المحرر موضوع: على درب الحياة والقرآن مشكاتي (القيــــــــامة)  (زيارة 394 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

عشنا مع "المزمّل" و"المدثّر"... وقد كانتا من أول ما نزل من القرآن العظيم ... كما عشنا مع ما قبلهما من سور هذا الجزء المبارك... وعرفنا التسلسل الذي لا يغادر الآيات في السورة الواحدة، كما لا يغادر ما بينَ السورة والسورة ...

عرفنا الأمرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بأمر هذه الرسالة العظيمة ليلا ونهارا، وعرفنا كيف أنّها الدّعوة التي لا مُداهنة فيها ولا ملاينة، فأُمِرَ أن يبلّغها بالقوّة اللازمة التي هي زادُه من ربّه، بالقيام بين يدَيْه ليلا -كما جاء في سورة المزمّل- وبتكبير الله والصبر له، كما جاء في سورة المدّثّر ...

وجاء في كلتَيهما الإنذار للمكذّبين، مما أعدّهُ الله لهم من عذاب أليم ...
وقد انتهت سورة المدّثّر تستفظع إصرار المُعرضين على إعراضهم رغمَ كون القرآن كلّه تذكرة -كما جاء وصفُه في أواخِرِها- وجاء ذكرُ إحدى حُجَجِهم البالية الواهية على إعراضهم : "بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً " -المدّثّر:52- . وذلك قولُ ألسنتِهم .. بينما يبيّن سبحانه حقيقة أمرِهم، المتمثلة في عدم خوفهم الآخرة، وهم الذين لا يؤمنون بها أصلا ليخافوها، وذلك ما يحول دون أن تبلغ تذكرة القرآن قلوبَهم: "كَلَّا  بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ" -المدثّر:53-

وقد قال تعالى أيضا في ذلك: "وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا" -الإسراء:45-
ولنضع نُصب أعيننا هذه العلّة الأساسية، وهي من أهمّ أسباب إعراض المعرضين عن القرآن، إعراضهم عن هُداه، وتكذيبهم به، تكذيبهم باليوم الآخر، وبالبعث، وبالحساب ... ولذلك كثيرا ما تقع في القرآن على القرينَيْن :"آمن بالله واليوم الآخر" .. "يؤمن بالله واليوم الآخر" كأساس للاعتقاد بأمر الله تعالى.

تلكُم هي حقيقة أمرِهم، والدافع الحقيقيّ لإصرارهم على الإعراض عن تذكرة القرآن ...
إنّهم لا يخافون الآخرة، لا يخافون يوم القيامة، لا يؤمنون به ! وعدم إيمانهم به ناتجٌ عن عدم إيمانهم بالبعث ... ناطحوا بأهوائهم وبشطحاتهم أمرَ الله تعالى، وما اختُصّ به وحدَه سبحانه وهو الخالق وهو الباعث، والبعث أهوَنُ عليه : "أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ  بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ" -ق:15- . ولجّوا في لِجاجهم وهم ينكرون البعث، ويستبعدونه، ويتّخذون قوْلَ القرآن به هزؤا : "وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا" -الإسراء:49-

وجعلوا بذلك لقدرة الله تعالى قبيلا، وما كان مُحالا على الإنسان فعلُه جعلوه على الله مُحالا ! ما قدروه سبحانه حقّ قَدْرِه، وما أحسنوا النّظر في أنفسهم، وفي خَلقِهم، وفي الكونِ مِن حولِهم، وكُلُّه قد كان بأمرِ الله من لا شيء ! كان بقوله "كُن"  فكان ... ولو أنّهم تفكّروا في الخَلق الأول من لا شيء، لما لاجّوا في البَعث من عظام ورُفات ... !
ومع اختتام "المدّثّر" بالحديث عن الآخرة وموقف المُعرضين عن التذكرة، تُفتَتح السورة الموالية بالحديث نفسِه، ولكن بتوسّع أكبر، بل إن السورة كلّها عن يوم القيامة، باسمها ورسمها، بعنوانها وبيانها :"سورة القيامة"  بل مُستهلّها القسم بيوم القيامة .
"لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(01) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(02) "

ويأتي القسم في القرآن بواو القَسَم من مثل: "وَالشَّمْسِ وَضُحَاها" و: "وَالفَجْر**وَلَيَالٍ عَشْر"  أو بصيغة : "لا أقسم" التي جاءت في عدد من السّور ...

وقد قال المفسرون وأهلُ اللغة الكثير في مجيئ "لا" قبلها، وأهمّها أنّها صيغة مبالغة لبيان قيمة المُقسَم به، وكأنّ المقسِم يهمّ أن يُقسِم به، ثم يترك القسَم لنفاسته مخافة الحِنثِ به، وهي أيضا عند العرب لتأكيد القسم، مثل قول القائل : "لا والله"، كما هي صيغة في التأكيد بالنّفي، من مثل من يشدّد وهو يوصي: "لا أوصيك به "

ولا يُقسم الله إلا بعظيم ... ويوم القيامة جاء وصفُه في القرآن بالعظيم: "أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ(04)لِيَوْمٍ عَظِيمٍ(05)يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(06)" –المطففين-... "قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" -الأنعام:15
" فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ  فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ" -مريم:37-

كما جاء مقرونا بهذا القَسَم العظيم، قسم ثانٍ عظيم هو الآخر: " وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ " ...
نفسُ المؤمِن التي تلومُه في الدنيا على تقصيره، وعلى ما يقع فيه من زَلَل، وعلى ما يتسرّع فيأتيه، أو ما يتكاسل فلا يفعله، وعلى ما يقترف من ذنب، فهي التي لا ترضى له الارتكاس والانتكاس، وهي التي تحول بينه وبين تقهقُر صِلَتِه بربّه... فهي نفس المؤمن اللوّامة العظيمة، إذ تُنجيه ساعة لا ينفع لوم، وهي التي تستحقّ لعظمتها أن يُقسِم الله بها ... وإنّ قرنَ القسم بها بالقسم بيوم القيامة، يلوّح إلى ما ينتظر تلك النّفس من كرامة وجزاءِ خير عظيم...


ونفس الكافر يومَ القيامة تلوم يومَ لا ينفع ندمٌ ولا لوم ! التّلاوُمُ يومَها كائنٌ بين المتَّبِعين والمتَّبَعين، وحتى بين الشيطان وأتباعه من الناس، وهو الذي يردّ عليهم لومَهم  : "فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم..." -إبراهيم: من الآية22-

وسبحان الله...! حقيقٌ بالتأمّل، القسم بالنّفس اللوامة التي تُذنب وتخطئ وتزلّ، بينما يسود الاعتقاد أنّ الشيء العظيم المبجّل هو الذي لا تشوبه شائبة، والذي اقترب من الكمال ! بينما النّفس اللوامة هي نفسٌ يعتريها الضعف البشريّ، ولكنّها تنتشل صاحبَها من المخاضات العفِنة، وترنو دوما للسموّ به، بل إنّ الذنب دافعٌ قويّ فيها للتوبة النصوح التي يميّزها العزم على عدم العودة له كرّة أخرى ... !

"أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) "
استفهام استنكاريّ جاء جوابا للقسم، إذ التقدير:  "لنجمعنّ عظام الإِنسان أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه" . وفي قوله سبحانه بجمع العظام إشارة ضمنيّة إلى أنها إعادة من موجود، وهي أهونُ عليه سبحانه من الخلق الأول،  الخلق من عدَم...
وعِظامُ كلّ إنسان يُجمَع بعضها إلى بعض، ولا تختلط بعظام غيره وإن لم يُقبَر صاحبُها... وإنْ يهْلَك الناس جماعات من كوارث تنزل بهم، أو من حريق أو من غرق، كلها يجمعها الله، بعضَها إلى بعض في قدرة مطلقة له وحدَه سبحانه ! كانت دافعا لسيدنا إبراهيم عليه السلام لسؤال الله تعالى أن يُريه كيف يُحيي الموتى : "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى  قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن  قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا  وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" -البقرة:260-

سبحانه يجمع ما افترق بعضَه إلى بعض، وإن كان كلّ جزء منه في مكان مختلف عن مكان الآخر ... لا يعزُب عنه شيء منها ! فأيُّ حُسبان هذا من الإنسان وهو يساوي القدرة المُطلَقَة لله الخالق الملِك العظيم، لقدرته هو المحدودة والتي هي عطاء من عطاء الله تعالى لخَلْقِه!

أيُّ حُسْبان هو من الإنسان حينما لا يقدّر اللهَ حقَّ قدرِه، فيتشدّق وقد أصبح شيئا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا !  بعد أن أصبح من إرادة الله ومشيئته وفِعله فيه وفَضْله عليه خصيما لخالقه ! مُنكرا لأمرِه، مكذّبا لرُسُلِه، فيتحدّى الدعوة إلى توحيده والتصديق بصفات كماله وجلاله وعظمته المطلقة، التي هي له وحده وليست لأحد غيره ... !

"بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)"

"بـــــــــــلى" ...
ودورها إبطال النفي، إبطال لباطل حُسبانهم أنّه سبحانه لا يجمع عظام الإنسان لخلق جديد ...
بل إنه سبحانه القادر على تسوية بنان الإنسان(أطراف أصابعه) بَلَه أن يجمع العظام بعضها إلى بعض ! والتسوية أدقّ من الجمع، إذ هي إتمام الشيء على أكمل صورة، فهو سبحانه قادر على تسوية أدقّ أطراف الإنسان... !

وبصمات الأصابع.... ! ذلك النسيج الدّقيق الذي أبهر العلماء وحيّرهم، والبصمة في أصبع الإنسان الواحد لا تشبه بصمة أيّ إنسان على وجه الأرض برمّتها، هي ما يميّزه وتُعرَف له وحدَه، ولا تكون لغيره في أي مكان من الكُرة الأرضيّة... !
سبحانه الذي خلق البشر بالعدد الهائل على مرّ الأجيال والعصور، وجعل البصمة لكل إنسان فريدة لا تشبهها بصمة، قادرٌ على إعادتها من جديد هي هي، بصمتُه الخاصّة الدقيقة التي هي له وحده ...! سبحانه ما قدرناه حقّ قدره ... !

فما الذي يذهب بهذا الإنسان مذاهب التكذيب بقدرة الله تعالى المطلقة، التي لا تحدّها حدود ؟ ! وما الذي يجعله يذهب مذاهب الكفر ببعثٍ جديد هو عليه سبحانه هيّنٌ هيّنٌ...؟!

في أواخر "المدّثّر" عرّفَنَا الله العلة الحقيقية لإصرارهم على الإعراض عن القرآن وتذكرته، وهي عدم إيمانهم بالآخرة، وعدم خوفهم منها ومن أهوالها، ثم نجده سبحانه في سورة القيامة يفصّل، ويزيد ليأتينا بالعلّة الكامنة وراء تكذيبهم بالآخرة، الكامنة وراء تكذيبهم بالبعث ...
وكأنّ سائلا يسأل ويستطرد سائلا  : يكذّبون بالقرآن، بهذا الهُدى الساطع والحقّ اللامع ؟ ! ما سرّ هذا فيهم ؟ ! يجيبه القرآن في  أتمّ بيان، أنه من تكذيبهم باليوم الآخر ... ليزيد فيسأل : ولمَ تُراهم يكذّبون باليوم الآخر ؟ !
ليزيد القرآن، ويُسفِر أكثر ... ليقول لك في عطايا ملفوفة في آيات بيّنات، اسألْ اسأل أيها الإنسان، فإنّك المُكَرَّم بعقلك، وإنّ هذا القرآن لحاجته قضاء، ولغليله شفاء ... اسأل فليس في القرآن نقص، ولا به ما يُخاف لأجله سؤال ... !
 تملَّ معي ... فما أروع أن نتملّى هذا الكتاب العظيم ... ! ما أجمل أن نسبر غورَه الدريّ، وسرَّه الأعظم، فنستكشف، ونتبيّن الحقيقة تتلوها الحقيقة، وترتسم لنا القاعدة تتلوها القاعدة، في تنظيم وإحكام، ليسا إلا لهذا المنهج الربانيّ، والدستور الأخلاقيّ العظيم ... الذي هو من أمر خالق الكون وما فيه ...
يأخذ بيدِك على الطريق، أخذَ الهادي الذي لا يُخطئ المسار، ولا الهدف، بل ينجيك وينبيك من نبأ الحياة والوجود، ومن نبئك أيها الإنسان المُبتَلى ...
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ
لهذا هو يكذّب بيوم القيامة ... لهذا هو يكذب ببعث وبحساب ...
إنه هذا الإنسان المكذّب الكافر المعاند، الملاجِج في أمر الله تعالى وفي قدرته، وفي شأن بعثِهِ لخلقه بعد الموت، يُعطينا الله العلّة الحقيقية وراء تكذيبه بالبعث... إنه يريد ليفجر أمامه...

يريد أن يستمرّ في فجوره، وأن يجد نفسَه مُطلَقا من كلّ قيد، ليفعل ما يحلو له، وليوغِل في الفساد وفي الإفساد في الأرض، وليطلق العنان لشهواته، وليفتح الباب على مصراعيه أمام نزواته، وليخلِط حابلا بنابل، وليلهو ويلعب  دونما رادع من حساب أو عقاب يجعل له محاذير ...!
يريد أن يَفْجُرَ أمامه... أن يكمل مسيره في الحياة دون كوابح تكبح جِماح نفسِه المتمرّدة الماضية في غيّها، التي تألَف المعصية، وتألف الشّطح والرَّتْع فلا تعود تعرف حدودا، ولا تتبيّن أبيض من أسود، ولا حلالا من حرام ... !
هكذا يريدُها الإنسان... !
وهكذا نعرف في ملاحدة اليوم، وفي العَلمانيّين وفي أدعياء التحرّر، وهم في الحقيقة دُعاة للتحرّر من الإنسانية ! دُعاة للتفسّخ وللبهيميّة العمياء التي تتقنّع بالعلم وِشاحا يُغطّي جفافا روحيّا مستفحِلا، يُذهِبُ معنى الوجود الإنسانيّ، ومعنى كرامة الإنسان على سائر خَلق الله تعالى، ومعنى تسخير الوجود كلّه له لتحقيق الخلافة في الأرض...
ويحضرني هنا معنى الفجور في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم : "...وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كذّابا " -صحيح البخاري-

فهذا أكبر كذب الإنسان، أن يقول بألّا إله، وأنّ الدنيا عبث ! وأنّ الإنسان مادة ! هو من الصدفة إلى وجود بلا معنى ولا هدف، هو لوثٌ كيميائيّ كما وصفه "ستيفن هوكنغ" أحد أكبر عُتاة الإلحاد الذين جمعوا بين العلم وإنكار الله تعالى... ! فبمَ عساه نفعه علمه، وقد انتقل إلى دار عاش ينكرها ؟ !
تجد النّاس من حولِ أحدهم، لفيفَ انبهار وتسبيح بحمد عقله الجامع لأطراف علم من العلوم، فإذا تكلّم في الوجود وفي تصوّره للوجود، لم يُترَك وتصوُّره الأخرق، بل من المسلمين مَن يحسب لخروقاته تلك حسابات...! يجعلون عِلمَه بالمادّة كفيلا بمصداقيّة لتصوّراته الوجودية الخرقاء ! وكأنّ الذي حاز عِلما ماديّا قد حاز حقيقة الوجود حتى وإن أنكر الموجِد ... !

فلا أخلاق في قاموس الإلحاد ولاقِيَم، ولا فرق حتى بين فِطريّ سليم وناسِفٍ للفطرة ! كلّه في الإلحاد سواء، صُدفة هو الإنسان في هذه الحياة، والحياة كلّها صُدفة، ثم العَدم والهباء والسُّدى .....!!  فكيف يستقيم قانون أخلاق، وقِيَم وإنسانيّة ؟؟
كيف يُقبَل الدّين في خضمّ هذه الفوضى العارِمة، وهي التي تُعلَى ويُعلى أصحابُها، ويُنَصَّبون جهابذةً منوّرين، مُخرجين للناس من ظلمات الإنسانية إلى أنوار البهيميّة ... !

بل وحتى تقاريرهم العلميّة مُسيَّسَة مُوَجَّهة نحو إعلاء نظريّة التطوّر الصُدَفِيّة المُنكِرة للوجود من موجِد، وإسقاط كلّ تقرير علميّ قد تُشمّ فيه رائحة نظريّة الإله الموجِد الخالِق... !

وتلك العلّة الحقيقية وراء إنكار الإنسان للبعث، وللحساب، وليوم القيامة... يريد ليَفْجُرَ أمامَه ...!! فلا وجود عندهم ليوم يُبعَث فيه الإنسان بعد الموت، ويُحاسَب على ما قدّم ... لا وُجود لإلهٍ خلق ليبتلي عباده أيؤمنون ويصدّقون، أم يكفرون ويكذّبون... ففِكرُهُم الملوّث وأهواؤهم الناطحة للحقّ إلهُهُم... ولا حسيب ولا رقيب ... !

وذاك لَعَمْري أكبرُ كذب الإنسان ! وهو الذي هداه إلى الفُجور .... ثم إلى الفُجور أمامَه فالفُجور ... ! وهو هو هاديه إلى النار ... !
ومن فُجوره، وجرأته على ربّه الخالق المُنعِم سبحانه، أن يسأل مستهزئا : " يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) " ...
وقد وصفهم الله بالخرّاصين (أي الكذّابين) في قوله تعالى : "قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ(12)" -الذاريات-
« آخر تحرير: 2020-12-03, 15:17:21 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

أما الآيات المواليات ....

"فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ(10)"

ليس في هذه الآيات بيانٌ لعلم الله وحدَه بموعدها، كما جاء في سور أخرى، أعقِب فيها سؤالُهم ذاتُه ببيان اختصاص الله تعالى وحده بعلمه، من مثل ما جاء في قوله تعالى : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا  قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي  لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ  ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً  يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا  قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)" -الأعراف-   وفي قوله سبحانه : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا(45)" -النازعات-

الآيات هنا تضع الإنسان في قلب ذلك اليوم العظيم... بذكر أهمّ علامات فناء الدنيا، وحلول الآخرة... وسبحان الله ...! هذا ما يليق بسورةٍ تحمل اسم هذا اليوم العظيم "القيامة"، أن نوضَع في قلب ذلك اليوم، إجابةٌ مباشرة قويّة فيها تأكيد على حقيقة هذا اليوم، وعلى تحقّق وعد الله تعالى بحلوله .

فهو ذا بعلاماته ....
"فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)"
فإذا شُدِهَ الإنسان حتى برق بصره تحيّرا وفزعا مما تراه عينُه... يرى تقلّبات الكون رأيَ العين ...! يرى الأهوال التي لا يصفها لسان، ولا يحتملها جَنان...! يرى بأمّ عينِه ما كان كذّب به من قبل ... يرى أمامَ عينِه ما جاءه به الداعي إلى سبيل ربّه ... جاء يُنذِره هولَه ... ! إنه اليوم يراه ... !

برق البصر... فلا يملك الإنسان ما يفعل، ولا ما يفسّر به الأهوال وهي قُبالته تترى... !
برق البصر... فإذا ذاك العالِمُ الذي ذاعَ صِيتُه حتى لم يبقَ محفلٌ للبشر لم يَذكر علمَه ولم يُثنِ على نبوغه ... ذاك المتبحّر في علوم المادة، القائل بأنّ الحياة مادة، وألّا إله... إذا هو اليوم وقد برق بصره...! لم يعد لعقله من قول يقوله في انقلاب المادّة عليه، وانقلاب القوانين التي علِمها وعلّمها... !

لقد خسَفَ القمر... لقد طُمِسَ نُورُه... لقد غاب ولم يعد ذاك المنير في العتمة ...!  ولقد جُمِع الشمسُ والقمر ...! لقد التقت علامة النهار بعلامة الليل ... لم يعد الإنسان يَميزُ زمانا من زمان .... لم يعد يعرف ليلا من نهار ... !
التقى المفترِقان... التقى المختلفان .... واختلّ نظامُ الكون... وكلُّه تراه الأبصار !! ومن قدرة الله وعظمته أن يختلّ وينقلب، والإنسان في قلب الاختلال والانقلاب ولا يهلك منه !  يرى الأهوالَ وهو مبعوث للحياة، فلا تأخذه تلك الانقلابات إلى موتة أخرى، وقد قضى الله تعالى ألا موت بعد هذا الإحياء ... !

"يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) "
أيها المكذّب المُعاند، المُخاصِم لربّك ... !
يا مَن سألتَ مستهزئا أيّان يوم القيامة ؟! يا مَن استبعدتَ البعث، وأنكرتَه، وقلتَ أن الدنيا صدفة الصُّدَف، وأنّ الإنسان هباءة ولَوْثةٌ من لوثات المادة، وقذارة جاءت بلا هدف، وبلا غاية، وأنه لا مسبّب للأسباب ... ولا موجِد للوجود ... وأنّه الموت فلا شيء بعده ... !
يا مَن عِشتَ تُحكّم الهوى، وتُشبع نَهَمَه الذي لا ينقضي، وشَرَهَهُ الذي لا ينتهي ... ! يا مَن عشتَ تدّعي التحضّر والرقيّ وأنتَ إلى البهيميّة أقربُ... تعفس الأخلاق، وترفس القِيَم ... وتحارب الدين، وتضطهد دُعاتَه ... !

إنك القائل يومئذ : "أين مفرّ"......
يا مَن سألتَ عن موعدها مستهزئا، ها أنتَ في قلبها تسأل عن مكان إليه تفرّ   !! وليتَ شِعري ... إنه لا مفرّ ... !!

"كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) "
ما من وَزَر... ما من ملجأ... ما من حبل يشدّك إلى السماء لتفرّ إلى جُرم من أجرامها يُلقي بك إليه صاروخُ عِلمِك   !  فلقد جُمع الشمس والقمر...!
ما من نفق في الأرض تلوذ به مع اللائذين... وما من لائذين !! بل كلّهم أنتَ أيها السائل عن المفر ولا مفرّ... !! لا الأرض هي الأرض ولا السماء هي السماء ...!

لا مفرّ ... لا وَزَر... "إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ"
يا مَن عشت فارّا من ربّك ! إلى ربك اليوم المستقر... أنت اليوم ملاقيه، أنتَ بين يديه قائم، أنتَ محاسَب   !

"يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) "
كتابُك ينطق بما كان منك ...  لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها... يشهد عليك ! عملُك اليوم أمام عينيك ...
ما قدّمتَ من عمل، وما أخرت، ما سعيتَ سعيك للخير ففعلتَه، وما أجّلتَه فلم تفعله، ما فعلتَه في أوّل أمرك في الدنيا، وما فعلتَه في آخر أمرك، ما فعلتَ من حسن، وما فعلتَ من سوء ... كله تُنبَّأ به ! فإذا أنت أمام ما قد غاب عنكَ ونسيتَه ولكنه عند الله محفوظ مسجَّل لا يغيب ولا يُنسى... !  "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا  وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا  وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" -الكهف:49-

"بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15) "

إنها الحجّة تقيمها عليه نفسُه، أليس في الدنيا قد عُلِّم أنه لا يُحاسَب بعمل غيره، ولا يحاسَبُ غيرُه بعمله ؟ ويوم القيامة يلقى كتابه منشورا  : "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ  وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)" -الإسراء-

بل تشهد عليه جوارحُه بما كان يعمل، حجّة قائمة عليه بجوارحه التي كان يتحرك بها في الدنيا ويعمل : "وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا  قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) " -فصّلت-

ولن ينفعه عذرٌ يُلقيه، وأيّ عذر من بعد شهادة الله عليه بما سجّل عليه من عمل؟ وكفى بالله شهيدا ... ثم أيّ عذر يلقيه من بعد شهادة  جوارحِه عليه ؟!
إنّها لأهوالٌ مُلجِمة... !
فهذا الإنسان المكذّب اليوم... أجيبَ بالأهوال تضعه في قلب الموعد الذي سأل عنه مستهزئا مكذّبا ... أجيبَ بحاله التي ستعايِنُها نفسُه، وستهتزّ لها ! وسيعلم أيَّ إمهال أُمْهِل في الدّنيا، وأنّه الذي لم يُهْمَل إذ أمهِل ... !

وينقُلُنا السّياق نقلة كاملة إلى خطاب مباشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن القرآن... وسورة القيامة من السُّور المكية...كانت في زمرة السُّور التي نزلت تشدّ وثاق العقيدة في القلوب، وتزوّد الإنسانَ بالتصوّر الصّحيح لوجوده ولوجود الكون مِن حوله...

يروي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالوحي، جعل يحرّك لسانه وشفتَيه بما كان ينزل عليه، مخافة أن يفلَتَ منه الوَحي، وكان يُلاقي من ذلك شِدّة تُعرف في وجهه... يقول: " فأنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتي فِي: لا أُقْسِمُ بيَومِ القِيَامَةِ: {لَا تُحَرِّكْ به لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ به، إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ} قالَ: عَلَيْنَا أنْ نَجْمعهُ في صَدْرِكَ، { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} : فَإِذَا أنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ، {ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} : عَلَيْنَا أنْ نُبَيِّنَهُ بلِسَانِكَ، قالَ: فَكانَ إذَا أتَاهُ جِبْرِيلُ أطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كما وعَدَهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ" -صحيح البخاري-

"لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) "

وإننا لو تأمّلنا الترابط بين السورة والسورة ... فإنّ سورة "المدثّر" جاء فيها رأسا الأمرُ له صلى الله عليه وسلم بالإنذار، قياما بالدعوة، وهو صلى الله عليه وسلم المؤتمر بأمر ربّه، المطيع غاية الطاعة، المؤدّي بالكمال والتمام، مُذ أمِر بالقيام وليس في الدنيا ما يحرص عليه حِرصَه على القرآن وعلى تبليغه كاملا تاما كما نزل عليه، لا يُنقِص منه حرفا ولا يزيد فيه حرفا ... ومن فرط حِرصه كان يخشى أن يتفلّت منه شيء وجبريل ينزل عليه بالوَحي ... فكان يعجل خلفَه وهو يُقرئه فيقرأ محرّكا لسانَه، وكلّ خوفِه أن يضيّع منه شيئا .... وهو الصادق الأمين ... !

كان الأمرُ له : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(01) قُمْ فَأَنذِرْ(02)"
فقام حريصا على تبليغ الرسالة بحذافيرها، وهو يخشى تفلّت حرف منها، فجاءت الرحمة الإلهية  بالنبيّ الأمين يحملها إليه المَلَك الأمين الكريم، ألا يحرّك بعد اليوم لسانه به، فالله يتكفّل بجمع القرآن في صدره، فلا يضيع له منه شيء : "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ" .  أمِر أن يستمع إليه وهو يُلقى إليه دون مشقة تحريك لسانه، وانشغال نفسه بمخافة ضياعه منه : "فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ "،  وأنّ عليه سبحانه بيانَه على لسانه صلى الله عليه وسلم، وكذا بيانه بحركته صلى الله عليه وسلم على الأرض قولا وفعلا وسلوكا : " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ " .

فإذا تأمّلنا علاقة الآيات السابقة بهذه الآيات ...

يوم القيامة، وكرامة النفس اللوامة على الله وهي التي تُكرَم يومها، والإنسان المكذّب بالبعث، المستهزئ به، وعَرضه وهو محاصَر بأهوالها المروّعة لا مفرّ له ولا وَزَر... !
كلّ هذا في لمحات...في ومضات ...في آيات قصيرة يتلو بعضها بعضا، توحي بقرب موعد ذلك اليوم العظيم، وبقِصر الدنيا، وبالسّرعة التي يُنقَل بها الإنسان إلى ذلك اليوم الموعود ! في عجلة تنقضي الدّنيا، وفي عجلة يأتي يوم القيامة ... فالذي غرّته الدنيا يراها طويلة ممدودة من طول أمَلِه، ومن انقطاع حبله بالله ! ومن انقطاع حبل حياته الدّنيا باليوم الآخر... !

وَمَضَاتٌ عاجلة تصوّر هولا عظيماً، وفَزَعاً عظيما ... !
وأما ما يستحقّ أن يُحرَص عليه في الدنيا، فهو ما حرص عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم، حتى خشِي تفلّت حرف من حروفه من صدره !
ما يستحقّ أن نعجل، ونتسابق في سبيل عبّ أنواره، ونوال فضله، والرقيّ بمعارجه الروحانية، والسموّ بسناه المُبهِر، هو القرآن !!

ما يستحقّ أن نعجل حِرصا على حِفظِه، وإشعاع أنواره، ونشر خيرِه، والتطبيب بطِبّه هو القرآن ! هذا ما يستحقّ في هذه الدنيا أن نلهث خلفه، هذا ما كان صلى الله عليه وسلم يحرص عليه كلّ الحِرص، ويخاف كل الخوف أن يتفلّت منه ...!
هو النور الذي بفضله نحظى بالدّرجات يوم القيامة، وبفضله ننال الكرامات، وبهَدْيه ننجو من الدَّرَكَات ونسلم من الهلكات ! هو الذي ينعكس نورُه على الوجوه يومَها فتبيضّ ... هو الذي ينطبع عليها وضاءة فتُسفِر ! هو الذي يملؤها بِشرا فتضحك وتستبشر ... !

هو جنّة الدنيا والمِهاد لجنّة الآخره ! هو الفرقان بين الحق والباطل، وهو صلة العبد بربّه المعبود، وصلة المخلوق بالخالق، صلة الموجود بالموجِد، هوالحبل الممدود بين الدنيا والآخره، بين يوم الدنيا ويوم القيامة ... هو كرامة الإنسان ومعنى الإنسانية ... !

لقد كان صلى الله عليه وسلم يخشى تَفَلُّتَهُ من صدره، فبلّغَه حرفا حرفا، كما بلّغه بعَيْشِهِ، إذ كان قرآنا يمشي على الأرض... كان حركة للقرآن على الأرض في فِعاله وأقواله، في سُلوكِه وأخلاقه، في ائتماره بأمره وانتهائه عن نهيه ...
ذلك كان سِبَاقَه، وذلك ما دعا الناسَ أن يتسابقوا فيه...
ونلحظ أيضا تناغما بين الآيات حتى في اللفظ وهو يُعاد، فكانت : "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ ".  كما جاءت: " وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ " . وجاءت هنا : " إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ "
سبحانه الذي يبعث خلقَه لحياة جديدة بعد الموت، هو الذي يجمع ما هو محالٌ اجتماعه، الشمس والقمر، وهو سبحانه الذي يجمع خلقَه يوم القيامة، وهو سبحانه الذي يجمع القرآن في صدر نبيّه، فلا يضيع منه شيء حفظا منه لكتابه، كما وعد بحفظه ... !
« آخر تحرير: 2020-12-03, 15:25:26 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

وكما جاءت الآيات وفيها ظلالُ العجلة والسّرعة التي هي حقيقة هذه الدنيا ... تأتي الألفاظ متناغمة مع سياق المعنى، فجاءت: " لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ" .   وتأتي الآية الموالية وفيها : "كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ(20)"

وقد جاء الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن القرآن معترضا بين ما سبق من حال الإنسان في قلب أهوال القيامة، وما بلغناه مفتَتَحا بـ : "كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ" ...
تأتي هنا " كلّا "  مبيّنة لحقيقة حال الإنسان المكذّب بالحقيقة الكبرى، بالبعث والحساب، وأنّ إصراره على التكذيب مردّه حبّه للدّنيا : " كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ "..
وإذا عدنا قليلا إلى الوراء، وجدنا أنّ:
1-)  أواخر "المدثّر" ذكرت لنا السبب الحقيقي وراء إصرار المُعرضين عن القرآن على إعراضهم: " كَلَّا  بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ " -المدثّر:53-
2-) ثم مع بدايات القيامة، في تدرّج منهجي يكشف لنا الأسباب واحدا تلو الآخر، نقع على السبب الحقيقيّ وراء عدم خوفهم الآخرة، وعدم الإيمان بها في قوله تعالى : " بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ " .
3-) لنصل مع آيتنا الجديدة إلى السبب الرئيس لتكذيب الإنسان بالآخرة، ولإرادته الفجور صُعُدا ... إنه حُبُّهُ للعاجلة : "كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) "

وأيّ دافع هو، وأي سبب ... !
وتسمية الدنيا بـ "العاجلة" تحديدا في هذا المقام الذي كلّ إيقاعاته سريعة سُرعة الدنيا، وسرعة أمر القيامة ...
هذا اللفظ بالذات يعطي ملامح الوَهَن والوهْي في هذا السبب، الذي لأجله يُكذّب الإنسان بالحقيقة الكبرى، يكذّب بالبعث، وبالحساب، وهو  ما يجعله يُعرض عن القرآن وعن كل تذكرة فيه ...  ما يجعل بينه وبين القرآن حجابا مستورا ... !
حبّ للعاجلة .... وأيّ عقل هذا الذي يُؤثر العاجل السريع المنقضي المنتهي، على الدائم الباقي الذي لا ينتهي ...! حماقة وسَفَهٌ وقلّةُ عقل، كلّها ظلال هذا اللفظ تحديدا : "العَاجِلَة"...

ولا يتمّ المعنى على وجهه الدّقيق والعميق حتى نُلحق المعطوف: "وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ" . إذ أنّ حبّ الدنيا ليس مذموما لذاته، بل هو مذموم إذا ما كان حبّاً لها وحدها مقرونا بنسيان الآخرة، واتّخاذ أمرِها ظِهريّا ...
ونعرف في الدعاء: "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " -البقرة: 201-  . وهؤلاء ليسوا بأهل مذمّة، بل يقول الله فيهم : "أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ " -البقرة:202-
كما يبيّن الله تعالى فضل الآخرة، دون أن يدعو إلى نبذ الدنيا: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا..." -القصص:من الآية77-

إذن... فالمعنيّون بالآية هنا هم أهل حبّ الدنيا وحدها، وهو ما يبيّنه العطف بقوله سبحانه : "وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ".
ونتأمّل هنا فإذا  اللفظ جاء "الآخرة"  ولم يجئ "الآجلة" مقابلةً لـ "العاجلة" ... إذ أنّ هذا اللفظ قد يوحي ببعد موعدها ... بينما السورة كلّها تُلقي بظلال العجلة والسُّرعة، حقيقة موعد ذلك اليوم...

عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: بإصْبَعَيْهِ هَكَذَا، بالوُسْطَى والَّتي تَلِي الإبْهَامَ بُعِثْتُ والسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ"  –صحيح البخاري-

أمّا الآن ...فيأتي وصف الوجوه في ذلك اليوم دون وصف الأهوال معها، وقد جاء في بدايات السورة وصفُ حال الإنسان الذي كذّب بالبعث وأعرض وهو في قلب أهوالها :
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) "

فيأتي بالمقام الأول وصفٌ لأوجُهِ النّاجين المُكرَّمين : "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) "
والنّضارة حُسْنٌ في الوجه من أثر النّعمة والفرح، وأيّ مقام أعلى من النّظر إلى وجه الله تعالى ! نَضِرتْ قلوبهم في الدنيا بنور القرآن حبّا له، واهتداء بهَدْيه، وعملا بأمره، وانتهاء عن نهيه، فهي ذي اليوم وجوههم ناضرة، إلى ربّها ناظرة، ولا ينعَم بالنظر إلى وجهه الكريم إلا مَن نضِر وجهُه ... !

عن جرير بن عبد الله قال: "كنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ نَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ" -صحيح البخاري-
وعن صهيب بن سنان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ" -صحيح مسلم-

ثم يأتي وصف  لأوجه الهالكين الخائبين، أهل التّبار والخسار، الذين ظنّوا أن الدّنيا دار قرار لهم، فمُدَّ لهم فيها من غيّهم، فهم من غرق فيها إلى غرق... حتى إذا جاء اليوم العظيم هم أولاء : " وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) "
وجوه كالحة، مسودّة...أصحابها على يقين من أنّ داهية عُظمى حالّةٌ بهم لا محالة ... والفاقرة الداهية العظمية التي لشدتها كأنها تقصم فقار الظهر !! لقد وجدوا ما وعد ربُّهم حقا، كما وجد أهل النّضارة ما وعد ربُّهم حقا !
 
والجسر الذي لا يتخلّف واحد من البشر عن عبوره لحضور يوم القيامة، هو جسر الموت ... فهذه الآيات الآن تنقلنا إلى تلك الساعة الفارقة، الساعة الفاصلة، التي تعمل عملَها في كلّ إنسان .... اللحظة التي تسبق يوم القيامة ! ولا بدّ منها لشهود يوم القيامة... !
الساعة التي تُخرج الحيّ من الحياة الدنيا لتنقله إلى حياة البرزخ، ومنها إلى يوم القيامة عند حلول موعده ...  وما كانت الحياة إلا ليبلونا الله أيّنا أحسن عملا، وما كانت الموت إلا ليجازينا الله كلّا بما عمل ...
فكانت تلك الدورة ... حيـاة،  فمــــوت، فحيـــــــــاة...

"كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ  رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)"

والقبر الذي يضمّ الميت أوّل منازل الآخرة...
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "القَبرُ أوَّلُ مَنازِلِ الآخِرةِ، فإنْ يَنجُ منه فما بَعدَه أَيْسَرُ منه، وإنْ لمْ يَنجُ منه فما بَعدَه أَشَدُّ منه" -مسند الإمام أحمد-
وهذا تصوير دقيق لما يحصل للإنسان ساعة الاحتضار... ولَكَم هو مزعزع ومزلزل هذا الوصف ... !!
"كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ  رَاقٍ (27) "

إنها الروح.... !    ذلك السرّ الإلهيّ الذي لا يعلم عنه إلا الله ... هي من أمر ربّي، وهي من الله وإلى الله، وهي سرّ الحياة ...
هي الآن تخرج من ذلك الجسم المُلقى بين يَدي الله، يحيط به الأقربون والمحبّون...يعرفون في حاله كُربة، ومن وجهه شدّة ... يبكيه مَن يبكيه منهم، ويشعر بقرب رحيله مَن يشعر، ويأمَل في بقاء شيء من الحياة فيه مَن يأمل ...! والجميع يراه في عَجز، وفي كلل، وفي ضُرّ عظيم ... !
ولكن لا أحَد يرى ما يراه هو ... لا أحد يعلم ما يحدث معه، والروح تصّعّد منه جزءا بجزء في رحلة الخروج... !  في مسيرها نحو ربّها ... !

لا أحَد يعلم ما يعانيه، ولا ما يكابدُه من سكرات ! ولقد قالها المصطفى الأشرف صلى الله عليه وسلم، إذ تُحدّث عنه عائشة رضي الله عنها وهو بين سَحْرها ونحْرها : " كانَ بيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ (قربة فيها ماء)فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ في المَاءِ، فَيَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ، ويقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، إنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ " -صحيح البخاري-

سَكرات... وأي سكرات ..... !
هذا وصفٌ لها وقد بلغت التراقي، بلغت العظام المتقابلة أعلى الصدر، حيث الحلقوم: " كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ"

وقد جاءت "كلاّ" هنا إبطالا ثانيا لإنكار الإنسان للبعث، من بعد: "كَلّا بَلْ تُحبُّونَ العَاجِلَة" .
ذاك الذي قبل قليل كان يعمل ويسعى حثيثا لنشر الإلحاد، وللدعوة إلى إنكار الله جملة وتفصيلا   ! ذاك الذي كان يتفاخر بشيء من علم، لولا فضل الله ومشيئته لما أحاط به ... يصنّف الكتب، ويُعلي الصيحات الإلحاديّة الواحدة تلو الأخرى، فهذه نسخة الإلحاد رقم01 ، ثم هذه النسخة رقم02، وفيها زيادة  شطحات من الشطحات الهوائية ... ! وهكذا... !

إنه هو ذاتُه اليوم يُحتضر ... اليوم تحضره الموت، ويحضره ملك الموت المأمور بقبض روحِه، المؤتمر بأمر ربّه :  "كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ"

لقد بلغت روحُه التراقي ... أيّ عقل هذا الذي يُنكِر الإله، ويُنكِر البعث، وينكر الآخرة ... وهو يرى الموت فيمَن حوله في كل حين، من قبل أن يعرفها في نفسه ... فيقول بأنها التي ليس بعدها من شيء... !

أطَّلَعَ الغيبَ ؟ أأطلّ من ساعات حياته عليه ؟ أجاء بالنبأ اليقين من عند عقله الذي يحدّه الزمان والمكان ولا يدري ماذا حاصلٌ له بعد حين؟!
لماذا يُصدَّقُ هؤلاء الماديّون العبثيّون، ألأنّهم حازوا طرفا من أطراف العلم ؟! أيّ نبأ يقين هو عندهم عن الإنسان وعن الروح، وعن ماهيّة الروح، بلَه عن مآله بعد الموت ... !

"كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ"  أيّ فِكاك لكَ ساعتَها من أوْلِكَ إلى ربّك الذي به قد كفرتَ، وأمْرَه قد أنكرتَ ؟! أين المفرّ ... ؟! كلا لا وَزَر ... !
"وَقِيلَ مَنْ  رَاقٍ" ...مَن ذا يرقيه مما هو فيه ؟! أيّ شيء يُنجيه، ويُعيده للحياة، وهو بين الحياة والموت ... لم تُقبَض روحه قبضا تامّا بعدُ ... !

لقد بلغت التراقي... فإن كان مؤمنا وكان مَن حوله مؤمنين، مَن ذا يقرأ عليه شيئا من القرآن فيردّه إلى سابق حاله ؟! وإن كان غير ذلك... مَن ذا يقرأ عليه تعويذة بين التعويذات المزعومة لعلّها تشفيه مما هو فيه ...؟!

مَــــــــــــــــن راق .... ؟!

إنه في حال لا يعلم شدّتَها إلا ربُّه ! قد استيقن من حلول ساعة الفراق... استيقن من حلول ساعة الرحيل: "وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28) "
ويا سَعْدَ مَن استيقن بقُربه، فسارع فيه شيء مِن روح لم يخرج بعدُ إلى النطق بالشهادة، وإلى ذكر الله ...... !
يا سَعْد من وفّقه ربّه لرفع سبّابته يُشير بها ألّا إله إلا الله !
غاب صوتُه، وغابت حركته، ولكنّ سبابة مرفوعة بين أصابع يدٍ مثقلة متدلّية لم يعد يقوى على تحريكها .... سبابة تشير وحدَها بين كلّ أطرافه، وكلّ أجزائه، وكل نقطة من جسمه ... ألا إله إلا الله .... !

يا هناءتَه ويا فوزَه، ويا لِحظّه الأوفَر ....! لقد ودّع الدنيا وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله ...! بها يلقى الله ....بها يلقى الله ...
أما الآخر.... فماذا سيذكُر، كيف سيذكُر، وقد عاش يُكذّب ويُنْكر ....؟!!

"وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ(30) "
تلك التي كانت تحمله لحركته على الأرض... فإما حركة خير وإيمان، وإما حركة شرّ وكفران ....
كلاهما لم تعد ساقُه تحمله !  لم تعد تلك التي كانت تُقيمه تقوى على أن تُقيمه ...لقد التفّت السّاق منه بالسّاق ! تيبّست الساق على الساق، مؤذنة حلول موعد الفراق ...موعد الرحيل ...مؤذنة أنها لم تعد لتحمله من جديد في الدنيا ... !
إنه يُساق... لم يعد في زمن القيام على ساق، بل إنه الذي يُساق... شاء أو أبى ...هو اللحظةَ يُساق : " إلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ" ...

انتهى أمرُه .... انتقل إلى المعبر الثاني الذي يرجع منه إلى ربّه ... انتقل إلى حياة البرزخ ...
« آخر تحرير: 2020-12-03, 15:31:15 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

الموت...حال يمرّ بها كل إنسان، ولكنّ الله يعود بنا إلى المكذّب، فكما بدأت السّورة بالحديث عنه وعن تصوّره السقيم، وعن إنكاره للبعث، تعود فتُحدّث عنه كرّةً أخرى بعد أن صوّرتْ لنا عجزَه أمام الموت ...

فسبحانه الذي يقهر كلّ عباده بالموت، فلا يملك أحدٌ أن يردّها عن نفسه، أليس بقادر على أن يبعث الحياة فيهم بعد الموت ؟!
ومن الموت عَودا على بدء .... هكذا هي الدّورة في التصوّر لهذا الوجود ... حياة، فموت يعرفه ويصدّق به الإنسان كيفما كان اعتقاده ... كافرا كان أو مؤمنا ...
أما الحياة الأخرى ... فهي التي يختصّ بالتّصديق بها أهل الإيمان دون غيرِهم ... غيبٌ هي من الغيب الذي يصدّقون به...هو ذاك الذي يميّز مؤمنا عن كافر ...
ونحن في ظلال سورة القيامة ... لا بدّ أن نلاحظ كيف ينتقل بنا السياق من القيامة والبعث وأهوال ذلك اليوم العظيم، يوم نهاية الدنيا وحلول الآخرة، إلى الموت الذي هو الجسر الذي يُعبَر لنبلغ يوم القيامة، في ترتيب عكسيّ ... فلم تعرض لنا الموت ثمّ القيامة، بل عرفنا القيامة أولا، وَوُضِعْنا في قلب أهوالها،  ثم جاء ذكرُ الموت الذي يوصل إليها ...
وسنبقى على الوتيرة العكسية في الزمن، مع اللاحق من الآيات ...

"فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ (31) وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ (33) أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ (34) ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ (35) "
يعود بنا سبحانه إلى حاله في الدنيا، وهو ذاك المقيم على تكذيبه وإعراضه.  لم يكن من المصدّقين، بل كان من المكذّبين...
فأما المصدّق المؤمن، فموصول بربّه، لا ينفكّ ناهلا من مورِدِه،  وأما المكذّب الكافر المُنكر، فمقطوع الصّلة بربّه: " فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى"

بل كان مكذبا منكرا،  كان معرضا عن ربه متولّيا عنه : " وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ "
ثم فوق هذا كلّه، متفاخر هو بحاله، يرى عقلَه الفَلْتَة، ويرى موقفَه من الدعوة إلى الإيمان والتسليم لربّ السماوات والأرض وما بينهما فلتةً من الشجاعة، وقطعة دُريّة من الحريّة... !

يصوّره الله سبحانه في هذه الآية وهو يتمطّى : " ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ"...
يرى نفسَه الذي لا ينساق خلف الدّاعين، ولا يأخذ برأي المتَّبِعين ... وأنه الحرّ الذي لا يتّبِع .... يرى نفسَه إلهَ نفسِه ...بينما الحقيقة أنّ إلهَه هواه وهو عبدُه ... وليت شِعري يحسب نفسَه الحرّ المتحرّر ... !!

وإنّك لترى الملحدين الذين ينشرون الإلحاد باسم العِلم، يتفاخرون بما يعلنون، ويُعرَفون بالصيحات والشطحات التي تبلغ الآفاق، والأبواب تُفتَح لهم على مصراعيها، في سياسة توجيهية تُموّلهم وتَدعمهم لنشر الإلحاد في الأرض، ولإبعاد العباد عن ربّ العباد... !
فلا يستحْيون من إعلانهم الكفر البواح، وهم يؤرّخون للحظة الإعلان، ويوثّقون للحظات تجديد الإعلان، والاحتفال بالإعلان، وللحظات النشر والدعوة إلى خروقاتهم وسفاهاتهم، لحظات الإشهار للكتاب يليه الكتاب، وللحظات  انتشار الكتاب، ونُفُوقِه في سوق الكُتُب من فرط تسهيل طبعه وبيْعه ونشره... ! وللحظات إنشاء المجمّعات والجمعيات الإلحادية، وعقد المؤتمرات التي تُمَوَّلُ وتُدعَم من أكبر واجهات العالم السياسية والمالية ....! فإذا الملحِد المُوَشّى بزيّ العِلم بطلٌ عالميٌّ ! من أشهر المشاهير، ومن أكثرهم حظّا في الظهور والعمل ...!

يكفر، ويُنكر الإله الخالق، الباعث، ويتمطّى بدعاواه الباطلة ... ويتفاخر، ويرفع بذلك رأسا .... وباسم العلم هو المتمطّي، بالباطل والضلال والعمى ....

"أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ (34) ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ (35) "
صيغة تهديد ووعيد، ودعاء بالهلاك، كأن يقال: "ويل لك" ... تهديد مكرّر للتأكيد على سوء ما ينتظر هذا المكذّب المتولّي عن الله...
لقد عرفنا في بدايات السورة : "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ (3)"
فماذا يحسب هذا الإنسان بعدُ ؟؟   إنه هنا: " أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36)"
أيحسب أن يُترَك سُدى، سواء فعل خيرا أو فعل شرا، لا حساب ولا عقاب، ولا جزاء ؟! أيحسب أن يُترك هَمَلا ؟!
كما قال أصحاب المادة واللَّوَث الكيميائي واللاهدف من الوجود، هباءة ثم إلى هباء ....! أيحسب أن يُترك هباءة ؟ !

إنه لم يُخلَق هباءة وعبثا، ليُترك هباءة وعبثا: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" -المؤمنون:115-
أيحسب أن لن تُجمع عظامه ؟! أيحسب أن يُترَك سُدى ؟! أيحسب أن لن يُبعَث حيّا ليلقى جزاء ما عمل ؟!
مع بداية السورة، جاء الاستفهام يستنكر إنكارهم وتكذيبهم، ويؤكّد بعده سبحانه على طلاقة قُدرته على البعث والتسوية التامة من جديد...

وها هي تنتهي بما بدأت به، باستفهام يستنكر تكذيبهم البعث، وحسبانهم أنّ الإنسان متروك سُدى، وكأنّ خلقَه عبث، وأنّه من العبث الحديث عن بعث ...بل إنّ خلقَه لم يكن إلا لهدف وحكمة... للابتلاء، كما أنّ بعثه للجزاء على تفاعله مع الابتلاء ...
ويُعقَب الاستفهام هذه المرة بالتذكير بالخلق الأول، تدليلا على القدرة على الخلق الثاني وهو عليه سبحانه أهون :
"أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (39) أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ(40) "

وكما أسلفت... 
نجدُنا بين يَدَي هذه الآيات عن  الخلق الأوّل، في تكملة للترتيب العكسي لحال الإنسان على مدار السورة، إذ كان الحديث عن يوم القيامة، ثم عن الموت، ثم ينتهي بالحديث عن أول أمر الإنسان... !
إننا في رحابها ننتقل من النهاية إلى البداية...وفي ذلك كل المناسبة والملاءمة لموضوع السورة ولاسمها: "القيامة" ... فكانت البداية منها، ثم  إلى الموت جسرا ناقلا إليها، عودا إلى خلق الإنسان الأول ....

