أهلا وسهلا بك أخي جواد..
كل ما قلتَه صحيح وأعرفه، ودائما هو ديدني معها، وحذرتها منه أكثر مع سؤالها الأخير.. إذ كان ردي عليها أن هناك حلا جذريا منقذا، وهو تفكيرها وزوجها الجدّي في ترك فرنسا بالكلية مع بداية هذه المرحلة الحرجة لبناتها، وأن الله تعالى سييسّر لهما إن كانت الغاية إنقاذ عقيدة بناتهما، وأن الحل المؤقت السطحي هو إيجاد وسط إسلامي مصغر بديل تضع به بناتها، يعني مركز إسلامي وصديقات مسلمات، ولو أن فرنسا اكثر بلاد اوروبا افتقارا لهذه المراكز وأشرسها حربا على الإسلام كما هو معلوم.. وقد كان جوابها انها بالفعل من بعد ما كبرت ابنتها وهي تعي خطورة الوسط على هويتها، تغير تفكيرها وتفكير زوجها وأصبحا يفكران جديا بالانتقال من فرنسا والبحث عن مكان عمل في دولة عربية (من دول الخليج).. تتيح بشكل خاص تخصص زوجها الدقيق الذي لا يتوفر في كل مكان.. وهذا ما يسعيان له..
وحتى ذلك الحين وذلك الحل-وسواء تيسر أو لم يتيسر- كان لا بد من حل النقاش، كان لا بد من رد شافٍ لابنتها التي تتميز بعقل سؤول جدا، لا ينفك باحثا عن الحواب. وعموما الردود هنا لكل حالة مشابهة، وأبناء المغتربين في كل مكان من بلاد الغرب معرضون لهذه الشبهة، بل وفي بلاد المسلمين، ولهذا أضع الأحوبة كمرجعية نحتاجها للحالات المشابهة.
نسأل الله أن يعافيهم ويعافي أبناء المسلمين المغتربين في كل مكان .
آمين. نسأل الله العفو والعافية. من جانبي فالتركيز الأساسي هو القرار العملي. وفكرة الانتقال لدول الخليج لن تكون سهلة وقد لا تتحقق أبدا، فهو تسويف لمشكلة تحتاج تدخل سريع.
والخليج بشكل عام في مرحلة زمنية جديدة تركز فيها على توطين الوظائف والتضييق على الأجانب لصالح المواطن. ولم أعرف أحدا نجح في الانتقال من أوروبا إلى الخليج في السنوات القليلة الماضية!
وحيث أن الانتقال إلى منطقة مختلفة بالكلية سيأخذ الكثير من الوقت والجهد، فيمكنهم أن يبدأوا بالانتقال إلى دولة أخرى في أوروبا بها مدرسة إسلامية، فهذا أسهل بكثير ولا يتطلب الكثير من التعقيدات.
كذلك من الأمور العملية، الصدقة بنية الهداية، ومشاركة الأبناء في العبادات كالصوم والصلاة والدعاء والصدقة والعمرة،
وأن نصلح من أنفسنا لنكون قدوة لهم في الأخلاق والعبادات، وفي التعامل معهم كذلك، فهذا أوقع من أي نصح.
وهناك أمر آخر، فقد لاحظت مؤخرا أننا نكيف الدين على ما نريد تحقيقه في حياتنا، وهذا واضح جدا في أمور الاقتصاد، لكنه سياق عام في حياة المسلمين اليوم بكل أسف.
وما إن يجد الفقهاء مخرجا شرعيا أو فتوى تبيح أمرا ما لشيوع المنكر، إلا ويتحول إلى أصل من الدين في ذاته! ولأن ذلك غالبا ما يحتوي على منفعة دنيوية، فيتكون تيار مقاومة للمفهوم الأصلي من الدين!
وإذا استمر الوضع على هذا الحال، خاصة مع وجود نموذج ربح خلف تلك الفتاوى، فقريبا سيكون هناك دين جديد لا يمت لأصل الإسلام بصلة!
فالتوسع في فتاوى الإباحة بحكم ضرورات الدنيا صار فتنة شديدة، وكأن هناك نموذج كنسي من الإسلام يراد له أن ينتشر ويعم.
أما عن الحوار مع من لدية شبهات، فأفضل البداية من الأساسيات (وجود إله خالق للكون) ثم البدء بالنقاش العقلي المنطقي والبعد عن أي اقتباسات من القرآن أو السنة.
تبسيط الأمور وتجريد الحقائق هنا مهم جدا، لأنه ينبني عليه ما يتبعه من نقاش. ولندرك أن من تربى في مدارس غربية علمانية فقد تأثر جدا بالعقل والمادة، حتى صار العقل هو الإله على الحقيقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإن اتفقنا على استحالة أن يخلق الكون من العدم أو يخلق نفسه بنفسه مع هذا التعقيد الفائق، وأنه لابد أن هناك إله خالق، فلابد كذلك أن الله قد خلق هذا الكون لغاية، فلا يجوز في حق الله أن يخلق شيئا بغير سبب.
ثم ننتقل إلى كيفية إخبار المخلوقات المخيرة على الأرض بمراد الله منها، ومن هنا نأتي للرسل وحقيقة اختلاف الرسالات بينهم حتى نصل للنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم.
في هذه المرحلة فقط، وبعد التأكد من أن المراحل السابقة ليس فيها شبهة أو اختلال في الفهم، نبدأ بالحديث عن الإسلام، وماذا قال الله ورسوله، ويكون التركيز هنا على الآيات والأحاديث التي يمكن استقاء المعنى منها مباشرة وبوضوح.
مع محاولة تجنب الأمور الخلافية أو استقاء المعلومة من شيخ معين، خاصة من المعاصرين، لأن أكبر مدخل للشيطان حاليا هو أن نكرة من الناس يدعي علمه بالشرع جاء ليخالف كل علماء الأمة برأي شاذ!
فمهم ألا ننساق في النقاش لتلك الأمور، خاصة في البدايات.
أخيرا، سمو الهدف الذي يسعى له الإنسان في حياته ينطبع على أخلاقه ويؤثر في تفكيره وقناعاته، فإن كان هذا الهدف ماديا محضا، يزداد وحشة وتخبطا في مادية لا تدع للروح مجالا للتدبر كما أراد الله له.
والله المستعان.