المحرر موضوع: تأملات في الابتلاء والألم  (زيارة 24209 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

ماما فرح

  • زائر
تأملات في الابتلاء والألم
« في: 2007-12-26, 18:35:19 »


أثناء قراءتى فى أحد الكتب استوقفتنى هذه العبارة :

( والواقع أن هناك الكثير مما يقال عما تسهم به المعاناة البناءة فى الحياة الإبداعية والروحانية ، لأن المعاناة تهذب الروح . )

سبحان الله .. توقفت طويلا أمام : المعاناة تهذب الروح

كنت أظن أن الحكمة من الإبتلاء بالمرض أو فقد عزيز أو أى صورة أخرى من صور الإبتلاء والألم هى فقط رفع الدرجات أو تكفير السيئات عن المؤمن .. أو رد العاصى إلى طريق الخير .. …إلخ .

وهذا صحيح بلا شك .. ولكن هذه الجملة فتحت أمامى آفاقا أعمق للتفكر فى حكمة الله سبحانه وتعالى من الإبتلاء والألم ..

فطبقا لهذه الجملة : ( المعاناة تهذب الروح ) …

أعتقد أن الإبتلاء نعمة من الله توجب الشكر وليس الصبر والرضا فقط ..

فالإبتلاء رحمة من الله لأنه يرفع الروح إلى آفاق أعلى ويمنحها طاقات أسمى ويفتح أمامها أبواب القرب من الله تعالى ....

فكما أن النقص فى حاسة يقوى حاسة أخرى غيرها لتعوض الإنسان عما فقده ( كمن يفقد حاسة البصر فيعوضه الله بحدة فى سمعه وذاكرة أقوى .. أو من يفقد حاسة السمع فيعوضه الله بقوة ملاحظة تمكنه من قراءة الشفاة )

فكذلك النقص فى متع الجسد من طعام وشراب وصحة ولهو وترف ومال …إلخ – النقص فى متع الجسد هذه يقوى قدرات الروح ..

أما تنعم الجسد بالمتع المادية فإنه يؤدى إلى تخمة الجسد فيجثم على الروح حتى يخنقها ويوقف انطلاق طاقاتها .. تماما كما يرهق الجسم امتلاء المعدة بالطعام فيكسل العقل ويخلد الانسان إلى النوم ..

والوسيلة إلى تهذيب الروح طريقان :

1- العبادات التى فرضها الله تعالى علينا من صوم وصلاة وزكاة وحج

وكلها لو تأملنا تتضمن صوما عن المتع المادية تساعدنا على ترقية الروح وتطهير النفس وتزكيتها ..
ولكن ماذا عن العاصى الذى يهمل العبادات فلا يصلى بانتظام أو يصوم عن الطعام ولا يصوم عن قول الزور ….إلخ ؟ وماذا عن الكافر ؟ هؤلاء وغيرهم يمنحهم الله وسيلة أخرى يصومون بها عن المتع المادية ولكن صوم إجبارى لا يستطيعون الإفلات منه وهو الطريق الثانى :

2- الإبتلاء

ولكى تتحقق الفائدة من الإبتلاء لابد أن نفهم الحكمة منه ونرضى به – فمن فقد بصره مثلا إذا اكتفى بالغضب والشكوى لن يعطى الفرصة لنفسه للإستفادة من حاسة سمعه التى سيضاعف الله قوتها لتعوضه ..

وكذلك المبتلى .. إذا انشغل بالسخط والشكوى من قدره لن يفتح الباب أمام روحه للإنطلاق إلى رحابة القرب من الله تعالى والتمتع بنعيم رضاه ..

أذكر أننى وأنا فى الخامسة عشر من عمرى تقريبا استمعت إلى أحد أقاربى وهو يحدثنى عن أن أى شئ يصيب الانسان كالمرض مثلا هو تكفير عن ذنب فعله .. واذكر أنى قلت له : فماذا فعل طفل صغير أصيب بالمرض ؟

صمت قريبى ولم يجب .. وقلت له : ربما هو ابتلاء لأبويه لأنهما يتعذبان بألمه أكثر منه .. فقال : نعم ربما .

تذكرت هذا الموقف الآن .. لأنى الآن فقط حصلت على الإجابة التى أظنها هى الصواب لسؤالى .. الله سبحانه وتعالى يبتلى طفلا لم يبلغ سن ارتكاب المعاصى أو حتى فهم معناها لأنه يريد به خيرا ويريد أن يزكيه ويطهر نفسه .. وربما كان يعده لمهمة تحتاج إلى نفس زكية طاهرة … وربما كان هذا من أسباب ابتلاء الله تعالى لأحب وأكرم خلقه : رسله الكرام ..

اللهم لك الحمد لما وهبتنى من نعمة قصرت وأقصر فى شكرك عليها …
ولك الحمد لكل ابتلاء ساعدنى على الإقتراب من نعيم رحمتك …
اللهم اغفر لى اغترارى بنعمتك وفرحى أو طمعى بمتعة دنيوية ربما كانت سببا فى هلاكى ..
واغفر لى جزعى عند ابتلاء جهلت أنه خير لى من الدنيا وما فيها إذا اقتربت به شبرا من رضاك ورحمتك


حازرلي أسماء

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #1 في: 2007-12-26, 20:14:47 »
بارك الله فيك يا ماما فرح على إثارتك لهذه النقطة

ففعلا المعاناة البناءة تهذب الروح ، أؤمن بهذا جدا ، وخاصة بعدما عرفت -بحكم التجربة ودخول معترك الحياة من أبواب شتى- أن المعاناة تهذب الروح وتربي وتقوي ، وتصقل وتعطي التجربة وتعلم ، وأن ركوب الصعب شيء لا بد منه ، بل إنني أرى أن الوالدين اللذين يحسنان النظر إلى الأفق البعيد هما اللذان يعودان أبناءهما على ركوب الصعب والتعرض للصدمات وضرورة أن يجابهوها ويتصدوا لها بأنفسهم ولو بأزهد ما يملكون من القوة ، فليس من المجدي في شيء ولا في شكل أن يتصدى لها الأبوان وإنما وجب تعويدهم ومنذ الصغر على الوقوف بوجهها والصمود وحلها ومجابهتها

بل إنني أقول أنّنا إذا أحببنا أحدا ما حبا حقيقيا وجب أن نتركه ليعرف حقيقة الحياة وحقيقة مصاعبها ، أما إذا كان حبنا له غير واع وغير بعيد النظر ولا يبحث عن فائدة كبرى له فلن نرضى له ذلك ولن نرضى له بغير السهل الميسر .

ماما فرح فقط وضعت كلمات قد عزفتِ بورك فيك على الحساس من أوتارها ، ولي عودة لبقية من الحديث إن كان بالعمر بقية

ماما فرح

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #2 في: 2007-12-27, 04:12:59 »

شكراً أسماء لكلماتك المفيدة
فعلاً نقطة هامة جداً أن يربي الآباء أبنائهم على ركوب الصعب وتهيئتهم لتلقى الابتلاءات بوعي وفهم لمغزاها الحقيقي لا بالجزع والقنوط
ولي أنا أيضاً عودة لأن للموضوع بقية

فهذه الخاطرة كتبتها من 3 سنوات أو أكثر ثم مرت بي مواقف مرتبطة بها سأعود للحديث عنها

وفي انتظار بقية حديثك جزاك الله خيراً


غير متصل (أبو عبد الله)

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 82
  • الجنس: ذكر
  • عـبـد لله
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #3 في: 2007-12-27, 10:14:05 »
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جميل جدا هذا المعنى ( المعاناة تهذب الروح )

ربما لا أتفق معك ان الابتلاء نعمة (واشكروه على نعمه يزدكم) و لكنه خير ( واذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)

و الشدائد تصنع الرجال

بوركتم

وفقنا الله وإياكم لما يحبه و يرضاه
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

لا تسأم من الوقوف على بابه و لو طُردت؛ ولا تقطع الاعتذار و لورُدِدْت؛ فان فُتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين؛ ومد اليه يدك و قل له : مسكين فتصدق عليه فإنما الصدقات للفقراء و المساكين


أحمد

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #4 في: 2007-12-27, 18:45:12 »
من منظور آخر للابتلاء يختار ابن عطاء "الفاقة" وهي الفقر والضيق وشدة البلاء .. يقول:

ورود الفاقات أعياد المريدين،..
ربما وجدت من المزيد في الفاقات ما لم تجده في الصوم والصلاة.
الفاقات بسط للمواهب.


