بارك الله في النيل وفي بردى
هل أنت من المتعصبين لمصر يا أحمد؟
أنا أراها كأي بلد آخر من بلاد الله
كلها بلاد الله لخلق الله
إلا مدينة بها المسجد الحرام
وأخرى بها قبر الحبيب
وثالثة بها المسجد الأسير
غير هذه الثلاثة بلاد الله كلها لدي سواء
يا إلهي،.. ما هذه القسوة، أو - عفوا - اختلاط المفاهيم !
وحبب أوطانَ الرجالِ إليهمُ * مآرب قضاها الشباب هنالكَ
إذا ذكَِروا أوطانهم ذكرتهمُ * عهود الصبا فيها فحنوا لذلكَ
وقد سئل أعرابي يوما ماذا تفعلون في باديتكم إذا اشتد قيظها وزاد حرّها؟
قال وهل البادية إلا ذاك؟! فدونكم عطوبة الريف، وخبث المدن.. يمشي أحدنا ميلا أو ميلين حتى يرفضّ عرقا فينصب عصاته ويرفع عليها ثوبه فيجلس تحته يستروح الهواء، فلا ينعم أحد بمجلس من الدنيا مثله إلا رجلا اتخذ مجلسه!!
نعم،.. يحن القلب لوطنه، وتتميز بلد الإنسان لديه، فلا تخلو نفسه من أثرة خاصة بها.
كما أن بلاد الله ليست كلها سواء بعد بلاد المساجد الثلاث، فقد جاء ما جاء من أحاديث في فضائل الشام، وأهل مصر، وفارس، كما اختصت بلدان بمشاهد لصحابة استقروا بها وأقاموا حتى دفنوا فيها، فلم تخل هذه البلاد من فضل وبركة، وقريب من ذلك مواطن أئمة الإسلام المتبوعين.
فالشافعية من سكان ماليزيا مثلا كانوا قديما إذا أتموا حجهم وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم عرجوا على مصر لزيارة الإمام الشافعي رضي الله عنه، والحنفية بالهند وباكستان لا يعودوا لبلدانهم بعد حجهم قبل زيارة الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه بالعراق..
فبقلب المؤمن حب طبيعي لموطنه الأول لا ينكره عليه منكر، وتفضيل لبلدان كثيرة بعد البلاد الثلاث المباركة.
وليت الأمر بالهين حتى كنت أغض الطرف عنه، ولكن طبع قلب المؤمن الرقة، وسيلان العاطفة، فهو رقيق مع ربه، رقيق مع إخوانه، رقيق لموطنه كذلك.. حتى قال قائلهم:
إن يسألوا عني الهوى، فأنا الهوى * وابن الهوى، وأخو الهوى، وأبوه!
والمربي الحصيف من يحرص على اذكاء روح العاطفة في قلوب أبنائه، فأصل الإيمان حب الله ورسوله، وأنى لقلب يشعر بهذا الحب وهو جاف قاس مع أقرب الأشياء إليه!!