في هذه الحالة : أنا أشك إذن أنا معدوم ..!!
أثق بأن الشك المنهجي هو الطريق السليم للوصول إلى اليقين فهو يتمثل في إخلاء العقل من المعلومات السابقة شريطة أن لا ينفيها و أن لا يثبتها ثم بقياس متجرد يتحرى الشخص صدق معلوماته من كذبها ..
و قد ابتدأ ديكارت ملخصاً أفكار الغزالي قبله هذا المنهج بعبارة شهيرة : أنا أشك إذن أنا موجود .
و لا ريب في أن ذلك منهج يناسب أصحاب العقول النيرة ممن لا يرتضون أن يقولوا " إنا وجدنا آبائنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون " .
من هذا المنطلق بدأت أشك هذا الشك المنهجي و أنقد أفكاري فكرة فكرة - و لا أدعي أني أنهيت كل أفكاري بحثاً و نقداً - مرتاح الضمير في ذلك فلا ديني يلومني على فعلتي لأنه هو القائل " قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى و فرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة " في إشارة لطيفة إلى أهمية التفكر للتأكد من صحة الأقوال و لالوم الناس أخشى أيضاً إذ أني أخذت العهد ألا أتبع إلا الحق حتى و لو خالفت آبائي و أجدادي ..
و لكني بت ألوم نفسي هذه الأيام على منهجي هذا .. لماذا ؟!! أليس ذاك هو الحق الذي يأبى العقلاء غيره و يأبى الشرع تركه ؟
نعم لا زلت أراه كذلك و لكن ليس كل حق يتعامل به خصوصاً مع من لا يستحقون من أهل الباطل ..
ففي عصف ذهني ألزمته نفسي إزاء بعض شبهات الملحدين رحت أفتش في كلامهم بتجرد -كما يقتضي ذلك المنهج- لكني بعد أن أتعبت نفسي - و في النهاية توصلت إلى تفاهة شبهاتهم تلك- أدركت أنهم ليسوا بالمستحقين لأن أضع معلوماتهم موضع احتمال الصدق حتى يتبين كذبها .. إذ أنهم ليسوا بالمتجردين و لا بالشاكين و لا بالمنهجيين أصلاً .. إنهم يعرفون الحق أو يجهلونه و لكنهم في الحالتين معاندون كل العناد لا يريدون لقضية أن تنتهي و لا لحق أن يظهر .. فليس ثمة مبرر للملحد أن يقيم الندوات و المؤتمرات و يفتح المواقع و الفضائيات و يصرف على دعوته المليارات و هو يوقن أنه لن يثاب على ذلك و لن يعاقب بتركه ..كيف و هو ينكر البعث و النشور ؟ بل ينكر وجود من يحيي العظام و هي رميم .
أي شيء يدفعه إلى إهدار وقته و جهده و بذل ماله في سبيل دعوة الإلحاد .. اللهم إلا ثواب الدنيا و هو ما يدين به على وجه اليقين و ثواب الدنيا لن يكون إلا ممن يموله و يعطيه على قدر نشاطه في نشر الفساد و دعوة الإلحاد .
كذلك بت ألوم نفسي على ذلك المنهج مع أبناء جلدتي من الحزب الحاكم في بلدنا
فرغم أني وضعت الشهداء و القادة العظماء تحت مجهر النقد بل ووضعت كلام قادتهم تحت احتمال الصدق أراهم يرددون ما لا يحتمل الشك اللهم إلا من فاقد للوعي في هذه البلاد ..
فالمجاهدون يجب أن يحاصروا لماذا ؟ لأن أعدائنا يحتلونهم فالقياس عندهم شكله هكذا
أخوك محتل من الأعداء ، و كل محتل من الأعداء يجب أن تحاصره إذن أخوك يجب أن تحاصره ..
ثم بعد ذلك أطلب من العقل أن يشك معهم الشك المنهجي ؟ فيم إذن ؟ في القياس أم في الواقع المرير ؟
إنني كما اقتنعت سابقاً بعبارة ديكارت : أنا أشك إذن أنا موجود .
فقد بت أقتنع بأنه في حالة التحدث مع هؤلاء : أنا أشك إذن معلوماتي كلها غير صحيحة إذن عقلي غير صحيح و عقلي يقول إنني موجود
إذن ( أنا أشك إذن أنا معدوم ) .