المحرر موضوع: عن الكون والإنسان والحياة...  (زيارة 18473 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
عن الكون والإنسان والحياة...
« في: 2015-09-15, 10:14:23 »
بسم الله الرحمن الرحيم

منذ بداية هذا الكون، ومنذ بداية هذه الحياة، والإنسان يتساءل عن أسرار الكون، وعن أسرار وجوده هو ذاته، وعن سرّ الحياة...

ولو أنّ الله تعالى قد وفّر على الإنسان جهدا عظيما لمّا عرفه بالغاية من وجوده، وبالمنهج الذي عليه سلوكه، إلا أن الإنسان الظلوم الجهول، الجحود يأبى إلا أن يقفز على الحقيقة إلى الأخيِلة والأوهام والخرافة، ينسج من خياله، ومن فكره الذي أهم ميزاته النقص والهوى ما يريد أن ينسج عن معنى الحياة والكون، وعن غاية وجوده، فظهرت الفلسفة، وظهر المتفلسفون، وجعلوا يضعون للناس مناهج للحياة، كما برزت الخرافة نسيجا مُهلهلا تشبّث به الإنسان وصيّره العبادة والمعبود، وما يزال الإنسان إلى يومنا هذا يجادل في شأن الكون، وشأن غاية وجوده، ويقرّر عابثا لاهيا مصيّرا عقله إلها حاكما أنّ هذا الكون من صنع الصدفة، وأنّه لا إله والحياة مادة، وهرطقات وخلط وخبط العقل السليم منه براء، والفطرة السليمة منه براء...

إنسان عصر المادة، والعلم، والتكنولوجيا، يتبجّح ويقول الهراء وهو عالم، ويعتقد الباطل وهو عارف، وماذا عرف من أنكر الله، وماذا علم من جهل بالله ؟!

وعلى هذا فإنّ علينا أن نعرف خصائص التصور الذي بين أيدينا هبة من لدن رب العالمين، خصاص التصوّر الإسلامي، وسأحاول أن أجمع في هذا الموضوع مقتطفات من كتب تُعنى بهذا الأمر الجوهريّ... وستكون البداية مع كتاب قيّم عميق لصاحبه الشهيد سيد قطب تغمده الله بواسع رحمته
"خصائص التصور الإسلامي ومقوّماته " . وإن يسّر الله أعقبناه بغيره من الكتب التي تُعنى بتصحيح النظرة لهذا الكون، وللإنسان، وللحياة، والعلاقة التي تربط بعضها ببعض ...


« آخر تحرير: 2015-09-21, 16:34:37 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #1 في: 2015-09-15, 10:23:49 »
خصائص التصور الإسلامي ومقوماته -سيد قطب-

يبدأ رحمه الله كتابه بـ:كلمة في المنهج
وفيها يعرض للداعي من معرفة خصائص التصور الإسلامي، ذلك :

*لأنه لا بد للمسلم من تفسير شامل للوجود، ومن تفسير للحقائق الكبرى التي يتعامل معها، وطبيعة الارتباطات بين هذه الحقائق، حقيقة الكون، وحقيقة الحياة، وحقيقة الإنسان . وحقيقة ارتباط كل هذا بخالق الكون سبحانه.
*ولا بد للمسلم  من معرفة حقيقة مركزه، وغاية وجوده، ودوره، وحدود علاقته بخالق هذا الكون، ولأنه بناء على هذه المعارف يتحدد منهج حياته، وطبيعة نظامه
*ومعرفة هذه الخصاص ضرورية من ناحية أن هذا الدين جاء لينشئ أمة سيدة، تقود البشرية لبرّ أمانها، بتحقيق منهج الله في الأرض، ولتنقذ البشرية من التصورات الضالة، ولقد تحققت القيادة البشرية على أيدي المسلمين الأوائل، بشكل  لم تعرف له البشرية نظيرا، أولئك كان مرجعهم القرآن، فكانت نت ظاهرة انبثاق أمة عظيمة من نصوص كتاب...!

وللكاتب في دور القرآن كلام عميق، من الأحسن نقله حرفيا:
"إن المسألة -في إدراك مدلولات هذا القرآن و إيحاءاته- ليست هي فهم ألفاظه و عباراته, ليست هي -تفسير القرآن- كما اعتدنا أن نقول!!  المسألة ليست هذه, إنما استعداد النفس برصيد من المشاعر و المدركات و التجارب التي صاحبت نزوله, و صحبت حياة الجماعة المسلمة و هي تتلقاه في خضم المعترك.. معترك الجهاد.. جهاد النفس و جهاد الناس, جهاد الشهوات و جهاد الأعداء. والبذل والتضحية والخوف والرجاء، والضعف والقوة، والعثرة والنهوض .. جو مكة، والدعوة الناشئة، والقلة والضعف، والغربة بين الناس .. جو الشعب والحصار، والجوع والخوف، والاضطهاد والمطاردة، والانقطاع إلا عن الله .. ثم جو المدينة : جو النشأة الأولى للمجتمع المسلم بين الكيد والنفاق والتنظيم والكفاح .. جو بدر وأحد والخندق والحديبية وجو الفتح وحنين وتبوك وجو نشأة الأمة المسلمة نشأة نظامها الاجتماعي، والاحتكاك الحي بين المشاعر والمصالح والمبادئ في ثنايا النشأة ومن خلال التنظيم . في هذا الجو الذي تنزلت آيات القرآن حية نابضة واقعية .. كان للكلمات وللعبارات دلالاتها وإيحاءاتها .. وفي مثل هذا الجو الذي يصاحب محاولة استئناف الحياة الإسلامية من جديد، يفتح القرآن كنوزه للقلوب، ويمنح أسراره ويشيع عطره، ويكون فيه هدى ونور.."

فيرى الكاتب أنه ببُعد الناس عن الحياة الواقعية بأجواء القرآن كما أسلف، لم يكن بدّ من تقديم حقائق التصور الإسلامي عن الله والكون والحياة والإنسان. وذلك من خلال النص القرآني .
ويشير إلى نقطة جوهرية، أنه لا يبغي بهذا معرفة باردة بل يبغي حركة في عالم الواقع، -وكما يقول- يبغي أن ترجع البشرية إلى ربها وإلى منهجه الذي أراده لها ...

نشأة الفلسفة الإسلامية
يعرّج إلى فترة من فترات الحضارة الإسلامية التي وقع فيها الاحتكاك بين المسلمين والبلاد المفتوحة للإسلام، وبعض ما جرّه هذا الاحتكاك من تأثر بدراسات غربية لاهوتية أدخلت على المسيحية، أدى إلى بروز انحرافات واتجاهات غريبة عن التصور الإسلامي، تصدّى لها مجموعة من علماء المسلمين، بردود وتوضيحات حول ذات الله وصفاته، وحول القضاء والقدر، وتواجدت الفرق المختلفة، من مرجئة ومعتزلة، وشيعة وغيرهم، كما أن منهم من فُتِن بالفلسفة فظنوا أن الفكر الإسلامي لا يكتمل إلا إذا ارتدى ثياب الفلسفة، فكانت محاولة إنشاء الفلسفة الإسلامية، فصبوا التصور الإسلامي في قالب فلسفي...
يشير الكاتب إلى نقطة جوهرية، وهي غربة الفلسفة الإسلامية ومباحث علم الكلام عن الإسلام وطبيعته وحقيقته، لما هو كائن من جفوة عظيمة بين منهج الفلسفة ومنهج العقيدة...

ضرورة صياغة التصور الإسلامي من القرآن لا من غيره :

وبهذا يرى سيد قطب رحمه الله، أنّ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، والنزاعات التي نشبت بين مختلف الفرق التي ظهرت، لم تحقق إلا خبطا وخلطا،  إذ قد وقع تعسّف من بعض  علماء المسلمين في التوفيق بين كلام الحكماء والعقيدة الإسلامية، ولا يستقيم التوفيق بين ما مصدره التوحيد، وما مصدره الوثنية.وهو ما سمي "الفلسفة الإسلامية". ولا يُتخلَّص من هذا الخلط  إلا بصياغة التصور الإسلامي من القرآن الكريم، الذي منه تستمدّ مقوماته، والذي له خصائصه التي تميّزه عن باقي التصورات ...

والفكر الغربي أيضا لا تُستعار قوالبه للفكر الإسلامي:


لأن الفكر الغربي مصدره ذلك العداء الظاهر مع الكنيسة، ومع الفكر الديني عموما، لما مارسته الكنيسة من اضطهاد لكل فكر علمي، مستمدة سلطانها من الوثنيات البعيدة كل البعد عن الدين النصراني السماوي .

إذن فإنه القرآن وحده  مصدر هذا التصور لا غيره :


وحده القرآن هو المصدر الذي يجب الاحتكام إلى نصوصه لصياغة التصور الإسلامي، دون مقررات مسبقة من أي مصدر آخر، إذ أن الله تعالى في القرآن قد وضع للإنسان منهج حركته في هذه الحياة منّة منه وفضلا حتى لا يبقى الإنسان في التَّيه والضلال ...

وقد أعجبني تنويه الكاتب إلى أنه في مبحثه عن خصائص التصور الإسلامي مستمدّها من القرآن لن يركز على انحراف فكري سادَ، ليدفعه بالتصور الإسلامي الذي يصوغه، إذ أن ذلك مدعاة لنشأة انحراف جديد، ومن  شاكلة هذا الانحراف ما يفعل المدافعون عن الإسلام في وجه المهاجمين له من المستشرقين والملحدين، فيضرب لذلك مثالا:
يتعمد بعض الصليبيين والصهيونيين مثلاً أن يتهم الإسلام بأنه دين السيف، وأنه انتشر بحد السيف... فيقوم منا مدافعون عن الإسلام يدفعون عنه هذا "الاتهام"! وبينما هم مشتطون في حماسة "الدفاع" يسقطون قيمة "الجهاد" في الإسلام، ويضيقون نطاقه ويعتذرون عن كل حركة من حركاته، بأنها كانت لمجرد "الدفاع"! - بمعناه الاصطلاحي الحاضر الضيق! - وينسون أن للإسلام - بوصفه المنهج الإلهي الأخير للبشرية - حقه الأصيل في أن يقيم "نظامه" الخاص في الأرض، لتستمع البشرية كلها بخيرات هذا "النظام"... ويستمتع كل فرد - في داخل هذا النظام - بحرية العقيدة التي يختارها، حيث "لا إكراه في الدين" من ناحية العقيدة... أما إقامة "النظام الإسلامي" ليظلل البشرية كلها ممن يعتنقون عقيدة الإسلام وممن لا يعتنقونها، فتقتضي الجهاد لإنشاء هذا النظام وصيانته، وترك الناس أحراراً في عقائدهم الخاصة في نطاقه، ولا يتم ذلك إلا بإقامة سلطان خير وقانون خير ونظام خير يحسب حسابه كل من يفكر في الاعتداء على حرية الدعوة وحرية الاعتقاد في الأرض!


