"أوه! .."
حدّقت الأم في ساعة الحائط قبالتها .. كان العقربان متعانقين عند السادسة .. إذن فنصف ساعة كاملة قد تصرّمت !
كانت عيناها العجوزان المنطفئتان تروحان وتجيئان .. وهي تقلب بين أصابعها الناحلة المغضنة خصلة من شعرها الأشيب ..
"يارب .. جئ بالعواقب سليمة .."
كانت شفتاها تختلجان .. فصغيرها الكبير -إن صح التعبير- قد غيّبه الطريق نصف ساعة كاملة!
كان أصغر أولادها .. الفتى اليافع .. قد استأذنها -بعد أن احتسيا الشاي ووالده- أن يشترى قطعاً من الحلوى من البقال أسفل المعمار ..
"قال أنه سيغيب دقيقة واحدة .. لا أكثر .. ولا أقل! .."
قبضت بيمناها على معصم يسراها .. وضمتهما إلى صدرها في استسلام ..
"إذن ماذا دهاه؟!" ..
كانت انتخابات البرلمان يومها على أشدها .. والصراع محتد بين السلطات الوطنية والقوى الدينية ..
"أيكون هناك خلف سور الزنزانة ؟! .. "
راعها خيال العسكر يجذبون ابنها في عنف .. مستقبل ابنها ضاع .. فاختباراته ستمر دون أن يحضرها ..
"أوه!" ..
(ترن .. ترن)
دق جرس الباب ..
جرت الأم في لهفة .. تختلف خطواتها فوق بلاطات الأرضية الملساء ..
"ابني .. حبيبي .."
احتضنته في امتلاك! ..
"حمداً لله على سلامتك يا ملاكي .."
تأملت فوديه وعثنونه .. وجنتيه البارزتين وحنجرته .. إنه كبير!
ضحكت في كمها .. "ما أحمق ما فعلتٌ!" .. هكذا قالت لعقلها ..
"أين كنتَ؟!" ..
"قابلت صديقي س .. ورحنا نرجّع اللحن الماضي وعهده .. أيام المدرسة والطفولة .. المشاغبات و ..."
لم تكن الأم تعي ما يقول .. فقط .. ترقرقت في عينها الدموع .. واحتضنته .. ثم أرسلته ..