كان قطرة من ماء رجل، لا تُرى بالعين المُجرّدة، مصبوبة في رحم امرأة ...حُوَيْن من ملايين الحيوانات المنويّة التي تنطلق في رحلتها  بحثا عن البويضة... ثم صار خلقا آخر... صار علقة متشبثة بجدار الرحم ! ومنها خُلق الخلقة التامّة المسوّاة للإنسان بلحمه ودمه وعظامه، وشرايينه وأعضائه، وأطرافه ... !  فجعل من هذا الخلق زوجين، ذكرا وأنثى ...

من قطرة ماء تغوص في الرحم، فتبدأ رحلة تَشَكُّلِها وتبدّلها طورا بعد طور ! من ماء مهين، جُعل في قرار مكين ... من هذا الذي لا يوحي بشيء ولا بشكل جعل الله الذكر والأنثى، رجلا وامرأة ... !
عمليّة تتكرر في كل لحظة، في كل دقيقة، في كل ثانية على سطح هذا الكوكب الحامل لمليارات البشر .... بالآلاف في اللحظة الواحدة، بمئات الآلاف في اللحظة الواحدة،  في كل مكان من الأرض يحدث هذا الخلق... !
فما الأهون على الله ... بل ما الأهون في العقل الذي يقدّر إذ يتصوّر...؟! 
أمِن ماء بلا شكل ولا هيئة،  أم من عظام إنسان يُركَّبُ بعضها إلى بعض ليعود هيكلُه ...؟! أيّهما أهون ؟؟   أمِن ماء تتكوّن العظام واللحم والدم... أم من عظام تعيد هيكلا كان ؟ أيّهما أهون ؟؟

"أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (40) "

الذي خلق إنسانا من قطرة ماء، أليس قادرا على إعادة الحياة فيه وهو ميت ؟  بعث حياة كاملة من ماء... هكذا بمعنى الحياة التي سرّها الروح ...

إنها لم تأتِ "بقادر على أن يجمع العظام"... لأن جمع العظام عملية ماديّة تخيّلها الإنسانُ كما يجمع هو أجزاء هيكل جامد لا روح فيه ولا حياة !! أما: " أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ" فتجمع العمليتين الماديّة والروحية ... جمع العظم إلى العظم، كما تُجمع أجزاء الجماد بعضها إلى بعض، ثم بثّ الروح، لبعث الحياة... !

وكأنه سبحانه يبين أنّ ما استعصى على الإنسان المكذّب تصوّره من جمع العظام بعضها إلى بعض، إنما هو ما يوافق طاقة خياله وتصوّره وعمله وعلمه وقوّته، والذي لا يرقى إلى بعث حياة ! لقد أنكر ما هو خارج عن نطاق طاقته هو، وما هو أبعد عن خيالَه، وما لا يستطيعه... فجاءت الإجابة الربانية تحمل التفرّد الربّانيّ في بداية السورة بقوله سبحانه : " بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ"  وبقوله سبحانه في آخرها: " أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ"
وكلتاهما تحملان معنى بعث الحياة والروح، في الردّ على إنكار جمع العظام، والذي هو أدنى منه وأقلّ... بعث الحياة ببثّ الروح من جديد، الذي هو لله وحده وليس لأحد غيره... !


وكما هي الروح سرّ الحياة وسرّ البعث، كذلك القرآن روح الروح، حياة الروح... سرّ الحياة وسرّ البعث ... !
وكما هي من أمر ربيّ وحده، كذلك القرآن وجمعُه من أمر ربيّ وحده ! ولهذا اجتمع في هذه السورة ذكر القيامة وذكر القرآن ! اجتمع الحديث عن جمع العظام وبثّ الروح فيها من جديد، وجمع القرآن وبثّه في الروح روحا وحياة ...

عند آيات الخطاب الإلهي للرسول صلى الله عليه وسلم في شأن القرآن، وموقعها  من هذه السورة تحديدا، توقّف المفسّرون  طويلا ينظرون في الرابط بينها وبين ما قبلها من أهوال القيامة  وحال الإنسان فيها...! وغلب على نظرهم ألا رابط ...
ولقد تأمّلت كثيرا موقعها، وأنا أتحاشى التكلّف ما استطعت... فرأيتُ أنّ وزن القرآن ومنزلته ودورَه في حياة الإنسان، ودورَه عند مماته، ودوره بعد مماته كفيلٌ بأن يجعل لموقع هذا الخطاب بشأنه في سورة القيامة تحديدا رابطا مع باقي الآيات، ولكن بالسير الهُوَينى مع الآيات، ومع بلوغي آخرَ السورة ... وجدتُ ما يدعَم ترابطها أكثر، ويُسفِر عن علاقة وثيقة ...

إنها سورة القيامة، يوم حساب الإنسان على ما قدّم، يوم جمع العظام وبعث الحياة من جديد للحساب...  يومٌ تُبعَث فيه أرواحٌ عاشت دنياها بالقرآن فحيِيت به، فهي في ذلك اليوم العظيم تحيا من جديد والقرآن حياتُها الجديدة... وهو قيامتُها السعيدة نضارةً في الوجه، ونورا هاديا... فنجاة من النار !ثمّ جِنان الرحمن... فنَظرٌ إلى الربّ الكريم المنّان، وهو وحده جِنانٌ فوق الجِنان ... !

فكيف لا تجتمع القيامة بخطاب النبيّ في شأن جمع القرآن ؟!

وإنه كما جاء بيان قدرة الله المطلقة على بعث الحياة كاملة في الإنسان من جديد بعد الموت، لا جمع عظامه وحسب، فقد جاء في شأن القرآن قدرته سبحانه على جمعه وهو المنزّل مفرّقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُؤمَر في كلّ مرة على مدار ثلاثة وعشرين عاما، أن يضع كل جزء منه بمكانه المحدّد... وليس جمعَه وحسب، بل بيانَه... فبيانُه أكبر من جمعِه، كما أنّ بعث الحياة من جديد أكبر من جمع العظام... !
"بيانُه" شبيهة بالروح التي تعطي الحياة...بيانُه بحركة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض سلوكا وقولا وفعلا، وقد قالت فيه عائشة رضي الله عنها : "كَانَ خُلُقُهُ القُرْآن" ...

فيالِسُورة القيامة... ويالِيوم يوم القيامة، وياللنّفس اللوامة... !!
وياللقرآن العظيم... هو المرفأ، وهو النجاة وهو حياة الروح في الدنيا، هو الروح للروح... ! وهو حياة الروح في الأخرى... ! هو نور الوجوه في ذلك اليوم العظيم، وهو الوضاءة، وهو النّضارة، وهو الاستبشار ...جنّة الدنيا، ومهاد جنان الآخرة ... !
« آخر تحرير: 2020-12-03, 15:35:06 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب