تفسير القرطبي - جامع أحكام القرآن
قوله تعالى : ودّوا لو تدهن فيدهنون قال ابن عباس وعطية والضحاك والسدي : ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم .
وعن ابن عباس أيضا : ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك .
وقال الفراء والكلبي : لو تلين فيلينون لك .
والادهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين ; قاله الفراء .
وقال مجاهد : المعنى ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك .
وقال الربيع بن أنس : ودوا لو تكذب فيكذبون .
وقال قتادة : ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك .
الحسن : ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم . وعنه أيضا : ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم .
زيد بن أسلم : لو تنافق وترائي فينافقون ويراءون .
وقيل : ودوا لو تضعف فيضعفون ; قاله أبو جعفر .
وقيل : ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم ; قاله القتبي . وعنه : طلبوا منه أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة .
فهذه اثنا عشر قولا .
ابن العربي : ذكر المفسرون فيها نحو عشرة أقوال كلها دعاوى على اللغة والمعنى . أمثلها قولهم : ودوا لو تكذب فيكذبون ، ودوا لو تكفر فيكفرون .
قلت : كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى ; فإن الادهان : اللين والمصانعة .
وقيل : مجاملة العدو ممايلته .
وقيل : المقاربة في الكلام والتليين في القول .
قال الشاعر :
[ ص: 214 ]
لبعض الغشم أحزم في أمور تنوبك من مداهنة العده
وقال المفضل : النفاق وترك المناصحة . فهي على هذا الوجه مذمومة ، وعلى الوجه الأول غير مذمومة ، وكل شيء منها لم يكن .
قال المبرد : يقال ادهن في دينه وداهن في أمره ; أي خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر . وقال قوم : داهنت بمعنى واريت ، وادهنت بمعنى غششت ; قاله الجوهري .
وقال : فيدهنون فساقه على العطف ، ولو جاء به جواب النهي لقال فيدهنوا . وإنما أراد : إن تمنوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك ; عطفا لا جزاء عليه ولا مكافأة ، وإنما هو تمثيل وتنظير .