« آخر تحرير: 2015-09-27, 15:46:32 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #2 في: 2015-09-17, 09:21:42 »
ودائما مع كلمته التي خصصها عن المنهج :

الخطر في علاج انحراف بانحراف آخر :

يضرب مثالا بالبحوث التي ألفت للرد على الانحرافات، الشيخ محمد عبده الذي كان بين مطرقة بيئة فكرية جامدة تنكر على العقل التدخل في فهم الشريعة واستنباط الأحكام، وسندان تأليه أوروبا للعقل مع سيادة الفلسفة العقلية فيها، فراح يثبت أن للعقل دروه في الاجتهاد والعمل والحياة، وأن الإسلام لم يقضِ على دور العقل -كما ادعى الإفرنج- بالجبر وإبعاد الاختيار، فوقع في الغلوّ فساوى بين العقل والوحي، بينما لا تكافؤ بين الاثنين، إذ أن الوحي يعرض أحيانا لما فوق الإدراك العقلي البشري المحدود بالزمان والمكان والحدوث، يعرض للكليات والحقائق المطلقة مثل الألوهية، والتي على العقل التسليم بها، لأنها تقع خارج حدوده، يقول :
فإطلاق كلمة "العقل" يرد الأمر إلى شيء غير واقعي! –كما قلنا- فهناك عقلي وعقلك وعقل فلان وعقل علان .. وليس هنالك عقل مطلق لا يتناوبه النقص والهوى والشهوة والجهل يحاكم النص القرآني إلى "مقرراته". وإذا أوجبنا التأويل ليوافق النص هذه العقول الكثيرة، فإننا ننتهي إلى فوضى! وقد نشأ هذا كله من الاستغراق في مواجهة انحراف معين.. ولو أخذ الأمر – في ذاته- لعرف للعقل مكانه ومجال عمله بدون غلو ولا إفراط، وبدون تقصير ولا تفريط كذلك. وعرف للوحي مجاله. وحفظت النسبة بينهما في مكانها الصحيح..
إن "العقل" ليس منفياً ولا مطروداً ولا مهملاً في مجال التلقي عن الوحي، وفهم ما يتلقى وإدراك ما من شأنه أن يدركه، مع التسليم بما هو خارج عن مجاله. ولكنه كذلك ليس هو "الحكم" الأخير. وما دام النص مُحكماً، فالمدلول الصريح للنص من غير تأويل هو الحكم. وعلى العقل أن يتلقى مقرراته هو من مدلول هذا النص الصريح. ويقيم منهجه على أساسه

وتحت عنوان جديد :

تيه وركــــــــــــام


بيّن الكات أن الإسلام قد جاء والعالم يخبط في ركام من التيه والضلال الكريه، الذي حرّف فيه التصور السليم الذي جاء به الأنبياء عن الوجود، ومركز الإنسان فيه، وعن الكون والحياة، جاء الإسلام في ظل سوداوية لم تكن لتنقشع إلا برسالة سماوية شاملة كاملة تبدّد الظلام، وتنير التّيه، وقد خبط الناس وخلطوا ليس لأن التفكيرالديني كان هو الطابع، كما يقو لمفكرو الغرب، بل للأن :
* في الإنسان حاجة فطرية لمعرفة علاقته بالكون، وبخالقه ، ومركزه في الوجود ودوره فيه.وذلك بعقيدة تفسر له ما حوله.
*للترابط والتلازم بين التصور الاعتقادي والنظام الاجتماعي، وكل نظام اجتماعي لا يقوم على أساس التفسير الشامل للوجود، ولمركز الإنسان فيه نظام باهتٌ ضار لا يدوم.

ثم يسرد الكاتب نماذج من الركام الذي جثم عى صدر البشرية، بذكره ما أحدثه اليهود من تحريفات في كتبهم، أدت إلى طغيان الوثنية والخرافة عليها، وورود التصورات العجيبة الغريبة عن الله فيها، بتجرؤاتهم على ذاته سبحانه، ليس بعيدا عن الوثنية العمياء، وكذا النصارى الذين مرت بهم الجولة الرومانية فأشبعت كتابهم السماوي بروحها الوثنية، واختلطت تعاليم النصرانية بالوثنية في عهدها أشد اختلاط، خاصة في عهد قسطنطين، فحرفوا وبدلوا، وصاغوا لله تصورات مقززة، ورد الكثير منها في القرآن الكريم، من مثل ادعئهم الولد له تعالى سبحانه عن ذلك، أو أنه ثالث ثلاثة..
ثم سذكر حال الجزيرة العربية التي نقلت من النصرانية واليهودية المحرَّفَتَين إضافة إلى تخرصاتها في تحريف الحنيفية الإبراهيمية، فجعلت الملاكة بنات الله، وجعلت بين الله والجن نسبا، وكانوا يؤمنون بأنه الخالق والمصور، ولكنهم لم يكونوا يرتضون بتحكيم أمره في حياتهم... حتى جاء الإسلام مصححا، وفي ذلك قول جميل للكاتب :

 ولقد جاء الإسلام –وهذا ما يستحق الانتباه والتأمل- بما يعد تصحيحاً لجميع أنواع البلبلة، التي وقعت فيها الديانات المحرفة، والفلسفات الخابطة في الظلام. وما يعد رداً على جميع الانحرافات والأخطاء التي وقعت فيها تلك الديانات والفلسفات .. سواء ما كان منها قبل الإسلام وما جدّ بعده كذلك .. فكانت هذه الظاهرة العجيبة إحدى الدلائل على مصدر هذا الدين .. المصدر الذي يحيط بكل ما هجس في خاطر البشرية وكل ما يهجس، ثم يتناوله بالتصحيح والتنقيح!

ويقول في آخر هذا العنوان :
إن جمال هذه العقيدة وكمالها وتناسقها، وبساطة الحقيقة الكبيرة التي تمثلها .. إن هذا كله لا يتجلى للقلب والعقل، كما يتجلى من مراجعة ركام الجاهلية –السابقة للإسلام واللاحقة- عندئذ تبدو هذه العقيدة رحمة .. رحمة حقيقية .. رحمة للقلب والعقل. ورحمة بالحياة والأحياء. رحمة بما فيها من جمال وبساطة، ووضوح وتناسق، وقرب وأنس، وتجاوب مع الفطرة مباشر عميق..
وصدق الله العظيم:"أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى؟ أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم؟".
 


« آخر تحرير: 2015-09-17, 10:45:06 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #3 في: 2015-09-17, 16:24:23 »
خصائص التصور الإسلامي

يبيّن الكاتب رحمه الله، أنّ للتصور الإسلامي خصائصه الت تميّزه عن كل تصور غيره، ورأس هذه الخصائص، والتي تنبثق منها كل الخصائص الأخرى،" الربانية"، وللفائدة أحب أن أضع هذا الكلام الثمين والعميق له عن التصور الإسلامي وربانيّته :

إنه تصور رباني. جاء من عند الله بكل خصائصه، وبكل مقوماته، وتلقّاه "الإنسان" كاملاً بخصائصه هذه ومقوماته، لا ليزيد عليه من عنده شيئاً، ولا لينقص كذلك منه شيئاً. ولكن ليتكيف هو به وليطبق مقتضياته في حياته..
وهو –من ثم- تصور غير متطور في ذاته، إنما تتطور البشرية في إطاره، وترتقي في إدراكه وفي الاستجابة له. وتظل تتطور وتترقى، وتنمو وتتقدم، وهذا الإطار يسعها دائماً، وهذا التصور يقودها دائماً. لأن المصدر الذي أنشأ هذا التصور، هو نفسه المصدر الذي خلق الإنسان. هو الخالق المدبر، الذي يعلم طبيعة هذا الإنسان، وحاجات حياته المتطورة على مدى الزمان. وهو الذي جعل في هذا التصور من الخصائص ما يلبي هذه الحاجات المتطورة في داخل هذا الإطار.
وإذا كانت التصورات والمذاهب والأنظمة التي يضعها البشر لأنفسهم – في معزل عن هدي الله –تحتاج دائماً إلى التطور في أصولها، والتحور في قواعدها، والانقلاب أحياناً عليها كلها حين تضيق عن البشرية في حجمها المتطور! وفي حاجاتها المتطورة.. إذا كانت تلك التصورات والمذاهب والأنظمة التي هي من صنع البشر، تتعرض لهذا وتحتاج إليه، فذلك لأنها من صنع البشر! الشر القصار النظر! الذين لا يرون إلا ما هو مكشوف لهم من الأحوال والأوضاع والحاجات في فترة محدودة من الزمان، وفي قطاع خاص من الأرض.. رؤية فيها –مع هذا- قصور الإنسان وجهل الإنسان، وشهوات الإنسان، وتأثرات الإنسان. فأما التصور الإسلامي –بربانيته- فهو يخالف في أصل تكوينه وفي خصائصه، تلك التصورات البشرية، ومن ثم لا يحتاج – في ذاته- إلى التطور والتغير .. فالذي وضعه يرى بلا حدود من الزمان والمكان. ويعلم بلا عوائق من الجهل والقصور. ويختار بلا تأثر من الشهوات والانفعالات. ومن ثم يضع للكينونة البشرية كلها، في جميع أزمانها وأطوارها .. أصلاً ثابتاً، لتدور الحياة البشرية حوله، وتتحرك في إطاره. وهو مصنوع بحيث يسعها دائماً ويشدها دائماً. وهي تنمو وترتقي. وهي تتطور وتتحرك إلى الأمام.
وهو –من ثم- كامل متكامل. لا يقبل تنمية ولا تكميلا، كما لا يقبل "قطع غيار" من خارجه. فهو من صنعة الله، فلا يتناسق معه ما هو من صنعة غيره. والإنسان لا يملك أن يضيف إليه شيئاً، ولا يملك أن يعدل به دائماً إلى الأمام .. جاء ليضيف إلى قلبه وعقله، وإلى حياته وواقعه. جاء ليوقظ كل طاقات الإنسان واستعداداته، ويطلقها تعمل في إيجابية كاملة، وفي ضبط كذلك وهداية، وتؤتى أقصى ثمراتها الطيبة، مصونة من التبدد في غير ميدانها، ومن التعطل عن إبراز مكنونها، ومن الانحراف عن طبيعتها ووجهتها، ومن الفساد بأي من عوامل الفساد.. وهو لا يحتاج –في هذا كله- إلى استعارة من خارجه، ولا إلى دم غير دمه! ولا إلى منهج غير منهجه. بل إنه ليحتم أن يتفرد هو في حياة البشر، بمفهوماته وإيحاءاته ومنهجه ووسائله وأدواته. كي تتناسق حياة البشر مع حياة الكون- الذي تعيش في إطاره – ولا تصطدم حركته بحركة الكون فيصيبها العطب والدمار!.
   وهو –من ثم- شامل متوازن منظور فيه إلى كل جوانب الكينونة البشرية أولاً. ومنظور فيه إلى توازن هذه الجوانب وتناسقها أخيراً. ومنظور فيه كذلك إلى جميع أطوار الجنس البشري، وإلى توازن هذه الأطوار جميعاً. بما أن صانعه هو صانع هذا الإنسان .. الذي خلق، والذي يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير. فليس أمامه –سبحانه- مجهول بعيد عن آفاق النظر من حياة هذا الجنس، ومن كل الملابسات التي تحيط بهذه الحياة .. ومن ثم فقد وضع له التصور الصحيح. الشامل لكل جوانب كينونته، ولكل أطوار حياته.. المتوازن مع كل جوانب كينونته ومع كل أطوار حياته. الواقعي المتناسق مع كينونته ومع كل ظروف حياته.
وهو – من ثم- الميزان الوحيد الذي يرجع إليه الإنسان في كل مكان وفي كل زمان، بتصوراته وقيمه، ومناهجه ونظمهن وأوضاعه وأحواله، وأخلاقه وأعماله.. ليعلم أين هو من الحق. وأين هو من الله. وليس هنالك ميزان آخر يرجع إليه، وليس هنالك مقررات سابقة ولا مقررات لاحقة يرجع إليها في هذا الشأن .. إنما هو يتلقى قيمه وموازينه من هذا التصور، ويكيّف بها عقله وقلبه، ويطبع بها شعوره وسلوكه، ويرجع في كل أمر يعرض له إلى ذلك الميزان: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. ذلك خير وأحسن تأويلاً".(النساء: 59)


إذن فهو :
* تصور لا يتطور، بل هو محور ثابت يدور الإنسان حوله في كل زمان وفي كل مكان، هو الذي يرقّي الإنسان ويطوّره
*لا يحتاج لأن يُزاد عليه، فهو كامل من ذاته وفي ذاته.
*شامل كامل، يمسّ كل جوانب حياة الإنسان .
*من الخطأ استعارة أي منهج، وأي فكر بشري للتعامل مع هذا التصور .
* هو الميزان المرجع في كل زمان وفي كل مكان.

