المحرر موضوع: قصة مثل... الضرة مرة  (زيارة 17376 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #20 في: 2010-04-24, 13:52:28 »
وعد عرقوب
بقلم: مصطفى شيخ مصطفى
(1)

عضَّ الزمانُ رجلاً كان يسكن يثرب، فأحالَ سَعتَه إلى ضِيق، وسرورَه إلى حزن، وهناءَه إلى بؤسٍ وحرمان، وضاقتْ عليه أرضُه وسماؤه، ولم يعدْ يدري: أحضورُه خيرٌ له أم غياُبه؟ وفكَّر في حلِّ مشكلتِه، فلم يُصِب خيرُ السماء أرضَه، وقلَّ رِزقُه وماله، واقترض حتى ملَّه أهلُه وجيرانه، فنأى بنفسِه، وبيته بعيدًا عن أطراف العمران.
 
حدَّث نفسَه بالهجرة علَّه يجد ضالَّتَه في غير بلده، لكنَّ سَيْف الغربة رعَبَه وأخافه، وبدَا له أنَّه مسلطٌ على رقبته، يكاد يقطع أوداجَه، فانكفأ وأحجم، وكان قد جَهَّزَ نفسه للمسير.
 
رأتِ الزوجةُ ما حلَّ بزوجها، وقد تكنَّفه البؤس، وأحاطَه الهمُّ، لكنَّ صوت الصِّغار وهم يبكون - فقد مضتْ أيَّام ولم توقدْ في بيتهم نارٌ، ولم تصبهم هديَّة ولم يصلْهم عطاءٌ - أعادَ للرجل حماسَه، فصمَّم على السَّفْر، وبيْنَ أمل السَّفر ومخاطره، عاش الرجل قَلِقًا باديًا، واضطرابًا ظاهرًا بدَا على وجهه، وكيف يُسافِر وقد باعَ رِحلتَه؟! لكنَّ حُبَّه لأسرته وأبنائِه جعَلَه يتأبَّط لوازمَ سفره، وجدَّد العزمَ على السفر ماشيًا، وعُدَّة سفره يسيرة جدًّا؛ عَنَزةٌ بيده، وسيفٌ توشَّحَه، وماءٌ في قِرْبة يحمله.
 
في البداية شجَّعتِ الزوجةُ زوجَها على السَّفر قائلةً له: "وَاقْذِفْ بِنَفْسِكَ حَيْثُ يُرْجَى الدِّرْهَمُ".
 
لكنَّها عندما رأتْ زوجَها يعدُّ العُدَّة للرحيل بدأتِ المخاوف تتسلَّل إلى قلْبها: مَن سيبقى معنا؟ مَن سيجلب لنا الماء؟ مَن سيعولنا؟ أسئلةٌ كثيرةٌ بانتظار الجواب.
 
في الصحراء القريبة مِن يثرب أقام الرجل بيتَه، كان البيت من وبر الإبل، نصَبَه بعيدًا عن عمران يثرب، فهي إن سافر لا تأمن على نفسِها وعيالها عوادي الزمان، وضواري البادية.
 
ولمعتْ فكرةٌ في عقل الزوجة، مهلاً يا عزيزي، فقد وجدتُ الحلَّ.
 
هاتِ ما عندكِ يا امرأة.
 
إنَّ لكَ أخًا يملك حيطانًا وزُرعًا، وإبلاً وغنمًا، اذهبْ إليه واشرحْ له حالنا، وما وصلْنا إليه.
 
مَن تقصدين يا امرأة؟ وهل ستَظُنِّين أنَّه سيبادرنا العطاء؟
 
أخوك عرقوب، وما أظنُّه يردُّك خائبًا.
 
أعادَ خرْجَه وقِربتَه، وعَنَزته وسَيْفه إلى البيت، وتوَّجه إلى يثرب، يحلم بالكَرْب ينفرج، وبالحال تتحسَّن، لكنَّه شَعَر وهو في الطريق أنَّه يطأُ بأقدامه على قلْبه، فلا شيءَ أمرُّ من السؤال، وبين أملِ العطاء وسندان الحاجة، عاشَ الرَّجل رحلتَه عذابًا يُباريه، وأملاً يُلاقيه، يحجم حينًا فيرتدُّ، وينكصُ خُطوةً إلى الوراء، ويدفعه صوتُ الأطفال وبكاؤهم فيتقدَّم خُطواتٍ وخطوات، ويتمنَّى لو أنَّ الأرض تُطوى له، فيصل إلى أخيه، ويصله أخوه بعطائِه، فتقُضى حاجتُه، فيُدفع إرهابُ الحاجة بعيدًا بعيدًا.
 


منقول... ويتبع ان شاء الله
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل elnawawi

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 5374
  • الجنس: ذكر
  • يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #21 في: 2010-04-25, 01:07:51 »
متابعون

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #22 في: 2010-04-27, 07:40:18 »
(2)

مَشَى الرجلُ وحيدًا، ومَشَى حتى وصلَ يثربَ؛ ليجدَ نفسه في بستان أخيه؛ مياه باردة، وظلال وافرة، وأشجار مختلفة من العِنب والتِّين والنخيل، خير كثير، وأولاد أخيه يَنعمون بالهَناء والسُّرور، تحتَ أشجارٍ وارفةِ الظِّلال، تذكَّر أبناءَه وحالَهم، فكادت دموعُه أن تفيض بمائِها.
 
جلَسَ يستظلُّ تحتَ نخلةٍ كبيرة ألجأَه إليها التَّعب، أقبلَ أخوه عرقوب، فسلَّم عليه، شَرَح الرجلُ لأخيه عرقوب حالَه، رفع عرقوب رأسَه، وقال لأخيه: انظر إلى هذه النخلة، فإذا أطلعت فلك طلعُها على أن تأتيني بعدَ مدَّة، تأمَّلَ الرجل النخلةَ فوجدَها كبيرةً جدًّا، إنَّها تكفي أبنائي لأشهر، شَعَر أنَّ الهمَّ قد فارَقَه، وأنَّ الفرج بات أقربَ ما يمكن، فما هي إلاَّ أيَّام ويعود إلى عرقوب؛ ليعود إلى بيتِه غانمًا محمّلاً.
 
عادَ الرجل إلى منزلِه، واستبشرتِ الأسرةُ بالخير المأمول، والأمانيِّ الموعودة، ومضتِ الأيَّام ثقيلةً بطيئة، فهمُّه في الأسرة يزداد وطأةً عليه، عادَ الرجل إلى أخيه عرقوب في الموعد المحدَّد، فقال له عرقوب: دَعْها حتى تصيرَ بلحًا، فقال في نفسه: لكنَّ الجوعَ لا يدعُنا ولا يدعُ عيالَنا، ومضى إلى منزله؛ ليعودَ إلى مسيرة الأمل والانتظار علَّ غدًا يأتي بالفرج، ومضتْ أيَّامٌ وأيَّام، فقد أبلحتِ التمرة، فُوجئ بجواب عرقوب له: دعْها حتى تزهوَ، ولِمَ الانتظارُ حتى تزهوَ، ونحن نئِنُّ تحت وطأة الحاجة؟! ولَمْ يَجد بُدًّا من العودة، عاد إلى منزله يحملُ نفسَ الخيبة التي حَمَلها في المرَّة الماضية، يُغالب وأسرتُه الجوعَ والحاجة، فكان الجوعُ غالبَهم.
 
وبعدَ أيَّام عاد إلى عرقوب، وقد زهتِ النخلة، فقال له عرقوب: دعْها حتى تصيرَ رطبًا، ضجَّ الرجل من أجوبةِ أخيه، وعاد إلى منزله، وقد أضحى إلى اليأسِ أدْنَى من الأمل، ومضتْ أيَّامٌ وأيَّام، حتى أضحت النخلةُ رطبًا، فذهب إلى أخيه عرقوب، فقال له عرقوب: يا أخي، الصبر طيِّبٌ، دعْها حتى تصبح تمرًا، عاد الرجل إلى بيته وهو يُقلِّب كفًّا على كف، وقال في نفسه: ثمَّ ماذا بعدَ التمر، فما هي إلاَّ أيَّام وأعود بالتمر قوت عيالي، فلمَّا أصبحت، غدا عرقوب إلى النخلة فجذَّها، وإلى ثمرِها فأخَذَه، عاد الرجل إلى أخيه عرقوب؛ ليعودَ خالي الوفاض، فلم يَجِد تمرًا ولا نخلاً، فأصبح - ولا يزالُ - عرقوب مَضرِبَ المثل بالمطل وعدم الوفاء: "أمطلُ من عرقوب"، "وأخلفُ من عرقوب"، "مواعيدُ عرقوب أخاه بيثرب".
 
