أيها الإخوة السلام عليكم ورحمة الله
هذه عصارة قراءاتي لتراث الأستاذ عبد الوهّاب المسيري..... أضعها بين أياديكم...... متبنّيًّا فيها نموذجًا عقلانيًّا توليديًّا هو أقرب إلى الموضوعية الاجتهادية منه إلى الموضوعية المتلقية..... فالعقل ليسا كاميرا فوتوغرافية في النهاية.......
تحوّل أبي بعد إحالته إلى المعاش إلى ناشط في حركة التمركز حول العَفْش (الأثاث)....... فهو جدّ كلف بتحريك قطع العفش من مكانها ثم إعادتها إلى مكانها من جديد....... فالبار من الصالة وإلى الصالة يعود...... والبوفيه من الحائط الغربي إلى الحائط الشرقي....... إلخ....... حتى يبدو العفش أكثر جمالًا وارتياحًا وانسجامًا مع الخلفيات........ وإلى الجحيم أيتها الظهور والسواعد المنسحقة لأجل عيون (سيّدنا العفش)..........
حركة التمركز حول العفش هي حركة ثورية تسعى إلى اختزال الإنسان/الإنسان إلى الإنسان/العفش..... فبعد أن كان الإنسان مركزًا للكون طيلة قرون وعبر ثقافات ذات خلفية دينية فيما يسمّى مركزية إنسانية...... تنازع الإنسانُ والعفشُ مركزَ الكون ليشكلّا ثنائية صلبة... وأخيرًا مركزية صلبة يشغل فيها العفشُ المركزَ........ فالعفش في حركات التمركز حول العفش هو النموذج الواحدي العفشوي الذي يتمثّله الإنسان ويكتفي به........ فلم يعد العفش والإنسان اثنينية أو تكافؤًا بل صارا ثنائية صراعية داروينية نتشوية......... فالعفش الذي تمثّل فيه روسو جذوع الشجر وهمس الريح أصبح وقودًا للحرب الداروينية وسيفًا للأصلح والأقوى على التكيّف........
غير أن جدلية العفش تجعل الأخير يحمل بذور نهايته في رحمه...... فكلا الشريكين -الإنسان والعفش- إلى اللامركزية السائلة..... حيث تتعدّد المراكز ويصبح النسبيّ مطلقًا.... فيما يسمّى بما بعد العفش....... حيث يجري تشييء العفش وحوسلته وتسليعه وتنميطه....... فالعفش لم يعد سيّدًا كما كان مقصودًا من الحركة....... بل إن العفش أصبح ضحية النمطية والتشيؤ حيث يجري تبسيط العفش/المركّب إلى العفش/العفش........ وأصبح الإنسان والعفش شريكين في جدليّة لا مركزية لا يعرف مداها إلا الله عزّ وجلّ........ "والله يسامحك يا بابا كسرت لي ظهري..........."