أولى الخصائص وأهمها : الربانيّة

أولى وأهم خصائص هذا التصور، أنه تصور اعتقادي موحى به من الله، محصور في هذا المصدر لا يُستمدّ من غيره، وهو ما يميّزه عن التصورات الفلسفية التي تنشأ في الفكر، فتبقى في حدود المعرفة الفكرية، بينما التصور الاعتقادي يتلبّس بكل جوانب الحياة ، ويميّزه أيضا من المعتقدات الوثنيّة التي تنشأ من أخيلة البشر وأوهامهم .وكما يقول: فهو وشيجة حيّة بين الإنسان والوجود، أو بين الإنسان وخالق الوجود.

تتلقاه الكينونة البشرية من بارئها، وعمل الإنسان فيه هو التلقي والإدراك والتكيّف به، وتطبيق مقتضياته في الحياة البشرية.

* هو من عند الله  هبة ربانية .
* لا دخل للفكر البشري فيه، ولا حتى فكر الرسول الذي هو مبلغ أمين، مهتد به، وهاد به.
* هداية القلوب به، وشرح الصدور له أمر خارج عن نطاق الرسول، وهو بيد الله وحده .



« آخر تحرير: 2015-09-22, 15:11:49 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #4 في: 2015-09-18, 09:56:43 »
وفي مدار تبيين حدود العقل البشري، والفكر البشري، والكينونة البشرية ككل :

عرفنا أنّ أولى خصائص التصور الإسلامي الربانية، تلك التي ينصّ عليها القرآن في مواضع كثيرة، من مثل قوله تعالى :
"وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)" -النجم-
" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ... " -المائدة 67-

وهذا التنصيص على وحدة المصدر وتفرّدها، يؤكد على :
* أنه مبرأ من النقص والهوى والجهل، والتي لا يسلم منها عمل بشري .
* أنه التصور الموافق للفطرة البشرية.
* يقوم عليه أقوم  وأشمل منهج للحياة.

جميل جدا، ذلك التوازن الذي يراعيه الكاتب رحمه الله فيما يعرض، فهو إذ يبيّن شمولية وكمال التصور الإسلامي لربانية مصدره الكلي الكامل، المطلق، الذي لا يحدّه زمان ولا مكان، وأنه المنهج الذي على الإنسان التكيف وفق مقتضياته، والعيش بإملاءاته، يعود ويوضّح أنه لا يعني بذلك إعدام دور دور العقل، والفكر البشري، فيقول :

ولكن إذا كان الفكر البشري لم ينشئ هذا التصور، فإنه ليس منفياً من مجاله، ولا محظوراً عليه العمل فيه. بيد أن عمله هو التلقي والإدراك والتكيف والتطبيق في واقع الحياة .. غير أن القاعدة المنهجية الصحيحة للتلقي – كما أشرنا في "كلمة عن المنهج" – هي هذه .. إنه ليس للفكر البشري أن يتلقى هذا التصور بمقررات سابقة، يستمدها من أي مصدر آخر، أو يستمدها من مقولاته هو نفسه، ثم يحاكم إليها هذا التصور، ويزنه بموازينها.. إنما هو يتلقى موازينه ومقرراته من هذا التصور ذاته، ويتكيف به، ويستقيم على منهجه. كما يتلقى الحقائق الموضوعية في هذا التصور من المصدر الإلهي الذي جاء بها، لا من أي مصدر آخر خارجه. ثم هو الميزان الذي يرجع بكافة ما يعين له، من مشاعر وأفكار، وقيم وتصورات، في مجرى حياته الواقعية كذلك. ليزنها عنده، ويعرف حقها من باطلها، وصحيحها من زائفها: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"…(النساء: 59)

ويقول أيضا:

وفي الوقت ذاته يعتبر الفكر البشري – في ميزان هذا التصور- أداة قيمة وعظيمة، يوكل إليها إدراك خصائص هذا التصور ومقوّماته – مستقاة من مصدرها الإلهي- وتحكيمها في كل ما حوله من القيم والأوضاع. دون زيادة عليها من خارجها، ودون نقص كذلك منها .. ويبذل منهج التربية الإسلامي لهذه الأداة العظيمة من الرعاية والعناية، لتقويمها وتسديدها وابتعاثها للعمل، في كل ميدان هي مهيأة له .. الشيء الكثير.

وأمام هذا يبيّن أسباب كون دور الفكر البشري إزاء التصور الإسلامي هو التلقي والتكيّف، ويحدّدها في سببين هما:

1-طبيعة الإنسان : وهو الحادث، الذي لا هو أزلي، ولا هو أبدي، المحدود بالزمان والمكان، فما لا تدركه الكينونة البشرية من إدراك ماهية وكيفية، لا يصعب عليها بمنطقها الذي يسلّم بالحقيقة البسيطة التسليم به في طمأنينة، من مثل حقيقة الله وصفاتها، إذ هو مجال السرمدية والأزلية الأبدية الكلية المطلقة الذي لا تملك الكينونة البشرية محدودة الطبيعة الإحاطة به .

2- وظيفة الإنسان : وهي الخلافة في الأرض، والتي لأجلها جعل الله للفكر البشري ما يستطيع ري إدراكه ليسخّره في وظيفته، كما جعل ما لا يستطيع  إدراكه لعدم حاجته له في وظيفته .

والإنسان لا يستطيع مثلا أن يدرك كنه الذات الإلهية، لعدم وجود ما يماثلها، وهو ما يبينه القرآن في غير ما موضع، ولا يستطيع أن يدرك مسألة المشيئة الإلهية وتعلقها بالخلق، كخلق آدم من تراب، وكخلقه عيسى عليه السلام من غير أب، ولا يستطيع إدراك كنه الروح، ولا الغيب.

وما عدا مثل هذه الأمور، فالفكر البشري مدعو للنظر، وللعمل، فيقول:
وما من دين احتفل بالإدراك البشري، وإيقاظه، وتقويم منهجه في النظر، واستجاشته للعمل، وإطلاقه من قيود الوهم والخرافة، وتحريره من قيود الكهانة والأسرار المحظورة.! وصيانته في الوقت ذاته من التبديد في غير مجاله، ومن الخبط في التيه بلا دليل .. ما من دين فعل ذلك كما فعله الإسلام..
ومن من دين وجه النظر إلى سنن الله في الأنفس والآفاق، وإلى طبيعة هذا الكون وطبيعة هذا الإنسان، وإلى طاقاته المذخورة وخصائصه الإيجابية، وإلى سنن الله في الحياة البشرية معروضة في سجل التاريخ .. ما من دين وسّع على الإدراك في هذا كله ما وسّع الإسلام.

« آخر تحرير: 2015-09-18, 10:07:26 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #5 في: 2015-09-18, 17:26:27 »
وبحكم وظيفة الإنسان في الأرض :

لقد جعل الله مدارك الإنسان بحسب ما يحتاجه في وظيفته : "الخلافة"، فأعطاه القدرة على إدراك قوانين المادة، وزوى عنه أسرار الحياة، وكيفية وجودها، وأسرار تكوينه الروحي، والعقلي....

ويستدل الكاتب في هذا بكلام واحد من أهم علماء الغرب في القرن العشرين(ألكسيس كاريل)، يقرّ في كتابه : "الإنسان هذا المجهول" بجهل الإنسان بحقيقته، والتي هي إحدى الحقائق التي يتألف منها التصور الاعتقادي الشامل، نقتطف شيئا من كلام هذا العالم الذي استدل به الكاتب:

"إن معرفة أنفسنا لن تصل أبداً إلى تلك المرتبة من البساطة المعبرة، والتجرد، والجمال، التي بلغها علم المادة. إذ ليس من المحتمل أن تختفي العناصر التي أخرت تقدم علم الإنسان.. فعلينا أن ندرك بوضوح، أن علم الإنسان هو أصعب العلوم جميعاً" -ألكسيس كاريل-

ومن هذا الجهل بحقيقة الإنسان، يصل الكاتب إلى حقيقتَيْن اثنتيْن:

أولاهما:
  رحمة الله بعباده، إذ لم يتركهم -وهم بهذا الجهل في إدراك حقيقة واحدة من حقائق التصور الاعتقادي الشامل- بلا دليل يزوّدهم بحقائق عن النفس البشرية، وعن الكون، وعن الحياة، وعن حقيقة القوة الكبرى الخالقة المدبرة للكون، وما فيه، ومن فيه، والارتباطات بين هذه الحقائق كلها .

ثانيتهما:   تظهر جليا درجة التبجح في الذين زعموا أنهم وضعوا للناس تفاسير شاملة للكون، والحياة، والإنسان، ومناهج وأنظمة وشرائع لحياتهم، وهذا ما نرى نتائجه الوخيمة ظاهرة، بارزة في شقاء البشرية، وارتكاستها، وتعاستها، وفساد تصوراتها .

