنا على أية حال هو تأثيرها على الدراسات الاجتماعية بالذات .

الإنسان حيوان له هدفان رئيسيان : الأول صراع البقاء ، والثاني الاستمتاع ، المتمثل في الطعام والشراب والجنس .
فأما الحيوان فكان يستخدم قوته العضلية ليأخذ مكانه في صراع البقاء وأما الحيوان المتطور فهو – إلى جانب عضلاته – يستخدم الأداة المستجدة التي " اكتسبها " في تطوره ، وهي العقل ، وكلما ارتقى صار استخدامه للعقل أوسع مدى وأكثر فاعلية ، يستجد فيه كل حين لونا جديدا من ألوان الاستمتاع ، ويستخدم في سبيل ذلك مزيدا من الأدوات يخترعها العقل ، وتستخدمها اليد ذات الإبهام المتطور !
وتنشأ من ذلك الحضارة ..

فسعيه إلى إثبات ذاته في صراع البقاء يتمثل في القوة الحربية ، والقوة السياسية ، والقوة العلمية ، والقوة الاقتصادية ، وسعيه إلى الاستمتاع يتمثل في " الفن " بمحتلف انواعه إلى جانب المتاع الحسي المباشر بما يلبي نداء الشهوات ..
وهذه – بشقيها – هي معايير إنجازاته !

أين مكان " القيم " في هذا التصور ؟ .. نعني ما نسميه " القيم العليا " من نشر العدل وإزالة الظلم ونشر الخير
إنها كلام جميل يتحدث عه المتحدثون ! لا مكان لها عند الحيوان الأصلي ، ولا مكان لها كذلك عند الحيوان المتطور ! .

الخلل الثاني في التصور الغربي هو دراسة الإنسان بمعزل عن خالقه ، كأنما هو قد خلق نفسه!
ويترتب على ذلك – عندهم – ألا تكون للإنسان مرجعية خارج حدود ذاته ! إنما يكون " هو " مرجع نفسه ،
ومن الواضح أن هذا الخلل في فكر الغرب قد نشأ من الصراع ضد الكنيسة وطغيانها . أو قل : من فساد الدين الذي اعتنقته أوربا

يقول " جوليان هكسلي " في كتابه ( الإنسان في العالم الحديث ) : إن الإنسان قد خضع لله في الماضي بسبب عجزه وجهله . والآن – وقد تعلم وسيطر على البيئة – فقد آن له أن يأخذ على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل في عصر العجز والجهل على عاتق الله ، ومن ثم يصبح هو الله !
ويقول في نفس الكتاب : إن أسطورة بروميثيوس ما تزال كامنة في كيان الأوربي الحديث توجهه على غير وعي منه . فالأوربي المعاصر هو " بروميثيوس الحديث " الذي يريد أن يضع نفسه في مكان الإله . وكلما تعلم ، وزادت سيطرته على البيئة ، ارتفع في حس نفسه درجة ، وهبط الإله مقابل ذلك في حسه بنفس القدر ، حتى إذا استطاع يوما أن يخلق الحياة انتهى الإله من حسه تماما ، وأصبح هو الله .
{ قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ، مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ، ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ، كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}

ولم يكن موقف الفارين في الغرب من طغيان الكنيسة خللا عقديا فحسب ، ( وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً ) إنما كان إلى جانب ذلك خللا علميا، أفضى إلى القول بحتمية " قوانين الطبيعة " (2 ) والقول بالطبيعة الخالقة " التي تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق " (3 ) ! والقول باالخلق الذاتي ( 4) ، والقول بأزلية المادة وأبديتها .. إلخ .
ولكن الخلل في دراسة الإنسان كان أشد وأبعد أثرا

إننا حين ندرس الإنسان بمعزل عن خالقه ، وعن السنن الربانية التي تحكم حياته ، فما المعيار الذي نقيس به تصرفاته ؟ وما معيار إنجازاته ؟ من الذي نعتبره مرتفعا راقيا ومن الذي نعتبره منتكسا هابطا ؟ أم الكل سواء ؟!
من هنا تتخبط النظريات وتتخبط التفاسير التي تحاول أن تفسر السلوك البشري والحياة البشرية ، ما بين مبدأ اللذة والألم ، ومبدأ النفعية ، ومبدأ نسبية القيم ؛ وما بين التفسير المادي للتاريخ ، والتفسير اللبرالي ؛ وما بين الغاية التي تبرر الوسيلة ، واللاغائية ، والعدمية ، والفوضوية ، والوجودية .. وكلها مذاهب ، وكلها تفاسير !!

إذا جمعنا حصيلة الخللين الأساسيين في التصور الغربي للإنسان ، نجد أن الإنسان في ذلك التصور حيوان متأله ! حيوان بحكم منشئه . متأله بحكم جعله نفسَه حكما مطلقا في كل ما يتعلق به من الأمور : السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والخلقية والفنية .. إلخ

الخلل الثالث في النظرة الغربية هو دراسة الإنسان كأنه يعيش حياته الدنيا وحدها ، ولا معاد له في الآخرة ، وبهذا اختلت الموازين تماما ، ولم يبق شيء في الرؤية على وجهه الصحيح !
فحين يعيش الإنسان للدنيا وحدها ، ويعتقد أن ما يجنيه فيها من خير أو شر هو الحصيلة النهائية لجهده ، وألا بعث ولا حساب ، فكيف تكون قيمه ، وكيف تكون أهدافه ؟
لا جرم يركز على الهدفين الرئيسيين للحيوان : الغلبة في صراع البقاء ، والاستمتاع ، وإن كانت أدواته لتحقيق كل من الهدفين هي أدوات الحيوان المتطور ، أي باستخدام العقل ، واستخدام العُدد والآلات .. ومن هنا يبرز مثل هذا الشعار : القوة هي الحق !! ( Might is right ) ويكون قانون التعامل بين التجمعات البشرية بعضها وبعض هو قانون الغاب، وإن كان الكلام " الحلو " الذي تعلمه الحيوان المتطور حين أتيح لمخه أن يكبر ، يفيض رقة وعذوبة وهو يتكلم عن التعاون الدولي ، وعن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق " الآخرين " !

ولا ينفي هذا أن تكون هناك " أخلاقيات " في السياسة والاجتماع ، وعلاقات الناس بعضهم وبعض في داخل كل تجمع على حدة ، قائم على رابطة الدم أو العصبية القومية ، ولكنها – باعترافهم – أخلاقيات نفعية ، يتواضعون عليها لتقليل الاحتكاك في التجمع الواحد إلى أقصى حد ممكن ، وتوجيه العدوان إلى " الآخرين " ! ثم لينال كل إنسان حظه من الاستمتاع الحيواني بأقل قدر من المنغصات .. وحتى هذه " الأخلاقيات " كما يقول دوركايم دائمة التقلب لا تثبت على حال !

إذا جمعنا هذه الاختلالات الثلاثة ، وتأثيرها على الدراسات الاجتماعية في الغرب فماذا نجد في النهاية ؟

نجد أن هذه الدراسات لا تتحدث عن الحقيقة الشاملة للإنسان ، ولا عن كل حالاته ، إنما تتحدث عن حالة معينة من حالاته ، هي حالة " الجاهلية " التي ينتكس إليها الإنسان حيث يستكبر عن عبادة الله ، ويرفض اتباع منهج الله ، فيكون الناس فيها ( كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ )
.. ثم يقال هذا هو الإنسان !! وتتأسس على ذلك " علوم " ، وتسمى " العلوم الإنسانية " !!


___________________

(1) تقول " بروتوكولات حكماء صهيون " في البروتوكول الثاني : لقد رتبنا نجاح داروين ونيتشه ، وإن تأثير أفكارهما في عقائد الأمميين واضح لنا بكل تأكيد !
(2 )  بما ينفي المعجزة ، وينفي قدرة الله على التصرف في الكون بما يخالف السنة الجارية !
( 3)  هذه قولة داروين .
(4 )  هذه قولة الملاحدة من " علماء ! " الحياة .

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
 :emoti_133:


الإنسان في التصور الإسلامي


الإنسان في التصور الإسلامي كائن مختلف تماما ! لا هو حيوان ولا هو إله ! وإنما هو إنسان !
إنه قبضة من طين الأرض ، ونفخة من روح الله . فأما قبضة الطين فهي جسده بكل ما يحويه من نوازع وشهوات . وأما نفخة الروح فقد منحتها الوعي والإرادة والحرية
ثم إن له بطبيعة خلقته تلك طريقين اثنين لا طريقا واحدا كالحيوان أو كالملاك، أحدهما طاعة الله والآخر طاعة الشيطان، وفي كل لحظة من لحظاته يستمع إلى أحد الندائين فيتجه إليه ، ويصم سمعه عن النداء الآخر .
الحيوان لا توصف أعماله بأنها خير أو شر ، لأنه لا خيار له فيها ، وليس له إلا طريق واحد يسلكه بدافع الغريزة. أما الإنسان فكل عمل يعمله بوعيه وإرادته له قيمة خلقية لاصقة به ، فيوصف بأنه خير أو شر. وليست هذه القيمة الخلقية مفروضة عليه من خارج كيانه كما يزعم علم الاجتماع الجاهلي (1 ) ، أو علم النفس الجاهلي ( 2) . إنها نابعة من تكوين الإنسان ذاته، لكن  "المعايير الخلقية " هي التي يمكن أن تفرض من خارج الكيان الفردي .. المعايير التي تحدد أن عملا بعينه يعتبر خيرا وأن عملا آخر يعتبر شرا . وهذه هي التي يختلف الناس في تقديرها حسب مصدر التلقي الذي يتلقون منه القيم والمعايير .

السلطة التي تقرر المعايير عند المؤمن هي الله سبحانه وتعالى
( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) (3 ) .
أما عند الذين لا يؤمنون بالله فهي سلطة بشرية سواء كانت هي الدولة أو المجتمع أو " الطبقة المستغلة " .. أو الهوى والشهوات ! وهي في جميع أحوالها سلطة جاهلية لأنها تحكم في الأمور بغير ما أنزل الله .
و " الإنسان " في أي وضع من أوضاعه هو أحد اثنين لا ثالث لهما – أيا كان جنسه ولونه ولغته وثقافته ومبلغه من " العلم " ومبلغه من الحضارة ومبلغه من الثروة ومبلغه من القوة – فهو إما ذلك الذي يستمد منهج حياته من المنهج الرباني ، وإما ذلك الذي يستنكف أن يأخذ عن الله منهج حياته ، ويستكبر عن عبادة الله :
( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( 4) .
ولا يعني هذا التقسيم " المبدئي " أنه لا توجد تقسيمات أخرى ومفاضلات أخرى بين البشر .
فلا المؤمنون كلهم نوعية واحدة ودرجة واحدة ، ولا الكافرون كذلك .
ولكنهم كلهم بشر ، فيهم الخصائص الرئيسية للإنسان : فيهم الوعي والإرادة والحرية ، ويفترقون في إشراقة الروح ، فهي عند المؤمن عنصر فعال يرفعه إلى أعلى ويزكي نفسه ، وعند الكافر عنصر مطموس لا يعمل ، فتهبط به ثقلة الطين .



:rose::: :rose::: :rose:::

وهذا الإنسان الذي زوده الله بهذه الخصائص : الوعي والإرادة والحرية – ليس مخلوقا عبثا ، وليس متروكا سدى . إنما هو مسئول .. مسئول في الدنيا والآخرة ، مقابل هذه الخصائص التي أعطيت له :
( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) (5 )
وتتمثل مسئوليته في أنه مفطور على حب الاستمتاع ، وأن المتاع موجود في الحياة الدنيا ومتاح ، ولكن الله رسم له حدوداً معينة ( هي التي يعلم سبحانه أنه يتحقق بها الخير ) ووضَعَ الإنسانَ مقابل ذلك المتاع .. للابتلاء – بمعنى الاختبار – وجعل موضوع الاختبار هو : ماذا يأخذ من متاع الدنيا وماذا يدع، وبأي طريقة؟ والمحك هو الالتزام بحدود الله أو تجاوز الحدود، ومقابل الالتزام جنة عرضها السموات والأرض . ومقابل التجاوز عذاب لا يقف عند حد .

والإنسان في ذلك جزء من بنية هذا الكون الهائل العظيم
، الذي خلقه الله بالحق . ولا يتم هذا الحق بالنسبة للإنسان حتى يحاسب في اليوم الآخر عما فعله في الحياة الدنيا ويأخذ جزاءه عليه إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
ومن ثم فليس الإنسان حرا يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل .
وكذلك ليس ساقطا عنه التكليف كالحيوان ، لأنه ليس حيوانا . ولا هو مقهور على التصرف بطريقة معينة كالكون المادي .. إنما هو " إنسان " ذو وعي وإرادة وحرية في نطاق معين . وعلى قدر هذا النطاق يسأل عما يفعل ، ويجازى عليه .

فهو يملك أن يعمّر الأرض بمقتضى المنهج الرباني إذا شاء والتزم ، ويستطيع كذلك أن يعمرها بمناهج من عند نفسه يخالف بها أمر الله إذا شاء ألا يلتزم . ولكن لا تجري الأمور في الحالتين على صورة واحدة – وإن تشابهت أحيانا – إنما تختلف النتائج في الدنيا وفي الآخرة على السواء ، بمقتضى سنن لا يملك الإنسان أمرها ، إنما هي سنن إلهية ، الله هو الذي قررها وقدرها ، وهو الذي يجريها بمشيئته في حياة الإنسان ، ولا يملك الإنسان إزاءها إلا الإذعان ، وإن كابر وزعم أنه إله !
وبين حرية الاختيار وحتمية السنن التي لا تتبدل ولا تتحول تسير الحياة البشرية في مجراها الذي قدره الله ، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها .

وهنا مفرق الطريق بين مفهوم الإسلام ومفاهيم الجاهلية !

إن الجاهلية تعتبر أن النجاح في العمارة المادية للأرض، في اكتساب القوة والتمكن، ثم في الاستمتاع بمتاع الأرض ..

لكن المعايير الربانية تفترق عن معايير الجاهليين فـي أمرين رئيسيين :

الأمر الأول : هو تحديد غاية الوجود الإنساني ، التي يتخذ الإنسان الأسباب لتحقيقها ، والغاية هي أن يعبد الله على وعي ، ويعمر الأرض بمقتضى المنهج الرباني . المبين في الكتب المنزلة على الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم:
( لَقَـدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) ( 6) .
فأنّى يتحقق القسط بين الناس حين يطبقون فـي حياتهم قانون الغاب الذي وضع للحيوان ؟!
أما الأمر الثاني هو مدّ الوعي بالوجود الإنساني إلى ما وراء الحياة الدنيا القصيرة الفانية إلى الحياة الخالدة الباقية
فالإنسان ينشط في الدنيا بعمله وعمله ، ومجاله الفردي ومجاله الأسري ومجاله الاجتماعي ومجاله البشري ملتزما بما أنزل الله ، متوجها بعمله ومشاعره إلى الله ، ليستحق عند الله نعيم الآخرة .
 
وإن الصورة المريضة التي تعيشها الأمة المسلمة اليوم ، ويتخذها الجاهليون المعاصرون حجة لنبذ المعايير الربانية واتخاذ معايير الجاهلية الأوربية ، ليست من الإسلام ، ولا يحتج بها على الإسلام . إنما هي انحراف تسأل عنه الأمة في الحياة الدنيا ويوم تقوم بين يدي مولاها.

إنما الصورة السليمة التي عاشتها الأمة بالإسلام قرونا متوالية هي المرجع ، وهي المحك لواقعية المعايير الربانية ، وأنها ليست مُثُلاً معلقة في الفضاء غير قابلة للتطبيق

على أن الخسارة ليست واقعة في الدار الآخرة وحدها ! فالوضع المضطرب الذي تعيشه البشرية اليوم في مختلف أرجاء الأرض ، هو شهادة الواقع على عدم صلاحية المعايير الجاهلية المجافية للمنهج الرباني لقيادة البشرية إلى النجاح الحقيقي، وانظر فقط إلى نسبة الأمراض النفسية والعصبية والقلق والجنون والانتحار والخمر والمخدرات والجريمة .. والفزع الدائم من الأزمات ، سواء السياسية أو الحربية أو الاجتماعية أو الاقتصادية .. واسأل نفسك هل أدى التقدم العلمي والتكنولوجي وظيفته التي كان قمينا أن يقوم بها في ظل المنهج الرباني ، يوم يقوم الناس بالقسط ؟!
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) ( 7) .