ولم يكن ذلك فحسبُ، فقد جادتْ قرائحُ الشُّعراء في وصْفِ الواقعة قال الشاعر:

الْيَأْسُ أَيْسَرُ مِنْ مِيعَادِ عُرْقُوبِ
 
وذكر القصةَ الشاعرُ كعبُ بن زهير في قصيدته الشهيرة في مدح النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - والتي مطلعها:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ
ثمّ قال:
وَلاَ تَمَسَّكُ بِالْعَهْدِ الَّذِي زَعَمَتْ        إِلاَّ كَمَا  يُمْسِكُ  الْمَاءَ  الْغَرَابِيلُ
فَلاَ يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وَمَا  وَعَدَتْ        إِنَّ  الْأَمَانِيَّ   والْأَحْلامَ   تَضْلِيلُ
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا  مَثَلاً        وَمَا   مَوَاعِيدُهَا   إِلاَّ    الْأَبَاطِيلُ


وقال الأشجعي:
وَعَدْتَ وَكَانَ الْخُلْفُ مِنْكَ سَجِيَّةً        مَوَاعِيدَ   عُرْقُوبٍ   أَخَاهُ    بِيَثْرِبِ
 
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

أحمد

  • زائر
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #23 في: 2010-04-27, 08:29:24 »
فصيح هذا البيان.. تبارك الله.. أما لنا في اسم كاتبه؟

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #24 في: 2010-04-27, 08:52:37 »
وعد عرقوب
بقلم: مصطفى شيخ مصطفى
(1)

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

أحمد

  • زائر
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #25 في: 2010-04-27, 09:07:34 »
عفوا أنساني آخرها أولها

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #26 في: 2010-04-27, 09:14:21 »
لا ينبغي أن تنسينا النهايات البدايات

ومع ذلك فالنسيان طبع الإنسان


 emo (30):

« آخر تحرير: 2010-04-27, 09:34:18 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

أحمد

  • زائر
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #27 في: 2010-04-27, 09:28:47 »
..‏ سامحكم الله ..
.......


باللون الباهت:
أن تنسنا
 أم
أن تنسينا
؟

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #28 في: 2010-04-27, 09:34:52 »
تنسينا  :blush::

تم التعديل

شكرا لك
  emo (30):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

أحمد

  • زائر
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #29 في: 2010-04-27, 10:00:24 »
عفوا

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: قصة مثل... الضرة مرة
« رد #30 في: 2010-05-19, 23:49:53 »
قصة مثل

أكلتم تمري وعصيتم أمري

وهذا المثل يقال لنكران الجميل .....

وأصل القصة أن عبد الله بن الزبير خرج على عبد الملك بن مروان

وتسمى بالخلافة ودانت له الأمصار

حتى لم يبق مع عبد الملك الا الشام ودمشق تحديدا

 

ثم ان عبد الملك حارب ابن الزبير

وانتصر عليه حتى لم يبق معه الا مكة المكرمة

فسير له الحجاج بن يوسف الثقفي
فحصره الحجاج ومن معه داخل الحرم

 

وبمضي الأيام

توالي تخلي انصار ابن الزبير عنه

وقد شعر عبد الله رضي الله عنه بهذا الأمر

حتى ان أخوته وابناءه تركوه في آخر لحظات حياته لمصيره

ولم يتبق معه الا القليل القليل من انصاره الذين استشهدوا معه

رحمهم الله جميعا

 

وعندما رأى عبد الله تخلي انصاره ورفاقه ومريديه عنه، قالها :

 

أكلتم تمري وعصيتم أمري

فذهبت مثلا في الخذلان والغش ممن ينتظر منه الوفاء والنصيحة

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*