المحرر موضوع: الشيخ محمد عبده ودوره في الفكر الإسلامي  (زيارة 32439 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

يقول الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه الرائع: "كبرى اليقينيات الكونية" ، باب النبوات، فصل: كلمة وجيزة عن أحداث تاريخية معينة، لعبت دورا خطيرا حول مفهوم (المعجزة) ..

[ظهر في أوائل هذا القرن باحثون ومفكرون في عالمنا العربي، جنحوا إلى رأي جديد في بحث المعجزات، وبيان ما ينبغي أن يكون عليه موقف المسلمين منها، لا سيما معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وخلاصة هذا الاتجاه تتمثل في اعتماد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تسجل له سوى معجزة واحدة هي القرآن، أما الخوارق الأخرى التي ظهرت على أيدي الأنبياء السابقين، مما لا يدركه ويفهمه العقل، فقد كان منكراً لها غير عابئ ولا ملتفت إلى المطالبين بها. وإنك لتقرأ هذا الكلام وتجد هذا الاتجاه في كثير من الكتب الحديثة اليوم، بعد أن تبناه من قبل أفراد معدودون، ارتبطت أسماؤهم بشعار (الإصلاح الديني) الذي شاع لأسباب معينة منذ ذلك اليوم.
إن مولد هذا الاتجاه في عالمنا الإسلامي، يعود إلى تاريخ الاحتلال البريطاني لمصر.
فقد احتلت بريطانيا يومئذ مصر، وهي تعلم ان اعتمادها على القوة العسكرية وحدها لن يفيدها الاستقرار، ولن يمكن لها موطئ قدمها في البلدة التي احتلتها، خصوصا وإن العالم الإسلامي قريب العهد بانهيار الخلافة الإسلامية، فرأت –كما هو شأنها دائماً- أن لابد من الاستعانة بمنهج فكري يغير من تفكير المسلمين تغييرا يقصيهم عن هذه الشدة في التمسك بالدين، والتضحية من أجله، والاعتماد عليه وحده. ويجعلهم يلتقون مع الفكر الأوروبي في أوسع قدر ممكن من سبل الحياة.

وقامت بريطانيا بهذا الدافع، بتطبيق ما أطلقت عليه اسم (الإصلاح الاجتماعي والديني)؛ وكان الميدان الاول لهذا (الإصلاح) هو الجامع الأزهر المتمثل في مناهجه الدرسية وطريقته الفكرية. ذلك أن قيادة القطر المصري كله كانت إذ ذاك بيد الازهر، وكان إشعاعه يتجاوزه إلى كثير من البقاع الإسلامية الاخرى، فلم تكن هناك من قضية وطنية او دينية أو مشكلة فكرية أو اجتماعية إلا والأزهر هو الرأس المدبر والمفكر فيها، وهو المحرك لها، لذلك فلم يكن لينجح أي (إصلاح) ديني أو فكري من وجهة نظر بريطانيا إلا إذا بدأ بالأزهر.

يقول اللورد لويد، المندوب السامي لمصر إذ ذاك، في مذكراته التي سماها (مصر منذ أيام كرومر): "إن التعليم الوطني عندما قدم الإنكليز كان في قبضة الجامعة الازهرية الشديدة التمسك بالدين، والتي كانت أساليبها الجافة تقف حاجزاً في طريق أي إصلاح تعليمي، وكان الطلبة الذين يتخرجون من هذه الجامعة يحملون معهم قدراً عظيماً من غرور التعصب الديني (تنبه جيداً إلى معنى هذا الكلام) فلو أمكن تطوير الازهر لكانت خطوة جلية الخطر. فليس من اليسير أن نتصور لنا أي تقدم طالما ظل الازهر متمسكاً بأساليبه هذه، ولكن إذا بدا أن مثل هذه الخطوة غير متيسر تحقيقها، فحينئذ يصبح الامل محصوراً في إيجاد التعليم اللاديني الذي ينافس الأزهر حتى يتاح له الانتشار والنجاح."

أما مجال هذا التطوير و(الإصلاح) فلقد اعتمد على نقطة الضعف التي كانت الأمة العربية والإسلامية تستشعرها إذ ذاك حيال النهضة العلمية في أوروبا، والاكتشافات والاختراعات المختلفة التي قامت في أنحائها بفضل الانطلاقة العلمية التي لم تكن من قبل.
لقد كان المخطط الإصلاحي إذاً، هو تنبيه قادة الفكر العربي والإسلامي إلى أن وجود مثل هذه النهضة في العالم الإسلامي متوقف على تطوير الطريقة التي يتم بها فهم الدين والعقيدة الإسلامية، بشكل يتفق مع الفكر العلمي المقبول.

وهذا يعني ضرورة تخليص الفكر الديني من كل حقيقة غيبية غير مفهومة أو داخلة في قوالب العلم الحديث.

وسرعان ما استجاب إلى هذه الدعوة، أولئك المفتونون والمأخوذون بالنهضة العلمية الأوروبية الحديثة والحضارة الغربية عامة، ممن لم يرسخ الإيمان في أفئدتهم ولم تتمكن حقائقه في عقولهم، وأخذوا يستيقنون –بدافع ذلك الافتتان الجديد والضعف الإيماني السابق عليه- أن الوسيلة الوحيدة إلى نهضة شبيهة بالنهضة الاوروبية، إنما هي في التحرر من كثير من المبادئ الدينية المتعلقة بالعقيدة.
ولم يكن على بريطانيا –وقد امتص إيحاؤها عدداً لا بأس به من المفكرين العرب المسلمين، أن تتعب نفسها كثيراً بمتابعة المخطط، فقد اطمأنت إلى أن هؤلاء أنفسهم سيقومون بالعمل المطلوب. وما عليها إلا أن تقربهم وتسلمهم قيادة العمل الفكري في الأزهر ليوطدوا مناهجه، وليبثوا منه إلى الفكر الإسلامي كله هذا الوباء (الإصلاحي الجديد).

وفي سبيل هذا (الإصلاح) جيء بالشيخ محمد عبده وأعطيت له مقاليد الامر ليقوم بإصلاح شامل في ميدان الازهر مبتعاً الأساس الذي أوضحناه.
وكان من نتيجة ذلك تنصيب الشيخ مصطفى المراغي شيخاً للجامع الازهر، وتنصيب محمد فريد وجدي رئيساً لتحرير مجلة الأزهر (نور الإسلام) الواسعة الانتشار إذ ذاك، بعد أن كان يرأس تحريرها العلامة المرحوم محمد الخضر حسين.

وما هو إلا أن تسلم هؤلاء وغيرهم مراكزهم الجديدة، حتى بدأ التبشير بالمنهج الجديد في فهم العقيدة الإسلامية، وهو المنهج الذي يهدف إلى تجاهل كل المسائل الغيبية التي لا تقع تحت مجهر العلم التجريبي المحسوس، وفي مقدمتها المعجزات على اختلافها.

فقد رأينا كيف بدأ فريد وجدي ينشر سلسلة مقالاته الجريئة التي خرج بها على الناس بعنوان: (السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة) والتي يقول فيها ما نصه: وقد لاحظ قراؤنا أننا نحرص فيما نكتبه في هذه السيرة على ألا نسرف في كل ناحية إلى ناحية الإعجاز، مادام يمكن تعليلها بالأسباب العادية، حتى لو بشيء من التكلف...)    (1)

ورأينا كيف يكتب الشيخ محمد عبده في مسائل العقيدة الإسلامية على طريقة غريبة عجيبة يخرج فيها على إجماع المسلمين وبدهيات العقيدة الإسلامية الصحيحة. وذلك حينما يُعرِّف النبي والرسول في تعليقاته على شرح الجلال الدواني فيقول: "أقول: قد يُعرّف النبي بإنسان فطر على الحق علما وعملا، أي بحيث لا يعلم إلا حقا، ولا يعمل إلا حقا على مقتضى الحكمة، وذلك يكون بالفطرة، أي لا يحتاج فيه إلى الفكر والنظر. فإن فطر أيضا على دعوة بني نوعه إلى ما جبل عليه، فهو رسول أيضا، وإلا فهو نبي فقط".   (2)    
ورأينا كيف ينتهي في تفسير سورة الفيل إلى تأويل صريح الآية بأن المقصود بطير الأبابيل وحجارة السجيل إنما هو وباء الجدري . (3)    

ورأينا كيف ظهر في تلك الفترة ذاتها كتاب جديد في تحليل السيرة النبوية باسم (حياة محمد) لحسين هيكل، يقول في مقدمته: (إنني لم آخذ بما سجلته كتب السيرة والحديث لأنني فضلت أن أجري في هذا البحث على الطريقة العلمية..!!!)    (4)
ورأينا كيف اندفع الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر إذ ذاك إلى تقريظه وتقديمه قائلاً: " لم تكن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم القاهرة إلا في القرآن وهي معجزة عقلية" (5)

ورأينا كيف أخذت تروج صفة (العبقرية) و (العظمة) و (القيادة) وما شاكلها لنبي صلى الله عليه وسلم تعويضاً عن صفات النبوة والوحي والرسالة، وتغطية لها، وإبعادا للفكر عنها.

وهكذا تكونت من هذا الاتجاه والنهوض به مدرسة فكرية جديدة، أخذت تنشر فلسفتها من فوق منبر الازهر، سرعان ما كان لها تأثيرها المتوقع في الأوساط في ظل ذلك الاحتلال المشؤوم، بعد أن قامت معارك طويلة حول ذلك، لا مجال لسردها هنا.

وتسألني الآن: فما الذي جنته بريطانيا من وصولها إلى هذه الغاية ومن تطوير الفكر الديني بهذا الشكل في رؤوس الناس؟
إن الذي جنته بريطانيا بذلك، هو إضعاف الوازع الديني في نفوس أولئك الذين كان الدين عندهم أعظم محرك ومهيج، وكان صاحب السلطان في كل شيء، ذلك أن العقيدة الإسلامية إذا ما جردت عنها فكرة المعجزة، انتهت من حيث لا يشعر أربابها إلى إنكار العقيدة الإسلامية في مجموعها؟ غذ إنها في مجموعها ليست قائمة إلا على أساس أعظم معجزة، وهي معجزة الوحي. فمن أخذ يستبعد الخوارق العقلية وينكرها أو يؤولها، فإنه يستبعد ولا ريب ظاهرة الوحي أيضاً لأنها تعد قمة المعجزات كلها، وهذا ما دفع الشيخ محمد عبده إلى تفسير النبوة تفسيراً يبعدها عن حقيقة الوحي بعداً تاماً، كما قد رأيت في تعريفه للنبي.
ولقد كانت بريطانيا لا تتضايق من عقبة تقف أمامها في سبيل ترسيخ قدمها في مصر أعظم من عقبة (التعصب الديني) على حد تعبير اللورد لويد كما قد رأيت. فكان في تحقيقها لهذه الغاية نسف لهذه العقبة من سبيلها، فقد استطاعت بعد ذلك أن تضع العقلية الاوروبية المنحلة في مكان العقلية الاسلامية المعتزة بالمنهج الاسلامي، وأن تطور مناهج الحياة العملية نفسها طبقا لما تريد بعد أن زال عنها السلطان السابق أو ضعف إلى أن غدا إسلاميا شكليا مجردا.
يوضح لك هذه الحقيقة ما يقوله المستشرق الانجليزي المعروف (جب) في كتابه الذي ألفه باللغة الانكليزية (إلى أين يتجه الإسلام): "لقد استطاع النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة وتعليماتنا الخاصة أن يترك في المسلمين –ولو من غير وعي منهم- أثرا جعلهم يبدون في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد. ولا ريب أن ذلك هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار. فالواقع أن الإسلام كعقيدة وإن لم يفتقد إلا قليلا من اهميته وسلكانه، ولكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية قد فقد مكانه".
ولقد تبين لنا –كما تبين لكل باحث- أن تلك المدرسة الإصلاحية لم تُكسب أربابها ودعاتها أي نهضة علمية كالتي نهضتها أوروبا، كما كانوا يتوهمون، وكما اوهمتهم بريطانيا التي اختصت بفن المكر والخديعة واللعب بالعقول، وليتها كانت عقولا غير عقول المسلمين. كل ما جنته أيدي ذلك (الإصلاح الديني) فقدان الحقيقتين معا، فلا هم على حقيقتهم الدينية أبقوا، ولا على النهضة العلمية عثروا.  (6)       ] 

---------------------------


  (1) قلت: يقصد بهذا إنكار كل معجزات وإرهاصات النبوة، حتى لو ثبتت بالسند الصحيح، لأنها في نظره تخالف أسلوب التفكير الاوروبي العلمي، مع ان ظاهرة النبوة كلها تعتمد على معجزة الوحي، وإنكارها يعني إنكار النبوة من أصلها، فماذا يبقى من الإسلام بعد هذا؟
   (2) قلت: وهو تعريف غير مسبوق أبدا، وليس له أي معنى سوى تجريد النبوة من معنى الوحي والاتصال الملائكي بخبر السماء، والبحث عن أي تفسير لها لا يستند إلى نقل ولا إلى عقل صحيح، فالعقل الصحيح لا يرى في ظاهرة الوحي أي استحالة أو غرابة مادام يؤمن بقدرة الله عز وجل، وتعريف النبوة بأنها فطرة وجبلة، لا اصطفاء وتكليف وتشريف، مناقض لصريح الكتاب والسنة، فكيف يصدر هذا ممن يؤمن بالله ورسوله وأول شروط الإيمان التصديق؟؟
(3)   وتأمل في ألفاظ سورة الفيل الصريحة الواضحة المعنى، ثم قل لي كيف يتأتى أن نؤمن بمغيبات القرآن التي هي أعظم غرابة بكثير من قصة الفيل، ومن يعمد إلى نص القرآن فيؤول طير الأبابيل والحجارة التي ترمي بها بداء الجدري؟ وهو تفسير لا علاقة له باللغة العربية، ولا المنطق والعلم بأي شكل من الأشكال.
   (4) قلت: وما هي الطريقة العلمية؟ هي أسلوب التوسم والاسترداد بالطبع .. 

  (5) قلت: وكأن المعجزة أمر خرافي مناقض للعقل يجب أن نتبرأ منه لنلحق بركب الحضارة، وبالتالي علينا أن ننطر انفلاق البحر لموسى وإبراء الاكمه والأبرص لعيسى، وإلانة الحديد لداود، وانشقاق القمر والإسراء والمعراج لسيدنا محمد عليهم جميعا صلوات ربي وسلامه، وكلها مما ورد في القرآن، وهو المعجزة التي يسمونها بالعقلية، فهل نصدق ما جاء في القرآن على اعتبار أنه معجزة اعترفوا بها، وبالتالي نصدق بما ذكره من معجزات؟ أم ننفيها وبالتالي نكذبه، فنناقض أنفسنا؟ ما المطلوب تحديدا ؟
  (6) من المؤشرات الكبرى التي تدل على حقيقة هذا (الإصلاح الديني) وما يكمن خلفه، أنك لا تد فئة من الفئات التي تخاصم الإسلام وتعاديه، إلا وتبارك هذا (الإصلاح الديني) وتشيد برجاله.
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
وحتى لا يعتقد القراء أن الدكتور البوطي كان متحاملا على الشيخ محمد عبده، فإنني سأنقل لكم -في المرة المقبلة بإذن الله- من أفكار وأقوال الشيخ محمد عبده، نقلا عن الدكتور محمد عمارة، في كتابه المعنون (الإمام محمد عبده، مجدد الإسلام) والذي وضعه بغرض تعظيم الشيخ محمد عبده وبيان أنه كان مجدد عصره... فالكتاب إذاً دفاع وإطراء للشيخ محمد عبده، ومع ذلك فإنه يكشف بوضوح الانحراف الفكري في منهجه وخطورة الأفكار التي كان يدعو لها...
والله المستعان.
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر
وحتى لا يعتقد القراء أن الدكتور البوطي كان متحاملا على الشيخ محمد عبده، فإنني سأنقل لكم -في المرة المقبلة بإذن الله- من أفكار وأقوال الشيخ محمد عبده، نقلا عن الدكتور محمد عمارة، في كتابه المعنون (الإمام محمد عبده، مجدد الإسلام) والذي وضعه بغرض تعظيم الشيخ محمد عبده وبيان أنه كان مجدد عصره... فالكتاب إذاً دفاع وإطراء للشيخ محمد عبده، ومع ذلك فإنه يكشف بوضوح الانحراف الفكري في منهجه وخطورة الأفكار التي كان يدعو لها...
والله المستعان.


ونحن بالانتظار .... emo (30):
ولقد شوقتني لأن أنهل من كتاب كبرى اليقينيات الكونية المتوفر بمكتبة الجمعية .... وقد قرأت له جزءا كبيرا من كتابه : شخصيات استوقفتني ...


وفي بحث لي على النت وجدت الخبر التالي والذي لم أكن على علم به

 شرح كتاب كبرى اليقينيات الكونية ضمن برنامج الكلم الطيب على قناة الرسالة الساعة الحادية عشرة مساءً بتوقيت مكة المكرمة

لا يظهر اليوم بالتحديد ولكن سنحاول أن نتصيده من خلال معرفة ما يبث على الرسالة في مثل هذا الموعد كل يوم
« آخر تحرير: 2008-07-16, 14:16:35 بواسطة حازرلي أسماء »

غير متصل أبو الكباتن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 25
  • الجنس: ذكر
أعدكم بإرسال هذا الكلام إلى كاتب المقال
وسأنقل لكم رده إن شاء الله تعالى
« آخر تحرير: 2008-07-16, 20:18:25 بواسطة أبو الكباتن »
الراحة للرجال غفلة ...

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
الأخ الكريم أبو الكباتن
عذرا على التدخل في موضوعك، ولكنني فصلت موضوع الشيخ مصطفى السباعي لصفحة مستقلة، لأن الموضوع كبير، وكل شخصية تستحق القراءة والتفكر والمناقشة بمفردها... فأرجو ألا يسوءكم هذا

وشكرا لتفاعلك الايجابي مع مشاركتي... وأتابع بإذن الله في المداخلات التالية إن سنح الوقت..

شكرا لكلامك يا أسماء، وفعلا تابعت بضع حلقات من شرح الدكتور البوطي لكتابه على الرسالة، وهي جميلة جدا.. والكتاب قيم للغاية، ويستحق القراءة، بل والدراسة...
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوتي الكرام، أنقل لكم -كما وعدتكم- مقتطفات من كتاب (الإمام محمد عبده مجدد الإسلام) للدكتور محمد عمارة. للمؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 1981، تجدونها باللون الأسود، وتعليقي عليها باللون الاخضر..
ونذكر الإخوة الكرام أن الدكتور ألف كتابه هذا بغرض تعظيم الشيخ محمد عبده وبيان أنه كان مجدد عصره... ويبدو ان للدكتور محمد عمارة اهتماماً خاصاً بفكر ومؤلفات الشيخ محمد عبده، فله كثير من الا‘مال لخدمة تراثه وجمع اعماله وتحقيقها... فالكتاب إذاً دفاع وإطراء للشيخ محمد عبده، ومع ذلك فإنه يكشف بوضوح الانحراف الفكري في منهجه وخطورة الأفكار التي كان يدعو لها...


يقول محمد عبده: [إن والدي أعطاني حياة يشاركني فيها أخواي "علي" و "محروس"، والسيد جمال الدين الأفغاني أعطاني حياة أشارك بها محمدا وإبراهيم وموسى وعيسى والأولياء والقديسين] ص 19

وهذه الكلمة تعكس بوضوح مدى تأثره بالثقافة الأوروبية على حساب الإسلامية، فكلمة قديسين كلمة غير موجودة في ثقافتنا الإسلامية، فلا أحد عندنا مقدس أو معصوم سوى الانبياء عليهم السلام.. ناهيك عما في الكلمة من غرور شديد لم نره على أحد من العلماء الراسخين والأئمة المصلحين الذين كانوا دوما يتواضعون ويهضمون حق أنفسهم..

ونحب هنا أن نلفت النظر للفرق الهام بين مصطلح (علم) ومصطلح (ثقافة) ...
فالعلم مجموعة من القواعد والأسس والمعارف التي اكتشفها الإنسان ونظمها عن الطبيعة والكون وكان أساسها الملاحظة الحسية والتجريب.. وهي قاسم مشترك بين جميع الشعوب، لا هوية لها ولا جنسية، ومنها انبثقت العلوم التكنولوجية الحديثة التي قويت بها شوكة الغرب ونهضت به في ميادين التقدم والمدنية، فمثل هذه العلوم الطبية والعلمية والفيزيائية والكيميائية والهندسية والفلكية ... إلخ من العلوم التي ينبغي للمسلمين أن يأخذوا بها وبأسبابها، وهي التي نحتاج لاستيرادها وتعلمها من الغرب..
وأما الثقافة فهي مجموعة القيم والأفكار والمعتقدات والأخلاق التي يتبناها مجتمع ما من المجتمعات الإنسانية، والتي تؤثر على عواطفه وسلوكه، وتنظم شبكة علاقاته الاجتماعية والإنسانية، وغالباً ما تكون منبعثة من ديانته التي يدين بها، وعلى هذا فالثقافة بالنسبة للامة هي كالشخصية بالنسبة للفرد، فإذا تنازل الإنسان عن شخصيته وتبنى شخصية غيره تحول لمسخ، كذلك الامة التي تتخلى عن ثقافتها وتتبنى ثقافة غيرها تتحول لمسخ، ولا تتقدم في سلم الارتقاء المدني ولا الإنساني بل تنحدر فيه وتتهاوى...  وتعبر الشعوب عن ثقافتها عادة في تفسيرها وتأليفها للعلوم الإنسانية التي تتعلق بالتربية والفلسفة وعلم النفس والاجتماع، لهذا يجدر بالشعوب الحرة ألا تستورد هذه العلوم إلا بانتقائية وحذر شديدين وتمحيص واع كبير... لأنها في حقيقتها انعكاس للثقافة لا تمثل الطريقة العلمية التجريبية التحقيقية فيها إلا أقل القليل،...
والفقرات التالية تبين لنا مدى اشتغال وإخلاص الشيخ محمد عبده للثقافة الغربية واهتمامه بكتبها دراسة وتدريسا، لا نقدا وتمحيصا...


•   انتقل به الأفغاني من التصوف والتنسك إلى الفلسفة الصوفية، وكان الأفغاني يقول: الفيلسوف إن لبس الخشن وأطال المسبحة ولزم المسجد فهو صوفي ... وإن جلس في قهوة "متاتيا" وشرب الشيشة فهو فيلسوف.  ص 26

ولا يخفى على قراءنا الكرام ما في هذه المعاني من ابتعاد ومفارقة لروح الدين، فالمعنى الوحيد المقبول للتصوف في الإسلام، هو الاجتهاد في العبادة والاهتمام بتزكية النفس وتنقية القلب للوصول إلى مرتبة الإحسان، شرط أن يكون هذا الاجتهاد والتربية والتزكية محكوما بقواعد الدين والكتاب والسنة.


•   واصل بعد تخرجه تدريس كتب المنطق والكلام المشوب بالفلسفة في الأزهر، وقد كان حتى قبل تخرجه يعيد على طلبة الازهر إلقاء دروس الأفغاني في منزله، والكتب التي يشرحها ويعلق عليها، فقرأ لهم (إيساغوجي) في المنطق، وشرح العقائد النسفية لسعد التفتازاني مع حواشيه، ومقولات السجاعي بحاشية العطار، وعقد في بيته درساً شرح فيه لبعض الطلبة بعض المؤلفات الفكرية الحديثة والقديمة مثل: (التحفة الادبية في تاريخ تمدن الممالك الاوروبية)  للوزير الفرنسي فرانسوا جيزو، تعريب الخواجة نعمة الله خوري، وقرظه في الاهرام هو وأستاذه الأفغاني، وكتاب تهذيب الاخلاق لابن مسكويه
•   من أبرز أعماله الفكرية في هذه المرحلة: .... الفصول التي شارك بها في كتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين، سنة 1899م، والفصول التي شرع بها الترجمة لحياته.... وترجمته لكتاب (التربية) لهربرت سبنسر عن الفرنسية، التي تعلمها في هذه المرحلة من حياته... وكذلك وصيته التربوية التي أملاها بالفرنسية في مرضه الأخير على "الكونت دي جريفل" فنشرها في كتابه (مصر الحديثة). ص 44



ونتيجة لتشبعه بالثقافة الغربية، كان الإصلاح الديني الذي تبناه عبارة عن تحوير وتحريف لأسس الدين، لتتوافق وتقترب مع الفكر الغربي، وقد تجلى هذا في الأفكار التي نذر حياته للتبشير بها ونشرها في أوساط المثقفين المسلمين، والتي أثارت ضده عداوة طلبة العلم الشرعي والشيوخ الأصوليين، ولكنها في نفس الوقت لم ترض دعاة التغريب لأن هؤلاء لن يرضوا عنك مهما قدمت من تنازلات حتى تتبع ملتهم...
وتتلخص أفكار الشيخ محمد عبده التي يسميها المعجبون به منهجاً إصلاحاً أو تجديداً دينياً فيما يلي:
« آخر تحرير: 2008-08-11, 16:25:32 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
وتتلخص أفكار الشيخ محمد عبده التي يسميها المعجبون به منهجاً إصلاحاً أو تجديداً دينياً فيما يلي:



1-   إنكار الجوانب الغيبية من الإسلام، ومحاولة تفسيرها تفسيرات عقلانية بحتة، تتماشى –بحسب رأيه- مع الفكر الغربي المتطور والعلوم الحديثة، فدفعه هذا إلى إنكار المعجزات، وتأويل كثير من آيات القرآن تأويلات بعيدة عن اللغة والواقع، بل وإلى إنكار الوحي وتفسيره بالإلهام النفسي، والنبوة بالاستعداد الفطري، وهذه تأويلات بعيدة كل البعد عن الفهم الإسلامي الصحيح، ولا مستند علمي لها، لأنه إنكار للمكنات العقلية، التي يتوقف الإيمان بها على الإيمان بقدرة الله المطلقة، وتصديق النبي المبلغ عنها، وهذان شرطان لا يصدق إيمان المرء بإنكاره لأي منهما.






2-   عدم إقرار الشيخ بالسنة النبوية وحجيتها وإلزام نصوصها، وتشكيكه فيها، بطعنه في الأسانيد الصحيحة التي بلغتنا بها السنة النبوية المطهرة، زاعماً أنه لا يمكن الإيمان بأسانيد لا نعرف رجالها معرفة شخصية!!!... ضارباً عرض الحائط بجهود علماء السنة عبر العصور، وما ابتكروه من علوم الرجال، وتاريخ الرواة، والجرح والتعديل، وسائر علوم الحديث التي بذل العلماء والعباقرة على مر العصور مهجهم وأرواحهم وحياتهم ليوصلوها لنا صحيحة غير مشوبة، والشيخ في دعوته هذا يتماثل مع القرآنيين الذين يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا بالقرآن، وانهم يعرضون السنة على القرآن فما وافقه اخذوا به، وما خالفه طرحوه، وما لم يوافق ولا يخالف توقفوا فيه... وهذا مخالف تماماً لمنهج أهل السنة والجماعة، الذين يثبتون أن السنة مصدر ثان للتشريع، يبين ويفصل ويقيد ويخصص آيات القرآن، وقد يستقل بالتشريع أيضاً، وكثير من تفاصيل الشريعة الإسلامية بلغتنا عن طريق السنة، فإهمال السنة إهمال لنصف الدين، ومخالفة لصريح القرآن الكريم الذي يأمرنا بالأخذ بالسنة النبوية، عدا عن انه يفضي للتشكيك في القرآن الكريم نفسه، لأن الذين نقلوا لنا القرآن هم الذين نقلوا لنا السنة النبوية المطهرة.




3-   الهدف تمدين المجتمع على الأسلوب الغربي واستخدام العاطفة الدينية كقوة محركة، لا إحياء الحضارة الإسلامية وتجديد الدين.. وهذا يعني اعتماد الشيخ على العاطفة الدينية القوية في المجتمع المصري لتمرير دعوته الإصلاحية التغريبية، لاعتقاده ان المجتمع المصري متدين، ولا يمكن تحريكه إلا من خلال عاطفته الدينية، وهذا ما كسا دعوته بالطابع الديني، فهو كان يسعى لتمدين المجتمع باستخدام الطاقة الدينية، ولو أمكن تمدينه بأسلوب آخر لما كان لديه مانع، فالهدف ليس السعي  لنهضة الدين وإحياء الحضارة الإسلامية بروحها وجسدها وأخلاقياتها وقيمها، ثم تأتي النهضة المدنية كثمرة طبيعية لهذه النهضة الأخلاقية... لهذا فدعوته أبعد ما تكون عن حقيقة التجديد الديني..



4-   الإيمان بوحدة الأديان، لا بالمعنى الشرعي المتفق عليه بين علماء السلف، من أن رسل الله وكتبه تنبع من مشكاة واحدة، فهي تحمل رسالة واحدة، متحدة في العقيدة والأسس الأخلاقية، ومختلفة في التشريعات بحسب اختلاف المكان والزمان والاستعداد الفكري لكل أمة، بل يؤمن ويبشر بوحدة الأديان بالمعنى المنحرف الذي يدعي أن أتباع كل الديانات ناجون عند الله ان أخلصوا في اتباع دينهم، ما داموا يؤمنون بوجود الله واليوم الآخر، متناسيا التحريفات التي وقعت في كتب الديانات السابقة، وذم الله تعالى لأتباعها، ومتناسيا أن معنى هذا ان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته لليهود والنصارى للإيمان بالإسلام محض عبث لا معنى له، مادام إيمانهم بدينهم المحرف يكفيهم

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي محمد بيده ! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار (رواه مسلم)

 بل ويذهب الشيخ محمد عبده لأبعد من هذا حين ينفي عنهم صفة الكفر والشرك، مخالفاً بذلك صريح القرآن والسنة:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (المائدة73)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (المائدة72)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة17)
وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
(التوبة 30)


 .... واستناداً لهذا الموقف، شارك الشيخ في المحافل الماسونية، ثم تركها لأسباب سياسية لا عقائدية، ثم ساهم في تأسيس تنظيم سري للتقريب بين الاديان، في فترة كان المجتمع المصري يعاني من الاحتلال ومحاربة الدين الإسلامي تحديدا، وكان أولى بالتنظيم السري أن يكون ساعيا للتحرير من المحتل، أو لنشر صحيح الدين، ولم تكن ن الفتنة الطائفية قضية مطروحة او مقلقة في ذلك الوقت، ولو كانت لما جاز علاجها بتحريف الدين وإطلاق الدعاوي بالتساوي بين الحق والباطل، بل بالدعوة للتمسك بالاخلاق الإسلامية الصحيحة في حسن الجوار وحسن التعامل مع أبتاع جميع الديانات عموما، وأهل الكتاب خصوصاً من منطلق إنساني..


5-   الدعوة لدولة علمانية، وذلك من خلال اعتبار الدين الإسلامي لا علاقة له بالحكم ولا بالدولة، وبعبارة أخرى (فصل الدين عن الدولة) وتطبيق المبدأ النصراني العتيد (الدين لله والوطن للجميع) و (أعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر)، وهذا خلاف للمعلوم من الدين بالضرورة من أن الإسلام أتى لينظم سائر جوانب الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والعلاقات الدولية، وكل هذا مذكور في القرآن الكريم، وأحكام الإمامة في الإسلام تحتل جزءا كبيراً من الفقه الإسلامي.. ولكن الشيخ يقصر الدين على العبادات والأخلاق فقط، مدعياً أن شؤون الخلافة والحكم، بل والفتوحات الإسلامية امور سياسية بحتة لا علاقة لها بالدين.


6-   الرضا بالاحتلال الأجنبي (متمثلاً في الاحتلال البريطاني لمصر)، ومد جسور التعاون والصداقة والود معه، بدل المقاومة السلبية أو الإيجابية، بناء على إيمانه بالنقطة السابقة، فما دام الإسلام مجرد عقيدة وعبادات وأخلاق، فلا مانع من الخضوع لحاكم كافر، ولا لاحتلال أجنبي، وكانت هذه هي الاتجاهات التي تغذيها دول الاحتلال وتدعمها وتنشرها، لترسخ وتعزز وجودها في العالم الاسلامي.

7-   الجرأة الكبيرة على الفتوى المستندة إلى الرأي المحض وتحريف النصوص، بدلاً من أصول الفقه وفهم النصوص فهماً صحيحاً، مخالفا بذلك إجماع العلماء من سلف وخلف، مثال ذلك فتواه بمنع تعدد الزوجات إلا إن ثبت ان الزوجة الاولى عقيم، وفتواه بمنع حق الطلاق للرجل ووضعه في يد القاضي (تماما كالمجتمعات الغربية)، وفتواه بإباحة –بل باستحباب وضرورة- فن التصوير والنحت، وغير ذلك... 

والآن إليكم هذه النقول من كتاب الدكتور محمد عمارة للتدليل على هذه النقاط
« آخر تحرير: 2008-08-10, 21:44:19 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

1- إنكار الجوانب الغيبية من الإسلام، ومحاولة تفسيرها تفسيرات عقلانية بحتة:

بدأ تفسير القرآن بمنهج عقلي حديث لم يسبق في الشرق منذ يقظته، طبق فيه منهج أستاذه الأفغاني، وكان ذلك بالمسجد العمري ببيروت، فكان يعقد درسه به ثلاث ليال في الأسبوع، واجتذب درسه هذا الحركة الفكرية والثقافية هناك، حتى أن المستنيرين من المسيحيين كانوا يجتمعون على باب المسجد لسماعه. ص37
(وكنموذج لهذا التفسير العقلي نذكر بتفسيره للطير الأبابيل التي ترمي بحجارة من سجيل بوباء الجدري، وللنبوة بالاستعداد الفطري، وللوحي بالإلهام النفسي، وللملائكة التي أيدت المؤمنين في غزوة بدر برفع الروح المعنوية... إلخ..)

تحديده لمعنى الإعجاز الحقيقي للقرآن الكريم، فهذا الإعجاز ليس لغوياً في الأساس، كما انه غير مستمد من كونه كتاب فن او أدب أو علوم أو تاريخ...... وإنما من كونه كتاب دين يهدي الناس إلى المجتمع الفاضل والطريق السوي، والخلق العظيم على مر الازمنة. ورغم اختلاف المكان وتعدد الاجناس.. ذلك هو الإعجاز الحقيقي للقرآن. ص 65

(من المجمع عليه لدى علماء المسلمين أن للقرآن الكريم وجوها عديدة للإعجاز، والإعجاز اللغوي والبياني من أهمها، وهو الذي قام عليه تحدي العرب أن يأتوا بسورة من مثله.
أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال : يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوه لك فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله
قال : قد علمت قريش أني من أكثرها مالا
قال : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر أو أنك كاره له
قال : وماذا أقول ؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني ولا بشاعر الجن والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلوا وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته
قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه
قال : فدعني حتى أفكر
ففكر
فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت ذرني ومن خلقت وحيدا)


إعلاؤه شأن العقل في تفسير القرآن، وهو كتاب الدين الاول والأساسي، ورأيه في وجوب أن يطرح الذين يريدون تفسير القرآن تفسيراً حديثاً مستنيراً، أن يطرحوا جانباً: (رؤية) السابقين من المفسرين، وأن يتزودوا فقط بالأسلحة والادوات اللغوية، وشيء من أسباب النزول، ومعلومات السيرة النبوية، ومعارف التاريخ الإنساني عن حياة الكون والشعوب التي يعرض لها القرآن الكريم. ص 66
(هذا الكلام فيه خلط عجيب... فالآيات القرآنية التي ربما يعاد النظر في تفسيرها وفق العلوم الحديثة التجريبية هي الآيات الكونية التي تتحدث عن خلق الإنسان والحيوان والنبات والكواكب والمجرات والمحيطات، فقد فسرها الاقدمون وفق علومهم ومعارفهم، ومع تقدم الاكتشافات والعلوم تبدت لها معان جديدة، وكان من إعجاز القرآن
الكريم أن العلوم والاكتشافات أتت لتؤكد ما جاء فيه ولم تتعارض معه كما حدث للكتب السماوية المحرفة، مما أثبت لكل ذي لب أنه كلام الله تعالى خالق الاكوان...
لكن الآيات المتعلقة بالاحكام والعقائد والأخلاق، هذه تفسيرها ثابت، وفق دلائل الألفاظ في اللغة العربية الصحيحة، ووفق ما فسرته السنة النبوية الشريفة القولية والعملية، فهذه لا مجال لإعادة النظر فيها، ولا معنى للدعوة لطرح (رؤية) المفسرين السابقين لها، إلا الرغبة في تمييع الدين وقطع جذوره وعلائقه بالسلف الصالح، وتفريغه من محتواه.. )
 

ولقد كان إعلاء الأستاذ الإمام لشأن العقل في تفسيره للقرآن تطبيقاً أميناً لموقفه العام الذي يعلي من شأن العقل في مختلف ميادين البحث والنظر والتفكير....  وهو في هذا الامر يقف قريباً جداً من موقف الفلاسفة الإلهيين ومنهم المعتزلة، بين مدارس المتكلمين المسلمين، فهو يعتبر كل النتائج التي يصل إليها العقل الإنساني سبلاً توصل إلى ذات الله، أي أن طريق العقل هو طريق معرفة الله، ولذلك فهو يقول: "إن العقل من أجَلِّ القوى، بل هو قوة القوى الإنسانية وعمادها، والكون جميعه هو صحيفته التي ينظر فيها وكتابه الذي يتلوه، وكل ما  يقرأ فيه فهو هداية إلى الله، وسبيل للوصول إليه" . فليس هناك إذن صفحات في هذا الكون محظور على العقل الإنساني أن يطالعها، ويرى فيها ما يراه، ذلك أن الحدود التي تحدد نطاق النظر العقلي هي حدود (الفطرة) لا (النصوص المأثورة) فالله قد "أطلق للعقل البشري أن يجري في سبيله الذي سنته له الفطرة بدون تقييد..." ص 76