ثم يجعلها كأنها مطلب للعبد من ربه!، فيقول:

إن أردت ورود المواهب عليك صحح الفقر والفاقة لديك. "إنما الصدقات للفقراء".

فمن لم تنوبه فاقات الدنيا، أقام نفسه لله مفتقرا، وأظهر له من معاني الذل والضعف ما يرجو به الرحمة والجميل

آتانا الله وإياكم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ووقانا عذاب النار emo (30):

ماما فرح

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #5 في: 2007-12-27, 19:12:13 »
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

جميل جدا هذا المعنى ( المعاناة تهذب الروح )

ربما لا أتفق معك ان الابتلاء نعمة (واشكروه على نعمه يزدكم) و لكنه خير ( واذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)

و الشدائد تصنع الرجال

بوركتم

وفقنا الله وإياكم لما يحبه و يرضاه
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته


معك حق ولكن سأحكي هنا مواقف حدثت لي ولغيري رأيت فيها على قدر فهمي للأمور أن الابتلاء نعمة في بعض الحالات على الأقل

أحمد
كالعادة.. ما أجمل ما تنقل لنا
بارك الله فيك

 
« آخر تحرير: 2007-12-27, 19:13:54 بواسطة ماما فرح »

كـ القلم ـلام

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #6 في: 2007-12-31, 08:35:41 »
الـسلام عليـكم ورحمـة الله وبركـاته
المعـانـاه تهـذب الروح
مـوضـوع لو أبـي أعـلق عليـه راح أكتب أليـن اتعب بس أقرأ الموضـوع يـعبر عـن ممحتـواه
بـجد يعطـيك الـعافيه كثـير مـاأبحـرت بحـياتي خـصوصا الفتـره الاخـيره بعـدت كـل  البـعد عن الـتأمل بعـظمـة الخـلق جـزاك الـله عن وعن جمـيع الـقرأ ألف خير خـيتوه

أحمد

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #7 في: 2007-12-31, 11:45:27 »
بارك الله فيكم
ماذا عن اسم الكتاب والكاتب ودار النشر؟

ماما فرح

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #8 في: 2007-12-31, 21:08:20 »


كلام القلم
جزاك الله خيرًا وبارك الله فيك

أحمد
الكتاب ليس عربيًا وموضوعه علمي قليلا أو علم نفس
وهو كتاب مترجم نشرته : عالم المعرفة
وهي سلسلة يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت

الكتاب : الذكاء العاطفي
تأليف دانييل جولمان

الذكاء العاطفي مقصود به الذكاء الانفعالي
وهو غير الذكاء الأكاديمي المعروف الذي يوصل الفرد إلى التفوق في الدراسة وفهم الأمور المجردة
فالذكاء العاطفي يعني مجموعة السمات الشخصية التي تمكن الفرد من التعامل مع الغير وفهم مشاعرهم واتخاذ رد الفعل المناسب في الموقف المناسب وغير ذلك
فقد تجد مثلا شخص ذكي ومتعلم ومتفوق في دراسته لكنه عاش حياة عملية أقل كثيرا مما كان متوقعًا له
بينما آخر متوسط التعليم ينجح في حياته العملية وفي علاقاته مع من حوله رغم أنه أقل ذكاء من الأول
وسبب نجاحه هو هذه الصفات التي يمكن أن تقول أنها حسن التصرف مثلا أو الكياسة والتحكم في الانفعالات وحسن تقدير الأمور

والكتاب يشرح طبيعة عمل المخ بجزئيه الانفعالي والمنطقي

فالجزء الانفعالي هو جذع المخ وهو موجود عند الإنسان والحيوان
أما الجزء المنطقي وهو قشرة المخ فهو موجود عند الإنسان فقط