إن الله لم يهبْ البشر دليلا ولا أداة لمعرفة هذه الحقائق بعقولهم، وإدراكهم، وقد وفّر عليهم تبديد طاقاتهم فيما لا طاقة لهم به ولا وُسع....
وفي هذا كلام لأبي الحسن الندوي في كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"، استدل به سيد قطب، ويحسن بنا وضعه هنا:

وقد كان الأنبياء –عليهم السلام- أخبروا الناس عن ذات الله وصفاته وأفعاله. وعن بداية هذا العالم ومصيره. وما يهجم عليه الإنسان بعد موته. وأتاهم علم ذلك كله بواسطتهم عفواً بدون تعب. وكفوهم مؤونة البحث والفحص، وفي علوم ليس عندهم مبادئها، ولا مقدماتها التي يبنون عليها بحثهم، ليتوصلوا إلى مجهول. لأن هذه العلوم وراء الحس والطبيعة، ولا تعمل فيها حواسهم، ولا يؤدي إليها نظرهم، وليست عندهم معلوماتها الأولية.
لكن الناس لم يشكروا هذه النعمة، وأعادوا الأمر جذعاً، وبدأوا البحث أُنفاً، وبداوا رحلتهم في مناطق مجهولة، لا يجدون فيها مرشداً ولا خِرّيتاً( ) . وكانوا في ذلك أكثر ضلالاً، وأشد تعباً وأعظم اشتغالاً بالفضول .. من رائد لم يقتنع بما أدى إليه العلم الإنساني في الجغرافية، وما حدد وضبط في الخرائط على تعاقب الأجيال، فحاول أن يقيس ارتفاع الجبال وعمق البحار من جديد، ويختبر الصحارى والمسافات والحدود بنفسه .. على قصر عمره، وضعف قوته، وفقدان آلته .. فلم يلبث أن انقطعت به مطيته، وخانته عزيمته، فرجع بمذكرات وإشارات مختلة.. وكذلك الذين خاضوا في الإلهيات، من غير بصيرة، وعلى غير هدىن جاءوا في هذا العلم بآراء فجة، ومعلومات ناقصة، وخواطر سانحة ونظريات مستعجلة.. فضلوا وأضلوا"
-أبو الحسن الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين -
« آخر تحرير: 2015-09-18, 17:28:22 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل Asma

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 139
  • الجنس: أنثى
  • قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #6 في: 2015-09-21, 08:31:28 »
سلام عليكم  emo (6): emo (6):
أهلا أسماء أعجبني الموضوع أسجل للمتابعة و الاستفسار إن سمحت  :blush:: :blush:: :blush::
الهجرة هجرة القلوب الى الله فاسالك ربي هجرة اليك

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #7 في: 2015-09-21, 09:29:06 »
سلام عليكم  emo (6): emo (6):
أهلا أسماء أعجبني الموضوع أسجل للمتابعة و الاستفسار إن سمحت  :blush:: :blush:: :blush::

أهلا وسهلا بك يا أسماء  emo (30): سعيدة بمتابعتك، وأنتظر استفساراتك.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #8 في: 2015-09-21, 14:58:07 »
خط سير الفكر الغربي (معاداة الدين)  نموذج عن تحريف النص رباني المصدر:

إذن فإنّ الذين حاولوا إنشاء تصورات اعتقادية للناس، ووضع أنظمة للحياة، وتفسير الوجود، والغاية من الوجود، كان خطرهم عظيما بما أدخلوا على النصوص السماوية من تحريفات(خاصة ما طال منها النصرانية)، وما اقترفته الكنيسة من جرم عظيم باسم الدين في حق خط البحث العلمي.
وإن هذا هو أصل البلاء كله في الأرض اليوم، ذلك أنه كان منشأ وأصل الفكر الغربي المعادي للدين، وذلك ما سلِم منه التصور الاعتقادي الإسلامي .

لقد مرّ الفكر الغربي بأربع مراحل أساسية، اهتمّت بمعرفة قيمة مصادر المعرفة : الدين، والعقل، والحسّ، وعن كل واحد نشأ مذهب فلسفيّ .

1- سيادة الدين :
كان الدين سائدا في حياة الناس، بمفوم المسيحية، التي لم تعنِ إلا "الكَثْلَكَة"، وهي البابويّة التي ركّزت السلطة العليا باسم الله في يد البابا، وسوّت بين نص الكتاب المقدّس وأفهام الكنيسة، وكرّست لعقيدة التثليث وصكوك الغفران ...

ثم جاءت الحركة الإصلاحية على يد "مارتن لوثركينغ"، وتلاه "كالفِنْ"، وكانا قد حاربا السلطة البابويّة، وأقرّا أن المصدر الصحيح للمسيحية هو الكتاب المقدّس، وأنكرا عقيدة التثليث، وبحركتهما أصبحت المسيحية موضوع نقاش عقلي من الفلاسفة، فمنهم من أقرّ من الدين تعاليم، ومنهم من أنكر منها أخرى .

2-سيادة العـــــقل :
ثم جاء عصر التنوير في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، تميّز بتزايد شعور العقل بنفسه، ومسؤوليته في توجيه مصير الإنسانية، وإخضاع كل حدث تاريخي له، وبصيحة الأخوة في الإنسانية، بما يعني سيادة العقل على كل اتجاهات الحياة.
وقد سمي عصر التنوير بـ : DEISM، أي عصر إله غير خالق ولا موحٍ !! وما كان الهدف من كل هذا إلا إبعاد الدين عن الحياة، وتحكيم العقل، فكانت الخصومة الفكرية بين العقل والدين، ومنبعها الصراع بين الكنيسة والعلم .

3-سيادة الحــــــــــسّ:

وهو مذهب القرن التاسع عشر، الذي ألغى السيادة العقلية والسيادة الدينية، وأوجب السيادة للطبيعة، وألغى ما وراء الطبيعة، بما فيها الدين والوحي، واعتبرها خداعا، وألغى الاعتقادات العقلية واعتبرها وهما، واعتبر الإنسان مخلوقا، وخالقه الوجود الحسيّ ! والطبيعة فيه هي المصدر اليقيني للحقيقة، وهي التي تكوّن العقل !  وإنما الغاية الأولى للمذهب الوضعي(الحسي) هي معارضة الكنيسة، و لقد حكم على  الفلسفة العقلية بالإفلاس فيما أرادت الوصول إليه.

4-الماركســــــــيّة :
جاء ماركس ليكرّس للمادة، وليجعلها السيدة على العقل، ويجعلها أصله، وقد رفض الفكرة الأساسية للدين، وهي الإيمان بالله، واعتبر الدين مخدّر الشعوب، والماركسية تجعل من العامل الاقتصادي المؤثر الأول والأوحد على الأحداث السياسية والاجتماعية، وعلى الدورة التاريخية، وترى أن تغيّر الأحوال الاقتصادية يؤثر على كل مناحي الحياة ، وعلى العلم والدين .

وهكذا كانت نتائج الهروب من الكنيسة، من الله...فمن الفلسفة العقلية باتجاهَيْها، الذي يؤلّه العقل، والذي يؤيد الدين باعتبار أن الله عقل ! إلى الفلسفة الحسيّة التي تؤلّه الطبيعة، إلى الماركسية التي تؤله المادة !!
ويمضي الكاتب متسائلا في كل مذهب عن الحقيقة التي وصل إليها، تلك الفلسفات، وتلك المذاهب ما أرادت إلا أن تهرب من الله إلى تأليه غيره... ويضع بمقابل تساؤلاته إجابات عقلية منطقية تفنّد رؤاهم القاصرة والمقصورة ....

فيقول خاتما :

ولكنا نعود بعد ذلك كله فنذكر أن هذا البلاء كله – من مبدئه إلى نهايته- إنما جاء ثمرة طبيعية لانحراف الكنيسة والمجامع بالتصور الرباني. ومحاولة الفكر الأوربي أن يأبق من وجه الكنيسة وإلهها الذي تستطيل به! فنحمد الله أن ظل التصور الإسلامي "الرباني" محفوظاً! وإن لم تقم عليه كنيسة! وإن لم يقع بينه وبين العقل البشري والعلم البشري ذلك الصدام، الذي قادم الفكر الأوروبي إلى هذا التيه وهذا الركام!
ونذكر أن التصور الإسلامي يدع العقل البشري وللعلم البشري ميدانه واسعاً كاملاً – فيما وراء أصل التصور ومقوّماته – ولا يقف دون العقل يصده عن البحث في الكون. بل هو يدعوه إلى هذا البحث ويدفعه إليه دفعاً. ولا يقف دون العلم البشري في المجال الكوني. بل هو يكل أمر الخلافة كله –في حدود التصور الرباني- للعقل البشري وللعلم البشري.. وندرك مقدار نعمة الله ومقدار رحمته في تفضله علينا بهذا التصور الرباني، وفي إبقائه وحفظه على أصله الرباني..
 
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #9 في: 2015-09-23, 14:38:44 »
ثانية الخصائص : الثبات

كما عرفنا، فإن خاصيّة الربانية هي الأهم بين الخصائص، وهي التي تنبثق منها باقي الخصائص، ونُعنى الآن بواحدة منها وهي : "الثبات" ... ثبات في مقوّمات التصور الإسلامي، وقِيَمِه الذاتية، إذ هي لا تتغير ولا تتطور حينما تتغير ظواهر الحياة، هذا التغير في أوضاع الحياة يظل محكوما بتلك المقوّمات والقيم الثابتة للتصور .

يقول سيد قطب في هذا:
هناك "ثبات" في "مقومات" هذا التصور الأساسية، و "قيمه" الذاتية. فهي لا تتغير ولا تتطور، حينما تتغير "ظواهر" الحياة الواقعية، و "أشكال" الأوضاع العملية .. فهذا التغير في ظواهر الحياة وأشكال الأوضاع، يظل محكوماً بالمقومات والقيم الثابتة لهذا التصور..
ولا يقتضي هذا "تجميد" حركة الفكر والحياة. ولكنه يقتضي السماح لها بالحركة –بل دفعها إلى الحركة- ولكن داخل هذا الإطار الثابت، وحول هذا المحور الثابت..


وإن الحركة في إطار ثابت حول محور ثابت، سمة صنعة الله في الكون كله، فلكل كوكب ولكل نجم مداره حركة محكومة بنظام خاص، والذرة ذات نواة تدور حولها الإلكترونات في مدار ثابت ...

* إنسانية الإنسان الثابتة:

يمر الإنسان بأطوار عمريّة مختلفة، من ميلاده إلى الشيخوخة، كما يمرّ بأطوار اجتماعية، ولكنها لا تخرجه من ثبات نوازع نفسه وطاقاتها، واستعداداتها، والنفس الإنسانية تتطلّع لتغيير واقع الأرض بحكم عاملَيْن، الطبيعة العامة للكون الممثلة في حركة المادة الكونية، ووظيفة الإنسان في الأرض، الخلافة التي تقتضي الحركة لتطوير الواقع، ولكن في إطار ثابت.

نماذج من ثبات المقوّمات والقيم :

* ما يتعلّق بالحقيقة الإلهية .
* حقيقة أن الكون كله من خلق الله وإبداعه.
* حقيقة العبودية لله وحده، الناس، والأحياء، والأشياء عبودية مطلقة لا تتلبّس بها أثارة من خصائص الألوهيّة .
* حقيقة الإيمان بالله، وبصفاته، وبملائكته، وكتبه، ورسله.
* حقيقة أن الله لا يقبل من عباده دينا سوى الإسلام .
* حقيقة أن الإنسان مكرّم على سائر الخلائق، مستخلف في الأرض، مسخّر له الكون .
* حقيقة أن الناس من أصل واحد، متساوون.
* غاية الوجود إفراد الله تعالى بالعبادة، وتحقيق الخلافة وِفق منهجه، والتوجّه في كل حال وفي كل أمر لله وحده .
* حقيقة أن الرابطة بين الناس هي العقيدة، لا الجنس، ولا القوم، ولا الأرض....
* حقيقة أن الدنيا دار ابتلاء وعمل، وأن الآخرة دار حساب وجزاء، وأن الإنسان مُبتلى في كل حركة

هذه أمثلة من تلك المقوّمات الثابتة التي تحدثنا عنها، والتي تتحرّك أشكال وأوضاع الحياة في إطارها، وتُراعى مقتضياتها في كل تطور لأوضاع الحياة، و قد تتسع المساحة لمدلولات المقوّمات  كلما اتسعت جوانب الحياة .

نريد أن نفهم معنى اتساع مدلولات المقوّمات مع اتساع جوانب الحياة، فيذكر الكاتب أمثلة عن ذلك، يَحسُن بنا أن نذكرها في هذا التلخيص :
* حقيقة الاستخلاف  :
حقيقة أن الإنسان مستخلف في هذه الأرض –مثلاً- تتجلى في صور شتى .. تتجلى في صورته وهو يزرع الأرض. لأن أوضاع حياته ومدى تجاربه تجعل الزراعة هي التي تفي في ذلك الطور باحتياجاته الضرورية، وبها تتحقق الخلافة.. وتتجلى كذلك في صورته وهو يفجر الذرة، ويرسل الأقمار الصناعية لتكشف له طبيعة الغلاف الجوي للأرض، أو طبيعة الكواكب والتوابع من حوله .. هذه وتلك – وما بينهما وما بعدهما- صور من صور الخلافة في الأرض، قابلة دائماً للزيادة والاتساع. ولكن  حقيقة الخلافة في الأرض ثابتة على كل حال. يقتضي مفهومها الثابت ألا يحال بين الإنسان ومزاولة حقه في الخلافة وفق منهج  الله المرسوم. وألا يعلو شيء في هذه الأرض على "الإنسان". وألا تهدر قيمته "الإنسانية" لينشئ قمراً صناعياً، أو ليضاعف الإنتاج المادي ! فهو سيد الأقمار الصناعية، وسيد الإنتاج المادي!

إذن نفهم أنّ وظيفة الخلافة تبقى ثابتة رغم اتساع مجال عملها في أشكال وأوضاع الحياة، بمعنى أنه:
1- لا يجب أن يُحال بين الإنسان وبين الخلافة وفق منهج الله. 2- لا يجب أن تُهدَر قيمة الإنسان من أجل أن يصنع، وهذا الذي يحدث في النظام الماركسي الذي يسيّد المادة والإنتاج على الإنسان، ولا يجعله هو سيّدا عليها.

*حقيقة الغاية من الوجود :
تتعدّد ألوان النشاط الإنساني في الأرض، تبعا لمقتضيات الخلافة النامية المتجددة، ولكنّ الغاية من الوجود تبقى واحدة، إذ يتوجّه الإنسان في كل نشاط  يمارسه لله وحده،  يعمل وفق منهج الله، ووِفق ما يُرضي الله، وإلا اعتُبر العمل باطلا، غير مقبول.

ثم يأتي السؤال : ما قيمة ثبات هذا التصوّر، وما دوره؟

1- ضبط الحركة البشرية وِفق هدى، فلا تكون الفوضى والعَمى .(كما وقع في أوروبا المنفلتة من زمام العقيدة إلى الحرية المجنونة)
2- وجود الميزان المرجع، لمعرفة مدى القرب أو البعد عن الحق والباطل، وعن الخطأ والصواب.
3- ينضبط الفكر الإنساني، فلا يتأرجح بين الشهوات والرغبات.

يقول الكاتب كلاما رائعا ومعبّرا عن حال الأرض وهي تزيغ عن مدارها الثابت :

إنها ضرورة من ضرورات صيانة النفس البشرية، والحياة البشرية، أن تتحرك داخل إطار ثابت، وان تدور على محور لا يدور! إنها على هذا النحو تمضي على السنة الكونية الظاهرة في الكون كله، والتي لا تختلف في جرم من الأجرام!
إنها ضرورة لا تظهر كما تظهر اليوم. وقد تركت البشرية هذا الأصل الثابت، وأفلت زمامها من كل ما يشدها إلى محور. وأصبحت أشبه بجرم فلكي خرج من مداره، وفارق محوره الذي يدور عليه في هذا المدار. ويوشك أن يصدكم فيدمر نفسه ويصيب الكون كله بالدمار.
"ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ..".
(المؤمنون: 71)
والعاقل "الواعي" الذي لم يأخذه الدوار الذي يأخذ البشرية اليوم. حين ينظر إلى هذه البشرية المنكودة يراها تتخبط في تصوراتها، وأنظمتها، وأوضاعها، وتقاليدها، وعاداتها، وحركاتها كلها تخبطاً منكراً شنيعاً .. يراها تخلع ثيابها وتمزقها كالمهووس! وتتشنج في حركاتها وتتخبط وتتلبط كالممسوس  .. يراها تغير أزياءها في الفكر والاعتقاد، كما تغير أزياءها في الملابس، وفق أهواء بيوت الأزياء! .. يراها تصرخ من الألم، وتجري كالمطارد، وتضحك كالمجنون، وتعربد كالسكير، وتبحث عن لاشيء! وتجري وراء أخيله! وتقذف بأثمن ما تملك، وتحتضن أقذر ما تمسك به يداها من أحجار وأوضار!
لعنة! لعنة كالتي تتحدث عنها الأساطير!
إنها تقتل "الإنسان" وتحوله إلى آلة .. لتضاعف الإنتاج!
إنها تقضي على مقوماته "الإنسانية" وعلى إحساسه بالجمال والخلق والمعاني السامية لتحقيق الربح لعدد قليل من المرابين وتجار الشهوات، ومنتجي الأفلام السينمائية وبيوت الأزياء.
وتنظر إلى وجوه الناس، ونظراتهم، وحركاتهم، وأزيائهم، وأفكارهم، وآرائهم، ودعواتهم. فيخيل إليك أنهم هاربون! مطاردون! لا يلوون على شيء، ولا يتثبتون من شيء! ولا يتريثون ليروا شيئاً ما رؤية واضحة صحيحة .. وهم هاربون فعلاً! هاربون من نفوسهم التي بين جنوبهم! هاربون من نفوسهم الجائعة القلقة الحائرة، التي لا تستقر على شيء "ثابت" ولا تدور على محور ثابت، ولا تتحرك في إطار ثابت.. والنفس البشرية لا تستطيع أن تعيش وحدها شاذة عن نظام الكون كله. ولا تملك أن تسعد وهي هكذا شاردة تائهة، لا تطمئن إلى دليل هاد، ولا تستقر على قرار مربح!
وحول هذه البشرية المنكودة زمرة من المستنفعين بهذه الحيرة الطاغية، وهذا الشرود القاتل.. زمرة من المرابين، ومنتجي السينما، وصانعي الأزياء والصحفيين، والكتاب.. يهتفون لها بالمزيد من الصرع والتخبط والدوار، كلما تعبت وكلت خطاها، وحنت إلى المدار المنضبط والمحور الثابت، وحاولت أن تعود!
زمرة تهتف لها .. التطور .. الانطلاق .. التجديد .. بلا ضوابط ولا حدود .. وتدفعها بكلتا يديها إلى المتاهة كلما قاربت من المثابة .. باسم التطور .. وباسم الانطلاق .. وباسم التجديد..
إنها الجريمة. الجريمة المنكرة في حق البشرية كلها. وفي حق هذا الجيل المنكود( )!
وفكرة "التطور" المطلق، لكل الأوضاع، ولكل القيم، ولأصل التصور الذي ترجع إليه القيم. فكرة تناقض –كما قلنا- الأصل الواضح في بناء الكون، وفي بناء الفطرة. ومن ثم ينشأ عنها الفساد الذي لا عاصم منه .. إنها تمنح حق الوجود، ومبرر الوجود، لكل تصور، ولكل قيمة، ولكل وضع، ولكل نظام. ما دام تالياً في الوجود الزمني! وهو مبرر تافه، عرضي، لا ينبغي أن يكون له وزن في الحكم على تصور أو وضع أو قيمة أو نظام. إنما ينبغي أن يكون الوزن لمقومات ذاتية في ذات الوضع أو ذات النظام.


« آخر تحرير: 2015-09-23, 14:59:46 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #10 في: 2015-09-25, 10:22:53 »
تابع : خاصية الثبات

إن انخلاع الفكر الغربي من فكرة الثبات وانطلاقه إلى فكرة التطور على الإطلاق غير مستثنٍ ثوابت العقيدة والشريعة يهدف إلى التخلص والتملّص منهما، ولم يكن ذلك عن التشبّث بحقيقة علمية، بل كان عن رغبة جامحة في الانعتاق من إِسار الكنيسة.

أمثلة عن الهاربين من الدين (التطوّر):

1- داروِن  وهو لم يستطع إدراك سرّ الحياة يلجأ إلى تقرير مذهب التطور، الذي عُني بما بعد الحياة، ولم يمتدّ إلى مصدر الحياة، ولم يكن المنهج العلمي هو الذي أملى عليه ذلك، بل كان هروبه من ردّها إلى الله، فردّ الحياة إلى الطبيعة التي رأى ألا حدّ لقدرتها .

2- الماركسية أشد المذاهب معارضة لمبدأ الحركة في إطار ثابت وحول محور ثابت، لأن ركيزتها الأولى هي التقدّميّة، وماركس قد كرّس للتحوّل الدائم باستخدامه مبدأ النقيض الذي اعتمده كل من نيتشه وهيجل فلسفيا، استخدمه بمنطق الاقتصاد، ويقضي بأن كل شيء يتحول إلى نقيضه، ثم يكون الجامع بين الشيء ونقيضه، ثم يُهدم هذا الجامع إلى شيء، يقابله بعدها نقيضه، وهكذا في تحوّل دائم مستمر لا يثبت فيه شيء...
طبّق هذا على الجماعات، ليثبت هدم الجماعة الرأسمالية، إلا أنه توقف عند الشيوعية، ولم يقل بهدمها وفق المبدأ نفسه الذي تبنّاه ! وكان هذا عن تحكم وهوى ولم يكن عن منطق أو علم، فكرّس لأفضلية الجماعة الشيوعية، ولأفضلية قيمها المتمثلة في الاقتصاد وحده كعامل للتحكم في البشرية، وعلى هذا فهو لا يؤمن بالمحافظة على القِيم، نظرا للتحول الدائم، ويرى أن الإيمان بالأزليّ هو إيمان بشيء غير موجود، فإذا اعتقد شخص أن كل شيء يتغير، فمن السذاجة أن يكون محافظا ! ومن هنا كان معتنقو الشيوعية ومعارضوها على السواء ملتقطين لكل ما هو لاحق، نابذين لكل سابق، فكانت لوثة التحلل من كل قيمة تصدّ الشهوات عن الانطلاق بلا قيود ولا حدود، ولوثة السخرية من القيم الأخلاقية.

يقول :

فالتطور المطلق هو مجرد عملية تبرير لكل ما يراد عمله. وهو أولاً وقبل كل شيء عملية تبرير لما تريده "الدولة" بالأفراد، بحيث لا يكون هناك مبدأ ثابت، ولا قيمة ثابتة، يلوذ بها الأفراد في مواجهة الدولة. وبحيث لا يكون هناك "حق ثابت" يفئ إليه الجميع، ولا دستور ثابت يتحاكم إليه الجميع!
وفي نظير إطلاق يد الدولة تجاه الأفراد من كل قيد، تطلق الدولة "شهوات" الأفراد من كل قيد. ليجدوا في هذا الانطلاق "الحيواني" تعويضاً عن قيمهم المسلوبة، وحرياتهم المسلوبة، وحقوقهم المسلوبة!
انطلاق حيواني للشهوات، يقابله انطلاق استبدادي للسلطة.. واحدة بواحدة .. وبدلاً من أن تقوم هذه الصفقة على مجرد الاصطلاح العرفي الصامت بين الفريقين! فإنها تقوم على مبدأ "فلسفي"! وعلى مذهب "علمي"! تقوم على "مبدأ النقيض" وتقوم على "المادية الجدلية"!
وهذا هو المذهب الذي يزعم أن "الدين مخدر" وأن ثبات القيم في الدين مقصود به خدمة الطبقة الحاكمة!


إذن، فإن الثبات في مقومات التصور الإسلامي هو الذي :

* يضمن للفكر الإسلامي، وللحياة الإسلامية مزيّة التناسق مع النظام الكوني العام .
* يقي الكون شرّ الفساد في حال اتباع أهواء البشر .
* يقي المجتمع المسلم شرّ اللوثة التي أصابت الأنظمة الأخرى في ظل التحرر من العقيدة على أنها القديم الذي لم تعد له قيمة .
* يبثّ الطمأنينة في الضمير المسلم إلى حركة متقدمة إلى الأمام بخطى ثابتة موصولة صاعدة في مرتقى مرسوم بالتقدير الإلهي القويم.
* يضمن ثبات مبادئ للتحاكم رئيسا ومرؤوسا .
* يضمن للمسلم وللمجتمع الإسلامي ثبات أصل تصوره الذي تستقرّ عليه حياته، مع إطلاق الحرية للنمو الطبيعي للأنظمة والأوضاع، فلا تتجمّد تجمّد عصر الكنيسة الطاغية، ولا تنفلت انفلات أوروبا في التاريخ الحديث.

خاصية الثبات وحال المسلمين اليوم :

إن هذه الخاصية هي التي ضمنت للمجتمع الإسلامي تماسكه على الرغم من جميع الهزّات، والهجمات الوحشية من أعدائه، ولم يضعف هذا المجتمع إلا عندما بدأ باستعارة مناهج التفكير الغربي، وإن مجتمعا يبني تصوّراته لكبرى الحقائق على وضعيّات الفكر البشري لمعرّض للهزات العنيفة، وللشرود والفساد.

وإنه لمن الجهالات العمياء أن يُخلط الحديث عن الإسلام برقع ممزّقة من مناهج الفكر البشري من هنا ومن هناك...
يقتبس سيد قطب رحمه الله في هذا بعض أقوال الكاتب المهتدي "ليوبولد فايس" محمد الأسد في كتابه الشهير "الإسلام على مفترق الطرق"، ما ملخّصه أن جميع الحضارات والثقافات الإنسانية مرت بمراحل من الميلاد إلى النمو والازدهار والتطور، ثم إلى الشيخوخة والبِلى، إلا أن الإسلام وحده لم تكن تلك حاله، رغم مظاهر الضعف والسقوط والانحطاط، لأن مصدره رباني بشرع منزّل، وما يظهر انحلالا فيه إنما هو الموت والخلاء يحلان في القلوب الكسلى الخاملة التي لم تعد تسمع للصوت الأزلي.
ويقول في هذا كلاما عميقا :
"ثم ليس ثمة علامة ظاهرة تدل على أن الإنسانية – مع نموها مع الحاضر- قد استطاعت أن تشب عن الإسلام.. إنها لم تستطع أن تبني فكرة الإخاء الإنساني على أساس عملي، كما استطاع الإسلام أن يفعل، حينما أتى بفكرة القومية العليا: "الأمة" .. إنها لم تستطع أن تشيد صرحاً اجتماعياً يتضاءل التصادم والاحتكاك بين أهله فعلاً على مثال ما تم في النظام الاجتماعي الإسلامي .. إنها لم تستطع أن ترفع قدر الإنسان، ولا أن تزيد في شعوره بالأمن، ولا في رجائه الروحي وسعادته.
"ففي جميع هذه الأمور نرى الجنس البشري في كل ما وصل إليه، مقصراً كثيراً عما تضمنه المنهج الإسلامي .. فأين ما يبرر القول إذن بأن الإسلام قد ذهبت أيامه؟ أذلك لأن أسسه دينية خالصة. والاتجاه الديني زي غير شائع اليوم؟ ولكن إذا رأيناً نظاماً بني على الدين، قد استطاع أن يقدم منهاجاً عملياً للحياة أتم وأمتن وأصلح للمزاج النفساني في الإنسان، من كل شيء آخر يمكن العقل البشري أن يأتي به عن طريق الإصلاح والاقتراح .. أفلا يكون هذا نسه حجة بالغة في ميدان الاستشراف الديني؟
" -ليوبولد فايس-

خطورة المناداة بالإصلاح والتطوير الدينِيَّيْن :

مع التنادي المجحف بضرورة الإصلاح الديني أو التطوير الديني، يقول ليبولد فايس:
" نحن لا نحتاج إلى فرض إصلاح على الإسلام – كما يظن بعض المسلمين- لأن الإسلام كامل بنفسه من قبل. أما الذي نحتاج إليه فعلاً، فهو إصلاح موقفنا من الدين، بمعالجة كسلنا، وغرورنا، وقصر نظرنا، وبكلمة واحدة: معالجة مساوئنا …
إن الإسلام – كمؤسسة روحية واجتماعية- غني عن كل تحسين. وإن كل تغيير في مثل هذه الحال يطرأ على مدركاته، وعلى تنظيمه الاجتماعي، بافتئات من ثقافة أجنبية  -ولو بإشراق ضئيل- سيكون مدعاة إلى الأسف الشديد، وسترجع الخسارة حتماً علينا نحن.
ونحن نقول، إن الخسارة لن ترجع علينا – نحن المسلمين وحدنا- ولكنها سترجع على البشرية كلها .. سترجع على البشرية كلها بتشويه وتحريف المصدر الوحيد الباقي لها من هداية الله. وتكدير – أو تسميم – المورد الوحيد، الذي يمكن أن تستقي منه الهدى الرباني الخالص .. وسترجع البشرية كلها بحرمانها هذه المثابة الثابتة المستقرة، في الأرض المرجرجة التي تمور بالأهواء. والتي ظهر فيها الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس. ولم تعد لها منجاة إلا في هذه المثابة الآمنة المستقرة، الموصولة بالله..
والذين يحاولون زعزعة هذه المثابة .. سواء باسم التجديد والإصلاح والتطور، أو باسم التخلص من مخلفات القرون الوسطى! أو تحت أي شعار آخر، هم: أعداؤنا الحقيقيون. هم أعداء الجنس البشري. وهم الذين ينبغي أن نطاردهم، وأن نطلب إلى الجنس البشري مطاردتهم كذلك!
"

إن دعاة "التقدمية" الذين يحاربون "الرجعية" على حد زعمهم، هم في الحقيقة الرجعيون الذين لم يفطنوا إلى أن الماركسية والداروينية لم تعد علاجا للأرض، بل أصبحت عليها وبالا، والتقدمية الحقيقية هي التي فطن أهلها إلى ضرورة الدين لحياة البشر.


« آخر تحرير: 2015-09-26, 16:04:43 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #11 في: 2015-09-27, 15:30:43 »
ثالثة الخصائص: الشــــــمول

إن للإنسان طاقات محدودة، بحكم طبيعته ووظيفته-كما عرفنا-، فهو الحادث، محدود الكينونة بالزمان والمكان، فلا يكون إلا في مكان، ولا يكون إلا في زمان، زمان بدأ من بعد العدم، وينتهي بعد الحدوث، ولا يكون وراء الزمان أو المكان، وهو كذلك محدود التجربة والعلم والإدراك، يبدأ علمه بعد حدوثه، وينتهي إلى ما يتناسب ووظيفته في الأرض.
وهو فوق هذا كله، محكوم بالميول، والشهوة، والرغبة، وبحكم كل هذا، إذا حاول إنشاء تصور اعتقادي، أو جاء بفكرة، أو وضع منهجا للحياة، جاء كله منقوصا، يصلح لزمان، ولا يصلح لآخر، ويصلح لمكان، ولا يصلح لآخر، ويصلح لحال، ولا يصلح لآخر، فهو لا يحيط بملابسات الأمور لقصور علمه المحدود على الإحاطة، الخارجة عن مجال إدراكه المحدود ...
وقد كان جليّا ذلك التناقض والاضطراب والجدل في الأفكار والمناهج الفكرية الفلسفية التي عرفتها أوروبا عبر تاريخها بدءا من فساد الكنيسة إلى يومنا، وما اعتور هذه الأنظمة والفلسفات من عيوب ونقائص ضرت البشرية أيما ضرر...

وهكذا فإن التصور الاعتقادي، ربانيّ المصدر، المتحرك في إطار ثابت حول محور ثابت يأتي مبرّءا من كل تلك النقائص التي يتّسم بها التفكير البشري، يأتي شاملا ...

صور تتمثّل فيها خاصية الشمول :
1- الوجود كله، وتسييره، وتنسيقه، وحركته، ونشأته، كلها أشكال إرادة الذات الإلهية السرمدية، الأزليّة، الأبديّة، المطلقة، وهي كلها تعني التوحيد.

فما قيمة خاصيّة الشمول في مجال التوحيد ؟

* إن الكون يواجه الكينونة البشرية بوجوده، ويتطلّب تفسيرا لوجوده، ولتناسقه، وموافقاته الدقيقة العجيبة التي يستحيل ردها إلى الصدفة.
* والحياة كذلك تواجه الكينونة البشرية، كيف انبثقت من المادة الميتة؟ وكيف سارت وتسير سيرتها ذات الموافقات والموازنات والتقديرات المرسومة المحسوبة بهذه الدقة ؟

إن التصور الإسلامي هو الوحيد الذي يملك هذه الإجابات الشافية بالإحالة على القوة العظيمة، العليمة، القديرة، إنه هو الذي يفسّر لنا الوجود من عدم، ويفسّر لنا المسافة بين المادة الجامدة والخليّة الحيّة ، إنها إرادة الله العظيم، الواسع، المبدع دون الاضطرار إلى التخبطات في تَيْه من التصورات الخيالية، فمن قولهم مثلا أن الحياة خاصية كامنة في المادة، كيف انطلقت إذن بعد ذلك الكمون؟ من ذا الذي دبّر انبثاقها، ودبّر كمونها؟
وفي القرآن الكريم في مواضع عدّة ما يشفي العليل في خاصيّة الشمول، يستشهد الكاتب بعدد منها، ونأخذ نحن منها قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ(95) فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(97) وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ(98) وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(99)" -الأنعام-
إن خاصية الشمول في هذا التصور، تمنح العقل والقلب طمأنينة، بدل إحالة الدقة المتناهية، والإبداع والعظمة المجسّدة في المخلوقات إلى واحد منها، إلى الطبيعة أو إلى العقل !

2- العبودية(الكون والحياة والإنسان):
كما فسر التصور الإسلامي حقيقة الألوهية، بصفاتها، وآثارها، كذلك يفسّر حقيقة العبوديّة الممثلة في حقائق كل من الكون، والحياة، والإنسان، طبيعتها، وصفاتها، ونشأتها، ثم علاقتها بالحقيقة الإلهية، وفي هذه التعريفات والتفسيرات ، شمول، وتفصيل، وكمال لا يُحتاج معه إلى مصدر آخر، ولقد وقع الفساد على أيدي فلاسفة الإسلام لما استعاروا التصورات الفلسفية الإغريقية للتصور الإسلامي، بل إن مجرد استعارة المصطلحات الفلسفية لا يقبله هذا التصور الشامل، الواسع، الدقيق، لأن له اصطلاحات تتوافق وطبيعة إيحاءاته .

الشمول في حقائق التصور ومقوّماته : وهي أربع :
أولا: تعريف الناس بربهم، وبصفاته، وبخصائص الألوهية المتفرّدة التي تفرّقها عن العبودية ، وبأثرها في الكون والناس وفي كل الأحياء، تعريفا واسعا، شاملا دقيقا، تتحرك النفس في هذه الحياة وهو يجيش فيها، وهو يأخذها من جميع أقطارها، فلا تعود تغفله في كل حركة من حركاتها ... وفي القرآن آيات وآيات عظيمة تحمل كل هذا، ساق الكاتب عددا منها.

ثانيا: تعريف الناس بطبيعة الكون، وخصائصه، وارتباطه بخالقه، ودلالته عليه، والدعوة لإدارك أسراره والتعامل معه بما يتوافق والواقع المحسوس ومكنون الفطرة، وفي القرآن آيات وآيات تصف هذا، استشهد الكاتب بعدد منها.

ثالثا: تعريف الناس بالحياة، ومصدرها وخصائصها، وعقد آصرة العبودية، بين الناس وبين كل الأحياء، والتذكير بنعمة التسخير، والقرآن غنيّ أيضا بالآيات المعرّفة بالحياة، استشهد الكاتب بعدد منها .

رابعا: هذا التصور يحدثنا عن الإنسان، عن مصدره، ونشأته، وخصاصه، ومركزه في الوجود، والغاية من وجوده، وعبوديته، ومقتضيات هذه العبودية، وعن قوّته، وضعفه، وواجباته، وتكاليفه، وكل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياته ومآله في العالم الآخر.وقد أسهب القرآن  في التعريف بالإنسان ، استشهد الكاتب بعدد من آياته .
« آخر تحرير: 2015-09-27, 16:58:12 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #12 في: 2015-09-29, 15:40:19 »
تابع : خاصية الــــشمول

الوحدة طابع الحقيقة :
إذن فكينونة الإنسان بكل جوانبها تتلقى من مصدر واحد، وتتجه لمصدر واحد، وتستجيب لمصدر واحد، في كل شؤون حياتها وحركتها، وكذا شؤون مماتها، وما بعد مماتها، فلا تتفرّق في السبل...
إنه تجمّع الكينونة الإنسانية، إنها حالة "الوحدة" ، الوحدة التي هي سمة الحقيقة في كل مجال، في حقيقة الخالق جل وعلا، وفي حقيقة الكون رغم تنوّع مظاهره، في الحياة والأحياء، في الغاية من الوجود، لتكون الكينونة الإنسانية مع هذه الحقيقة في أوج قوّتها، وتناساقها مع الكون وهي تتعامل معه .
ومن مظاهر هذا التجمّع النفسي والحركي للكينونة الإنسانية أن يصبح النشاط الإنساني كله لغاية واحدة، العبادة، وتحقيق الخلافة في الأرض.

التجمّع من أهم سمات الإسلام :
إن هذا التجمّع النفسي والحركي يفسّر كل الحقائق التي تواجه الإنسان ، كما يوجّه كل حركته إلى جهة واحدة، فيحدث التواصل بين الدنيا والآخرة، بعمل الإنسان وتحركّه بنيّة التوجه لله، إذ هو يعمل لمعاشه وهو يعمل لله ، ويحقّق كماله الإنساني بتحقيق الخلافة، فيُخلص العبودية لله في الشعائر التعبدية، وفي الحركة العملية على السواء، في كل دقيقة وجليلة، في الدائرة الواسعة للحلال الطيب.
يقول في هذا سيد قطب رحمه الله :
وبهذه الخاصية صلح الإسلام أن يكون منهج حياة شاملاً متكاملاً. منهجاً يشمل الاعتقاد في الضمير، والتنظيم في الحياة – لا بدون تعارض بينهما- بل في ترابط وتداخل يعز فصله، لأنه حزمة واحدة في طبيعة هذا الدين، ولأن فصله هو تمزيق وإفساد لهذا الدين.

آفة التقــــــــسيم :
يتحدث الكاتب عن التقسيم في أبواب الفقه إلى "فقه عبادات"، و"فقه معاملات"، يقول:
إن تقسيم النشاط الإنساني إلى "عبادات" و "معاملات" مسألة جاءت متأخرة عند التأليف في مادة "الفقه". ومع انه كان المقصود به –في أول الأمر- مجرد التقسيم "الفني"، الذي هو طابع التأليف العلمي، إلا أنه –مع الأسف- أنشأ فيما بعد آثار سيئة في التصور، تبعته – بعد فترة – آثار سيئة في الحياة الإسلامية كلها. إذ جعل يترسب في تصورات الناس أن صفة "العبادة" إنما هي خاصة بالنوع الأول من النشاط الذي يتناوله "فقه العبادات". بينما أخذت هذه الصفة تبهت بالقياس إلى النوع الثاني من النشاط، الذي يتناوله "فقه المعاملات"! وهو انحراف بالتصور الإسلامي لاشك فيه. فلا جرم يتبعه انحراف في الحياة كلها في المجتمع الإسلامي.
ليس في التصور الإسلامي نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى العبادة. أو يطلب فيه تحقيق هذا الوصف. والمنهج الإسلامي كله غايته تحقيق معنى العبادة، أولاً وأخيراً.


إذن نُجمِل في هذه النقطة المهمة مما  قدّم الكاتب وأفاض جزاه الله خيرا،أن الإنسان على هذه الأرض بصفة التجمّع في الكينونة الإنسانية، والتي هي أثر خاصية الشمول، باجتماع اعتقاد ضميره وحركته في الحياة على التوجه لله وحده في كل صغيرة وكبيرة من أعماله يحقق معنى العبودية .
والله سبحانه القائل: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56)"-الذاريات-

فتجدر الإشارة، بل التنبيه الشديد على أنه لا تفريق في الإسلام بين العمل والاعتقاد، بين العمل والعبادة، بل إن اجتماعهما هو الذي يحقق الخلافة وفق منهج الله تعالى ...
"إلا ليعبدون" ... في القول وفي الفعل، في النشاطات الإنسانية المختلفة، في التدريس، في الطب، في الهندسة، في الحراسة، في الجنديّة، في الأمومة، في الأبوة، في الجيرة، في أعلى المناصب الاجتماعية كما في أدناها، في كل حركة تتجلّى العبادة لله.

ويشير الكاتب هنا إشارة بالغة الأهمية إلى كون التقسيم في باب الفقه إلى "عبادات"و "معاملات" من أكثر الأخطاء الدخيلة على التصور الإسلامي، التي وقع فيها العلماء، والتي مع مرور الزمن أصبح لها أثرها الواضح في المجتمع الإسلامي الذي أصبح يفرّق بين الشعائر التعبدية والمعاملات، حتى حُصِر الإسلام في "الشعائر"، وزُوي عن حركة الحياة ! فكانت الحياة وفق مناهج غير منهج الله تعالى .

أهميّة حقيقة وخاصيّة الشمول :

إن أهمية خاصية الشمول، لا تكمن فقط في تصحيح التصور الإيماني، بل إنها تتعدى إلى تعريف الإنسان بكمالاته الكامنة في عبوديته لله، وإقراره بألوهيته وحده سبحانه، فمقام العبودية أكرم وأعلى مقام، وبه يتمّ التذوق الحقيقي لمعنى الحياة، حين يصبح كل نشاط في الحياة عبادة لله .

يقتطف الكاتب في هذا (مقام العبودية والشمول) فقرات من كتاب "الإسلام على مفترق الطرق" للكاتب المهتدي محمد أسد(ليوبولد فايس)، يَحسُن وضع بعضها هنا :

"إن موقف الإسلام في هذا الصدد لا يحتمل التأويل. إنه يعلمنا أولاً أن عبادة الله الدائمة، والمتمثلة في أعمال الحياة الإنسانية المتعددة جميعها، هي معنى الحياة نفسها. ويعلمنا ثانياً أن بلوغ هذا المقصد يظل مستحيلاً ما دمنا نقسم حياتنا قسمين اثنين: حياتنا الروحية، وحياتنا المادية.. يجب أن تقترن هاتان الحياتان في وعينا وفي أعمالنا، لتكون "كلاًّ" واحداً متسقاً .. إن فكرتنا عن وحدانية الله يجب أن تتجلى في سعينا للتوفيق والتوحيد بين المظاهر المختلفة في حياتنا."

"وعبادة الله في أوسع معانيها –كما شرحنا آنفاً- تؤلف في الإسلام معنى الحياة الإنسانية .. هذا الإدراك وحده يرينا إمكان بلوغ الإنسان الكمال – في إطار حياته الدنيوية الفردية- ومن بين سائر النظم الدينية نرى الإسلام –وحده- يعلن أن الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا .. إن الإسلام لا يؤجل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات "الجسدية"، ولا هو يعدنا بسلسلة متلاحقة الحلقات من "تناسخ الأرواح" على مراتب متدرجة – كما هو الحال في الهندوكية – ولا هو يوافق البوذية التي تقول بأن الكمال والنجاة لا يتمان إلا بعد انعدام النفس الجزئية وانفصام علاقاتها الشعورية من العالم .. كلا. إن الإسلام يؤكد في إعلانه أن الإنسان يستطيع بلوغ الكمال في حياته الدنيا الفردية. وذلك بأن يستفيد استفادة تامة من وجوه الإمكان الدنيوي في حياته هو" -ليوبولد فايس-
« آخر تحرير: 2015-09-29, 17:17:58 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #13 في: 2015-09-30, 14:49:13 »
رابعة الخصائص : التـــــوازن
التوازن خاصية صانت التصور الإسلامي من الانزلاقات، والاضطراب والغلوّ، نذكر من موازناته :

1- التوازن بين ما تسلّم به الكينونة الإنسانية وما تبحث فيه:
 التوازن بين ما تتلقاه الكينونة الإنسانية لتدركه وتسلّم به، والذي تتلقاه لتدركه وتبحث في حُجَجه وبراهينه، وتحاول معرفة علله وغاياته، والفطرة البشريّة بذلك تُلبَّى فيها حاجة الاشتياق لما وراء الحُجُب بالتسليم، كما تًلَبّى فيها حاجة المعرفة بالبحث والبرهان.
يقول في هذا سيد قطب رحمه الله : إن العقيدة التي لا غيب فيها ولا مجهول، ولا حقيقة أكبر من الإدراك البشري المحدود، ليست عقيدة، ولا تجد فيها النفس ما يلبي فطرتها، وأشواقها الخفية إلى المجهول، المستتر وراء الحجب المسدلة .. كما أن العقيدة التي لا شيء فيها إلا المعمّيات التي لا تدركها العقول ليست عقيدة! فالكينونة البشرية تحتوي على عنصر الوعي. والفكر الإنساني لا بد أن يتلقى شيئاً مفهوماً له، له فيه عمل، يملك أن يتدبره ويطبقه.. والعقيدة الشاملة هي التي تلبي هذا الجانب وذاك، وتتوازن بها الفطرة، وهي تجد في العقيدة كفاء ما هو مودع فيها من طاقات وأشواق.

فالإنسان مثلا لا سبيل لإدراكه ماهيّة الذات الإلهية، ولكنّ فكره يعمل في إدراك خصائصها، من وحدانية، وقدرة، وتدبير ....وغيرها، والقرآن يحفّز العقل البشري على العمل في مجال إدراكه بالسؤال تارة وبالعرض تارة فيما يخصّ الكون وحقائقه ومظاهره، والحياة وأجناسها، والإنسان وخصائصه، فهو سبحانه القائل:
"أمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ(36)" -الطور-
" أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ(21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ(24)" -الأنبياء-
وغيرها من الآيات التي تحمل هذا التحفيز على البحث والاستدلال والنظر...

2- التوازن في مجال طلاقة المشيئة الإلهية وثبات السنن الكونية: إنه سبحانه على كل شيء، قدير، يقول للشيء كن فيكون، لا تحُدُّ قدرتَه ولا مشيئته قاعدة ملزِمة، ولا قالب مفروض، وفي الوقت ذاته شاءت إرادة الله وحكمته وتدبيره أن تتبدى أنظمة الكون في شكل نواميس مطّردة يملك الإنسان مراقبتَها وإدراكها، والبحث في فهمها للتعامل معها وِفق ما أودع الله فيها من قوانين، وهي ساحة عمل العقل البشري بمنهج علميّ ثابت، ورغم ذلك تبقى في ضمير المسلم طلاقة مشيئة الله، وهو المأمور بالأخذ بالأسباب، ولكن بردّها كلها إلى مسبّبها لا باعتقاد أن الأسباب هي المنشئة للمسبّبات. وفي القرآن آيات عديدة تتحدث عن تلك النواميس المطّردة، كقوله تعالى :
"لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)"-يس-
"قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ(137) " -آل عمران-

3-التوازن بين مشيئة الله المطلقة ومشيئة الإنسان :
وفي هذه النقطة يُسهِب الكاتب نوعا ما تواؤما مع ما أثير حول هذه النقطة تحديدا من جدل عبر العصور، خبط فيه الفلاسفة بألوان وأشكال من الخلط والخبط، وقد أحببتُ التركيز في هذه النقطة لحاجة دائمة في نفسي إلى فهم يقرّب المعرفة بالجواب الشافي عند التعرّض لهذا السؤال، أكثر منها حاجة في النفس للنفس، إذ هي مطمئنة لمشيئة مطلقة محيطة مسيّرة هي لله عزّ وجلّ العدل الحق، تترك للإنسان فُسحة للاختيار والعمل، ولكنّ الجواب الشافي على من يسأل مثل هذا السؤال عادة لا أجده عندي فلنحاول التعلّم معا مشيا الهُوَيْنى مع ما أورد سيد رحمه الله :

1-3) ما يقرّره الإسلام :
الإسلام يقرّر المشيئة المطلقة لله عزّ وجلّ، كما أنه يقرّر الدور الأول للإنسان في الأرض وهو فيها الخليفة، وهذا ما يمنحه مجالا واسعا للفاعليّة والتأثير لكن في توازن تام بالاعتقاد بالمشيئة المطلقة لله، وتفرّده بالفاعليّة من وراء الأسباب الظاهرة، وما حركة الإنسان في الأرض إلا واحدة من هذه الأسباب على اعتبار أن نشأته ابتداء، وحركته وإرداته كلها في نطاق المشيئة المطلقة لله .
إذن :
المشيئة المطلقة -----> لله
حركة الإنسان وفعله(اختياره)--->-- واحد من الأسباب الظاهرة لمشيئة الله عز وجل.

2-3) لا مشكلة في التصور الإسلامي :
إن هذه القضية لا تعد مشكلة في التصور الإسلامي إذا كان الاعتماد في فهمها على النص القرآني وما يقرّره، وهو كما عرفنا المصدر الوحيد لاستمداد التصور الإسلامي ، أما إذا كان الاعتماد في فهمها على مقررات مسبقة من تخاييل الفكر البشري الذي يُعقّدها ويزيغ بها عن مفهومها إذا لم يكن القرآن مصدر معرفته بها، عندها تصبح مشكلة، وعندها توصف العلاقة بين المشيئة الإلهية والمشيئة الإنسانية بالتناقض .
وهو سبحانه القائل: "إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً(29) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً(30)"-الإنسان-
وهو القائل سبحانه : "فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء"- من 25 من الأنعام-
وقال في الوقت نفسه: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ(46)"-فصلت-

وعلى هذا فإن المسلم باطمئنانه لعدل الله المطلق، يعلم أن للإنسان قدْرا من الاختيار والفعل والتأثير يقوم عليه التكليف والجزاء دون تعارض مع المشيئة الإلهية المطلقة، فاتصال مشيئة الله بما يريد خلقه وإنشاءه، وبالنشاط الانساني ليس في مقدور العقل إدراكه أو تقديره بل متروك للعلم المطلق، متروكة للخالق سبحانه الذي يعلم حقيقة الإنسان وتركيب كينونته وطاقات فطرته ومدى ما فيه من الاختيار، وما يترتب على الاختيار من جزاء.
إذن :
1- لا يجب استمداد التصور من مقررات عقلية، بل تستمد من النصوص المقررات العقلية .
2- الاطمئنان إلى عدل الله، إذ أن إحاطة علمه تحقق الاطمئنان إلى الحركة وفق منهجه.

3-3) فماذا عن الشرّ والألم ؟
لا يعتبر الشر والألم مشكلة في التصور الإسلامي إذ أن الدنيا دار ابتلاء، والآخرة دار جزاء، والحياة جزء من رحلة منتهاها في الآخرة، فتقع الطمأنينة في الشعور، فما نل الخيّرَ من ألم في الدنيا يُكسبه الطمأنينة غلى ما ينتظره من جزاء في الآخرة وما ينتظر ظالمَه كذلك، كما أنه ينال نصيبه من الرتياح الدنيويّ أيضا وهو يستشعر قيمة استقامته وسعيه من أجل تحقيق منهج الله ، ولإرضاء الله .
إنه ال سبحانه القائل: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(30)"-فصلت-

3-3-أ) لماذا أوجد الله الشر ولو شاء لهدى الناس جميعا ؟
هذا واحد من الأسئلة الشائعة، يقول فيه الكاتب أنه لا موضع له في التصور الإسلامي، لأنه سبحانه وتعالى هو الخالق وهو العالم بالنظام العام الأنسب للكون وللإنسان، يقدّر أحسن وضع للخلق، فلا يُسأل عما يفعل لأنه الإله، وليس أحد من البشر إله ليَسأل عما قرره الله من فِطرة فطر الناس والكون والحياة عليها .
"وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً". -من 35 من الأنبياء-
يقول سيد رحمه الله :
"ولماذا، -في هذا المقام- سؤال لا يسأله مؤمن جاد، ولا يسأله ملحد جاد .. المؤمن الجاد لا يسأله، لأنه أكثر أدباً مع الله – الذي يعرفه من التصور الإسلامي بذاته وصفاته – ولأنه أكثر معرفة بمدى إدراكه البشري الذي لم يهيأ للعمل في هذا المجال .. والملحد الجاد لا يسأله كذلك. لأنه لا يعترف بالله ابتداء فإن اعترف بألوهيته عرف معها أن هذا شأنه –سبحانه- وأن هذا مقتضى ألوهيته، وأن اختياره هذا هو الخير قطعاً.
ولكنه سؤال يسأله مكابر لجوج، أو مائع هازل .. ومن ثم لا يجوز المضي معه في محاولة تبرير هذا الواقع بمعايير عقلية بشرية، لأنه بطبيعته أكبر من مستوى العقل البشري، وأوسع من المجال الذي يعمل فيه العقل. فإدراك أسباب هذا الواقع يقتضي أن يكون الإنسان إلهاً. ولن يكون الإنسان إلهاً. ولا بد له من أن يسلّم بهذه البديهية الواقعية، ويسلم بمقتضياتها كذلك
".
أما الشر والباعث عليه، وما ينجرّ عنه من خطيئة وإثم ، فلقد قرر الإسلام أنه أضعف من أن يكون مسلطا على الإنسان أو قاهرا له، وإنما هو الصراع بين الإنسان والشيطان.
"قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ(41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ(42)"-الحجر-

3-3-ب) إذا كان الله قد خلق كل إنسان باستعدادات معينة تجعله يميل إلى الهدى أو إلى الضلال، فلماذا يعذب الله الضال، ويكافئ المهتدي؟
يقول الكاتب أيضا في هذا السؤال الشائع:"وهو سؤال خادع – في صورته هذه- يقابله ويصححه ما يقرره القرآن من أن الله –سبحانه- خلق الإنسان ابتداء في أحسن تقويم، وأنه لا يزول عن مكانه هذا إلا بغفلته عن الله. وأنه مبتلي بالخير والشر. وأن فيه الاستعداد للترجيح والاختيار –مع الاستعانة بالله، الذي يعين من يجاهد لرضاه!
"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فلهم أجر غير ممنون".
   "
« آخر تحرير: 2015-10-06, 12:14:11 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #14 في: 2015-09-30, 20:30:22 »
هل تلخصين الكتاب يا أسماء؟
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #15 في: 2015-09-30, 20:46:16 »
هل تلخصين الكتاب يا أسماء؟
أهلا وسهلا ومرحبا بك يا هادية... منورة ::happy:

والله ليس تلخيصا بقدر ما هو تنظيم وترتيب لمفاهيمه ومواضيعه في رأسي. فهو مثلا يسترسل في كلامه ولا يضع عناوين، بينما عنونت هنا ما أراه يعالج مفهوما معينا، ثم أضع ما أستوعبه من منهجيته ببعض أسلوبي، فأجدني ألقف الجديد النافع والعميق، كما أنني أستشرف من نبضاته الحية أملا لم ينقطع ولكنه مع الكتاب تجدد وتقوى... الكتاب أكثر من رائع، من أجود وأعمق وأنفع ما قرأت... حتى قراءتي له اخترت أن تكون متأنية، وبتركيز كبير.
« آخر تحرير: 2015-09-30, 20:52:03 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #16 في: 2015-10-01, 13:41:36 »
نعم هو كذلك
كان الكتاب مقررا علينا في بداية التزامنا ضمن منهج العقيدة
ومازلت ارجع اليه باستمرار واقتبس منه

لكنني سألتك لأنني لم اوفق لتلخيص الكتاب، فقلت ان كان ما تضعينه تلخيصا فسأنسخع واحتفظ به عندي مع مجموعة الملخصات
فقد صرت احيانا ابعث لبناتي وبعض طالباتي بالملخصات سدا للثغرة مع هذا الجيل الذي لا يقرأ
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #17 في: 2015-10-01, 21:17:11 »
نعم هو كذلك
كان الكتاب مقررا علينا في بداية التزامنا ضمن منهج العقيدة
ومازلت ارجع اليه باستمرار واقتبس منه

لكنني سألتك لأنني لم اوفق لتلخيص الكتاب، فقلت ان كان ما تضعينه تلخيصا فسأنسخع واحتفظ به عندي مع مجموعة الملخصات
فقد صرت احيانا ابعث لبناتي وبعض طالباتي بالملخصات سدا للثغرة مع هذا الجيل الذي لا يقرأ


فلتفعلي يا هادية، فهو تلخيص أيضا .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل شيخ العرب

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 32
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #18 في: 2015-10-30, 17:44:55 »
(ما شاء الله) من أجمل ما قرأت ،لم أطلع على كتاب منذ أمد بعيد، اللهم أجعله فى ميزان حسناتك...آمييييين...

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: عن الكون والإنسان والحياة...
« رد #19 في: 2015-11-02, 12:26:43 »
أهلا وسهلا بك أخي شيخ العرب. نعم هو من أجمل ما يُقرأ حقا. سأعود لإتمامه بإذن الله.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب