- استفاد علماء الإسلام كثيرا من تعلم فن الموازانات، حيث أبانوا به نوعا مهما من إعجاز الكتاب الكريم، الذي وعت كل ذرة منه درة، فلا يروم معارضته إلا مبذر مبتر، لا يعي ما يقول، ولا يفهم ما يقرأ، وقد كان للعرب قديما حكما اشتهرت بينهم، وامثالا جرت على السنتهم، فما أوقفهم القرءان إلا عجزا، وما زادهم إلا فصاحة وبلاغة -
قارن مثلا بين .. "ولكم في القصاص حياة" وقولهم "القتل أنفى للقتل"
.. .. ..
لا نحتاج لمعرفة الكثير عن "فن الموازنات" التي تعقد مقارنة أدبية وبلاغية بين الشعراء لتحكم لأحدهم بالتقدم على أقرانه، يكفينا فقط أن نقوم نحن بموازنات بقدر ما نتذوق ونشعر بالأبيات، على قدنا يعني
وسنقتصر على الموازنات المباشرة التي تضع بيتا أو بيتين في نفس الموضوع لشاعرين مختلفين ونوازن بينهما ونقول أيهما أحلى وأحب..
وهذا لا يقدح في أي من الشاعرين، ولا يعني تقديم أحدهما على الآخر في الجملة، وإنما يعني فقط تقدم هذا البيت على ذاك.
تعالوا نجرب بحاجة واضحة:
يقول البوصيري في مطلع بردته المشهورة - رامزا لولهه وحبه بالمصطفى صلى الله عليه وسلم -
يا لائمي في الهوى العذري معذرة ** مني إليك ولو أنصفت لم تلم
ويقول شوقي في مطله نهجه للبردة - مستخدما ذات الرمز -
يا لائمي في هواه، والهوى قدر ** لو شفَّك الوجد لم تعذل ولم تلم
وبموازنة بسيطة - على قدنا - أرى أن بيت شوقي أحلى من بيت البوصيري لثلاثة أسباب:
- جاء في بيت البوصيري تعقيد لفظي خفيف في كلمتيه المتتاليتين: "العذري معذرة"
- اعتذر البوصيري عن هواه، ولم يبين سبب اعتذراه، بينما اعتذر شوقي بأبلغ عذر وأقواه، فقد اعتذر بالقدر " والهوى قدر"
- ألزم شوقي عاذله الحجة بأقوى ما يكون، قال: لو شفك الوجد.. بينما طلب البوصيري من عاذله الإنصاف فقط!
هكذا.. أرى بيت شوقي هنا أحلى من بيت البوصيري، وهذا لا يعني تقدم قصيدته عموما على قصيدة البوصيري أو تقدم شوقي كشاعر على البوصيري
وإن كان الأمر كذلك بالفعلفما رأيكم في موازنة أخرى..
توارد الثلاثة على طلب الوصال بمن يهواه، وأمعنوا في الإلحاح، حتى تمنوا أي وعد، ولو لم يف به صاحبه
فكتب الأول "عمر بن الفارض":
إن لم يكن وصل لديكَ، فعِد به ** أملي، وماطل إن وعدت ولا تفي
فالمطل منك لدي إن عز الوفا ** يحلو كوصل من حبيب مسعف
وكتب محمود سامي باشا البارودي:
جودي عليّ ولو بوعد كاذب ** فالوعد فيه تعلِّةٌ ورجاء
وكتب نزار:
قل لي ولو كذبا كلاما ناعما ** قد كاد يقتلني بك التمثال