:rose::: :rose::: :rose:::

العلوم الاجتماعية التي تدرس أحوال الإنسان مستندة إلى هذا التصور الإسلامي ومستمِدَّة منه ، لا بد أن تختلف اختلافا جذريا في المنطلق وفي الغاية ، عن العلوم التي تستمد من التصور الغربي ، ولو التقت معها في بعض الجزئيات ، أو في كثير من الجزئيات . فليست الجزئية هي التي تحدد الصورة النهائية ، إنما الصورة الشاملة هي التي تحدد مكان الجزئية من الصورة ، ودلالتها في الكل المتكامل الذي تمثله الصورة .

وفي الفصل التالي نعرض خطوطا عريضة لما نتصور أن تكون عليه الدراسات الاجتماعية المستمدة من التصور الإسلامي للإنسان .

____________________
(1 )  انظر دوركايم .
(2 )  انظر فرويد .
( 3( )  سورة التغابن [ 2 ] .
( 4)  سورة المؤمنون [ 115 ] .
(5)  سورة الأعراف [ 54 ] .
 (6)  سورة الحديد [ 25 ]
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
خطوط عريضة في التأصيل الإسلامي



الأمر الأول :
من بدهيات البحث العلمي أن تكون " العينة " التي يُجْرَى عليها البحث ممثلة تمثيلا صادقا للنوع أو الشيء المراد دراسته وتقنينه ومعرفة خواصه وترتيب النتائج عليه .
لقد تعرض علماء الغرب لخطأ علمي فادح حين أخذوا العينة البشرية التي درسوها من جيل معين من أجيال البشرية (المعاصر)، ولم تشمل دراستهم كل أفراد الجيل (بل اختاروا العينة من مجتمعهم وحسب) ، ثم استخرجوا نتائج عامة عمّمومها على كل الاجيال من مختلف المجتمعات البشرية،  فكانت دراستهم  بعيدة عن الواقع ، وبعيدة عن " الأصول العلمية " التي يجب توافرها في البحث ؟

انظر إلى دوركايم – مثلا – وهو يقول "إن الدين والزواج والأسرة ليست من الفطرة" !
فعلى أي شيء بنى تلك النتيجة التي أعطاها صفة القطع ؟!
لقد بناها على جيل معين من أجيال البشرية فرط في دينه ، ولم يعد يلتزم بالزواج إطاراً للعلاقة بين الجنسين ، ولم يعد يهتم بالأسرة كياناً يجمع الأم والأب والأولاد ..
فهل يمكن أن توصف هذه الاستنتاجات بأنها " علمية " وأنها سليمة ؟
وهل يلغي جيلٌ دلالة أجيال لا يحصيها إلا الله وحده ..

إنما يكون المسلك العلمي الصحيح أن نرصد الظاهرة خلال الأجيال ، في آلاف السنين التي نملك عنها بيانا نطمئن إلى صحته ، ثم نقرر شذوذ هذا الجيل عن سلسلة الأجيال قبله ، ثم نحاول أن نرصد أسباب هذا الشذوذ في واقعنا المعاصر ، لنعلم إن كان شيئا عارضا قابلا للزوال ، أم إنه تحول في الفطرة البشرية ذاتها خرج بها عن خطها إلى خط جديد ..

الأمر الثاني
 الذي يجب أن يتجنبه الكاتب المسلم – هو الدعوى التي تقول إن البحث العلمي يجب أن يكون " واقعيا " لا يتعلق " بالمثاليات " ، أي أنه يجب أن يتعامل مع ما هو كائن لا مع ما ينبغي أن يكون !

إن هذا المنطلق يصح في حالة واحدة ، هي أن يكون " ما يجب أن يكون " غير قابل – في ذاته – للتطبيق ، لمخالفته للفطرة البشرية ، أو لكونه خارج حدود قدرة الإنسان . فأما إن كان مما يقدر الناس عليه ، ومما طبق بالفعل في فترة معقولة من الزمن ، فلا تقبل دعوى " الواقعية " في عدم التعامل معه ، ولو انحرف الناس عنه ، فالقضية هنا لا تتعلق بالواقعية أو عدمها ، إنما تتعلق بالمرجعية : هل هي للإنسان أم هي لخالق الإنسان !

فكل التكاليف التي كلف الله بها الإنسان ملزمة له ، وهي الأصل الذي يجب أن يكون عليه الإنسان . وحين ينحرف عنها يكون انحرافه في خانة " الخطأ " لا في خانة " الواقع " ، ولو وقع في الخطأ كل الناس ! .. فإن كثرة الخطأ وعمومه لا تنفي عنه صفته ، ولا تعطيه شرعية الوجود .

والواقعية الإسلامية لن تزيف الواقع ، ولن تعطيه وصفا ليس له . ولكن الفرق بينها وبين واقعية الغرب أنها تتسع للواقع كله ، بشقيه ، الواقع الذي يجب أن يكون عليه الناس ، والواقع الذي عليه الناس بالفعل في أي جيل من أجيالهم ، مقيسا بما يجب أن يكون ، أي موضوعة مخالفاته في خانة الخطأ والانحراف .


 emo (30):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

جواد

  • زائر
جزاكم الله خيرا كثيرا،

مشكلة كثير من المسلمين ومن كتاب المسلمين هى هزيمتهم النفسية امام الغرب وعلومة المادية..

فيتحول التملق لهم والدعوة الى فكرهم الى مدنية حضارة !

بالطبع لقد تشربنا الكثير من التاريخ المزور عنا ومسخت شخصياتنا كثيرا بتخلفنا العلمى..

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
شكرا لتعليقكم وحسن متابعتكم أخي الكريم

ونتابع معا
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

( 1 )  في علم الاجتماع


علم الاجتماع الإسلامي ينبغي أن يركز على الموضوعات الآتية :
1- السنن الربانية التي تحكم الحياة البشرية ، وخاصة سنن التمكين في الأرض ، وسنن التدمير .
2- الثابت والمتغير في حياة البشرية .
3- الدين والفطرة .
4- مكانة الأسرة في البنيان الاجتماعي .
5- العلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع .

أولا : السنن الربانية

إن حتمية السنن الربانية تختلف اختلافا جذريا عن الحتميات الزائفة التي أتت بها الجاهلية المعاصرة خاصة ، سواء الحتمية المادية أو الحتمية التاريخية التي اصطنعها ماركس ، أو الحتمية النفسية التي اصطنعها فرويد ، أو الحتمية الاجتماعية التي اصطنعها دوركايم ، والتي تلغي إيجابية الإنسان إزاء الضغوط الواقعة عليه من خارج كيانه أو من داخل كيانه ، وتجعله عبداً ذليلا خاضعا للأوضاع المادية ، أو لضغط الشهوات ، أو لضغط المجتمع ، في الوقت الذي يرفض فيه أن يكون عبداً لله !

إن هذه الحتميات الزائفة تلغي في الحقيقة " إنسانية الإنسان " المتمثلة في الوعي والإرادة والحرية

وعالم الاجتماع المسلم عليه أن ينبه إلى زيف هذه الحتميات كلها ، ويبين في الوقت ذاته معنى حتمية السنن الربانية ، والفرق الهائل بينها وبين الحتميات الزائفة .

إن السنن الربانية لا تفرض على الإنسان سلوكا بعينه . إنما تقول له إنه إذا اختار كذا فالنتيجة الحتمية لهذا الاختيار هي كذا . فهي تدع له حرية الاختيار ، ولكنها ترتب نتيجة معينة ، ثابتة لا تتغير ، على الاختيار الحر الذي يختاره .
 وهي من ثم تكرّم الإنسان إذ تدع له حرية الاختيار ، وتقول له إنه مسئول عن عمله ، وعن النتائج التي تترتب على عمله:
( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) (1 ) .
( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) (2) .

وإن الإسلام – بواقعه التاريخي – لهو الشاهد على كذب تلك الحتميات الزائفة كلها ، وصدق السنن الربانية ، وتكريمها للإنسان ، فليس في الإسلام شيء واحد يمكن أن ينشأ من الحتمية التاريخية ، أو الحتمية النفسية ، أو الحتمية الاجتماعية ، التي زعمها ماركس وفرويد ودوركايم ، إنما هو واقع قوم اختاروا الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، فغيروا ما بأنفسهم ، فغيروا – بحول الله ، وبمقتضى سنن الله – كل الواقع المادي والاقتصادي والنفسي والاجتماعي الذي كان قائما في الأرض واستبدلوا به غيره !

شعور الناس هو الذي حدد وجودهم على عكس ما قال ماركس .
ارتفاع مشاعر الناس عن الحيوانية الغريزية هو الذي جعل منهم أكبر طاقة بانية معمرة في التاريخ ، على عكس ما قال فرويد .
إيمانهم – بإرادتهم ومن داخل نفوسهم – هو الذي أزاح كل الأعراف الاجتماعية التي كانت قائمة في وقتهم ، وأنشأ بدلا منها أعرافا جديدة قويمة ، على عكس ما قال دوركايم .

وثبتت سنة الله ، ووعده ووعيده ، فمكن الله للمؤمنين ، ودمر على الكافرين:

( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (3 ) .
( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ) (4 ) .

 :rose::: :rose::: :rose:::

من السنن الربانية:


1- لا تحصيل بغير جهد يبذل .

2- أن الله يعطي على الجهد – في الدنيا – للمؤمن والكافر سواء ،
ويترتب على هذه السنة: أن النجاح والتمكين في الحياة الدنيا ليس في ذاته مقياسا للصلاحية ولا للخيرية ، ما دام يعطى للمؤمن والكافر على السواء !
*فقد اكتسح التتار – في همجيتهم – بقاعا شاسعة من الأرض ، ودكوا حضارات كانت قائمة ، وأزالوا دولا ذات سلطان
*وقد سادت الإمبراطورية الرومانية الأرض ردحا من الزمن غير قليل ، وهي قائمة على العسف والظلم والقهر واستعباد الآخرين واستغلالهم أسوأ استغلال .
*و " الحضارة " الغربية الحالية هي وريثة الإمبراطورية الرومانية في عسفها وظلمها وتجبرها وطغيانها ، وإن انخدع عن هذه الحقيقة المنخدعون !

3- سنة الابتلاء، وغالبا ما يكون الابتلاء للتمحيص ، تمهيدا للتمكين بعد التمحيص .
ولكن يكون الابتلاء الشديد أحيانا لحكمة أخرى غير التمكين في الأرض ، هي إعطاء النموذج الفذ للتجرد الكامل لله ، والاستعلاء بالإيمان على كل قوى الأرض ، وكل متاع الحياة الدنيا ، ابتغاء الآخرة وحدها ، دون أيّ أمل في أيّ نجاح في الأرض

4- البركة والطمأنينة يختص الله بها المؤمنين دون غيرهم.

5- سنة الشيخوخة: وهي تختص بقيام الدول وزوالها ، وقد كان لابن خلدون اهتمام بهذه الظاهرة وأعطاها تفسيره المعروف ، الذي أخذه عنه " توينبي " المؤرخ الإنجليزي المعاصر، ومفادها أن الدول تبدأ صغيرة ثم تكبر ، وتكون في فترة شبابها قوية ذات شكيمة وعزيمة ، ثم يدب إليها الوهن فتهرم ثم تموت .
والنقطة التي نود أن يتناولها علم الاجتماع الإسلامي هي : أمة العقيدة .. هل ينطبق عليها سنة الفناء بالشيخوخة كما يقول ابن خلدون ، أي الهلاك بالترف؟؟

نريد أن نفرق بين " الدولة الإسلامية " و " الأمة الإسلامية " .

لقد هلكت الدولة الأموية بالترف ، وهلكت من بعدها الدولة العباسية ودولة المسلمين بالأندلس ، والدولة العثمانية .. كلها هلكت بهذا الداء المهلك الذي جعله الله في سننه سببا لزوال الدول . ولكن " الأمة الإسلامية " كتب لها البقاء .. فعاشت خمسة عشر قرنا ربما كانت أطول عمر عاشته أمة واحدة في التاريخ !
 فهذه السنة ليست حتمية، وهي قد تتناول الدول، لا الأمم.. والدلالة قائمة في حركات البعث الإسلامي وحين يتجدد الدين تتجدد الأمة ، لأن حياة هذه الأمة في هذا الدين !


______________________

(1 )  سورة الشمس [ 7 – 10 ] .
(2 )  سورة الزلزلة [ 7 – 8 ] .
( 3)  سورة النور [ 55 ] .
(4 )  سورة محمد [ 10 ] .
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

ثانيا : الثابت والمتغير في حياة البشرية

قضية الثابت والمتغير من القضايا الهامة في علم الاجتماع . فمن الواضح أنه يوجد في حياة البشرية ثوابت ومتغيرات .
دوركايم وضع الثوابت كلها – بما فيها الدين والزواج والأسرة – على الخط المتغير ، وقال إنه لا توجد ثوابت على الإطلاق !
ثم قال فوق ذلك إن " العقل الجمعي " هو الذي يغير كل شيء في حياة الأفراد ، ويتحكم فيهم من خارج أنفسهم ويفرض عليهم كل ما يعتنقونه من العقائد والأفكار والمشاعر وأنماط السلوك !
ثم أضاف في النهاية إن هذا العقل الجمعي المتحكم في الأفراد من خارج كيانهم لا يثبت على حال !!
" ولكن لما كان هذا العمل المشترك ( الذي تنشأ عنه الظواهر الاجتماعية ) يتم خارج شعور كل فرد منا – وذلك لأنه نتيجةٌ لعدد كبير من الضمائر الفردية – فإنه يؤدي بالضرورة إلى تثبيت وتقرير بعض الضروب الخاصة من السلوك والتفكير ، وهي تلك الضروب التي توجد خارجة عنا ، والتي لا تخضع لإرادة أي فرد منا " ( 1) !
ودعك مؤقتا من التملص – غير العلمي – من الحقائق الدامغة إذ يثبت أن الظواهر الاجتماعية تنشأ نتيجة " لعدد كبير من الضمائر الفردية " ، ثم يقول في نفس الوقت إنها " لا تخضع لإرادة أي فرد منا " . وهي معادلة لا تتم على أي ميزان إلا ميزان الهوى المختل .
ولكن انظر إلى ما ينفي ثباته ! إنه " القيم الإنسانية " بالذات : الدين والزواج والأسرة والأخلاق !
ولا يستحي دوركايم أن يجعل مرجعه في ذلك عالم الحيوان ! متأثرا في ذلك باللوثة الداروينية.

القضية في أمر الثابت والمتغير لها مدخلان :

1- هل المرجعية للخالق العليم الحكيم ، أم للإنسان؟
2- الواقع التاريخي للإنسان يدلنا على أن كل ما يقوم به الإنسان من ألوان النشاط هو أصيل في تكوينه . حتى شهواته التي قد ينشأ عنها انحرافه هي أصيلة فيه، والأصل فيها أن تكون دوافع لمهمته في عمارة الأرض، وحين تكون في مسارها الصحيح – أي حين تكون ملتزمة بالثوابت التي فرضها الله – فهي عندئذ قوة خير ، أما حين تنحرف عن المسار الصحيح فهي عندئذ قوة مدمرة ، تهلك الإنسان ، وتفسد حياته في الدنيا والآخرة على السواء .
وفي الوقت ذاته هي نقطة الابتلاء الدائمة التي يختبر بها الإنسان : هل يطيع فيها ربه ، فيلتزم بالثوابت التي فرضها عليه ، أم يطيع الشيطان ؟

ويقول الواقع التاريخي إن الإنسان خلال حياته كلها – فيما عدا هذا الجيل الضائع الذي أخرجته عن صوابه عوامل شتى – كان له دين يعتنقه – صحيحا كان دينه الذي يعتنقه أو منحرفا ( ) – وكان يمارس الزواج ويسعى إلى الحياة في داخل أسرة

والله تعالى قد ثبت " القيم الأخلاقية " التي ينبغي للإنسان أن يقيم عليها حياته، ولكن الواقع التاريخي يقول إن أكثر الناس لا يلتزمون بهذه القيم الأخلاقية ، وينحدرون عنها بدافع الهوى والشهوات، ولكنهم حين ينحرفون لا يسلمون من نتائج انحرافهم ، بل يصيبهم الخلل والاضطراب والضنك ، والواقع المعاصر للغرب أكبر شاهد عليه ، ومعنى ذلك أن الثبات في هذه القيم هو الواجب الذي يجب أن يكون ، وهو الأصل ، والتغيير هو الانحراف .


المتغيرات

يحدث التغيير من احتكاك العقل البشري بالكون المادي ، فيتعرف على مكنوناته ، ويتعرف على خواص المادة ، فيسعى – بعقله وعضلاته – إلى تسخيرها لرغباته وحاجاته ، ثم يظل يحاول تحسينها وتجميلها وتكميلها حتى يصل بها إلى غاية ما يستطيع . ومن خلال هذه العملية الدائبة ، تتغير على الدوام في حياة الإنسان أمور بعد أمور، ولكن لا تتغير دوافع الإنسان الأصيلة وإنما تتغير الطريقة التي يشبع بها الإنسان دوافعه.
فالإنسان بفطرته يجب أن يكون له مأوى يأوي إليه، فيأوي – في بداوته وقلة حيلته – إلى الكهوف، ثم ينشئ أكواخا من غصون الشجر، ثم يبني أكواخا من الخشب المصنع ، أو بيوتا من الطين، أو بيوتا من الحجر أو قصورا شامخات .. ما الذي تغير ؟ حب المأوى ، والسكن إلى المسكن ، أم صورة المأوى ، وما يحتويه من أدوات الراحة ، وأدوات التجميل والزينة ؟
وقس على ذلك ما شئت !
ما الذي تغير عبر العصور في حياة الإنسان ؟
رغبة التنقل أم الوسيلة ؟
 حب المعرفة من حيث الجوهر ؟ أم وسائل المعرفة ؟
إن جوهر القضية ..هو في تصور " الإنسان "
وإنما يحدث الرقي الحقيقي حين تحكم الثوابتُ المتغيراتِ ، فيزداد الإنسان رقيا كلما زاد عملا بالمنهج الرباني



_____________________

(1) إميل دوركايم ، قواعد المنهج في علم الاجتماع ، ترجمة الدكتور محمود قاسم ومراجعة الدكتور السيد محمد بدوي ، طبع القاهرة ، الطبعة الثانية ص 25 .
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

ثالثا : الدين والفطرة

الدين من الثوابت التي تشتمل عليها الفطرة ، ولكنا نخصه بحديث خاص لأهميته الخاصة ولأن الجاهلية المعاصرة تجتهد بكل قوتها لزحزحته من مكانه الثابت ، ووضعه على الخط المتغير ، الذي ينتهي به إلى الزوال ! فتقول صراحة إن الحياة البشرية قد مرت في ثلاثة أطوار، طور السحر والخرافة ، وطور التدين ، وطور العلم .
والحقيقة أن موجة الإلحاد قد بدأت تنحسر اليوم تحت مطارق العلم ذاته.

بيان حقيقة الفطرة ومكان الدين منها:

أودع الله فطرة الكون كله – والإنسان جزء منه – أن يتجه إلـى الخالق ، ويسبح بحمده :
عن طريقين اثنين ، طريق " الوعي " وطريق " الوجدان " (الروح) .

1- يظن كثير من الناس أن حالة " الوعي " التي تتجه إلى الخالق تأتي متأخرة في مرحلة النضج ، أو مرحلة البلوغ .
ولكنا إذا دققنا الملاحظة نجد أن بداية الوعي تبدأ قبل ذلك بكثير ، منذ الطفولة !
أرأيت إلى الطفل بعد أن يستكمل قدرته على النطق في الخامسة أو السادسة ( وأحيانا قبل ذلك ) إذ يرهق أبويه بالأسئلة عن كل شيء حوله : من الذي صنعه ؟ وكيف هو مصنوع ؟ ولماذا هو على الحالة التي هو عليها ؟
لماذا تشرق الشمس بالنهار ولا توجد في الليل ؟ وأين تكون قبل أن تشرق ؟
إن إجابتها في الحقيقة عبارة واحدة ، "هي هكذا كما خلقها الله" !
إنه بدء تيقظ الفطرة عن طريق الوعي ، تسأل في الحقيقة عن الخالق لتتوجه إليه ! ومهمة التربية هي تركيز هذا الوعي ، ووضعه على المسار الصحيح .


2- متى يبدأ الوجدان طريقه .. طريق الروح ؟

لعل الناس في هذا الأمر مختلفون .. منهم من يستيقظ وجدانه مبكرا ، ومنهم من يتأخر . ففي الفطرة منافذ تتلقى إيقاعات الكون: كعجيب صنع الله في الخلق، وظاهرة الموت والحياة، والغيب المستور كله، فتوقظ الفطرة إلى عظمة الله ، وقدرته المعجزة ، وتفرده بالخلق والرزق والتدبير .. وتفرده بالألوهية ، فتتجه الفطرة إلى الله .
وفي كتاب الله توجيهات للفطرة ، تدخل من هذه المنافذ ذاتها التي أوجدها الله في النفس البشرية ، فتهتدي إن كتب الله لها الهداية ، وتستقيم على الطريق .
الأصل في الإنسان الإيمان ، والكفر هو المرض الذي يصيب القلوب ، فتنحرف عن الأصل .

ومع ذلك تزعم الجاهلية المعاصرة على يد " علمائها ! " أن الدين ليس من الفطرة ! . أو أن الدين أخلى مكانه للعلم ! أو أن الإنسان شب عن الطوق ولم يعد في حاجة إلى وصاية الله !

وعالم الاجتماع المسلم يعلم أن:

- الحق أن الدين فطرة :  ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( 1) .
- والحق أن الأرض – في القديم والحديث – تعج بالشرك
- والحق أن الله لا يرضى لعباده الشرك
- والحق أن الدين الذي يطلبه الله من عباده ليس مجرد أن يؤمنوا بأنه سبحانه هو الخالق الرازق المدبر ، إنما الدين الذي يطلبه الله من عباده أن يؤمنوا به وحده ، ويعبدوه وحده ، ويتبعوا شرعه وحده ، ويتخذوا منهج حياتهم من منهجه وحده.

وعلى هذه الحقائق والاسس يقيم دراساته، ويبني تصوراته.


____________________________________

(1 )  سورة الروم [ 30 ] .
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رابعا : الأسرة والمجتمع

الأسرة من الثوابت التي ثبّتها الله سبحانه وتعالى ، وشهد بثباتها الواقع التاريخي للبشرية
لقد تمردت الجاهلية المعاصرة على هذا الأصل الثابت الذي ثبّته الله لحكمة ، وجعل له روابط متينة تثبّته في القلب البشري وفي الحياة البشرية ، فأصابها من هذا التمرد كوارث كثيرة .
فحين حولت الجاهلية المعاصرة علاقة الزوجين – الذكر والأنثى – إلى علاقة جنس وشهوة،  لا علاقة مودة ورحمة ، فقدت السكينة التي خلق الله هذه الرابطة من أجلها ، فحين تبرد حرارة " الحب " – وهي عرضة دائما لأن تبرد – تنفصم العلاقة ، ويتفرق الشركاء .. ويتشرد الأطفال .

ومشكلة جنوح الأحداث من المشاكل " الاجتماعية " الخطيرة التي تقلق بال الغرب – أو تقلق أصحاب الوعي فيه – فيجتمعون ، ويأتمرون ، ويتباحثون ، ثم لا يخرجون بحل حقيقي
ومن وراء مشكلة الجنوح مشكلة الشذوذ

وللأسرة ولا شك مشكلاتها ، التي هرب منها الجاهليون بحماقة ليقعوا في أشد منها !
لا شيء في الحياة الدنيا يمثل نعيما خالصا بلا تنغيص !
ولكن مشكلات الأسرة ، وما تحمل في طياتها من معاناة ، جزاؤها في الحياة الدنيا هو هذا السكن والسكينة والمودة والرحمة والنمو السوي للأجيال .. فماذا كان جزاء تحطيم الأسرة ، والحياة على طريقة الحيوان .. بل أضل من الحيوان ؟!

لقد ظلت الجاهلية المعاصرة تعمل على تحطيم الأسرة كأنما هي موكلة بالقضاء عليها من قبل الشيطان نفسه .
كان أول خطوات التحطيم إخراج المرأة من البيت لكي تعمل ، بحجة تحريرها .. ورفع الظلم الواقع عليها ، ولقد كان الظلم واقعا عليها حقا ، ولكن " تحريرها " على هذا النحو لم يكن هو العلاج ، لا لها ولا للمجتمع الذي كان يظلمها .
ثم عُلَِّمت على مناهج الرجل فاسترجلت، فالرجل يتعلم ليعمل، وهذا دوره الذي خلق له، يكدح خارج البيت ليؤمن البيت والأسرة، ولكن المرأة التي تعلمت – أو عُلَّمت – على مناهج الرجل صارت مثله تريد أن تعمل، وحين خرجت لتعمل لم يعد هناك بيت ! ولم تعد هناك أسرة تقيم في البيت !
وأسس الغرب المحاضن التي تقوم بدور المرأة في البيت ، لتتفرغ للعمل ! وأطفال المحاضن هم الذين يشكو المجتمع الغربي من ظاهرة الجنوح فيهم ( Delinquency ) .
ولعبت أيد كثيرة في أسعار الحاجيات فرفعتها رفعا تدريجيا دائبا لا يتوقف ، مع خفض القيمة الشرائية للعملة خفضا دائبا بنفس المقدار . بالإضافة إلى عملية دائبة أخرى تحول الكماليات إلى ضروريات ، وتبث – بالإعلان – روحا من التلهف الدائم على الشراء . ومن ثم لم يعد يكفي دخل الرجل وحده للقيام بتكاليف " البيت ! " المكتظ بالأشياء الخاوي من الحياة والأحياء ! وصار عمل المراة أمراً لا معدى عنه ، لتتحمل نصيبها من التكاليف !