أحمد

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #9 في: 2007-12-31, 21:35:25 »
سبحان الله !!
كدت اشتريه، ولكن تذكرت كم الكتب المترجمة التي لدي، ولم اقراها بعد، فاهملته

جزاكم الله خيرا

غير متصل (أبو عبد الله)

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 82
  • الجنس: ذكر
  • عـبـد لله
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #10 في: 2008-01-16, 19:51:38 »
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


معك حق ولكن سأحكي هنا مواقف حدثت لي ولغيري رأيت فيها على قدر فهمي للأمور أن الابتلاء نعمة في بعض الحالات على الأقل

 


أصر على أن الابتلاء ليس بنعمة ، من المهم جدا أن نستعمل المفاهيم في أماكنها و بدقة  في زمن اختلطت فيه المفاهيم...
قد يترتب عن الابتلاء نعمة ، لكن الابتلاء في حد ذاته ليس بنعمة...
و هذا الاستنتاج خرجت به بعد أن سألت من هو أعلم مني عن الذنب الذي يترتب عنه توبة وانكسار بين يدي الخالق ترفع المذنب إلى حالة إيمانية أعلى مما كان عليها قبل الذنب ، و قد نسيت ما قاله لي بالتفصيل لكني أذكر أنه قال أن الذنب يبقى ذنبا...

وفقنا الله وإياكم لما يبحه و يرضاه
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته


لا تسأم من الوقوف على بابه و لو طُردت؛ ولا تقطع الاعتذار و لورُدِدْت؛ فان فُتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين؛ ومد اليه يدك و قل له : مسكين فتصدق عليه فإنما الصدقات للفقراء و المساكين


غير متصل استبرق

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 24
  • الجنس: أنثى
  • لا حول ولا قوة إلا بالله
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #11 في: 2008-01-16, 23:25:27 »
ماما فرح ..ربنا يكرم حضرتك   ::roses2::


موضوع جميل اوى ..
دايما بفكر فى الابتلاء و الهدف منه
لأنى مقتنعة تماما ان كل ابتلاء هو خير لنا . فان الله أكثر رحمة من ان يعذبنا

فطالما لم يقع منى خطأ ما مثلا ..و حاولت بالسعى ..لكنى لم أصل لما أريد أو مررت بأزمة ما

فأحاول أن استخلص الدروس المستفادة من هذه التجربة ..


ماما فرح

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #12 في: 2008-01-17, 00:40:51 »

 Estabrak

مرحبا بك يا استبرق وجزاك الله خيرا
  emo (30):

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


معك حق ولكن سأحكي هنا مواقف حدثت لي ولغيري رأيت فيها على قدر فهمي للأمور أن الابتلاء نعمة في بعض الحالات على الأقل

 


أصر على أن الابتلاء ليس بنعمة ، من المهم جدا أن نستعمل المفاهيم في أماكنها و بدقة  في زمن اختلطت فيه المفاهيم...
قد يترتب عن الابتلاء نعمة ، لكن الابتلاء في حد ذاته ليس بنعمة...
و هذا الاستنتاج خرجت به بعد أن سألت من هو أعلم مني عن الذنب الذي يترتب عنه توبة وانكسار بين يدي الخالق ترفع المذنب إلى حالة إيمانية أعلى مما كان عليها قبل الذنب ، و قد نسيت ما قاله لي بالتفصيل لكني أذكر أنه قال أن الذنب يبقى ذنبا...

وفقنا الله وإياكم لما يبحه و يرضاه
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته



نعم معك حق ولكن إذا كان الابتلاء دائماً رداً على ذنب وإذا كان الابتلاء في حد ذاته لايمكن أن يكون نعمة ففيم كان ابتلاء الرسل والأنبياء الكرام ؟
وفيم ابتلاء رضيع أو طفل غير مميز ؟

أنا أيضا سألت من هي أعلم مني فأخبرتني أن الابتلاء قد يكون فتنة عمت لوجود ذنب من بعض الأفراد
ولكن ابتلاء بالمرض مثلا لطفل غير مميز ليس فتنة عامة وليس تكفير ذنوب فماذا يكون؟
ولا أدري إن كان رفع درجات فهذا الطفل قد يموت بسبب مرضه قبل الاقتراب من البلوغ

أحسبه والله أعلم نوع من التهيئة لأمر يعده له الله وهذا ما أقصده بأن الابتلاء نعمة

وسأنقل هنا رد كتبته من عامين في أحد المنتديات على سؤال لأخ تساءل بعد أزمة تسونامي هذا السؤال
:


اقتباس
في الامس سمعت اخبار سيئه عن صديق عمره 20 سنه اصبح مشلول بسبب حادث , هل الله يكو نسعيد عندما يشاهد معاناة عباده ? مالسبب في خلق الله بنئ ادم منهم البائس ومنهم السعيد هل هناك حكمه من ذلك ? 

فكتبت هذا الرد وأضعه هنا (في المداخلة القادمة) لأنه يرتبط بأحداث حدثت لي بعد ذلك


 
« آخر تحرير: 2008-01-17, 00:43:33 بواسطة ماما فرح »

ماما فرح

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #13 في: 2008-01-17, 00:52:44 »

الرد



اقتباس
أخي الفاضل

لم أقرأ كل المداخلات لضيق الوقت الشديد ولكن لفت نظري هذا السؤال لأني سمعت سؤالا مماثلا لإحدى معارفي تمر بضائقة مالية قالت لي :
لماذا لا يعطيني الله حقي كما أعطيه حقه فأنا أصلي وأصوم ........ إلخ
طبعا تحدثت معها وقلت لها أن كل ما تفعله وستفعله لا ولن يوفي نعمة واحدة من نعم الله عليها .. وبيني وبين نفسي حمدت الله أني لم أنشأ في نعيم زائد ينسيني أن على الإنسان أن يخشوشن قليلاً لأن النعمة لا تدوم
فمشكلة هذه السيدة أنها نشأت في أسرة موسرة نوعاً ما ولم تتعود أن يرفض لها طلب ولم يبتلها الله في صحتها أو غيرها فتعودت على نعومة ورغد العيش وإجابة مطالبها ..
فلما تزوجت فشلت زيجتها والآن وصل بها الأمر إلى أنها تهين والدتها العجوز بل وتضربها إن لم تحضر لها ما تريد من المال ولو بالاقتراض ..
ولماذا تريد المال في رأيك؟

تريد شراء هاتف محمول جديد وتريد شراء أثاث جديد لبيتها..

هل تعرف سبب شقائها؟

أعتقد سبب شقائها الآن هو أنها لم تجرب الابتلاء والصبر عليه

لم ينعم الله عليها بالابتلاء

نعم أخي ابتلاء الله لنا نعمة لا يقدرها إلا من عرفها حق المعرفة

من لم ينشغل بالتذمر والشكوى عن فهم حقيقة الأمر

الابتلاء يصهر النفس فيخلصها من الشوائب العالقة بها فتصفو وتسمو وتعلو إلى آفاق الرضا وحب الله لذاته لا لنعمه

هل تحب ربك لأنه ربك ؟
أم تحبه لأنه أعطاك من فضله ونعمه ما أعطاك وما سيعطيك؟

لو أجبت على السؤالين فستضع قدمك على أول الطريق..

إن أجبت على السؤال الأول بنعم فقد تعرفت إلى ربك

وإن أجبت على السؤال الثاني بنعم فقد عرفت نفسك ولا أظن أنك ستحبها وهي على هذا الحال..

كلما أكرمني ربي بابتلاء أقول:

ربي لك العتبى حتى ترضى ولكن عافيتك هي أوسع لي
فأنا استحق الابتلاء وأكثر وأعلم جيداً أني لا أستحق من نعمائك شيء
ولكني مع ذلك أطمع في رحمتك


نعم أخي في الأمر حكمة وفكرنا قاصر عن إدراك مراد الله ولكنه بفضله أكرمنا بعلامات تنير لنا الطريق

وليست الحكمة من الابتلاء هي الاختبار فقط هل نشكر أم نكفر..
وليست فقط تكفير للذنوب ورفع للدرجات
وإنما أحياناً تكون نوعاً من التأهيل لمهمة أو لمرحلة مختلفة في حياة المبتلى..
فالإنسان لم يأت الدنيا ليتنعم وإنما ليعمل

انظر مثلاً لابتلاء الله لنبيه الكريم كليمه موسى
نشأ موسى كأمير فرعوني منعم في قصر ملك مؤله
هل تتخيل النعيم الذي كان يرفل فيه؟

ثم ماذا حدث ؟
فجأة يتبدل حاله ظاهرياً إلى الأسوأ من وجهة نظر كارهي الابتلاء
فها هو يتهم بجريمة قتل ويفر خائفاً يترقب وحيداً ليقطع صحراء سيناء ماشياً على قدمه ثم يتبدل الحال قليلاً فيكرمه الله برجل صالح نبياً كان أو لم يكن .. فيزوجه ابنته ويستأجره لرعي الغنم..

هل تتصور أن تتحول بين يوم وليلة من أمير منعم في قصر من الذهب والأحجار الكريمة إلى خائف هارب ثم إلى راعي غنم؟

هل هناك حكمة من ذلك؟
هل كان الله سعيداً (على حد تعبيرك) وهو يشاهد كليمه وحبيبه وصفيه وأحد رسله الكرام في هذا العذاب؟

إجابة السؤال الأول :
أظن والله تعالى أعلم - نعم بكل تأكيد كانت هناك حكمة جليلة من ابتلاء موسى

لو تأملت النصف الثاني من حياة موسى عليه السلام لرأيت الإجابة مسطورة أمامك بكل وضوح

هرب موسى خائفاً وقطعه صحراء سيناء كان تمهيداً لمهمة مماثلة سيقوم بها وهي الخروج ببني اسرائيل من مصر
التجربة الأولى التي نظنها ابتلاء كانت نعمة وتعليم لموسى سينفعه عند خوض التجربة الحقيقية - مهمته في إخراج قومه من مصر
والخوف في التجربة الأولى كان تدريباً على تحمل واستيعاب الخوف والفزع في التجربة الحقيقية عندما يطارده فرعون بجيشه

وحياته لعشر سنوات كراعي غنم يعيش على الكفاف هيئته لتحمل مشاق الدعوة ومشاق التعامل مع أسوأ النماذج البشرية على الإطلاق : فرعون الطاغية مدعي الألوهية .. واليهود

وحياته في الصحراء خارج قصر الفرعون سمت بنفسه بالوحدة والتفكر والتأمل في كون الله حوله وهيأتها لاستقبال الوحي والرسالة

ماذا لو ظل موسى أميراً فرعونياً منعماً ؟
هل كان سيتمكن من التعامل مع اليهود أسوأ عقلية عرفتها الأرض ؟

ولو نشأ من البداية كواحد من بني اسرائيل المستعبدين .. هل كان سيمكنه مواجهة الفرعون بصلفه وغروره وهيبته عندما يذهب إليه رسولاً من رب العالمين؟

النعمة في حياتنا لحكمة
وكذلك الابتلاء لحكمة

إن أردنا الفهم.. فلنتوقف عن الشكوى والتذمر ولنبدأ في التعرف من جديد على ... نعمة الابتلاء 



ما رأيك يا أبا عبد الله في الابتلاءات التي تعرض لها سيدنا موسى عليه السلام؟
هل تصنفها تحت بند : تكفير الذنوب أو رفع الدرجات؟
وطبعا يكون الابتلاء تكفيرا لذنب أو رفعاً للدرجات فهذا ثابت لاجدال فيه
ولكن ألا يوجد بعد آخر في الابتلاء يمكن أن نستشعره؟

وهل ترى أن لحظات التألم عندما جلس في مدين يناجي ربه ويقول:
رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير

هل تظن أنها كانت لحظات عذاب وألم ؟
أم هي لحظات نورانية تملأ القلب نورا على نور حين يكون الإنسان في مقام مناجاة أرحم الراحمين

هل كان موسى عليه السلام سيحصل على هذه الروعة وهو بين الذهب والترف في قصر الفرعون؟
وهل كان التنعم في قصر الفرعون نعمة تفوق نعمة الإحساس بالفقر إلى الله تعالى؟

« آخر تحرير: 2008-01-17, 00:56:00 بواسطة ماما فرح »

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #14 في: 2008-01-17, 19:28:32 »
 :emoti_133:

أخي الكريم أبا عبد الله
قلتم:


أصر على أن الابتلاء ليس بنعمة ، من المهم جدا أن نستعمل المفاهيم في أماكنها و بدقة  في زمن اختلطت فيه المفاهيم...
قد يترتب عن الابتلاء نعمة ، لكن الابتلاء في حد ذاته ليس بنعمة...
و هذا الاستنتاج خرجت به بعد أن سألت من هو أعلم مني عن الذنب الذي يترتب عنه توبة وانكسار بين يدي الخالق ترفع المذنب إلى حالة إيمانية أعلى مما كان عليها قبل الذنب ، و قد نسيت ما قاله لي بالتفصيل لكني أذكر أنه قال أن الذنب يبقى ذنبا...

وفقنا الله وإياكم لما يبحه و يرضاه
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته



أخي الكريم أنت سألت عن الذنب
والذنب يبقى ذنبا، ولا يمكن ان نسميه نعمة
لكن التوبة التي حصلت بعده هي النعمة

أما الابتلاء فيمكن ان يكون تكفيرا للذنوب.. وعندها يكون نعمة بالفعل.. الابتلاء نعمة لانه يكفر الذنب، وليس الذنب هو النعمة

ويمكن ان يكون الابتلاء لرفع الدرجات
ويمكن ان يكون لاختبار الايمان

الخ

أعتقد هكذا لا يكون ثمة تناقض بين كلام شيخك وكلام شيخة ماما فرح
والله اعلم
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل (أبو عبد الله)

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 82
  • الجنس: ذكر
  • عـبـد لله
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #15 في: 2008-01-18, 21:09:03 »
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

كنت أظن أن ماما هادية ستؤيدني في هذه النقطة على الأقل لكنها أبت إلا الانحياز لبني جنسها (أمزح)
لكن لا بأس..

النِّعْمَةُ : ما أُنْعِمَ به على أَحَدٍ من رزْقٍ ومالٍ وغيره؛ جاءته النَّعْمةُ من حيث لا يحتسب {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}. ـ: الصّنيعةُ والفَضْل؛ إنّ لك عندي نِعْمةً لا أنساها. ـ: الحالُ الحسنة؛ هو في نِعْمة من أموره/ أَفعلُ هذا نِعْمَةَ عَيْن، أي كرامةً لك ج نِعَمٌ وأَنْعُمٌ.

اِبْتِلاَءٌ - [ب ل ي ]. (مص. اِبْتَلَى). "اِبْتِلاَءُ الإنْسَانِ" : اِخْتِبَارُهُ.

مااستفدته ممن سألته (هو ليس بشيخ و لكنه أعلم مني) أن أستعمل الألفاظ في محلها وبمعانيها ودون مجاز خاصة في أمور الدين حيث يختلط المعنى المقصود بالمعنى المكتوب و يحمل الكلام على غير وجهه سواء كان ذلك عن حسن نية أم لا ...

بالنسبة لي في هذا الحال الابتلاء و الذنب سيّان،

فالابتلاء اذا قوبل بالصبر و الرضاء نتج عنه خير للمؤمن ونعمة
وكذلك الذنب اذا تلته توبة صادقة نتج عنه خير للمؤمن ونعمة

ولا أرى فرقا بينهما في هذا الحال ،  فهما سببان نتيجتهما متعلقة بحال المؤمن بعد وقوعهما

أما بالنسبة للأنبياء فهو لإعدادهم  لما تتطلبه الدعوة و ذلك سنة الله في خلقه و كذلك لتفضيل بعضهم على بعض فمنهم أولو العزم و منهم غير ذلك..

ويبقى الابتلاء ابتلاء و الذنب ذنبا و النعمة نعمة وكله خير للمؤمن ...

وفقنا الله وإياكم لما يحبه و يرضاه
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

لا تسأم من الوقوف على بابه و لو طُردت؛ ولا تقطع الاعتذار و لورُدِدْت؛ فان فُتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين؛ ومد اليه يدك و قل له : مسكين فتصدق عليه فإنما الصدقات للفقراء و المساكين


ماما فرح

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #16 في: 2008-01-19, 08:31:02 »

معك حق أبو عبد الله في ضرورة أن نضع الألفاظ في محلها
وأرجع فوراً عن أي لفظ لم أضعه في محله إن ثبت لي ذلك

طيب نرتب أفكارنا :

1- الابتلاء لا يكون بالشر فقط بل بالشر والخير
 
 كل نفس ذائقه الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنه والينا ترجعون : الانبياء (آية:35)

فهل الخير في حياة الإنسان يكون عقاباً على ذنب؟
أم اختبار ابتداءً؟

وكذلك الشر قد يكون اختبار ابتداءً ولا علاقة له بالذنب

 2- ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين: البقرة (آية:155)

نقص الأنفس هو موت الأعزاء ولكل أجل كتاب
فهل يرتبط موت عزيز على بذنب ارتكبته دائماً أم هو كتاب مؤجل؟

3- ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم  محمد: (آية:31)

هل الجهاد في سبيل الله عقاب على ذنب؟

4- احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون :العنكبوت (آية:2) 

الفتنة هنا اختبار لصدق المؤمن وليس لها علاقة بالذنوب


أما كلامي فهو عن لحظات الابتلاء بغض النظر عن كونه عقاب على ذنب أو رفع درجة أو اختبار لصدق المؤمن
أتكلم عن اللحظة نفسها: لحظة الألم وكيف يمكن أن تسمو بالنفس
فهي لحظات صيام روحي تطرح عن النفس شوائبها كما يطرح الصيام عن الطعام والشهوات عن النفس أدرانها


إذا ثبت للأنبياء أن ابتلاء الله تعالى لهم كان إعداداً فهل ينفي ذلك أن الأمر قد يكون كذلك لغيرهم؟
وثبت الابتلاء لغير أولي العزم أيضاً فأيوب عليه السلام ليس من أولي العزم الخمسة وكان نبياً فقط


غير متصل Moustafa Mahmoud

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 5
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #17 في: 2008-01-19, 12:14:51 »
( وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم ، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة ، وأن بحسب ركوب الأهوال ، واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة ، فلا فرحة لمن لا هم له ، ولا لذة لمن لا صبر له ، ولا نعيم لمن لا شقاء له ، ولا راحة لمن لا تعب له ، بل اذا تعب العبد قليلا ، استراح طويلا ، واذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الابد ، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة ، والله المستعان ، ولا قوة الا بالله )


الامام/ ابن القيم

....

وهى الحكمة التى نراها فى حياتنا كل يوم .. ان بعد الابتلاء باذن الله فرج من عند الله
وان الحياة كلها ابتلاء للمؤمن اذا اجتهد فيها وصبر وأخلص فى عبادة الله سيفوز بالجنة
ربنا يجعلنا واياكم من اصحاب الجنة آمين يارب

وارى ايضا ان ربنا يبتلى الطفل الصغير ليتدرب على هذه الحكمة ويدركها  بالتدريج

والله أعلم

جزاكى الله خيرا يا ماما فرح  ::)smile:
 :emoti_133:
« آخر تحرير: 2008-01-20, 22:30:38 بواسطة Moustafa Mahmoud »

ماما فرح

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #18 في: 2008-01-19, 16:55:54 »

مرحباً بك يا مصطفى

إضافة جميلة بارك الله فيك وجزاك خيراً

ورحم الله الإمام ابن القيم


 

أحمد

  • زائر
رد: تأملات في الابتلاء والألم
« رد #19 في: 2008-01-19, 17:04:56 »
الامام/ ابن القيم الجوزية

كان والد الإمام "أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر" قيّما - ناظرا، أو مديرا - على مدرسة الجوزية، وكان يلقب بقيم الجوزية، أو القيم، وفي اللغة العربية إذا حذف المضاف إليه عوض عنه بألف ولام على المضاف، ولا يجمع بينهما، فلا يقال القيم الجوزية.. بل إما: القيم، أو قيم الجوزية
وعلى هذا تكون كنية الإمام شمس الدين هي: ابن قيم الجوزية أو ابن القيم