يعنى هذا البحث بإيضاح كون الإلحاد أمرًا نفسانيًّا خالصًا....... وليس استنتاجًا عقلانيًّا.......
يبدو عنوان هذا البحث غريبًا.... فعلم النفس كان يناقش الأديان...... ولم يتعرض يومًا لدراسة نفسيّة الملحد..... لأن كثيرين من علماء النفس كانوا ملحدين....... وهذه فرصة ليروا أنفسهم في المرآة......... على حد قول المؤلف.........
أشهر من تعرّض لعلم نفس الأديان كانا وليم جيمز وسيغموند فرويد........ كان وليم جيمز في صف الأديان.... وإن كتب بحوثه من أرضية شكوكية......
أما فرويد فكان ملحدًا...... وكان يسمّي الدين (إشباعًا لرغبة في الشعور بالأمن ضد قوى الطبيعة......) وأحيانا أخرى (إشباعًا لرغبة قديمة قدم التاريخ في أب رحيم.......) (فالدين مفرَز حضاري ذو بعد نفسي.......)
يردّ فيتز على فرويد فكرته........ فديانات كثيرة لا تعتقد في أب رحيم للناس...... كالديانات الوثنية المتوسطية واليهودية والبوذية والهندوسية........ ليس فيها فكرة الأب السماوي على الإطلاق........ فهي فكرة تكاد لا تعرف إلا في النصرانية.....
ثم إذا كان الدين مرفوضًا لأنه مفرز حضاري ذو بعد نفسي...... فإن الفيزياء والبيولوجيا والتحليل النفسي نفسه كلها مفرزات حضارية ذات أبعاد نفسية جاءت لتشبع حاجات الناس للمعرفة وحل مشكلاتهم..... فهل هذا مما يسقطها؟
ثم يضرب فيتز بسيف فرويد........
يخبرنا فرويد عن عقدة أوديب التي تتشكّل لدى الصغار بين الثالثة والسادسة... عندما يتسلط على الصغير ميل جنسي نحو أمه..... ثم يجد الأب غريمًا يعترضه.... فيكرهه ويضمر قتله...... ثم يكبت شعوره ورغبته ويتقمّص شخصية الأب....... وهنا يتشكّل الضمير في الإنسان.........
يتكرّر الأمر نفسه عندما ينكر الإنسان وجود الأب السماوي الذي يرى فرويد فيها أبا أرضيا من النوع الرفيع.... ففرويد لا يؤمن بالله...... ثم يقيم الإنسان نفسه محل ذلك الرب المعدوم..... ليفتح الطريق أمام شهواته (بإلغاء الضمير).... ومثّل فيتز على ذلك بشخصية جيمز بوند العدمية والإباحية الجنسية والنرجسية الممعنة في عبادة الذات......
ثم يقدّم فيتز فرضية (الأب الناقص).......
والأب الناقص على ثلاثة أشكال......
1- الأب الضعيف الجبان غير الجدير بالاحترام.
2- الأب القاسي الذي يعتدي على أولاده جسديا ونفسيا وجنسيا.
3- ثم الأب الميّت.
يقدّم فيتز عدة أمثلة من مشاهير الملحدين........
فهذا فرويد وأبوه يعقوب..... كان يعقوب خوّارًا مهينًا...... ويحكي فرويد قصة عن أبيه كيف تقبّل الأخير إهانة رجل قال له "يا يهودي يا قذر" وطرح قبّعته أرضًا........ ثم كيف ارتبط هذا الضعف بشخصية يعقوب المتدين الذي يقرأ لابنه التوراة والتلمود....... والمنحرف جنسيا كما يروي فرويد أيضا......
عرف عن فرويد نبذه للدين...... كما عرف عنه شجاعته والمفاخرة بهذه الشجاعة كردة فعل على جبن أبيه وتخاذله........
وهذا فولتير الذي تملّص من ربّه وأبيه ومَلِكه وطبقته...... وتمنّى الانتماء إلى طبقة أعلى وكتب عن هذا في روايته (كانديد)....... ولا ننس أن فولتير كتب في شبابه مسرحية عن (أوديب) الذي قتل أباه في النهاية........
فولتير وهذا ليس اسمه........ ففولتير تملّص من بنوّته لأبيه كما فعل فرويد مرارًا....... حتى أنّه غيّر اسمه في النهاية.......
ثم كارل ماركس....... الذي تحوّل والده عن اليهودية إلى النصرانية ليعيش الحياة بصورة أسهل......... بالرغم من كون ماركس من سلالة من الأحبار من أبيه وأمّه........ وقد أثّر تحوّل الأب عن اليهودية في ابنه كثيرا..........
ومن المشاهير الذين فقدوا آباءهم في الطفولة سارتر وراسل ونيتشه......... وهم من كبار منظري الإلحاد.........
يجحد الطفل المحبط في وجود أبيه وجودَ ربّه.......
ويجحده اليتيم لسببين أولهما الإحباط فالأب مات لأنه ضعيف أو لأنه تخلّى عن الأولاد وهجرهم........ ثم لعجز الطفل عن فهم تخلّي الرب عن أبيه وكيف سمح بموته..... باختصار مشكلة خلق الشر...... (وهي مشكلة لا تنفي وجود الخالق في النهاية -كما يقول أنتوني فلو- وإنما تعقد تقبّل وجوده.........)
نسيت أن أقول أن فيتز عرض ثلاثة أسباب دفعته إلى الإلحاد في شبابه.......
أولها سبب مجتمعي..... لهجرته إلى مجتمع علماني غير روحاني لا يفهم إلا لغة المادة.......
ثم سبب احترافي...... حتى يتقبله أساتذته النفسانيون...... خاصة المشرف على رسالته.......
وأخيرا سبب شخصي....... فالدين سيحرمه من المتعة الجنسية.... وسيكلفه مالًا لأجل الإحسان ووقتًا للعبادة........
وعرض فيتز كلامًا لعالم آخر من بلاده..... وهو أميركي........ يوضح فيه أن الإلحاد هو محض وسيلة ليستطيع الإنسان أن يعيش هناك بشكل أسهل....... تماما كما فعل أبو ماركس اليهودي عندما تحول إلى النصرانية سعيا وراء الاندماج.
أرجو أن أكون وفقت في التلخيص........
والله من وراء القصد.