كيف تنشأ " الأسرة " في هذا الجو ؟ وطرفاها مشغولان بالعمل ، إن لم يكونا مشغولين كذلك بالاستمتاع على مذهب " متع نفسك Enjoy yourself " والأولاد في المحاضن .. أو في الطريق ؟!
ثم تولت مناهج التعليم ووسائل الإعلام تخريج أجيال " متحررة " لا تقبل التدخل في " حريتها الشخصية " ! وتُعَوَّد على الانضباط الشديد في كل شيء إلا في القيم الخلقية
وتضافرت العوامل كلها – مضافا إليها المخدرات ، ومسلسلات التلفاز والفضائيات – لإخراج الجيل المنحل الذي عهد إليه الشيطان بتدمير " الإنسان " ! ( 1)


:rose::: :rose::: :rose::: :rose:::

والباحث المسلم في علم الاجتماع عليه أولا أن يفطن لهذا كله ، ثم عليه أن يبين للناس حرص الإسلام الشديد على الأسرة ، والحكمة من هذا الحرص الشديد ، البادي في التشريعات والتوجيهات ، والممارسة التاريخية لهذه الأمة قبل أن تتفشى فيها العدوى من الجاهلية المعاصرة. .
إن الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي تتربى فيه الأجيال على مكارم الأخلاق ، ولا توجد – حتى الآن – مؤسسة أخرى يمكن أن تقوم بهذا العمل الضخم بالصورة التي تقوم بها الأسرة .. إنما تقوم المؤسسات كلها – حين يحسن توجيهها وتنظيمها – بالمساعدة في هذه المهمة الرئيسية ، التي تقوم بها الأسرة بطريقة شبه تلقائية ، لأنها تملك العنصر الأهم ، ذا الفعالية العالية فـي العملية التربوية ، وهو الحب الفطري الذي يكنه الوالدان لأبنائهما ، ويكنـه الأبناء للوالدين ، والذي لا يتوافر – بحكم الفطرة – بالقدر اللازم إلا بين الآباء والأبناء !


____________________________

(1)  اقرأ – إن شئت " دور اليهود في إفساد أوربا " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
خامسا : علاقات الفرد والمجتمع


علم الاجتماع الجاهلي يصور العلاقة بين الفرد والمجتمع على أنها علاقة خصام وصراع 

وسواء كانت الجاهلية – في المعسكر الرأسمالي – تعيش الفردية الجانحة ، أو كانت – في المجتمعات – الاشتراكية قبل انهيار الشيوعية – تعيش الجماعية الطاغية ، ففي كلتا الحالتين لا تتفق مصالح الفرد والمجتمع .. ولا يصطلحان !
ويستوي أن يكون المحرض على تكريه الفرد في المجتمع وتبغيضه لتدخله في شئونه " عالم اجتماع " كدوركايم الذي يقول : " إن ضروب السلوك والتفكير الاجتماعيين أشياء حقيقية توجد خارج ضمائر الأفراد ، الذين يجبرون على الخضوع لها في كل لحظة من حياتهم (1 ) .. أو " عالما نفسيا " كفرويد ، الذي يقول في كل كتبه إن " السلطة " المتمثلة في الدين والوالدين والمجتمع هي التي تصيب الفرد بالعقد النفسية والاضطرابات العصبية ( 2) .. أو كان " كاتبا " مثل سارتر الذي يقول إن " الجحيم هو الآخرون " ( 3) .. أو " مربيا " مثل " جون ديوي " الذي يقول " إن التربية يجب أن تكون عملية متحققة بنفسها في ذات نفسها دون تدخل من أي سلطة خارجية لتفرض هدفا خارجا عن العملية التربوية يعوق النمو الحر للفرد ( 4) . أو إيحاءً مسموما في فيلم سينمائي أو قصة أو مسرحية أو مسلسل تليفزيوني .. ففي النهاية يلتقي هؤلاء جميعا في أن " الفرد " يجب أن تتاح له الحرية إلى أقصى الحدود ، وأن " المجتمع " ليس له أن يفرض القيود !  إنه ذات الشعار الذي رفعته الرأسمالية اليهودية أول مرة:
" Laissez Faire , Laissez Passer " دعه يعمل دعه يمـر!

أما في الأمم التي كانت تعيش الجماعية الطاغية ، فالفرد يصور فيها على أنه ذلك الأناني البغيض الذي يريد أن يحقق كيانه على حساب " المجتمع " ، وأنه بأنانيته الطاغية هو العدو الذي ينبغي للمجتمع أن يسحقه تحت أقدامه ، ويتخلص منه ولو بالقضاء الكامل عليه !!
في الحالين لا صلح ولا وئام !

والمجتمع المسلم له أوصاف غير تلك الأوصاف !!
والمجتمع المسلم ليس مجموعة من الملائكة ، إنهم بشر .. يتخاصمون ويتنازعون ويقع بينهم الصدام والصراع .. ولكنهم مع ذلك يظلون أرقى نفسيا وخلقيا من الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، ولا يدينون دين الحق .
وشهادة التاريخ أولى بالاعتبار .
لقد ظل المجتمع المسلم إلى ما قبل نكسته الحالية التي تجمعت فيها كل الأمراض من الداخل والخارج ، أقل المجتمعات البشرية جرائم ، وأقربها إلى روح المودة والتسامح والتعاون على البر والتقوى ، وأقلها تناولا للخمر والمخدرات .. ومعنى ذلك أن علاقات الفرد والمجتمع فيه جيدة ، وأن الفرد ليس ناقما على مجتمعه ، ولا المجتمع ناقم على أفراده إلى الحد الذي يؤدي إلى انتشار الجريمة ( 5) .

إن الكائن البشري ذو شعبتين في آن واحد ، يكوّنان في مجموعهما شخصيته : شعبة فردية تسعى إلى إثبات الذات وتوكيدها ، وشعبة اجتماعية تسعى إلى الاجتماع بالآخرين ، والأنس بهم ، والاشتراك معهم>

وفي المجتمع المتوازن ، الذي تحكمه " شريعة الله " ، يأخذ الفرد والمجموع كلٌّ مكانَه بأقل قدر من الصراع والتنازع

إن المنهج الإسلامي يكلف الفرد المسلم تكاليف في نفسه خاصة كالإيمان بالله، والعبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج ، ثم تكاليف موجهة للآخرين ، بدءا بالوالدين والأقربين وانتهاء بالمجتمع كله ، بل بالبشرية كلها .. وفي الوقت ذاته يكلف المجتمع تكاليف كالجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى .. فتلتقي التكاليف في النهاية بين الفرد والمجتمع ، وتجمعهما في اتجاه واحد ، متوجه إلى الله ، عامل على رضاه .. وهذا هو الذي يجعل الفرد في المجتمع المسلم لا يحس أن المجتمع ضاغط على كيانه ، قاهر لوجوده الفردي ، ويجعل المجتمع لا يحس أن الفرد عدو لا يصلح له إلا السحق !

أما الفرد الشاذ الجانح فله علاجه في المنهج الرباني بحيث لا يقلق أمن المجتمع . علاج يبدأ بالتربية وينتهي بالعقوبة الرادعة إذا أصر على انحرافه .

وأما المجتمع الشاذ الجانح فله علاجه كذلك في المنهج الرباني ، وهو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتلك مهمة الدعاة ، أو الردع ، وتلك مهمة أولياء الأمور : " يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " .

والدارس المسلم في علم الاجتماع من مهامه أن يتبين تلك العلاقة الوطيدة بين الفرد والمجتمع في الكيان الإنساني السوي ثم يبينها بدوره للدارسين

_________________________________

(1 )  إميل دوركايم ، قواعد المنهج في علم الاجتماع ، ترجمة الدكتور محمود قاسم ومراجعة الدكتور السيد محمد بدوي ، طبع القاهرة ، الطبعة الثانية ص 168 – 169 .
(2 )  راجع بصفة خاصة كتابه " The Ego and the Id " وكتابه Totem and Taboo .
(3 )  عنوان مسرحية لسارتر .
(4 )  يكرر ديوي هذا الكلام في كل كتاباته ، ولكنه ينسى فيقول إن هدف العملية التربوية يجب أن يكون هو الديمقراطية ! أي أنه يسمح بوجود هدف خارجي ، بشرط ألا يكون هو الدين ! فهو وحده هو المحظور !
( 5)  لا يوجد مجتمع بشري – ولا مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم – يخلو خلوا كاملا من الجريمة . ففي مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم من سرق ومن زنا ومن شرب الخمر ، وأقيم عليه الحد . ولكن هناك فرقا واضحا لا ينكره إلا مغالط ، بين مجتمع لا تحدث فيه الجريمة إلا شذوذا يستنكر ، ومجتمع الجريمة فيه شيء عادي دائم الحدوث .
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر
نتابع بإذن الله... بارك الله فيك وأنار دربك emo (30):

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
نتابع بإذن الله... بارك الله فيك وأنار دربك emo (30):

طيب الحمد لله أنكم متابعون
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب.. لأنه بالفعل مهم جدا


*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


( 2 )في التاريخ


الدارس في علم الاجتماع يحتاج أن يطلع على مسارات التاريخ ، ليعرف سير الظواهر الاجتماعية وجوداً وعدماً ، وترابطاً وتفككاً ، وثباتاً وتغيراً ، ودارس التاريخ يحتاج إلى تفهم الظواهر الاجتماعية من أجل تفسير الأحداث التاريخية وتقويمها (1 ) .. ولا غنى لأحدهما عن الآخر . والمؤرخ المسلم لن يخترع تاريخا جديدا للبشرية. ولكنه سيجد نفسه مختلفاً في التفسير والتقويم.

إن المؤرخ الغربي -من وحي التصور الغربي للإنسان وأنه ذلك الحيوان الدارويني المتطور المتأله- يكتب عن "عظمة" الإمبراطورية الرومانية، وغيرها من الإمبراطوريات.. مع أنها قامت على أسس الجبروت الغاشم، والقوة الحربية القاهرة، التي تخضع الآخرين لسلطانها، وتستعبدهم لخدمتها .. فهل هذا معيار " إنساني " ؟ أم إنه قانون الغاب؟
أما المؤرخ المسلم فيصنفها على أنها حضارة جاهلية..  حضارة من ناحية العمارة المادية للأرض ، وجاهلية بالمعنى القرآني: الجهل بحقيقة الألوهية، واتباع غير ما أنزل الله (2 ) .
والجاهلية الفرعونية كذلك! إنها جاهلية برعت في أمور كثيرة وصلت فيها إلى حد العبقرية، كما يوحي بذلك بناء الأهرام وعملية التحنيط، بالإضافة إلى صناعات أخرى كثيرة وفنون متعددة.. ولكنها راسبة في "مادة الرسوب" التي يعتبر من رسب فيها راسبا ولو نجح في المواد الأخرى كلها بأعلى الدرجات!
نحن المسلمين لا نربي أبناءنا على الانبهار والتمجيد لمن عصى الله وتجبر على الناس ، وادعى الألوهية ، واتخذ الناس عبيدا له ! والذين بيّن الله لنا مصيرهم في الآخرة : أنهم مخلدون في نار جهنم ! وخاصة ونحن لا ننفي عنهم كل البراعات التي برعوا فيها ، ولا نخفي شيئا مما كانوا ناجحين فيه .. بل نعلمهم أن النجاح في الحياة الدنيا ليس في ذاته دليلا على أن أصحابه من الأخيار

وفي دراستنا لتاريخ الإسلام لا نحتاج أن نزوِّر صورة زاهية تخالف الواقع ! ولكنا نحتاج إلى إبراز نقاط معينة فيها :

1- أن الإيمان بالله واليوم الآخر لم يكن دعوة إلى التعلق بالحياة الأخرى وحدها وإهمال الحياة الدنيا ، كما كانت النصرانية المحرفة في حياة أوروبا، إنما كانت – مع الإشراق الروحي، والتمسك بالثوابت الأخلاقية – عملا جادا في الحياة الدنيا في جميع الميادين ، أنتج حركة علمية فائقة ، وحضارة عمرانية شاملة ، مع التمكن الحربي والسياسي والاقتصادي ، ومع السبق في ميادين من الخير كثيرة ، كنشر التعليم المجاني ، وإتاحة العلاج المجاني ، وحبس الأوقاف الضخمة لأوجه البر .

2- أن حركة الفتح الإسلامي – وهي من أبرز ملامح فترة الصعود – لم تكن جبروتا ظالما يسعى لاستلاب الخيرات من أصحابها ، وإفقارهم وإذلالهم وقهرهم ، ككل حركات التوسع الجاهلية من أول التاريخ إلى هذه اللحظة ، إنما كانت لنشر النور والهدى – بغير إكراه – ورفع الناس من وهدة الشرك والخرافة

3- أن الحضارة الإسلامية كانت حضارة إنسانية النزعة ، لا تحجب الخير عن الآخرين ، ولا تضن بالعلم والثقافة ووسائل التمدن فتمنع الآخرين من الوصول إليها أو التمكن منها كما تصنع الجاهلية المعاصرة مع المسلمين بصفة خاصة، لتمنعهم من الوصول إلى آفاق عالية في العلم، وتقتل منهم من برع بصفة خاصة في علوم الذرة دون أن يتحرج ضميرها من هذا الصنيع! وقد كانت مدارسهم وجامعاتهم مفتوحة لليهود والنصارى يتعلمون فيها كل العلم الذي يرغبون في تحصيله .. ومن هناك قامت النهضة الأوربية ، بما تعلمته في مدارس المسلمين .

4- أن الحضارة الإسلامية كانت حضارة إنسانية بالمعنى الآخر ، معنى شمولها لكل جوانب الإنسان، جسمه وروحه، عقله ووجدانه، دنياه وآخرته، عمله وعبادته، في توازن يحقق "إنسانية الإنسان" فلا هو حيوان ولا هو إله، وإنما هو إنسان عابد لله، متبع لمنهج الله .

5- ثم إننا لا نحتاج كذلك أن نداري على انحرافات الأمة الإسلامية وانتكاساتها، وخاصة نكستها الحاضرة، ولا أن نتلمس لها المعاذير الكاذبة، فنلقي المسئولية في ذلك على أحد غير نفسها ! بل إننا حريصون أن ندرس ذلك بأمانة وصدق وإخلاص .
إن المستشرقين – وتلاميذهم – عمدوا إلى تشويه "علمي" منظم هادف بالنسبة للتاريخ الإسلامي لأمر يراد، فركزوا على الخط الأسود في الصفحة، وحجبوا البياض كله عن العيون ! وكان الهدف أمرين في وقت واحد: الإيحاء بأن التاريخ الإسلامي – " الحقيقي ! " – لا يستحق الاعتزاز به ولا الفخر بأمجاده فهو مليء بالبقع السوداء ! ثم الإيحاء بأن الإسلام – في صورته الزاهية التي تملأ وجدان المسلمين – لم يعش إلا سنوات قليلة لا تستحق أن يُنشأ لها فصل خاص في تاريخ البشرية ( إنما الذي يستحق ذلك هو "الحضارة" الغربية ! ) .
فأما المؤرخ المسلم فينبغي له أن يرسم الصورة كاملة ببياضها وسوادها في حجمها الحقيقي دون إفراط ولا تفريط، وسيجد حين يفعل ذلك أنه خلال سبعة قرون على الأقل من تاريخ هذه الأمة كان البياض هو الغالب على الصورة، وخلال خمسة قرون أخرى كان السواد يتكاثر في الصورة ولكنها لا تخلو من البياض كما يزعم المستشرقون وتلاميذهم، وأن القرنين الأخيرين كانا أشد فترات الظلام في تاريخ الأمة. ومن ثم توجيه الأمة إلى أنها لن تخرح من انتكاستها إلا بإزالة الأسباب التي أدت إليها، ولن يعيد الله للأمة مجدها ومكانتها وقوتها حتى تعود عودة صادقة إلى الإسلام، لأنه: " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " .

6- إن تحميل الأمة الإسلامية مسئولية ما هي فيه اليوم ، لا ينفي أن الأعداء يتآمرون منذ قرون للقضاء على الإسلام، وتصوير هذين الأمرين على أنهما نقيضان لا بد من نفي أحدهما لإثبات الآخر، خلل في الرؤية يقع فيه كثير من الناس بوعي وبغير وعي، فالأمة تتحمل المسئولية كاملة عن تقصيرها وتقاعسها وإعراضها، كما أن الحقائق التاريخية تبين  أن الأعداء يكيدون دائما ولا يكفون عن الكيد: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) ( 3) ، ولكن هذا الكيد يصيب – أو لا يصيب – حسب مناعة الأمة الإسلامية تجاهه: ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ) ( 4) .