فالإسلام  عند الأستاذ الإمام دين عقلاني، أي أن العقل حاكم وسيد حتى في جوانبه الدينية، وذلك فضلا عن جوانبه الحضارية، ... ولقد ذهب الرجل فساق الكثير من الادلة على هذه الحقيقة التي ينكرها قوم، ويرتاب فيها قوم، ويرتعد من سماعها آخرون؟!! " ... فالعقل –في الإسلام- هو الميزان القسط الذي توزن به الخواطر والمدركات، فيميز بين أنواع التصورات والتصديقات، فمتى رجحت فيه كفة الحقائق طاشت كفة الا,هام، وسهل التمييز بين الوسوسة والإلهام (7).." ص 76
  لا يخفى ما في هذا الكلام من مغالطات، فالعقل له حدوده التي بينتها الشريعة، فالعقل وسيلتنا للتعرف على الخالق جل وعلا، ووجوده، واتصافه بصفات الكمال، ثم في التعرف إلى صدق النبي المبلغ عن الرب تبارك وتعالى، ثم في التأكد من صحة نسبة الأخبار التي يبلغها الناس وينقلونها عن هذا النبي المعصوم، ثم في فهم هذه الأخبار، واستنباط الاحكام منها لتنفيذها...
لكن العقل لا يمكن له ان يحكم على الامور الغيبية، لانه ليس له وسيلة اتصال بها، إلا من خلال الخبر الصادق..
والعقل لا يمكن له أن يتوصل للتكاليف الشرعية المناطة بعنق العباد، أي لكيفية عبادة الله تعالى على الوجه الذي يرضيه، ولا سبيل له إلى ذلك إلا من خلال (النصوص المأثورة التي يصح سندها) والتي يهون من شأنها الشيخ ويسخر منها
والعقل ليس له أن يشرع أو يعارض ما شرعه الله، إن ثبت ذلك بالنص الصحيح سواء من القرآن الكريم أو السنة
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهما الخيرة من أمرهم..)
وليس هذا لوجوب طاعة وخضوع العقل لخالقه وحسب، بل لمحدودية العقل وقصور إدراكه، فمهما عظمت عقول العقلاء والمشرعين، فإنها لا يمكن ان تضاهي في حكمها أو أحكامها، أحكام الحكيم الخبير العليم تبارك وتعالى، وتبقى نظرتها قاصرة، محكومة بحدود الزمان والمكان والمصلحة الشخصية او الفئوية، والهوى، والخبرات القاصرة، ولا تتمتع بشمول نظرة الشرع الحكيم، وملاءمته لكافة صنوف البشر، وعدم محاباته لفئة على حساب فئة، او طائفة على حساب أخرى.. وتجاوزه حدود الزمان والمكان
وقوله أن العقل حاكم وسيد حتى في الجوانب الدينية، يفتح نافذة واسعة للمنادين بالقوانين الوضعية، وللتغيير والتبديل والمراجعة في التعاليم الدين، فكيف يقول بهذا مصلح ديني؟؟ وإن خفيت عليه مرامي هذا الكلام الخطيرة، فكيف يكون إذاً في عداد العلماء؟ بله المصلحين؟ بله المجددين؟
ولا يخفى على الدارسين لعلوم الشرعية البون الشاسع بين الفلاسفة الإلهيين وأوهامهم، والمعتزلة وانحرافاتهم، وبين علماء اهل السنة والجماعة الراسخين، لهذا لا يملك طالب العلم إلا أن يندهش من وقوف رجل يقال عنه انه مصلح ديني موقفا أقرب للطائفة الاولى، وأبعد عن الطائفة الثانية...
 


"وأما الدعوة الثانية – التصديق بمحمد فهي التي يحتج فيها الإسلام بخارق العادة، وهذا الخارق للعادة هو الذي تواتر خبره، أي القرآن وحده، وما عداه مما ورد في الاخبار، سواء صح سندها أو اشتهر أو ضعف أو وهى، ليس مما يوجب القطع عند المسلمين، وهذا القرآن قد دعا الناس إلى النظر فيه بعقولهم، فهي معجزة عرضت على العقل، وعرفته القاضي فيها، وأطلقت له حق النظر في أنحائها، ونشر ما انطوى في أثنائها، وله منها حظه الذي لا ينتقص" ص 78


  هذا الكلام أيضا يحوي كثيرا من المغالطات، فليس القرآن وحده هو الذي تواتر خبره، بل هناك جزء غير يسير من السنة النبوية ثبتت بالتواتر، عدا عن ان معجزات كثيرة ثبتت للنبي صلى الله عليه وسلم بنص القرآن، مختلفة عن القرآن نفسه، فكيف ينكرها من يؤمن بالقرآن، ويزعم أن معجزة  (الخارق للعادة) محمد صلى الله عليه وسلم الوحيدة هي القرآن وحده؟ ومن هذه المعجزات معجزة انشقاق القمر، ومعجزة الإسراء؟ عدا عن معجزاته التي تواترت أخبارها في السنة؟ فكيف نثبت ما تواتر من القرآن؟ ونهمل ما تواتر من السنة؟   
_____________________________
   7- ذلك أنه يعتبر الوحي إلهاما وإشراقا نفسيا كما أسلفنا..
« آخر تحرير: 2008-08-10, 21:49:27 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخوتي الكرام، قمت بتعديل المداخلة السابقة، وإضافة بعض الشروحات لها، فيرجى إعادة قراءتها.. ونتابع معاً بعون الله بقية النقاط
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

2- إنكار الشيخ للسنة النبوية، وتشكيكه فيها، بطعنه في الأسانيد الصحيحة التي بلغتنا بها السنة النبوية المطهرة:وفيما يتعلق بالنصوص المأثورة عن السابقين، يفرق الأستاذ الإمام ما بين القرآن وبين غيره من النصوص، ففيما يتعلق بغير القرآن من النصوص، لا يرى الرجل لنص حصانة تعلي من شأنه على شأن العقل وما يصل إليه من براهين ومعطيات، ذلك ان الرواة ورجالات السند، لا نستطيع نحن بما لدينا من معلومات، ان نجعل من مروياتهم هذه حججا تعلو حجة العقل الذي هو أفضل القوى الإنسانية على الإطلاق... وعن قيمة هذه الأسانيد يتحدث الأستاذ الإمام إلى أحد علماء الهند فيقول له: " ما قيمة سند لا أعرف بنفسي رجاله، ولا أحوالهم، ولا مكانهم من الثقة والضبط؟ وإنما هي أسماء تتلقفها المشايخ بأوصاف نقلدهم فيها، ولا سبيل لنا إلى البحث فيما يقولون؟"  والأستاذ الإمام لا يكتفي في هذا الباب –الذي تدخل فيه أحاديث الآحاد، وهي أغلب ما روي من أحاديث- لا يكتفي بثقة الراوي فيمن روى عنه، بل يطلب أن تتوافر لنا معلومات ثقتنا في هؤلاء الرواة، وهو أمر مستحيل، فيقول: "إن ثقة الناقل بمن ينقل عنه حالة خاصة به، لا يمكن لغيره أن يشعر معه، فلا بد أن يكون عارفاً بأحواله وأخلاقه ودخائل نفسه، ونحو ذلك مما يطول شرحه، ويحصل الثقة للنفس بما يقول القائل..." وهكذا فلا سبيل أمامنا ولا مفر من عرض هذه المأثورات على القرآن، فما وافقه كان القرآن هو حجة صدقه، وما خالفه فلا سبيل لتصديق، وما خرج فيه عن الحالتين فالمجال فيه لعقل الإنسان مطلق ومفتوح... كما أن أمور العقائد والتوحيد لا يؤخذ في مباحثها بأحاديث الآحاد، وإن صحت..." إذ مجال أحاديث الآحاد هو العمليات(1) . ص 82


أقتبس للرد على هذه الفرية الشنعاء جزءا من بحثي (منهج البحث العلمي لأهل السنة) والذي كنت قد نشرته في منتديات أخرى، وأرجو لقراءة البحث كاملا تحميله من الرابط التالي:

 http://www.ayamnal7lwa.net/various/3akeda.doc



اقتباس
لقد اتفق العلماء من أهل السنة على حجية السنة النبوية، سواء منها ما كان على سبيل البيان أو على سبيل الاستقلال، قال الإمام الشوكاني:"إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بالتشريع ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام"   
وصدق الشوكاني، فلم يخالف في الاحتجاج بالسنة إلا الخوارج والروافض، فقد تمسكوا بظاهر القرآن، وأهملوا السنن، فضلـّوا وأضلوا وحادوا عن الصراط المستقيم.
وقد استفاض القرآن الكريم والسنة الصحيحة بتقرير حجية كل ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولنذكر بعض الأدلة على ذلك من القرآن:
- {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}   
- {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً}   
قال مهران بن ميمون: الرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

- {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}   
وما قضى به الرسول صلى الله عليه وسلم يشمل ما كان بقرآن أو بسنة، وقد دلت الآية على أنه لا يكفي في قبول ما جاء به القرآن والسنة الإذعان الظاهري، بل لا بد من الاطمئنان والرضا القلبي.
 
- {ومن يطع الرسول فقد أطاع الله } 
 فقد جعل الله سبحانه طاعة الرسول من طاعته، وحذر من مخالفته فقال عز شأنه:
- {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}   
فلولا أن أمره حجة ولازم لما توعد من خالفه بالنار.

- {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله إن الله شديد العقاب} 
فقد جعل سبحانه أمر رسوله واجب الاتباع، ونهيه واجبٌ الانتهاء عنه.

وأما الأحاديث فكثيرة، نختار منها الحديث التالي لما فيه من عبرة وعظة، ولما فيه من نبوءة صادقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وكلامه كله وحي يوحى.

 روى المقداد بن معديكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إنني أوتيت الكتاب ومثله    معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد...."
وقد دل هذا الحديث على معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد ظهرت فئة في القديم والحديث تدعو إلى هذه الدعوة الخبيثة، وهي الاكتفاء بالقرآن عن الأحاديث، وغرضهم هدم نصف الدين، أو إن شئت فقل تقويض الدين كله، لأننا إذا أهملنا الأحاديث والسنن فسيؤدي ذلك إلى استعجام كثير من القرآن على الأمة وعدم معرفة المراد منه، وإذا أهملت الأحاديث واستعجم القرآن فقل على الإسلام العفاء.


ومن زعم أنه يريد عرض السنة على القرآن فيأخذ من السنة ما يوافق القرآن ويترك ما يخالفه، نقول له:
أولاً- حديث عرض السنة على القرآن مكذوب، وقد جاء فيه: "إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق فخذوه وما خالف فاتركوه" وقد بين أئمة الحديث وصيارفته أنه موضوع مختلق على النبي صلى الله عليه وسلم، وضعته الزنادقة كي يصلوا إلى غرضهم الدنيء من إهمال الأحاديث.

ثانياً- قد عارض هذا الحديث بعض الأئمة فقالوا: عرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله فوجدناه مخالفاً له فتركناه، لأنا وجدنا في كتاب الله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب} . ووجدنا فيه {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}  ، ووجدنا فيه {ومن يطع الرسول فقد أطاع الله}   . وهكذا نرى أن القرآن الكريم يكذب هذا الحديث ويرده.   
                                           
      ثالثاً- وجود التخالف والخلاف بين السنة والقرآن أمر مستحيل عقلاً، لأن مصدر التشريع واحد وهو الوحي المبلغ عن الله تعالى.
رابعاً- السبيل الوحيد للتحري عن صحة الحديث هو ما سلكه علماء الأمة المحققون عبر العصور من التثبت من صحة نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ثبت وجب الأخذ به والتصديق بما فيه، كما أسلفنا في مبحث الخبر الصادق.
وقد حاول بعض المستشرقين وأتباعهم الذين صنعهم الاستعمار على يديه أن يُحْيوا ما اندرس من هذه الدعوة الخبيثة، ولكن الله سبحانه قيّض لهؤلاء في عصرنا كما قيّض لأسلافهم في القديم من وضع الحق في نصابه، ورد كيدهم في نحورهم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وإذن علينا أن ندرس الآن الجهود التي بذلها علماء الأمة على مر العصور في تحقيق السنة النبوية والتثبت منها، هل كانت كافية وافية؟ أم قاصرة تحتاج لإعادة نظر وتمحيص من متنوري هذا العصر؟
طبعاً سيجد من يطلع على هذه النوعية من العلوم والمباحث لأول مرة نفسه مذهولاً مشدوهاً عندما يدرك الجهود التي بذلت لتمحيص السنة النبوية وحفظها وتحقيقها والتثبت منها، وسنرى كم هو جاهل مغرور من يقول أنه سيُعرض عن حديث صحيح مجمع على صحته لأنه لا يوافق عقله أو لا يتماشى مع ذوقه أو فهمه الخاص.

