المحرر موضوع: في القدس...  (زيارة 4873 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جمانـة القدس

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 273
  • الجنس: أنثى
  • عدتُ أنا! (ســـما)
في القدس...
« في: 2011-12-18, 01:50:10 »
أحــــنّ...

القدس، 14 كانون الأول، 2011

في قلبي الآن فلسفات كثيرة...
الحبّ الأبديّ الخالد تتكسر أوراقه مع مرّ السنين... إنه لا تتعاقب عليه الفصول... بل كل الذي بعد صيفه خريف... وكل الذي بعد خريفه شتاءٌ برده قارس... ينخر العظم وتصطك منه الأسنان ثم تسقط...

والجذع يبقى صامداً على مرّ العصور... والجذور تبقى ضاربة في أعماق الروح... تستقي طعم الحبّ ولا ينالها لونه... شامخة شموخ تراب فلسطين...

كيف يتوزع من يحبّ قلبَه على كل من يحب؟... كيف تتقطع نبضاته وتبقى نابضة في كل أرض؟... كيف يعيش قلباً واحداً في الكون كل الكون؟....

آه ما أقساها من دنيا.....

عشت في غربة بضعة شهور... فطعمتُ لؤمها... وبعدها... وقطيعتها...
لكني لما عدت ماضيّ وجدته شيئاً آخر... وجدته شيئاً هو هو في قلبي... لكنه آخر في الدنيا... آخر جداً... إذ إنه حياتي الأولى... وإذ إني الآن في حياتي الثانية... وسيكون لي ثالثة... وربما رابعة... وخامسة... حتى تحين الآخرة... فترتاح النبضات ولا يرهقها السفر.....

في مرحلتي الراحلة... حياة الزمن الجميل... عشت فيها على الشعور أغتذي... أحبّ كل طير وزيتونة... أتأمل الفجر بقلبي لا بطرفي... وأذرف الدموع لأجله... وأشعر بالنقاء... وأتحسس الجمال... وأتلذذ بلوحات الأمل.....
ثم جاء المنعطف الكبير... منعطف حمل لي معه كل شيء... وأخذ مني كذلك كل شيء... كل شيء...
أخذ مني أنا الأولى التي أحببتها... واستبدل بها أنا هذه... الأنا التي صارت في المرحلة التالية... مرحلة العمل الجادّ... مرحلة الدنيا الجافة... مرحلة العطاء الجامد...
مرحلة يجب أن أحبها... إذ إن فيها الحبّ... الحبّ الآخر الذي تغنوا فيه، وماتوا لأجله وتقطعت أوصالهم من لوعته.....
وإن هذا الحب الآخر يكسر حدة الجمود... يتلطف بالقلب ويمسح عليه بين فينة وأخرى... يترفق بالدموع... لكنه لا يضمد كل ما تكسر بعد البعد عن الزمن الجميل... وإنه لا شيء يضمده سوى مسحة بيد الرفق من رحيم السموات والأرض... فالإنسانية التي في القلب لا يداوي جرحها إلا الذي خلقها وعلمها كيف تعشق ثم تبتعد فتنكسر ثم تشفى... وليس في الدنيا شفاء...

أنا لا أشكو...
وأنا أعلم أنها الحكاية التي تتلو نفسها من صفحات التاريخ للقلوب... أعلم أنها قصة الطريق الطويل والمحطات الكثيرة...
لكني بعد كل محطة أشتاق للتي قبلها... أحنّ يا ربي... ولا أستطيع الرجوع...
أشتاق ويحرقني الشوق... والنار لا تنطفىء... وليس لي أمل بانطفائها ولا بالرجوع... إذ إنها هي... الحياة الدنيا... وإن كل الحبّ لن يكون في قلبي بأوراقه وأوراده مزهراً إلا بعد كل محطاتها... بعد النقلة الكبرى... إلى الحياة الآخرة الآخرة... تلك التي لا تتبعها حياة... ولا فقد ولا بعد... ولا ألم ولا حسرة... ولا شوق ولا توق... ولا دموع....

أعلم أنني أخربش... لكن قلبي يبكي...
يبكي عيون أبي المنهكة... ودموع أمي التي ما عادت تجف...
يبكي قلوب أحبتي المتكسرة... يبكي بعدي عنهم... يبكي عجزي عن ضمّهم إليّ في ضعفهم... واشتياقهم... وحنينهم... وبكائهم وآههم......
أحبتي الذين بنوا معي قلبي... وكانوا فيه قطعاً منه... ورمموا زواياه التي شاكتها الدنيا... وسقوني مسكاً وعنبراً وطيباً بقربهم وحنانهم وصبرهم...

آه يا قلبي... آه كم قسوت عليك حين أطلقت لك العنان لتخفق حتى أخر رمق فيك......
كم قسوت عليك حين جعلت فيك كلّ الناس تحبّهم... ثم تفارقهم... ثم تحب الذين بعدهم... ثم تفارقهم... ثم تفارق... وتفارق... وتتكسر بعد كل فراق تكسر قلب كامل... فيكون فيك تكسرات بعدد كل من أحببت... من بشر... ومن حجر... ومن شمس ومن قمر... ومن زهر... ومن لوز... ومن أرض... ومن شجر... ومن طين... ومن رمل... ومن بحر... ومن صحر... ومن نور*... ومن سحر*... ومن سراء* أو زهراء* أو رحم... ومن أبّ ومن أمّ... ومن بالله معتصم*.....