7- إنه على الرغم من كل ما وقع من الأمة من الانحراف ، وكل ما قام به الأعداء من الكيد ، فقد حدثت الصحوة .. وهذا يدل على أن هذه الأمة – أمة العقيدة – لا تنطبق عليها سنة الفناء بالشيخوخة وأن فيها من الحيوية الكامنة ما يبعثها من جديد بعد أن تكون قد أشرفت على الهلاك، وذلك بفضل حفظ الله لكتابه المنزل ، ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكون هذا الدين هو دين الفطرة الذي يلبي كل احتياجات الفطرة السوية ، ويتجاوب مع النمو السوي في حياة الإنسان ، لا يعوقه ولا يعرقله ولا يكبته، ولكون هذا الدين ليس نظريات في الكتب ولا شعارات مرفوعة في الفضاء ، وإنما هو واقع عملي عاشته الأمة بالفعل عدة قرون ، ووعت أحداثه ذاكرتها التاريخية المتجددة ..
وفوق ذلك كله ، وقبل ذلك كله ، وعد الله الدائم أن يبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها.

8- والمؤرخ المسلم قبل هذا وبعد هذا مؤرخ .. عليه أن يبذل الجهد في تحرير الوقائع ، وتمحيص الروايات ، وتحري الدقة العلمية في الدراسة ، والتجرد من الهوى ما وسعه الجهد .
وعليه فوق ذلك ألا يفاجأ – ولا يوهن من عزمه – أن يجد نفسه أحيانا وحيدا في اللجة يسبح ضد التيار !

_______________________________

(1 )  المقصود بالتقويم هو تقدير القيمة ، وكثير من الكتاب يستخدمون كلمة تقييم بدلا من تقويم والصواب التقويم
( 2)  راجع تفسير مصطلح الجاهلية عن ابن تيمية رحمه الله في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم " ص 78 – 79 .
(3 )  سورة البقرة [ 217 ] .
( 4)  سورة آل عمران [ 120 ] .
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
( 3 ) في الاقتصاد


تبدأ الدراسة المنقولة عن الغرب في علم الاقتصاد بتعريف " المشكلة الاقتصادية " ويقال للطلاب إن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة الندرة !
وقد عجبت حين علمت ذلك ، وعلمت أن هذا يقال في معاهدنا " الإسلامية " !
رغم قوله تعالى : ( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ) (1 ) .
الله يقول إنه بارك فيها وقدر فيها أقواتها ، ونحن نقول إن المشكلة الاقتصادية هي مشكلة الندرة ! أي قلة الموجود بالنسبة للمطلوب !

كلا ! إن المشكلة هي في السلوك البشري المخالف لمنهج الله !
فحين يأخذ أناس أكثر من حقهم الشرعي ، باستخدام وسائل لم يأذن بها الله ، ثم لا يؤدون حق المال الذي فرضه الله عليهم في أموالهم .. تنشأ المشكلة !
ومرة أخرى حين أخذ أنصار نظرية " مالتس " ينذرون بالويل والثبور ، وعظائم الأمور ، ويقولون إن الأرض لن تكفي سكانها بسبب الانفجار السكاني " الرهيب ! " عجبت لمن يردد هذا الكلام في عالمنا الإسلامي كأنه حقيقة !

وحرصت الجاهلية المعاصرة على إبعاد الدين:
 1- بالادعاء بأن الدين لا علاقة له بالاقتصاد ولا بغيره من أمور الحياة الدنيا " العلمانية "
 2- بإبعاد الناس في واقع حياتهم عن الدين وتأثيره ، فلا يعودون يقيسون شيئا بمقياس الدين !

ولكن الباحث المسلم في علم الاقتصاد يجب أن يتبين نقطة الخلل الرئيسية في الاقتصاد الغربي ، وهي أنه اتباع لغير ما أنزل الله .
فالإقطاع في أوروبا يجعل الإقطاعي مالكا للأرض ومن عليها من البشر يتصرف فيهم كيف يشاء ، و بيده السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية في ذات الوقت 
وهذا حرام في دين الله الحق ، ولو باركته الكنيسة الأوربية ودافعت عنه !
أما الرأسمالية فتعتمد على الربا الذي آذن الله مرتكبيه بالحرب، وعلى عدم توفية الأجير أجره وهو محرم في دين الله .
وتعتمد على تقديم منتجات جديدة باستمرار تبدأ باعتبارها كماليات ، ثم تتحول بإغراء الإعلان إلى ضروريات ، وكثير منها أقرب إلى الترف منه إلى الضرورة الحقيقية ، والترف محرم في دين الله .
وتعتمد أخيرا على تلهية الناس بالحياة الدنيا وزينتها ، وشغلهم عن الله والآخرة ، لكي يظلوا يستهلكون ما تنتجه الرأسمالية من المنتجات ، ولا يشعرون بالشبع ، ولا يزهدون في الشراء .. واستحباب الحياة الدنيا على الآخرة محرم في دين الله .
بهذه الوسائل المحرمة تتضخم الرأسمالية ، والذي قال فيه بعض خبراء الغرب أنفسهم إن نتيجته الحتمية هي تزايد الثروة في يد فئة يتناقص عددها على الدوام ، وتزايد الفقر في فئة يتزايد عددها على الدوام (2 ) .

والظلم الاقتصادي يصاحبه دائما ظلم سياسي وظلم اجتماعي وانحراف فكري ، وهذا الظلم المتشعب ، لا علاج له إلا بإزالة أسبابه .. أي باتباع ما أنزل الله .


:rose::: :rose::: :rose:::

وقد وضع الله نظاما لحكم حياة الناس في الأرض ، يقوم على العدل وعلى أن المال مال الله ، وأن البشر مستخلفون فيه بحسب شروط المالك سبحانه وتعالى لا بحسب أهوائهم

وأن الكسب والتملك مباح من حيث المبدأ ولكنه مقيد بأن يكون حلالا في مأخذه ، حلالا في استخدامه ، حلالا في إنفاقه . فلا يكون من غصب أو سرقة أو غش أو احتكار أو ربا . ولا يستخدم في الضرر ولا الإفساد ، ولا ينفق في سرف ولا ترف ولا مخيلة ، ولا يكنز ، وتخرج زكاته فتجمع في بيت المال لتصرف في مصارف الزكاة .

وفي داخل هذه الحدود العامة – الثابتة – عشرات من الوسائل بل مئات

ولا نقول مع ذلك إن المجتمع الإسلامي الصحيح لا يحدث فيه شيء من الظلم على الإطلاق ! ولكن توجد دائما أداة تصلح ما يفسد الناس في الأرض ، هي الاحتكام إلى شريعة الله
ولا نتصور كذلك أن الحياة في المجتمع المسلم الملتزم خالية من المعاناة ، فالمعاناة قدر مقدور على البشر في الحياة الدنيا . ولكن هناك فرق بين معاناة يصحبها الظلم ، ومعاناة سببها طبيعة الكدح البشري ولكن ثمرتها بركة وطمأنينة في الحياة الدنيا ، ورضوان من الله في الآخرة .


:rose::: :rose::: :rose:::

المدخل إلى علم الاقتصاد الإسلامي هو مدخل تربوي سلوكي
يجب ابتداء أن ينتفي من حس الدارس المسلم في علم الاقتصاد أن الاقتصاد له قوانينه الخاصة التي لا علاقة لها بالدين ولا علاقة لها بالأخلاق ! فقد ابتدعت الجاهلية المعاصرة هذه الدعوى لتستر وراءها جرائمها التي ترتكبها باسم " قواعد الاقتصاد " !

لا بد من تربية الناس على العقيدة الصحيحة ، وعلى أخلاقيات لا إله إلا الله ، ولا بد أن يكون التحاكم في كل الأمور إلى شريعة الله ، وأن تكون مناهج التعليم ووسائل الإعلام ملتزمة بما أنزل الله ، معاونة في تثبيت القيم الإيمانية ، لا معارضة لها ولا معادية لمقتضياتها .. وهذا كله داخل في صميم التنمية الاقتصادية

_________________________

(1 )  سورة فصلت [ 9 – 10 ] .
( 2)  انظر تقرير الخبير الألماني جوزيف شاخت عن الربا .
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*