_______________
(1) اتفق العلماء على أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقائد إن أتسقلت بالخبر ولم تحتف بالقرائن، ولكن يؤخذ بها في الأحكام والحلال والحرام، وهذا ما يسمى بالعمليات، ولكن دمج هذا الكلام مع ما قبله يفهم منه القارئ غير المتخصص بأن هذه الأحاديث لا يعتمد عليها في شيء، بعد الكلام الذي قيل عن التشكيك في سندها ونقلتها من الرجال، ولا شك أن هذا ما شعر به كل قارئ للكلام.
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

3- الهدف تمدين المجتمع على الأسلوب الغربي واستخدام العاطفة الدينية كقوة محركة، لا إحياء الحضارة الإسلامية وتجديد الدين

حدد هدفه من الإصلاح الديني عندما قال عنه: "إنه يعني تحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف هذه الأمة قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لترد من شططه، وتقلل من خلطه وخبطه، لتتم حكمة الله في حفظ نظام العالم الإنساني، وأنه على هذا الوجه يعد صديقا للعلم، باعثاً على البحث في أسرار الكون، داعياً إلى احترام الحقائق الثابتة، مطالباً بالتعويل عليها في أدب النفس وإصلاح العمل... كل هذا أعده أمراً واحداً.
وقد خالفت في الدعوة إليه رأي الفئتين العظيمتين اللتين يتركب منهما جسم الامة: طلاب علوم الدين ومن على شاكلتهم، وطلاب فنون هذا العصر ومن هو في ناحيتهم". ص 48

وبهذا نهجت مدرسة التجديد الديني طريقا ثالثاً (مختلفا عن طريق التغريب، وطريق التقليد) يبني حضارة حديثة على أسس من الدين والتراث. يقول" فهذه سبيل لمريد الإصلاح في المسلمين لا مندوحة عنها، فإن إتيانهم من طرق الادب والحكمة العارية عن صبغة الدين يحوج المصلح إلى إنشاء بناء جديد، ليس عنده من مواده شيء، ولا يسهل عليه أن يجد من عماله احداً، وإذا كان الدين كافلاً بتهذيب الأخلاق وصلاح الأعمال وحمل النفوس على طلب السعادة من أبوابها، ولأهله الثقة فيه، وهو حاضر لديهم، والعناء في إرجاعهم إليه أخف من إحداث ما لا إلمام لهم به، فلم العدول عنه إلى غيره؟"
ثم إن هذا التأسيس على الدين والتراث، لا يعني إهمال ما ليس من الدين والتراث، إذ "لو رزق الله المسلمين حاكماً يعرف دينه، ويأخذهم بأحكامه، لرأيتهم قد نهضوا، والقرآن الكريم في إحدى اليدين، وما قرر الأولون وما اكتشف الآخرون في اليد الاخرى، ذلك لآخرتهم، وهذا لدنياهم، ولساروا يزاحمون الأوروبيين فيزحمونهم"  ص 64

أرجو ملاحظة ما يلي:
- التركيز على جعل العقل حاكما للدين لا محكوما به، وقد أسلفنا سابقا حدود العقل ودوره الذي يجب ألا يغفل وألا يتجاوز حده أيضاً
- الخلط في الكلام بين العلوم العصرية ودورها في التمدن والعمران والتكنولوجيا، وبين التعويل عليها في أدب النفس وإصلاح العمل، ولا ندري ما علاقة العلم التجريبي بتهذيب النفوس وإصلاح العمل، وقد رأينا ما أفرزه العلم عندما كان في أيدي لا أخلاقية ولا دينية من دماروبؤس وشقاء للبشرية بأسلحة الدمار الشامل، وأجهزة التجسس، وتسلط القوي على الضعيف.. فالعلم ما هو إلا وسيلة، تختلف ثمارها باختلاف من يستعملها، ولا شأن له بإصلاح العمل ولا بتهذيب النفوس
-   لا ينكر الشيخ بناء أجيال على الحكمة العارية عن الدين، ولكنه يرى ذلك طريقا صعبا، ومادام يمكن تحقيق ذلك من طريق الدين، وقد اعتادته النفوس، فلماذا نعدل عنه إلى غيره، وهذا ليس كلام من باع لله نفسه، وأخذ على عاتقه مهمة إحياء الدين في النفوس، وتعبيد الناس لربهم جل وعلا، وتحقيق الخلافة في الأرض على منهج الله، ومنهج الله وحده... فالشيخ يرى أن التهذيب والصلاح والإصلاح يمكن أن نسلك له سبلا كثيرة، منها الدين، وهو الأقرب لنفوس المصريين، فلهذا نسلكه، لا على أنه الطريق الوحيد للمصريين وغير المصريين وللناس أجمعين.
-ما قرر الأولون أي الفلاسفة والحكماء، وما اكتشف الآخرون اي علماء الغرب المعاصرون من علم تكنولوجي حديث، وفي هذا الكلام خلط عجيب بين الغث والسمين، وبين العلم والثقافة، ين ما يستورد وتشترك في الإفادة منه الإنسانية جمعاء، وبين ما تفرزه المعتقدات الدينية وتتميز به شخصية الأمم.. (أرجو مراجعة ما أسلفناه من الفرق بين العلم والثقافة)
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
4- الإيمان بوحدة الأديان:

•   اشترك مع أستاذه الأفغاني في التنظيمات السياسية السرية التي أنشأها الأفغاني بمصر، فدخل الماسونية، وكانت حسنة السمعة إلى حد كبير يومئذ للدور الذي قامت به في اوروبا في العصور الوسطى ضد استبداد الأباطرة وسلطة البابوات، وسعيها في سبيل الديموقراطية والتحرر، وإبعاد نفوذ الكنيسة الرجعي عن دوائر البحث العلمي، وتحرير عقول العلماء من إرهاب رجال الدين المحافظين، ورفعها شعارات الثورة الفرنسية (الحرية والمساواة والإخاء) ولم يكن الأثر السياسي لمن في قياداتها من اليهود قد ظهر بعد في قضايا الشرق العربي المصيرية، إذ لم تكن الحركة الصهيونية الحديثة قد ظهرت بعد، ولا تكشفت نوايا اليهود العالمية بالنسبة لفلسطين، ومع ذلك فقد خاب أمله فيها مع أستاذه عندما تحققا من مهادنتها للاستبداد، وصلاتها بالنفوذ الاجنبي، وخاصة الانجليزي، ودخل الإمام مع أستاذه الأفغاني في الحزب الوطني الحر الذي كان شعاره (مصر للمصريين) أي لا للأجانب ولا للشراكسة، والذي ضم الطلائع الوطنية المستنيرة من طبقات مصر في ذلك الحين.

•   ذهب إلى بيروت منفياً في 24 ديسمبر سنة 1882م وكانت سنه يومئذ 34 عاماً، فأقام بها نحو عام، حتى دعاه أستاذه الأفغاني إلى اللحاق به في باريس في أواخر سنة 1883م . (ص 32)
•   بعد توقف (العروة الوثقى) ويأسه من العمل السياسي المباشر كوسيلة لنهضة الشرق، غادر باريس إلى تونس، ومنها إلى بيروت، سنة 1885م، على أمل العودة إلى مصر ثانية.
•   في هذه الفترة أسس جمعية سرية للتقريب بين الأديان، شارك فيها عدد من رجال الدين المستنيرين ممن ينتمون إلى الأديان السماوية الثلاثة، وكان يرى أن التقريب بين الاديان مما جاء به الدين الإسلامي: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}... يقول: " إن القرآن هو منبع الدين يقارب بين المسلمين وأهل الكتاب، حتى يظن المتأمل فيه أنهم منهم، لا يختلفون عنهم إلا في بعض أحكام قليلة، ولكن عرض على الدين زوائد أدخلها عليه أعداؤه اللابسون ثياب أحبائه، فأفسدوا قلوب أهاليه!.." (ص 34 )


من المهم أن ننتبه هنا إلى هذه الدعوة الفاسدة، خاصة وقد جاء من يجددها في هذا العصر بكل أسف... إن الآية الكريمة لا تقف عند هذا الحد، فتدعو إلى كلمة سواء ثم لا تحدد ما هي هذه الكلمة...
الآية تقول:
{ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (آل عمران 64)
ولنقرأ تفسير الآية من ابن كثير:
[هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم، {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة}، والكلمة تطلق على الجملة المفيدة كما قال ههنا، ثم وصفها بقوله: {سواء بيننا وبينكم}
أي عدل ونَصَف نستوي نحن وأنتم فيها، ثم فسرها بقوله: {أن لا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئاً} لا وثناً ولا صليباً ولا صنماً ولا طاغوتاً ولا ناراً ولا شيئاً، بل نفرد العبادة للّه وحده لا شريك له، وهذه دعوة جميع الرسل قال اللّه تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}، وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت}، ثم قال تعالى: {ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه} قال ابن جريج: يعني يطيع بعضنا بعضاً في معصية اللّه، وقال عكرمة: يسجد بعضنا لبعض، {فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} أي فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فاشهدوا أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه اللّه لكم. وقد ذكرنا في شرح البخاري عن أبي سفيان في قصته حين دخل على قيصر، فسأله عن نسب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن صفته ونعته وما يدعو إليه، فأخبره بجميع ذلك على الجلية، ثم جيء بكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقرأه فإذا فيه:
(بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فأسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللّه أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون})]


وإذن الكلمة السواء لا تعني أن نتفق نحن وأنتم على أن يتبع كل واحد دينه على طريقته، والقدر المشترك بيننا هو الاعتراف بوجود الله وعبادته بشرك أو بدون شرك... بل الكلمة السواء تعني أننا لا نطلب منكم أن تعبدوا نبينا، ولا أن تتبعونا، بل تعبدوا ربكم وربنا الذي خلقكم وخلقنا ولا نشرك به شيئا فنستوي في هذا نحن وأنتم، ولا يكون بعضنا تبعا لبعض، ولا بعضنا أربابا لبعض... فتلك هي الكلمة السواء... أي العادلة المنصفة... لا كما يروج دعاة التقريب بين الاديان بأنها تعني كلمة مشتركة بيننا نجتمع عليها ونتغاضى عمال اختلفنا فيه...

والتقريب بين الأديان مستحيل، لأن التقريب بين الحق والباطل لا يكون إلا بتشويه الحق حتى لا يعود حقا، وإنما يكون التقريب بين أتباع الديانات بالمعاملة الطيبة والعدل والإحسان.


•   في المادة الخامسة من برنامج الحزب الوطني المصري الذي صاغه الشيخ محمد عبده في ديسمبر/ كانون الاول سنة 1881 م اتخذ هذا الموقف الفكري، وحتى يؤكد أنه موقفه هو الخاص وزملاءه من علماء الأزهر وليس فقط موقف الحزب، ينص في هذه المادة على ان هذا الأمر "مسلم به عند أخص مشايخ الأزهر الذين يعضدون هذا الحزب" فيقول: " الحزب الوطني حزب سياسي لا ديني، فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب، وجميع النصارى واليهود، وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها منضم إليه، لأنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع إخوان، وأن حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية، وهذا مسلم به عند أخص مشايخ الأزهر، الذين يعضدون هذا الحزب، ويعتقدون أن الشريعة المحمدية الحقة تنهى عن البغضاء، وتعتبر أن الناس في المعاملة سواء..."
وهذا طبعا توجه زعيم سياسي وطني، لا زعيم ديني ولا مجدد للإسلام، فهو يرى الوحدة الوطنية الإقليمية مقدمة على وحدة العقيدة والدين، وبالتالي فاليهودي المصري أقرب له من المسلم الشركسي، وهذا بالطبع مناف للقيم الإسلامية التي تنادي بأن سلمان (الفارسي) منا آل البيت، وبأنه (تبت يدا أبي لهب وتب) وهو الهاشمي القرشي.. وتصف الدعوة القبلية والعنصرية بأنها جاهلية ومنتنة، وعلينا ألا ننسى أن ذلك العصر لم يكن عصر الجنسيات المتعددة لأبناء الأمة الواحدة بعد، فالدعوة للوطنية لم تكن إلا أداة لتمزيق وحدة الجسم المسلم الذي كان لا يفرق بين الشامي والمغربي في ظل الخلافة الإسلامية الواحدة، تماما كما بزغت اليوم الدعوة في العراق لتمييز الأكراد عن العرب، وفي الجزائر لتمييز الأمازيغ عن العرب، فكلها دعوات عنصرية تهدف للتفريق بين أبناء العقيدة الواحدة، وتمزيق جسم الامة الواحدة، تطبيقا لمبدأ فرق تسد.. ونحن لا نتهم الشيخ في أنه كان يخطط لهذا بالطبع، ولكن نبين كيف أنه كان أداة طيعة لتنفيذ المخطط الاستعماري في التفريق والتمزيق دون أن يشعر، مما يبين بوضوح أن لقب مجدد ومصلح إسلامي لقب لا يمت لأعماله بصلة.

•   ولم يكن موقف الأستاذ الإمام  هذا من قضية الوحدة الوطنية والقومية لأبناء الامة، على اختلاف شرائعهم الدينية، لم يكن هذا الموقف مجرد (موقف سياسي) تمليه ظروف سياسية، طارئة او دائمة، وإنما كان موقفاً (فكرياً- إسلامياً)، مؤسساً على ما ذهب إليه الإسلام من وحدة الدين الإلهي، والمقتضية إخاء أتباع الشرائع السماوية، الذين اقتضت حكمة الله ومشيئته التكوينية أن يظلوا أمماً متعددة، إذ لو شاء الله لجعلهم أمة واحدة، ولكن لا يزالون مختلفين!..
•   فكأنما كانت مدرسة التجديد الديني، وهي تعالج هذه القضية، علاجاً إسلامياً إنما تقول: إن لهذه الأمة العربية المسلمة، الأسلوب المتميز في التقدم ومجابهة التحديات، فإذا كانت علمانية الغرب تبني الوحدة الوطنية والقومية بإخراج الدين من ساحة الدولة والدنيا، فإن حضارتنا العربية الإسلامية تبني هذه الوحدة على أساس من نظرة الإسلام إلى وحدة الدين الإلهي، ومن ثم وحدة المتدينين بهذا الدين الواحد، مع تعدد الشرائع التي هي طرق يسلكونها للتدين بالأصول المتحدة للدين الواحد.... فنحن نبني وحدتنا القومية بالدين، لا على أنقاض الدين!!" ولقد عرض الأستاذ الإمام لهذه القضية –قضية وحدة الدين- في مواطن عدة من آثاره الفكرية، وخاصة عند تفسيره لآيات القرآن الكريم التي تحدثت عن أهل الكتاب.. وهو في هذه المواطن قد قرر عدداً من المبادئ الإسلامية البالغة الاهمية.. وذلك مثل:
-   وحدة الدين .. ونجاة أبناء الشرائع المختلفة إن هم تدينوا بأصوله الواحدة، التي هي: الالوهية الواحدة، والإيمان بالبعث والجزاء، والعمل الصالح.
-   والفروق بين المسلمين وأهل الكتاب ليست من الخطر بحيث تخرج الكتابيين من إطار الإيمان والتدين بالدين الإلهي!!..
-   وأهل الكتاب لم ينبذوا كل الكتب السماوية!!
-   والمودة والرحمة هما طبيعة العلاقة بين المسلمين والكتابيين...  ص 98 – 103
هذا الكلام فيه تلبيس وخلط عجيبان جدا.. فكما أسلفنا إن كان التدين بالمسيحية أو اليهودية والإعراض عن الإسلام يجعل المرء ناجيا عند الله، ففيم كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود والنصارى، وفيم كان قوله:
والذي نفسي محمد بيده ! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار (رواه مسلم)

إخوتي الكرام.. من يثيرون هذه الشبهة يستندون إلى أمثال الآية الكريمة التالية:

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ...} (البقرة 62)

ولنقرأ تفسير ابن كثير للآية:
[نبّه تعالى على أن من أحسن من الأُمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة، كلُّ من اتبع الرسول النبي الأُمّي فله السعادة الأبدية، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه... عن مجاهد قال: قال سلمان رضي اللّه عنه: سألت النبي صلى اللَه عليه وسلم عن أهل دين كنتُ معهم فذكرت من صَلاتهم وعبادتهم، فنزلت: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن باللّه واليوم الآخر} إلى آخر الآية. وقال السُّدي: نزلت في أصحاب ""سلمان الفارسي""بينا هو يحدِّث النبي صلى اللَه عليه وسلم إذا ذكر أصحابه فأخبروه خبرهم فقال: كانوا يصلون، ويصومون، ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبياً، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له النبي صلى اللَه عليه وسلم : يا سلمان هم من أهل النار( فاشتد ذلك على سلمان فأنزل اللّه هذه الآية فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنّة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى، فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسُنَّة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكاً، وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمناً مقبولاً منه حتى جاء محمد صلى اللَه عليه وسلم فمن لم يتبع محمداً صلى اللَه عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكاً.
قلت وهذا لا ينافي ما روي عن ابن عباس {إن الذين آمنوا والذين هادوا} الآية قال: فأنزل اللّه بعد ذلك: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقه ولا عملاً إلا ما كان موافقاً لشريعة محمد صلى اللَه عليه وسلم بعد أن بعثه بما بعثه به، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة، فاليهود أتباع موسى عليه السلام الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم،... فلما بعث عيسى صلى اللَه عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، .... فلما بعث اللّه محمداً صلى اللَه عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر، وهؤلاء هم المؤمنون حقاً وسمِّيت أُمّة محمد صلى اللَه عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم، وشدة إيقانهم، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية.]


أعتقد أن الأمور قد اتضحت الآن... فمن آمن برسول وكتاب، فهذا يعني انه آمن بمن أرسله وهو الله تعالى، فإذا كفر برسول آخر وبكتابه، فهذا يعني أنه رفض رسالة أخرى أتته من هذا الرب المرسل، أي كفر به بعد إيمان، فما عاد من المؤمنين بل من الكافرين، وصار ارتباطه بشخص العبد الرسول، لا بالرب المرسل، يتبعه ويطيعه أيا كان رسوله وكتابه..
وعلينا ألا ننسى أن كل نبي كان يأخذ على أتباعه العهد والميثاق أن يتبعوا أي رسول يأتيهم من الله تعالى إن تبين لهم صدقه، بل ويعلمهم كيف يميزون الأنبياء الكذبة من الأنبياء الصادقين، ومن يقرأ في الإنجيل يقرأ وصايا عيسى عليه السلام لقومه بهذا الشأن، ويخبرهم أن (من ثمارهم تعرفونهم) ليميزوا النبي الصادق من مدعي النبوة، فمن يكفر بعد ذلك بالنبي المرسل الذي تبين صدقه وأيده الله بالمعجزات، وجاءت رسالته تصديقا لرسالة من سبقه من أنبياء، فهو بهذا إنما يعصي نبيه ويضرب بوصيته عرض الحائط، أي أنه كفر بنبيه وعصاه لما كفر بالنبي الجديد ولم يتبعه..

 { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ }   (آل عمران 81 – 82)

وعلينا أن نعلم أن اليهود كانوا من أمة موسى عليه السلام، فمن آمن منهم به فقد نجا، ومن كفر به وعصاه فقد هلك، ثم لما بعث فيهم عيسى عليه السلام صاروا من أمته، فمن آمن منهم به وأطاعه فقد نجا، ومن كفر منهم به (وإن بقي على شرعة موسى) فقد كفر بما أرسله الله وأنزله، فقد هلك، ثم لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم رسولا للعالمين وللناس كافة { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } (سبأ 28) صار كل الناس من أمته، وهذه نسميها (أمة دعوة) فمن آمن منهم به فقد نجا وهي (أمة الإجابة) ومن كفر منهم به من يهود أو نصارى أو مجوس أو ملحدين أو وثنيين فقد هلكوا، لأنهم كفروا بالنبي الذي أرسل لهم.. { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ } (آل عمران85)

وهذا الذي أسلفناه لا يعني بحال أنها دعوة تحريضية ضد أتباع الديانات الاخرى، فقد أمرنا ديننا ببرهم والإحسان إليهم، مالم يحاربونا في الدين ويخرجونا من أرضنا، ولكنها دعوة لتمييز الحق من الباطل، وتوضيح المبادئ، وكشف التلبيس، وتثبيت الإيمان بالحق، وشحذ الهمم لدعوة أهل الكتاب للدين الحق لإنقاذهم من الهلاك يوم المعاد.
« آخر تحرير: 2008-08-11, 14:47:33 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
نكتفي بهذا القدر اليوم، ونترك المجال للإخوة والاخوات للقراءة والتفكير، ونتابع بقية النقاط غدا إن شاء الله
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


5- الدعوة لدولة علمانية

فيما يتعلق بطبيعة السلطة السياسية في المجتمع، وهل هي سلطة دينية أم مدنية؟ وفهم الأستاذ الإمام لموقف الإسلام من هذه القضية .. نلتقي بفكر واضح ومحدد وحاسم قدمه الشيخ محمد عبده في هذا الموضوع.. فهو يرفض رفضا قاطعاً أن يكون الدين الإسلامي نصيراً لقيام سلطة دينية في المجتمع بأي وجه من الوجوه وبأي شكل من الأشكال، ويقيم على ذلك الحجج ويقدم لذلك البراهين...
فهو يقول مثلاً: " إنه ليس في الإسلام سلطة دينية، سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير، والتنفير عن الشر، وهي سلطة خولها الله لأدنى المسلمين يقرع بها أنف أعلاهم، كما خولها لأعلاهم يتناول بها أدناهم"
بل يذهب إلى ما هو أبعد من هذا، فيرى ان إحدى المهام التي جاء لها الإسلام ونهض بها في المجتمع الذي ظهر فيه، والتي تعتبر أصلا من أصوله، هي قلب السلطة الدينية، واقتلاعها من الجذور، فيقول: " أصل من أصول الإسلام قلب السلطة الدينية والإتيان عليها من أساسها. هدم الإسلام بناء تلك السلطة، ومحا أثرها، حتى لم يبق لها عند الجمهور من أهله اسم ولا رسم. لم يدع الإسلام لأحد بعد الله ورسوله سلطاناً على عقيدة أحد، ولا سيطرة على إيمانه، على أن الرسول عليه السلام كان مبلغاً ومذكراً، لا مهيمناً ولا مسيطراً، وليس لمسلم مهما علا كعبه في الإسلام على آخر مهما انحطت منزلته فيه إلا حق النصيحة والإرشاد، فالمسلمون يتناصحون، وهم يقيمون امة تدعو إلى الخير، وهم المراقبون عليها، يردونها إلى السبيل السوي إذا انحرفت عنه، وتلك الامة ليس لها عليهم إلا الدعوة والتذكير والإنذار"   ص89
 
وهو لا ينفي وجود السلطان الديني والسلطة الدينية عن القيادة السياسية العليا للمجتمع فحسب، بل وينفي اعتراف الإسلام بها وإقراره لها بالنسبة لأي مؤسسة من المؤسسات التي تمارس سلطة من السلطات في مجتمع المسلمين، مثل المؤسسات التي تتولى (القضاء) أو ( الإفتاء) أو قيادة (علماء الدين/ شيخ الإسلام) ... فيتحدث قائلاً: " يقولون: إن لم يكن للخليفة ذلك السلطان الديني، أفلا يكون للقاضي؟ أو للمفتي؟ أو لشيخ الإسلام؟؟.. وأقول: إن الإسلام لم يجعل لهؤلاء أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام، وكل سلطة تناولها أحد من هؤلاء، فهي سلطة مدنية قدرها الشرع الإسلامي، ولا يسوغ لواحد منهم أن يدعي حق السيطرة على إيمان أحد أو عبادته لربه، أو ينازعه في طريقة نظره..."
وهو يرى ان منبت هذه القضية، قضية توحيد السلطة السياسية والدينية، إنما هو الدين المسيحي، الذي جعل ذلك أصلاً من أصوله، بينما يقف الإسلام ضد هذا التوحيد والجمع بين السلطتين، فيقول: "إن الجمع بين السلطتين السياسية والدينية هو الذي يعمل البابوات وعمالهم من رجال (الكثلكة) على إرجاعه، لأنه أصل من أصول الديانة المسيحية عندهم، وإن كان ينكر وحدة السلطة الدينية والمدنية من لا يدين بدينهم..." 
ولا ينسى الرجل أن يلتفت إلى أحداث التاريخ الإسلامي ليقيمها بهذا المعيار، فيصف الفتوحات الإسلامية بانها أعمال سياسية حربية، تتعلق بضرورات الملك ومقتضيات السياسة، ومن ثم فهي ليست بالحروب (الدينية)، فلقد " أشهر المسلمون سيوفهم دفاعاً عن أنفسهم، وكفّاً للعدوان عليهم، ثم كان الافتتاح بعد ذلك من ضرورة الملك..."

سبحان الله
بصراحة كلام يرفع الضغط :emoti_144:

أولا أحب أن اوضح أن الدين المسيحي هو الذي يقول: (أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله) أي أنه يفصل تماما بين السلطة السياسية والدينية وهذا أصل من أصوله.. فلقيصر السلطة على الأموال وسن القوانين وسياسة الدولة، وللقساوسة حقوق الغفران والحرمان من مملكة السماء، أي الحكم الروحي. وإنما كان بعض الحكام الأوروبيين يسعون للحصول على مباركة القساوسة بعد تغلبهم على الحكم، ليجمعوا في أيديهم السلطتين الروحية والزمنية.

ولكي نوضح موقف الإسلام من هذه القضية علينا أن نبين أولا ما المقصود بالسلطة الدينية:
ليس في الإسلام سلطة دينية بالمفهوم الذي ذكره الشيخ، أي السلطة الروحية،  فليس لأحد أن يتسلط على عقائد الناس ولا أن يحاكم إيمانياتهم.. ولا أن يمنحهم الغفران، ولا أن يحل بهم لعنات السماء، وإنما يحاكم السلوك والعمل، فيقر الصواب، ويبطل الخطأ، ويعاقب عليه، ومحاكمة السلوك والعمل هي سلطة سياسية.. ولكن كيف نحكم على العمل؟ وبالرجوع لأي مبادئ؟ لمبادئ وضعية؟ للقانون الذي تصوت عليه الأغلبية؟ للمثل والقيم التي يقررها الحكماء والفلاسفة كما قال الشيخ في مواضع أخرى؟
لا
بل نحاكم الأعمال والسلوكيات وفق مبادئ الإسلام... فمن شرب الخمر فهو آثم، ولابد من إقامة الحد عليه، ومن سرق فهو آثم ولا بد من حده، ومن قتل نفسا بغير نفس فلا بد من الاقتصاص منه..
ومن حرم بعض الورثة من ماله، أو زاد لبعض الورثة نصيبهم على حساب بعض، لا تنفذ وصيته، ويوزع ماله رغم أنفه وفق قوانين الميراث الشرعية.
ومن منع الزكاة تؤخذ منه عنوة ومعها شطر ماله عقوبة له.
ومن احتكر يعاقب، ومن غش في البيع يبطل عقد بيعه لأنه غرر بالمشتري
فإقامة الحدود، وتحقيق القصاص، وردع المعتدي، وإحقاق الحقوق، ومراقبة المال العام، كل هذا له قوانين مفصلة ودقيقة في شريعة الإسلام الربانية، لم يضعها العلماء ولا الفقهاء، بل وضعها رب الأرض والسماء، ولا بد من سلطة تقوم بها وتنفذها، هي السلطة السياسية.
فالإسلام ليس فيه سلطة دينية روحية (بمعنى محاكمة العقائد ومنح الغفران أو اللعنة) بل سلطة سياسية لإحقاق العدل وإقامة الشرع وصيانة الحقوق، وردع المخالفين، وتحقيق القصاص وإقامة الحدود، وصيانة الدولة.
ولنوضح الامر أكثر.. فإن الديموقراطيات الحديثة تقسم السلطات في الدولة إلى ثلاث سلطات، تؤكد النظم الديموقراطية على وجوب فصلها واستقلال كل منها عن الاخرى، وهي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية..
السلطة التشريعية في الديموقراطيات عبارة عن البرلمان او مجلس الشعب... ولكنها في الإسلام هي الكتاب والسنة.. فالتشريع لا يكون لبشر على بشر، بل التشريع والحكم لله وحده... ويبقى للفقهاء والعلماء الاجتهاد وسن القوانين في الفرعيات والجزئيات اللامتناهية بحسب تغير الأزمان والاماكن، ولكن ضمن إطار الدستور العام للكتاب والسنة... وهذا ما تقوم به دور الإفتاء...
وأما السلطة التنفيذية فهي للحاكم ومن يعينه، والقضائية للقضاة، فالاولى لتنفيذ الدستور والقانون وحماية حقوق الناس، والثانية لفصل الخصومات، وكلتاهما تستمد شرعيتها من استنادها وتقيدها بضوابط الشريعة وأحكامها، وتزول عنها الحصانة والسلطة إن خالفت نصوص الشريعة...

فالفرق إذن بين النظامين في السلطة التشريعية... فهي للبشر في الديموقراطيات، وهي لله عز وجل في الإسلام..

وبالتالي فالسلطة السياسية يتولاها الخليفة او الأمير أو الحاكم، لا مشاحة في اللقب، ولا في كيفية وصوله للحكم، فقد يكون بالتعيين أو بالانتخاب العام أو بترشيح أهل الحل والعقد له..... طرق مختلفة، تداولها المسلمون بحسب ظروفهم، ولم يحدد الإسلام لها شكلا ثابتا، ولكن الدستور ثابت، وهو كتاب الله وسنة رسوله، والقوانين -كما أسلفنا- التي هي اجتهادات الفقهاء في الامور التنظيمية والتفصيلية تتغير وتتطور بحسب الزمان والمكان والحاجات المستجدة، ولكن تبقى متحركة ضمن إطار الدستور الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل..

ومن هنا نرى أن مثل هذه الدعوة التي أطلقها الشيخ، في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر، والذي فرض قوانينه الوضعية، ونحّى (اي أبعد) حكم الشريعة الإسلامية، هي دعوة باطلة هدامة، لا تمت للدين وتجديده وإصلاحه بصلة. ففي الإسلام سلطة تنفيذية مجبرة على تنفيذ أحكام الله وإقامة حدوده، وليست السلطة فيه فقط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والإرشاد كما يقول.

وأما قوله عن الفتوحات الإسلامية وأنها كانت لضرورات الملك، فباطل ما بعده باطل، وكأنه يبرر للإنجليز احتلالهم لمصر لأنه أيضا كان من ضرورات الملك بالنسبة لهم..
فلماذا كان المسلمون إذن يرجعون عن الشعوب التي تعتنق الإسلام ولا يبسطون عليها نفوذهم ولا يحصلون منها جزية ولا ضريبة إن رضيت بحكم الله؟ أليس لأن هدفهم من الفتوحات نشر دين الله والدعوة إليه؟
والبلاد التي لا تعتنق الإسلام ولكن تدخل في طاعتهم يكتفون بتحصيل الجزية منها شرط أن تحكم بشريعة الإسلام لتحقيق العدل بين أبنائها، وتفسح المجال لنشر الدعوة في ربوعها، والجزية مبلغ ضئيل يقل عن الزكاة المفروضة على المسلمين، ولا يقارن أصلا بالثروات التي تنتهبها قوى الاحتلال الأجنبي التي تحل بأي أرض لأغراض سياسية أو لضرورات الملك كما يزعم. لهذا لم تفتقر أي أرض وصلها الفاتحون المسلمون، ولم يسدها الجهل ولا التخلف، بل فاض عليها العلم والعدل، وبقيت لها أموالها وثرواتها محفوظة نامية مستثمرة، فانتقلت من الظلام للنور، ومن الفساد للصلاح، ومن الجور للعدل والمساواة الحقيقية، لا مساواة الشعارات والهتافات الكاذبة..
وتاريخ الاندلس خير شاهد على ذلك، فما الذي حمله لها الفاتحون المسلمون من علوم وحضارة وأخلاق، حتى صارت مركز إشعاع حضاري لكل القارة الاوروبية، دون ان ينقص من ثرواتها او خيراتها شيء... قارنوا هذا بما حصل لمصر في عهد الاحتلال الفرنسي والبريطاني، حتى تحولت من أغنى دولة من دول العالم إلى دولة فقيرة تعاني الغالبية فيها من المعيشة تحت خط الفقر، وارتفاع نسبة الامية، والجهل والمرض، وغرق ميزانية الدولة في الديون والقروض... بل قارنوا هذا بما يحدث في العراق الآن في ظل الاحتلال الامريكي... لنفهم الفرق بين الفاتح المسلم وبين المحتل الأجنبي... وهو لعمري فرق ما بين الثرى والثريا.
 
« آخر تحرير: 2008-08-12, 12:51:33 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

6- الرضا بالاحتلال الأجنبي

- سعى من بيروت لدى أصدقائه كي يطلبوا له العفو ليعود إلى مصر... وكان تلميذه سعد زغلول يلح على الاميرة نازلي هانم فاضل كي تستخدم نفوذها عند كرومر للعفو عن الإمام... وسعى لذلك أيضا الشيخ علي الليثي والغازي أحمد مختار باشا وكيل السلطان بالقاهرة: وعندما اقتنع كرومر بأن الإمام لن يعمل بالسياسة وأنه سيقصر نشاطه على العمل التربوي والثقافي والفكري استخدم نفوذه في استصدار العفو من الخديوي توفيق، فعاد الأستاذ الإمام إلى مصر في سنة 1889م . ص 38

- كان يدرك أن الود المفقود بينه وبين الخديوي توفيق سيظل مفقوداً، فسلك طريق العلاقات المباشرة مع اللورد كرومر، وقدم إليه مباشرة اللائحة التي كتبها لإصلاح التربية والتعليم بمصر. ص 39

- اصطدمت سياسة الوفاق بينه وبين الخديوي عباس بعاملين أساسيين:
أولهما: مذهب الإمام المعتدل في السياسة إزاء الإنجليز، والذي جعله يهادن كرومر وسلطة الاحتلال، فلا يعتبر معركته المباشرة ضدهم، وإنما ضد العقبات التي تحول دون إصلاح الازهر والأوقاف، والمحاكم الشرعية، والتربية والتعليم. وهو الموقف الذي رضي عنه الإنجليز ورضوا به، لانه يتيح لهم الهدوء والاستقرار.
وثانيهما: معارضة الأستاذ الإمام وحسن باشا عاصم لمطامح الخديوي في أراضي الاوقاف، عندما أراد استبدال بعض أراضيه بأخرى من أراضي الأوقاف...  ص 41

الامر هنا لا يحتاج لتعليق
::what::
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك


8-   الجرأة الكبيرة على الفتوى المستندة إلى الرأي المحض


أ- إباحة النحت ورسم ذوات الأرواح والتماثيل

لقد طرق الأستاذ الإمام، بميدان الإصلاح في حقل الآداب، باباً لازال يحجم عن طرقه وفتحه الأغلب الأعم من علماء الدين: باب الفن، رسماً كان أو نحتاً؟!..
فالحركة الفنية التي يعبر أعلامها بالرسم والنحت عن وجدان الامة، فيخلدون لها القيم، ويرقون منها الأذواق، لازالت الأغلبية الساحقة من علماء الدين ينظرون إليها نظرهم إلى منكر ورجس من عمل الشيطان!.. وحتى الذين لا ينظرون إليها هذه النظرة، تراهم يحجمون عن إعلان قبول الإسلام لهذه الفنون، لأنهم أسرى روايات ومأثورات في صحاح الأحاديث، وقفوا أمامها عاجزين عن التأويل، ناكصين عن البحث عن الملابسات التي قيلت فيها هذه الأحاديث، وعن التغير الذي أصاب الحياة فذهب بهذه الأسباب والملابسات، فالحديث النبوي الشريف: " إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون" (رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن حنبل، وفي الدارمي والترمذي أحاديث بنفس المعنى، مع اختلاف في اللفظ)، وما روي في معناه، لا يزال حاضراً بين علماء الإسلام وبين إجازة الرسم والنحت والتصوير إسلامياً، ومباركة دور هذه الفنون في ترقية حياة المسلمين!..
ولقد عرض الأستاذ الإمام لهذه القضية، قضية دور الفنون التشكيلية في حياة الامة، أثناء سياحته في جزيرة صقلية سنة 1903م، ففي صقلية زار المتاحف والمقابر، ومواطن الآثار التي تحفظ وتحكي، بالصور والتماثيل، آثار الغابرين، وكان يرسل إلى مجلة (المنار) فصولاُ يحكي فيها مشاهداته في رحلته، وفي هذه الفصول كتب عن هذه الفنون، وعرض لرأي الإسلام في الصور والرسوم والتماثيل..
والذين يتأملون الصفحات التي كتبها حول هذه القضية، يطالعهم الرجل ذواقة للفن، عاشقاً للإبداع الفني، الامر الذي يضيف إلى تجديده الادبي واللغوي قسمة أخرى، تجعل له فضلاً لا ينكر في السعي لتجديد حياة الامة بواسطة الفنون... فهو يتحدث عن منافع هذه الفنون ودورها في في حفظ تراث الأمة على مر الازمنة، وما يعنيه ذلك من حفظ للعلم، والحقيقة والتاريخ ، كي تظل شاهدة فاعلة لمن يأتي من أجيال، يقول: "فحفظ الآثار –الرسوم والتماثيل- هو حفظ للعلم والحقيقة، وشكر لصاحب الصنعة على الإبداع فيها!.."
 ويقول: "إن الراسم قد رسم، والفائدة محققة لا نزاع فيها، ومعنى العبادة وتعظيم التمثال او الصورة قد محي من الأذهان، فإما أن تفهم الحُكم من نفسك بعد ظهور الواقعة، وإما ان ترفع سؤالاً إلى المفتي وهو يجيبك مشافهة –(لاحظ أن المفتي هو المتكلم!؟)-.. فإذا أوردت عليه الحديث الصحيح... فالذي يغلب على ظني أنه سيقول لك: إن الحديث جاء في أيام الوثنية، وكانت الصور تتخذ في ذلك العهد لسببين: الأول، اللهو، والثاني: التبرك بمثال من ترسم صورته من الصالحين. والأول مما يبغضه الدين، والثاني مما جاء الإسلام لمحوه، والمصور في الحالين شاغل عن الله او ممهد للإشراك به، فإذا زال هذان العارضان، وقصدت الفائدة، كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر في المصنوعات.. ...
وبالجملة، إنه يغلب على ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من ان تحرم وسيلة من أفضل وسائل العلم، بعد تحقيق أنه لا خطر فيها على الدين، لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل"

لست أدري هل يحتاج الأمر إلى تعليق أم لا؟
الشيخ يقر أن التحريم ورد في أحاديث صحيحة، لكنه يرى اننا يمكن أن نعمل ذكاءنا لنؤول دلالة الاحاديث الصحيحة، أي نخترع لها معنى غير معناها الظاهر في التحريم، لنبيح ما حرمه الله، ونخالف إجماع علماء الامة على تحريمه.. وما الضرورة لذلك؟ أنه رأى أن التصوير والنحت من ضرورات العلم والتاريخ؟
ولنطرح سؤالا هنا: هل ضاع تاريخ الامة الإسلامية الذي امتد خمسة عشر قرنا لأنها أعرضت عن النحت والتماثيل؟ وهل نقصت الحضارة الإسلامية التي بلغت في عهود قوتها المحيطين شرقا وغربا، وجنوب أوروبا شمالا، لأن أهلها لم يستخدموا النحت والتماثيل؟
وما علاقة النحت والتصوير بالرقي الأخلاقي، والتاريخ يشهد لنا بأن المشتغلين بالفن والنحت بل والموسيقى هم أحط الناس أخلاقاً؟؟ ودونكم اقرؤوا السيرة الذاتية لأي نحات أو موسيقار عالمي أو مشهور لتعرفوا الرقي الاخلاقي الذي بلغوه.. من ادمان للخمور الى مقارفة للزنى الى خيانات زوجية... لتعرفوا دور الفن في تهذيب الأنفس!!
وإنما الفن مجرد وسيلة، تفرز الشر والخير بحسب من يستخدمها، وبحسب دينه وأخلاقه، وينبغي ان تبقى الوسائل محكومة بالضوابط الشرعية لا تتعداها..
وأما زوال شبهة الوثنية فمن أين أتى بها ولا زالت شعوب كثيرة في العالم رغم تطورها التكنولوجي ترزح تحت نير الوثنية كاليابان والصين، ولا زال الجهلة يتبركون بالصور والتماثيل لمن يعتقدون صلاحهم وبركتهم من اولياء، فكيف يزعم زاعم أن عارض الشرك أو التمهيد للشرك قد زال؟

]
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

ب- منع تعدد الزوجات إلا لمن كانت زوجه عقيماً:
أما موقف الرجل من مشكلة تعدد الزوجات، فلقد خلف لنا فيها آراء إصلاحية لازلنا ننادي بتطبيقها، ولم تطبق حتى الآن، وهذه الآراء قد حسمت القضية بموقف إسلامي مستنير، يرى تحريم تعدد الزوجات إلا في حالة الضرورة القصوى، بل وحصر هذه الضرورة في حالة واحدة، هي عجز الزوجة عن الإنجاب. ويجيب عن سؤال: "هل يجوز منع تعدد الزوجات؟؟" بإجابة حاسمة فيقول: " نعم... لأن العدل المطلق شرط واجب التحقق... وتحقق هذا العدل "مفقود حتماً"... ووجود من يعدل في هذا الامر هو امر نادر، لا يصح أن يتخذ قاعدة... كما أن في التعدد ضرراً محققاً يقع بالزوجات، وتأريثاً للعداوة بين الاولاد... فللحاكم وللعالِم، بناء على ذلك، أن يمنع تعدد الزوجات مطلقاً.. اللهم إلا في حالة ما إذا كانت الزوجة عقيماً، فإن للقاضي أن يتحقق من قيام هذه الضرورة، (ضرورة الإنجاب)، فيبيح الزواج باخرى غير الزوجة العقيم.."

والصحابة عندما عددوا الزوجات وإجماع المسلمين على إباحة ذلك بتحقق العدل المادي الظاهري، لا القلبي الذي وحده لا يمكن أن يتحقق، كل هذا لا وزن له؟

ويقال لنا إن الله أباح التعدد بشرط العدل، وتحقيق العدل مفقود حتما، فالله أباح شيئا لا يمكن أن يتحقق أبدا، فالشريعة إذن عبث، والمشرع ليس حكيما، لأنه أباح شيئا لا يمكن تحقيقه حين قال { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا }  (النساء 3)


ج- منع الطلاق إلا بإذن القاضي


وعندما أراد أن يحدد الطريقة المثلى لتلافي فوضى الطلاق في المجتمع وكثرته، حدد هذه الطريقة في عدد من المواد القانونية المقترحة، وهي:
المادة الاولى: "كل زوج يريد أن يطلق زوجته فعليه ان يحضر أمام القاضي الشرعي أو المأذون الذي يقيم في دائرة اختصاصه، ويخبره بالشقاق الذي بينه وبين زوجته".
المادة الثانية: "يجب على القاضي أو المأذون أن يرشد الزوج إلى ما ورد في الكتاب والسنة من ان الطلاق مكروه عند الله، وينصحه ويبين له تبعة الأمر الذي سيقدم عليه، ويأمره ان يتروى مدة أسبوع".
المادة الثالثة: إذا أصر الزوج بعد مضي الأسبوع على نية الطلاق، فعلى القاضي او المأذون أن يبعث حكماً من أهل الزوج، وحكماً من أهل الزوجة، أو عدلين من الأجانب، إن لم يكن لهما أقارب، ليصلحا بينهما."
المادة الرابعة: "إذا لم ينجح الحكمان في الإصلاح بين الزوجين، فعليهما أن يقدما تقريراً للقاضي أو المأذون، عند ذلك يأذن القاضي أو المأذون للزوج بالطلاق"
المادة الخامسة: "لا يصح الطلاق إلا إذا وقع أمام القاضي أو المأذون وبحضور شاهدين، ولا يقبل إثباته إلا بوثيقة رسمية."

وهذا عين ما يطبق في الدول العلمانية اللادينية ومنها تركيا، وهو مخالف لأحكام الشريعة التي جعلت الطلاق بيد الزوج، ولم ترغم الزوجين على اللجوء للمحاكم إن أستطاعا ان يحلا الامور بينهما بالحسنى، سواء بالعودة للعشرة بالمعروف، أو بالتسريح بإحسان، حفاظا على أسرار البيوت، ومنعا للبغضاء التي تثيرها النزاعات القضائية، وإبقاء لخط الرجعة بينهما.. ولا ندري ما يكون مصير الزواج في هذه الحالة إن طلق الزوج زوجته دون اللجوء للمحكمة، فهي ستحرم عليه شرعا، وتبقى على ذمته قانونا، فهل تتصل به فتكون آثمة، أم تتمنع عنه فيطلبها رغما عنها بقوة القانون؟ هذه هي الفوضى الحقيقية..

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
إخوتي الكرام
تلك كانت جولات مع فكر الشيخ محمد عبده

ولنتذكر دوما أننا لا نحاكم الاشخاص ولا النوايا، فذلك لا يكون الا لله عز وجل، اللطيف الخبير، ولكننا نحكم على الافكار والاعمال، فنحذر من فاسدها حتى لا يقتدي بها من يحسبها هدى وهي غير ذلك..

سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا انت، أستغفرك وأتوب إليك

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

ماما فرح

  • زائر

جزاك الله خيراً

أنقل هنا فقرة من كتاب للأستاذ سيد قطب تناول فيها طرفاً من أفكار الشيخ محمد عبده كمثال لخطأ يقع فيه بعض المسلمين عند الاستغراق في رد شبهة أو انحراف فيسقطون بالمقابل قيمة من قيم الإسلام

كما يستغرق بعض المسلمين في الرد على شبهة انتشار الإسلام بحد السيف فيسقطون قيمة الجهاد في الإسلام

يعني أحياناً يكون الأمر اجتهاد بحسن نية أدى إلى خطأ كبير

والله أعلم


اقتباس
أما البحوث التي كتبت للرد على انحراف معين، فأنشأت هي بدورها انحرافاً آخر، فأقرب ما نتمثل به في هذا الخصوص، توجيهات الأستاذ الإمام الشيخ "محمد عبده". ومحاضرات "إقبال" في موضوع: "تحديد الفكر الديني في الإسلام"( ).

لقد واجه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، بيئة فكرية جامدة، أغلقت باب "الاجتهاد" وأنكرت على "العقل" دوره في فهم شريعة الله واستنباط الأحكام منها، واكتفت بالكتب التي ألفها المتأخرون في عصور الجمود العقلي وهي – في الوقت ذاته- تعتمد على الخرافات والتصورات الدينية العامية!

 كما واجه فترة كان "العقل" فيها يعبد في أوربا ويتخذه أهلها إلهاً، وخاصة بعد الفتوحات العلمية التي حصل فيها العلم على انتصارات عظيمة، وبعد فترة كذلك من سيادة الفلسفة العقلية التي تؤله العقل!

 وذلك مع هجوم من المستشرقين على التصور الإسلامي، وعقيدة القضاء والقدر فيه، وتعطيل العقل البشري والجهد البشري عن الإيجابية في الحياة بسبب هذه العقيدة … الخ.

فلما أراد أن يواجه هذه البيئة الخاصة، بإثبات قيمة "العقل" تجاه "النص". وإحياء فكرة "الاجتهاد" ومحاربة الخرافة والجهل والعامية في "الفكر الإسلامي".. ثم إثبات أن الإسلام جعل للعقل قيمته وعمله في الدين والحياة، وليس – كما يزعم "الإفرنج" أنه قضى على المسلمين" بالجبر" المطلق وفقدان "الاختيار" ..

لما أراد أن يواجه الجمود العقلي في الشرق، والفتنة بالعقل في الغرب، جعل "العقل" البشري ندّاً للوحي في هداية الإنسان، ولم يقف به عند أن يكون جهازاً –من أجهزة – في الكائن البشري، يتلقى الوحي. ومنع أن يقع خلاف ما بين مفهوم العقل وما يجئ به الوحي. ولم يقف بالعقل عند أن يدرك ما يدركه، ويسلم بما هو فوق إدراكه، بما أنه – هو والكينونة الإنسانية بجملتها- غير كلي ولا مطلق، ومحدود بحدود الزمان والمكان، بينما الوحي يتناول حقائق مطلقة في بعض الأحيان كحقيقة الألوهية، وكيفية تعلق الإرادة الإلهية بخلق الحوادث.. وليس على العقل إلا التسليم بهذه الكليات المطلقة، التي لا سبل له إلى إدراكها( )!.. وساق حجة تبدو منطقية، ولكنها من فعل الرغبة في تقويم ذلك الانحراف البيئي الخاص الذي يحتقر العقل ويهمل دوره.. قال رحمه الله في رسالة التوحيد.

"فالوحي بالرسالة الإلهية أثر من آثار الله. والعقل الإنساني أثر أيضاً من آثار الله في الوجود. وآثار الله يجب أن ينسجم بعضها مع بعض، ولا يعارض بعضها بعضاً"..

وهذا صحيح في عمومه.. ولكن يبقى أن الوحي والعقل ليسا ندين.
فأحدهما أكبر من الآخر وأشمل. وأحدهما جاء ليكون هو الأصل الذي يرجع إليه الآخر. والميزان الذي يختبر الآخر عنده مقرراته ومفهوماته وتصوراته. ويصحح به اختلالاته وانحرافاته. فبينهما –ولا شك- توافق وانسجام. ولكن على هذا الأساس. لا على  أساس أنهما ندان متعادلان، وكفو أحدهما تماماً للآخر! فضلاً عن أن العقل المبرأ من النقص والهوى لا وجود له في دنيا الواقع، وإنما  هو "مثال"!

وقد تأثر تفسير الأستاذ الإمام لجزء عم بهذه النظرة تأثراً واضحاً. وتفسير تلميذه المرحوم الشيخ رشيد رضا وتفسير تلميذه الأستاذ الشيخ المغربي لجزء "تبارك" حتى صرح مرات بوجوب تأويل النص ليوافق مفهوم العقل! وهو مبدأ خطر. فإطلاق كلمة "العقل" يرد الأمر إلى شيء غير واقعي! –كما قلنا- فهناك عقلي وعقلك وعقل فلان وعقل علان .. وليس هنالك عقل مطلق لا يتناوبه النقص والهوى والشهوة والجهل يحاكم النص القرآني إلى "مقرراته". وإذا أوجبنا التأويل ليوافق النص هذه العقول الكثيرة، فإننا ننتهي إلى فوضى!

وقد نشأ هذا كله من الاستغراق في مواجهة انحراف معين.. ولو أخذ الأمر – في ذاته- لعرف للعقل مكانه ومجال عمله بدون غلو ولا إفراط، وبدون تقصير ولا تفريط كذلك. وعرف للوحي مجاله. وحفظت النسبة بينهما في مكانها الصحيح..

إن "العقل" ليس منفياً ولا مطروداً ولا مهملاً في مجال التلقي عن الوحي، وفهم ما يتلقى وإدراك ما من شأنه أن يدركه، مع التسليم بما هو خارج عن مجاله. ولكنه كذلك ليس هو "الحكم" الأخير. وما دام النص مُحكماً، فالمدلول الصريح للنص من غير تأويل هو الحكم. وعلى العقل أن يتلقى مقرراته هو من مدلول هذا النص الصريح. ويقيم منهجه على أساسه (وفي صلب هذا البحث تفصيل واف للحد المأمون والمنهج الإسلامي المستقيم)
.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
جزاك الله خيرا يا ماما فرح على هذا النقل الجميل

ما اسم الكتاب الذي اقتبست منه؟
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*