القراءة فعلياً موحدة تقريباً في الواقع
فمعظم المشرق العربي يقرأ برواية حفص عن عاصم
ومعظم المغرب العربي يقرأ برواية ورش عن نافع
ولو اقتصرنا على هذا الواقع وأهمل علماؤنا باقي القراءات لفقدنا جزء لايعوض من تراثنا
القراءات ليست اختلاف ألفاظ ولهجات فقط وإنما هي كنز في حد ذاتها
خذ مثلا قراءة "مالك يوم الدين" في الفاتحة
تقرأ : " ملك يوم الدين " من "الملك" بمعنى السيطرة بالسلطة والنفوذ
وتقرأ : " مالك يوم الدين " من الملكية بمعنى السيطرة والحكم في الشيء بحق ملكية صاحبه له
فالله تعالى هو الملك وهو المالك
بالقرائتين يكتمل المعنى العظيم الواقع في النفس لرب العالمين وقدرته العظيمة يوم القيامة
وخذ مثلا آخر : في سورة البقرة:
وانظر إلى العظام كيف ننشزها : بمعنى النشوز والارتفاع عن الأرض عندما دبت الحياة في الحمار وبدأ يقف فتتخيل أمامك الصورة وكأنك تراها
وفي قراءة أخرى : ننشرها : بمعنى النشور أي البعث بعد الموت وفيها معنى قدرة الله تعالى على إحياء الموتى
وبتكامل المعنيين تتلقى النفس الآية بأعمق وأروع مما لو اقتصرت على لفظة واحدة من الاثنتين
والأمثلة كثيرة للاستفادة من اختلاف القراءات في الفقه مثلا
فالأمر ليس حرف غريب على أسماعنا يزعج من لم يألفه وإنما الأمر أكبر من ذلك مما جعل علماء أفاضل يقررون أن تنوع القراءات في حد ذاته إعجاز خاص للقرآن بوجود ألفاظ مختلفة المعنى وفي نفس الوقت متكاملة ليست متضادة ولا متنافرة وتختزل بها معان لو نشرت آيات منفردة إضافية لزادت من عدد آيات القرآن فكان اختصارها في ألفاظ معدودة هكذا إعجاز في اختزال كبير المعاني في قليل الآيات
ثم من ناحية أخرى إن اتخذنا من القرآن ديواناً موثقاً للغة العرب لكان أول ما نحرص عليه هو المحافظة على القراءات المتنوعة والتي تعطي رؤية لا يستغني عنها باحث في اللغة العربية
وجزاك الله خيراً على فتح هذا الموضوع الشيق