المحرر موضوع: تدبر القرآن طريق إلى العيش به...قواعد وإرشادات  (زيارة 13299 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
ودائما ومع المرحلة الأولى من مراحل التدبر،ونحن نتدرج فيمن يؤخذ عنهم تفسير القرآن الكريم، وقد عرفنا أول الأمر ضرورة الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآن نعرِض لمن يؤخذ عنهم بعده.
--------------
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)" -التوبة-

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خيرُ أُمَّتِي قَرْنِي ، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ ، ثمَّ الذين يَلُونَهُمْ - قال عِمْرانُ : فلَا أَدْرِي أذَكَرَ بعدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثلاثًا"-صحيح البخاري-

لا أجد أقوى من شهادة القرآن العظيم ومن بعده شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم حتى نعرف فضل هؤلاء الكرام المصطفين الذين اختارهم الله تعالى أصحابا لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعايشين للتنزيل نديّا ينزل عليهم من رب العزة، سببا بعد سبب، فكانوا يبيتون الليلة على خبر بين الأخبار، تشرق عليه شمس الغد وقد نزل فيه وفي صاحبه قول من الله تعالى يتلى إلى يوم القيامة...!!

أي شرف قد نالوه، وأية حُظوة، وأي خير عظيم !!
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه :
"أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة،أبرّها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا،قوم اختارهم الله لصحبة نبيّه وإقامة دينه،فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم"...

أبَعْد هذا كله مجال لأن ننكر ضرورة أخذ الدين عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد الأخذ عنه ؟
أبعد هذا لا تتبدّد غيوم الشك في أخذ تفسير القرآن الكريم عنهم فيما لا نجده في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

وقد أعجبتني إجابة المجيب عن سؤال سُئِله : "هذه النصوص تدل على الفضل لا على العلم بالقرآن !"
فردّ قائلا : "إنّ العلم الحقّ بالقرآن هو رأس الفضائل ، فمن أدركه سبق سبْقا عظيما،ومن فاته سُبق سبقا بعيدا "...

ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه"مقدمة في أصول التفسير"، إلى ضرورة التدرج في أخذ تفسير القرآن الكريم، فبعد أن يذكر بحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاخر في علمه بالقرآن وعمله به، يذكر أصحابه الذين كانوا على أثر هداه، لا سيّما علماؤهم وكبراؤهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة...

فأما أعلم الأمة بالتفسير بعد هؤلاء العظماء فـ"ابن مسعود"، و"أبيّ بن كعب"، و"زيد بن ثابت" و"ابن عباس" رضي الله عنهم .

وأما مَن يلي كل هؤلاء في أخذ تفسير القرآن عنهم، -وكلهم ضمن تلكم الدائرة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرنه وبمن يلونهم ثم بمن يلونهم-، فهم أئمة التابعين ومن أبرزهم مجاهد بن جبر،وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس،و الحسن البصريّ، وعطاء بن أبي رباح،وأبو العالية، وسعيد بن المسيّب، وقتادة والضحاك بن مُزاحم وغيرهم .

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
والآن نحاول معرفة الأوجه التي جاء عليها تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين للقرآن الكريم، نذكرها ها هنا وهي ثلاثة:

1- ما ورد في فضائل الآيات أو السور:

وقد صنّف العلماء في هذا الكثير نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أهم فوائد معرفة فضل الآية أو السورة معرفة قدرها عند الله تعالى، فليست أم القرآن كغيرها، وليست أواخر البقرة التي أعطيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى كغيرها...

2-ما ورد في أسابب النزول:

وسبب النزول هو ما نزلت الآية من أجله شريطة أن يوافق السبب وقت نزولها، ويشمل الحوادث التي صاحبت الذي نزل من القرآن، سواء كانت زمانية أو مكانية أو حالية أو عينية. فمثلا نزول سورة الفيل ليس سببها حادثة الفيل، بل إنّ السورة نزلت بعد حدوثها وللتذكير بها .

ومن أهم فوائد معرفة أسباب النزول:
** بيان أن القرآن نزل من الله تعالى، إذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسأل عن أمر فيتوقف، حتى ينزل عليه الوحي بشأنه فيجيب.
**بيان عناية الله سبحانه برسوله صلى الله عليه وسلم في الدفاع عنه من مثل قوله سبحانه : "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً(32)" -الفرقان-

**بيان عناية الله بعباده في تفريج كرباتهم وإرشادهم لما ييسر أمورهم، من مثل نزول آية التيمم .

**معرفة سبب النزول سبب في فهم الآية على وجهها الصحيح، فقوله تعالى : "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(158)"-البقرة- فنفي الجُناح هنا ليس المراد منه بيان حكم أصل السعي، وإنما المراد نفي تحرجهم بإمساكهم عنه، حيث كانوا يرونه من أمر الجاهلية، أما أصل الحكم فتبين من قوله تعالى : "من شعائر الله".

أما الوجه الثالث في المأثور عن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة التابعين للقرآن الكريم، فإنه يحتاج أن نفرد له حديثا وحده، لأنني قد رأيته يُجلي غامضا من الصورة التي دأب المشككون على نشرها حول تفاسير السلف،من غير نظر علمي أمين... وهو التفسير المسنَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة التابعين، وفيه ضرورة الوقوف على أمرين اثنَيْن :
أولهما : النظر في طرق الرواية
ثانيهما : النظر في فهم الدراية.

فنفصل في المرة القادمة بإذن الله حول هذا الوجه .
« آخر تحرير: 2013-11-19, 13:14:09 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6546
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
ونعود للتفصيل في الوجه الثالث الذي بلغنا في مجال تفسير القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة التابعين، من بعد ما عرفنا ما أثِِر عنهم من فضائل الآيات والسور، ثم أسباب النزول وفوائد الإحاطة بها ...

الوجه الثالث هو التفسير المسنَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة التابعين:
وفيه ضرورة الوقوف على أمرين اثنَيْن :
أولهما : النظر في طرق الرواية
ثانيهما : النظر في فهم الدراية.

يجدر بي هنا أن أعرّف نفسي وأنا أطالع في هذا المجال، وأحب أن أسبر أغواره، وأجدني أستفيد أيما فائدة من هذه المنهجية في الأخذ بالتفاسير، أنّ ما نقرأه في كتب التفسير من مثل "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير، و تفسير الطبري،فنقف على تلك العنعنات، فنجد أنفسنا كثيرا ما نحب تلافيها، وتعدّيها إلى الموضوع نفسه، إنما تلك هي هي ما يطلق عليه "أسانيد التفاسير"، والتي هي محور حديثنا هنا، وكيف كان التعامل معها... ومن أهمها وأشهرها طرق عن كل من ابن عباس وعن ابن مسعود، وعن أبيّ بن كعب.

والنظر في طرق الرواية يكون على على نوعين
1-آثار يُراد إثبات عموم معناها لا دقائق ألفاظها
2- آثار يراد منها الاحتجاج بها أو إثبات دقائق ألفاظها.

1-آثار يُراد إثبات عموم معناها لا دقائق ألفاظها: والإسناد هنا لا يُهتمّ به كما هو الشأن في علم الحديث، إذ إنّ كل علم له خصوصياته، يقول في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية : "معلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم،ويُروى ليس لها أصلٌ (أي إسنادٌ) لأن الغالب عليها المراسيل"

ويُخلَص إلى أن العبرة عند المحررين في مجال التفسير بالمأثور في المعاني ودلالاتها، لذا فإنه يقبل المعنى الصحيح وإن كان الناقل ضعيفا...
كما أنّه من زبدة القول في عدم الاهتمام بالإسناد في مجال التفسير بالمأثور، أنّ التساهل مع أسانيد التفسير مردّه أن كثيرا من روايات التفسير روايات كتب،وليست روايات تلقين وحفظ،زيادة على أن التفسير له مقاييسه التي يُعرف بها، عدا مقاييس الجرح والتعديل التي تعرف في مجال الحديث مثلا،من بينها النظر في السياق والنظر في اللغة، والنظر في عادات القرآن، والنظر في السنة.

وفي ذلك أعجبني قول مُجمل شامل لصاحب كتاب "الأصول الثمان لطالب فهم القرآن" : "فمن المتقرر عند جميع أهل الفنون أن العلوم تختلف،فإثبات السنة النبوية وإلزام الناس بها ليس كإثبات اللغة،فاللغة تثبت بما لا يثبت به الحديث،وكذا الحال في التفسير فإنه يثبت بما لا يثبت به الحديث،والاعتماد على هذه الروايات جزء أصيل من منهجه لا ينفكّ عنه، ومن اطّرحها فقد مسخ علم التفسير".

ويُخلص إلى أن الاعتماد على منهج أهل الحديث في نقد الروايات لا يكون بالشكل التام الذي لا يليق بعلم التفسير بالمأثور، وقد يؤدي إلى إلغائه، بل يجب أن يُرجى الاستفادة منه بحيث لا يستغنى عنه بالكلية، ولا يعتمد عليه بالكلية، لأن نقد الرواية يكون له دور في حال لمس غرابة أو نكارة أو شذوذ في التفسير المروي.

ويُشهد للإمام ابن كثير فعله ذلك وعمله به، حين يعمَد إلى نقد النص المنقول، بتتبعه أسانيد المرويات عندما يجد شذوذا أو نكارة، بينما يروي ويذكر السند من غير نقد في حالات أخرى.

والآن نكون قد عرفنا في إطار "النظر في طرق الرواية" ما يراد منه إثبات عموم المعنى لا دقائق الألفاظ، وكيف هو الاختلاف بين طرق أهل الحديث وطرق علم التفسير في مجال الإسناد.

يبقى أن نتعرف إلى:
2- آثار يراد منها الاحتجاج بها أو إثبات دقائق ألفاظها
هنا يؤكَّد على ضرورة التمحيص والتدقيق، باعتماد طريقة أهل الحديث في النظر في الإسناد، ذلك أنه يوجد طرق مختلفة بألفاظ مختلفة للمنقول عنه التفسير من الصحابة مثلا في تفسير آية معينة، فإن كان المراد الوقوف على المعنى العام اكتُفي بالأخذ بالمعنى العام الوارد من الطرق مختلفة الألفاظ، أما إن كان المراد الاحتجاج بها، أو إثبات دقائق ألفاظها فهنا يجب الاعتماد على التمحيص والتدقيق ...

وسأذكر مثالا لنفهم المراد من هذا:

جاء في تفسير ابن عباس لقوله تعالى:"وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ " -من الآية 31 من النور-
في بعض الروايات عنه: "الزينة التي يبدينها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسوارها،فأما خلخالاها، ومعضداها، ونحرها، وشعرها، فإنه لا تبديه إلا لزوجها"

ومعناه أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي شعر رأسها أمام أولادها،وهذا مشكِل، وهذه الروايات ونحوها تحتاج إلى دراسة حديثيّة متأنية، بمعنى النظر الدقيق في الإسناد .

وبعدما عرفنا عن نقطة "النظر في طرق الرواية"يبقى أن نفصل في نقطة : "النظر في فهم الدراية." المرة القادمة بإذن الله تعالى.
« آخر تحرير: 2013-11-19, 13:11:11 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب