أعود معكم إذن للمحور الثاني (نماذج النجاح).
وأبدا بإقتباس المقياس من الأخت جمانة جزاها الله خيرا،
البيت الإسلامي الذي أريده يا أخ جواد هو على المستوى العام: البيت المبني على الطاعة البعيد عن المعصية، وهو الذي يحمل الفكرة المسلمة ويدافع عنها، وهو الذي يربي أبناءً همهم همّ أمتهم... عاملين غير قاعدين... فاهمين لمعني دينهم... طائعين لربهم... يحدّهم حلاله وحرامه، ويقيدهم شرعه وكتابه...
لو تدبرنا هذه الكلمات جيدا لوجدنا أن هناك شقين أساسيين،
الأول: البيت المبني على الطاعة ومراقبة الله في شتى الأمور.
والثاني: حمل هم الدين والعمل له.فأما الشق الأول،فإن المجتمع وغالبية الناس تقيس النجاح فقط بالتفوق في أحد المجالات المادية أو المجتمعية مع أخذ ما يمكن الأخذ به من النقطة الاولى وهي الطاعة ومراقبة الله،
وأقول هنا أخذ ما يمكن الأخذ به لأنه بكل أسف النماذج الناجحة في المجتمع رغم ظني بنواياها خيرا واعتبارها من أهم ما يعتمد عليه الحكم الإسلامي،
الا أنها من أكثر المساهمين أيضا في تضييع مفاهيم الشريعة وضوابطها !!
عندنا النجاح أن يكون الشاب ناجحا في مجال عمله لا يفعل الكبائر، لكن لا بأس من تجاوزات في فترات الخطوبة أو الزفاف ولا بأس من العمل في نطاقات البنوك أو الإندماج في الإختلاط.
وكذا الأمر بالنسبة للفتاة، فهي ناجحة في كليتها محتشمة في لباسها، لكن لا حجاب صحيح ولا بعد حقيقي عن الإختلاط، تحكمها تقاليد المجتمع أكثر من ضوابط الشريعة.
ببساطة، أصبح أمر الإلتزام الديني هنا له معنى آخر وهو الإحترام .
ولا نكاد نلمس المفاهيم الصحيحة للدين الا لمن له علاقة بفكر أو جماعة، وقطعا ليس هو المقياس الذي يقيس عليه المجتمع نجاح أفراده،
أما الشق الثاني، وهو حمل هم الدين وهموم الأمة والعيش لهما،فإذا دخلنا إلى عالم الأكثر تدينا، فإن مقياس النجاح لا يختلف كثيرا عما ذكرته سالفا، فالمهم هو النجاح العملي مع الإلتزام الديني والبعد عن الحرام.
ولهذا حين يريد اﻵباء ان يفتخروا بأبنائهم فإنهم عادة لا يذكرون الأخلاق أو الدين وإنما يذكرون فقط ما حققوه على الجانب العملي،
على الرغم أن هذا مقياس ظالم جدا حتى من ناحية التفوق العملي أو العلمي،
لأنه في بلادنا العربية يكون النجاح مقتصرا على ما يسمونها كليات القمة كالطب والصيدلة والهندسة ، أو الوظائف المرموقة في المجتمع، أو حتى درجة الغنى وتحصيل المال.
وحتى لا يفهم كلامي على نحو خاطئ، فما أقصد بهذا اتهاما لهذه النماذج، وانما مقياسي هنا البيت المسلم كما تحدثت عنه الأخت الكريمة جمانة.
وعلى الرغم أننا لا نحتاج الا لفئة صغيرة من الذين يحققون شقي الطاعة والعمل للدين، الا أن ندرة هذه الفئة يؤثر وبشدة على المجتمع ككل .
فبرأيي أننا لا ننتظر من المجتمع كله أن يكون على مقياس البيت المسلم كما عرفناه في البداية، وانما لابد من قلة على هذا النهج تقود وتوجه وتؤثر،
وتكون هي في ذاتها قدوة عملية وفعلية بمقاييس الإسلام الصحيحة.
لكن ما يحدث هنا أنه السواد الأعظم يريد تحقيق النجاح بالمفهومين ، مفهوم المجتمع الدارج ومفهوم البيت المسلم،
ويكون الحماس في البداية شديدا، ثم لا يلبث ان ينطفئ رويدا رويدا لتصادم المفهومين في كثير من الأمور،
ومن هنا جاءت معضلة الزوجة التي تريد تحقيق نجاح مجتمعي فتخرج للعمل وتجتهد وتبذل فيه، لتكون الضريبة في الغالب الأبناء والزوج أو حتى العائلة.
وفي أفضل الأحوال تنخفض الطموحات الى الرغبة في تحقيق الشق الاول فقط، إما لسوء تقدير للجهد ومدي عظم الهدف وما يحتاجه من عمل، وإما لتدخل الرغبة في الوضع المجتمعي ومجاراته..
بل كثيرا ما يغفل الدعاة عن أقاربهم فضلا عن أنهم قد يغفلون عن أهل بيتهم أصلا،
على الرغم ان المتدبر لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم يجد أنه بدأ بأهل بيته ثم بأقاربه ثم بعشيرته ثم بالناس أجمعين .
ولابد هنا من التمييز بين واجب الدعوة وما ندعوا اليه الزوجة من تركيز لبيتها وأسرتها،
فالدعوة لا تنقطع على أي حال أو في أي تصرف أو شغل،
ولابد أن تكون لها رسالة توعية من حولها من النساء وتصحيح مفاهيمهن ودعوتهن إلى الله وإلى اصلاح بيوتهن،
فإذا أضفنا هذه المهمة، سنجد أن الزوجة لن تستطيع بحال أن تجمع بين ثلاث مهمات كبيرة،
التربية والدعوة والعمل،
ولا أعتقد أن أحدا سيقول هنا أنه من الأفضل الا تنجب الا ابنا او اثنين حتى تتفرغ لعملها أو حتى لدعوتها، فهكذا نكون خالفنا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم !
الأمر ليس بسهل على الإطلاق لأننا لا نعيش وحدنا في مجتمعاتنا بل وحتى في عائلاتنا ونظرات الجميع لها أثر علينا وعلى أبنائنا، ومجابهة كل هذا ليس بالأمر الهين.
لذا أولى خطوات السعي للبيت المسلم الناجح، هو ان نغير مفاهيمنا للنجاح ونستعد حقا لحرب مع أنفسنا ورغبتنا في التميز في المجتمع،
ثم نصدح بمفاهيمنا الإسلامية الخالصة، ونعمل جاهدين على أن نكون القدوة التي ندعوا الناس لها، لا أن يخالف حالنا ما ندعوهم اليه.
وفقنا الله واياكم الى ما يحب ويرضى.