أحب زماني... وأعلم أني ما جئته إلا بتقدير القدير...
وأحب سنايَ الذي فيه، وما لي إلا سناً واحداً يضمني ويمسح على وجهي كلما أغرقته بالدموع... وأحب ذكرياتي... ولا أشكو.....

لكني يا ربي...
أحـــــــــــــــــــنُّ........

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نور الهدى، وأسحار، وسارة، وزهراء، ورحمة، والمعتصم بالله... إخوتي وقطع قلبي...
« آخر تحرير: 2012-05-21, 19:02:28 بواسطة جمانـة القدس »
يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار...
                                                     (النــّـور)

Al-Muslim

  • زائر
رد: في القدس...
« رد #1 في: 2011-12-18, 08:20:11 »
سبحان الله

غير متصل جمانـة القدس

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 273
  • الجنس: أنثى
  • عدتُ أنا! (ســـما)
رد: في القدس...
« رد #2 في: 2011-12-19, 02:55:27 »
يشيخ قلبي.....

القدس، 18 كانون الأول، 2011

في كلّ يوم ميلاد أمي... تكبر هي عاماً... لكنها تقول إنها ما زالت هي... ما زال قلبها أخضراً، وما زال في روحها كل الشباب الذي كان...
وعمري هو نصف عمر أمي... لكن عمر قلبي يضاعف عمر قلبها أضعافاً كثيرة... وشباب روحي مهتريء... ونضارتي صارت ذابلة كوريقات الخريف... وأملي بهتت كل ألوانه...

أفهم في هذه الأيام معانٍ صعبة... لا أريد التسليم لها... ولا أريد أن أقرّ أنها هي... المعاني الطبيعية في هذه الدنيا...

أنا لا أريد أن أختار أماً واحدة كي تكون أمي... فأنا لي أمهات كثيرات... ولا أريد أباً واحداً ولا أخاً واحداً ولا أخوات قليلاتٍ خمس هنّ شقيقاتي... أريد أهلي الكثيرين كلهم... أريد أحبة قلبي الذين احتضنهم... ولا أريد أن تسلبهم الدنيا فتسحبهم... وتمزق اتصال قلبي بهم... فيتمزقُ... ويهرم.... ويبكي...

ويشيخ قلبي.....

لماذا يجب أن نستعيض بشيء عن غيره؟... لم يجب أن نترك كثيرين إن تغيرت في حياتنا طبيعتها؟... لم يجب أن نتنازل عن حياتنا الأولى لنتابع الثانية؟... لم تتوقف الدنيا عند اللحظة التي قلنا لهم فيها وداعاً للمرة الأولى؟... فلا تعود اللحظة ولا يعودون......

يا كل الناس....
أنا لست من هذه الدنيا... وهي ليست مني...
أنا لا آلفها... ولا آلف طبيعتها...
أنا لا آلف سيرها ولا دربها ولا لحنها...
وإنّ لحنها لقاسٍ... لا أستطيع عزفه، ولا حفظه، ولا غناءه...
إنّ لحنها... ليس فيه حياة... ولا جمالاتٌ... ولا رحمة... وما هي إلا رحمة الله تتنزل على القلوب تثبتها... وتهديها وترضيها...

ولعلنا يوماً نعود.....
ولعلنا يوماً نلتقي... ولعلها يوماً تكون حياة...
ولن تكون التي نريد إلا بعدَها...

فإنما هذه للعبور وليست للحياة ولا للسعادة ولا للخلود...
إنها للعمل وللأعداد... وإنها لا تمضي إلى تلك طيبة إلا بالقبول... وبالرضــــا...

والله ربي المستعان...
يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار...
                                                     (النــّـور)

غير متصل أسيرة الصفحات

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 629
رد: في القدس...
« رد #3 في: 2011-12-25, 14:07:12 »
سامحيني يا جمانة القدس
لم أقرأ إلا الأولى
فقلبي لا يتحمل أن أقرأ لك أكثر من خاطرة في اليوم
بالذالت خواطرك التي من ذلك النوع
النوع الذي تكتبه المشاعر الصافية فتعبر بكل ما أوتيت من قوة عن مكنونات القلب
الغربة
ها قد ذقتها يا جمانتي
و لم أتمن لك ذلك يوما
لكن و ما دمت قد فعلت , فأوصيك ألا تدعيها تتعقبك في كل لحظات عمرك , بل إنسابي بين أيام الحياة , و إشغلي نفسك بهدف جميل , و أرسلي لمن تحبينهم كل يوم رسالة قلبية لكن لا تجعليها تستنزف مشاعرك حتى تعيشي يومك بشيئ من السلام
لازال أسلوبك يبكيني
و يحيي في الإحساس
إلى الأمام دوما يا صديقي و أختي
" .
نقطة.  "

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15901
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: في القدس...
« رد #4 في: 2011-12-27, 08:43:11 »
رائع يا جمان

كان الله في عونك


والبرد قارس
« آخر تحرير: 2011-12-27, 08:51:16 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*