المحرر موضوع: مدخل لفهم العملية التربوية  (زيارة 5781 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ناصح أمين

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 267
مدخل لفهم العملية التربوية
« في: 2010-01-02, 12:11:04 »


مدخل لفهم العملية التربوية

كتبه/ عبد المنعم الشحات


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد

فإن قضية التربية تشغل قطاعاتٍ كبيرةً من الأحبة من آباء وأمهات ومعلمين ، فضلاً عن الدعاة إلى الله تعالى ، ومع كثرة المؤلَّفات التي تناولت هذه القضية في الحقبة الأخيرة إلا أن مفهوم العملية التربوية ما زال في حاجة إلى استجلاء ، ومن هنا كانت هذه المحاولة المتواضعة لاستجلاء ذلك المعنى الجليل

وإذا رجعنا إلى معنى كلمة التربية في اللغة نجد أنها تدورُ حولَ معنى : التنشئة والإصلاح ، وهذا يعني : وجودَ حالةٍ مثاليةٍ يُرادُ أن يتم تنشئة المُرَبَّى عليها ، وإصلاح ما يطرأ من انحراف عليها (1)

وإذا استصحبنا هذا التعريف فيمكننا أن نقول : أن التربية هي المقصد الأسمى من بعثة الرسل عامة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاصة ، يقول الله تعالى : (((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ))) [الجمعة: 2] ، وقال تعالى حاكياً دعاءَ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: (((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم))) [البقرة: 129]

فذكر الله عز وجل :

(1) وجود المثال عن طريق إنزال الكتاب والحكمة

(2) تعليم هذا المثال للناس : (((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)))

(3) تنشئة النفوس على مقتضى ذلك المثال مع تطهيرها من الانحراف عن ذلك المثال : (((وَيُزَكِّيهِمْ)))

وأفضل أساليب التربية : أن تتكامل عناصر العملية التربوية في سياق واحد ، وذلك لكل جزئية من جزئيات المنهج المثالي ، فيتم بيانها ، وتوضيحها ، وتوضيح محاسنها ، وتحفيز النفس للإقبال عليها ، وتوضيح العقبات والعوائق ، مع بيان كيفية التغلب عليها .. ولذلك كانت هذه هي السمة الرئيسية للخطاب القرآني ، وللخطاب النبوي في معظم الأحيان

ومن ثم كانت أفضل طرق التربية في الإسلام هي : تدبر القرآن والسنة ، كما قال الله تعالى: (((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ))) [النساء: 82] ؛ فتدبُّرُ نصوصِ الكتاب والسنة يؤدي إلى التربية المتوازنة المتكاملة ، وهذا ما يشير إليه الأثر : ((فتعلمنا القرآن والإيمان جميعاً))

وعلى الرغم من ذلك فقد اضطرت الأمة إلى تجريد العلوم وترتيبها على موضوعاتها كالعقيدة والفقه والأخلاق(2)

وفي واقع الأمر : فإنه وإن أمكنَ استيعابُ معظم الأحكام العقدية والفقهية فإنه لا يمكن بحال من الأحوال استيعابُ المنهج التربوي بعيداً عن النص القرآني والنبوي ، وما فيهما من بلاغة وبيان ، ومزج بين مخاطبة العقل والقلب معاً

وحتى لو خضنا غمارَ هذه المحاولة فسوف نجد أنفسنا مضطرين إلى اعتبار جميع علوم الشرع جزءاً من علوم التربية ؛ لاعتماد التربية الإسلامية على محاور العقيدة والعبادة والسلوك ، بَيْدَ أنه يمكن اعتبار أن العناية بأثر كل فرع من هذه الفروع على القلب وكيفية تعويد النفس عليها فعلاً وتركاً هو ألصق موضوعات هذه العلوم بالتربية

ومن هنا اعتُبِر كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام "الغزالي" (رحمه الله) الأنموذج الأفضل في التربية من حيث منهج البحث فيه لا من حيث التفاصيل التي أكثر فيها من الشطط ، مما حدا بعلماء آخرين إلى أن يختصروه ؛ شعوراً منهم بأهمية موضوعه ، مع حرصهم على تنقيته من معظم التفاصيل غير السديدة

وعلى الرغم من أن الإحياء (أو بالأحرى مختصراته) تقدم إلى المربي منهجاً تربويَّاً واضح المعالم : إلا أن مَن يرجع إليه سيجد نفسه في علم التربية كالمقلد في علم الفقه ، فإذا احتاج إلى المزيد فسيلزمه أن يبحث عن آخَر ذي تناول أعمق ، ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام إنتاج صوفي سلفي في "مدارج السالكين" للإمام "ابن القيم" ، والذي شرح فيه كتاب "منازل السائرين" شرحاً مفصلاً مُستدلاً على الحق الذي في كلامه بأدلة من الكتاب والسنة ، ومعترضاً على ما فيه من باطل بأدلة عقلية ونقلية ، مما أحوجه إلى اختصار هو الآخر

وإذا كان "الإحياء" ومختصراته تُناظر في الفقه الكتب التي كُتبت للمقلد : فإن "مدارج السالكين" يمثِّل مرحلة أعمق في علم التربية

ومع ذلك يبقى جانب آخر من الجوانب ليكتمل بناء علم التربية : هو ضبط القواعد والأصول التي تُناظر علم أصول الفقه وعلم القواعد الفقهية في باب الدراسات الفقهية ، وهذه الأصول والقواعد تجدها متفرقة في كتابات السلف ، لاسيما كتابات الإمام "ابن القيم" رحمه الله

ومن المُلفت للنظر : أن كتب التربية التي كُتبت في أوساط الصحوة لم تُعْنَِ بهذا الجانب العناية التي تتناسب مع أهميته ، بينما اهتم به كثير من الأكاديميين الذين كتبوا في علم التربية الإسلامية مستقلاً أو مقارناً بالمدارس التربوية الأخرى

ويمكن إيجاز أهم قواعد علم التربية في القواعد الآتية :

(1) التربية عملية ضرورية للإنسان ، لا ينبغي أن تتوقف إلا مع توقف قلبه وانقطاع أنفاسه ؛ (((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))) [آل عمران: 102]، وهي تشمل التنشئة الإسلامية السليمة ، كما تشمل الإصلاح المستمر لكل ما يحدث من انحراف

(2) الأنموذج الذي تهدف التربية الإسلامية إلى إيجاده هو الشخص الذي يستحق دخول الجنة والنجاة من النار ، وقد بيَّن الله لنا أن هذا مرهون بسلامة القلب وتزكية النفس ، كما في دعاء إبراهيم عليه السلام : (((وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ))) [الشعراء: 87-89]، وكما في قوله تعالى : (((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))) [الشمس: 9-10] .. ومعالم هذه الشخصية المزكَّاة مُبَيَّنة على وجه التفصيل في الكتاب والسنة .. وكذلك نوعية العلاقات التي تنشأ بين هؤلاء الأفراد لتكوين المجتمع المثالي ، وكما بيَّن الوحي معالمَ المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه المسلم : بَيَّنَ معالم الإنسان وتكوينه وطريقة حمله على فعل شيء أو تركه ؛ لكي يمارسه المربون على مَن تحت ولايتهم ، بل يمارس الإنسان ذلك مع نفسه للوصول إلى المراد ، وهو ما يُصْطَلح على تسميته بـ"العملية التربوية" ، وهو من الأمور التي ينبغي ألا تغيب عن ذهن المربي بحال(3) .. وهذا الهدف يجب أن يُعْلَن للمُربَّى بكل جلاء ووضوح ، وبغض النظر عن المرحلة العمرية التي يعيشها ، وأن لكل مرحلة الأسلوب المناسب لها في التربية(4)

(3) من الجدير بالملاحظة أن السنن الكونية في مجال تربية الكائنات الحية بصفة عامة متشابهة في النبات والحيوان والجانب المادي من الإنسان ، من وجود تدافع بين أسباب الصحة وأسباب المرض ، ومن ثَمَّ تتلخَّص "العملية التربوية" في تنمية أسباب الصحة ، والوقاية من أسباب المرض قبل حدوثه ، وعلاجه بعد حدوثه .. وكذلك الحال بالنسبة للجانب المعنوي ، مع فارق جوهري ، وهو : أنها تدخل في نطاق التكليف ، بخلاف الجانب المادي الذي تخرج معظم عناصره عن التكليف ، فأسباب المرض خلقها الله في الكون والوقاية منها في جسم الإنسان (جهاز المناعة) معظمه لا إرادي ، وحتى الجزء المُمكِن في الجملة قد يعجز عنه الإنسان لسبب أو لآخر ، وأما الجانب المعنوي فتوجد أسباب الخير جنباً إلى جنب مع أسباب الشر ، ومحل التكليف في إقبال المكلف على أيٍّ منها(5) ، يقول الله تعالى : (((فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا))) [الشمس: 8] ، وقال تعالى : (((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ))) [البلد: 10] ، وكما في الحديث : (((أَلا وَإِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةٌ ، وَلِلْشَيْطَانِ لَمَّةٌ ، فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِيعَادٌ لِلْخَيْرِ ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ ، فَمَنْ وَجَدَ لَمَّةَ الْمَلَكِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ لَمَّةَ الشَّيْطَانِ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ ذَلِكَ))) [رواه الترمذي ، وصححه الألباني]

(4) اعتنى التربويون من مختلف المدارس التربوية بمسألة : هل الأصل في الإنسان الخير أم الشر ؟

وخلاصة المسألة في دين الله : أن الإنسان مكون من أجزاء ، أهمها فيما يتعلق بأمر التربية : القلب والنفس ، والقلب مفطور على معرفة الله وحبه واللجوء إليه ، وأما النفس فهي مخلوق كامل داخل بدن الإنسان يغلب عليه الميل إلى نيل حظِّه ورغباته ، وبعض هذه الرغبات من الخير ، وبعضها من المباح ، وبعضها من الشر .. وعلى الرغم من كون القلب مفطوراً على حب الخير ، وأن النفس فيها دواعي الخير ودواعي الشر ؛ فإننا نجد غلبة الشر على كثير من الناس ، وذلك راجع إلى فعل الشياطين التي تحاول أن تعطِّل سلطان القلب ، وتؤزُّ النفوسَ إلى الشهواتِ المحرمة فيغلب عليها الشرُّ والعياذ بالله

ومن هنا تلخصت العملية التربوية في : تقوية سلطانِ القلبِ على النفس ، ومنع الشيطان من السيطرة عليها ، وقد عرض الإمامُ "ابنُ القيم" رحمه الله هذه القضية عرضاً شيقاً ماتعاً في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"

وسوف نعرض ملخصاً لهذين البابين ، ولكن نحتاج قبل ذلك إلى أن نعرِّج على سائر مكونات الإنسان سوى القلب والنفس ، وهي :

(1) البدن : وهو مُكون غير فاعل في التربية ؛ لكونه في الحقيقة وعاء يحوي القلبَ والنفسَ ، وإن كان له تعلق بالتربية من جهة كونه خاضعاً للقلب والنفس ، فمن كان مثاله في التربية الوصول إلى الله بإخلاص العبادة له والإحسان إلى خلقه : فسوف يترتب على هذا حاجته لإعداد بدنه للقيام بهذه المهمة .. ومن يرى إتْباع نفسه هواها : فيترتب على ذلك إطلاق العنان للبدن لتحصيل شهوات تلك النفس .. وأصحاب الرياضات التي يسمونها "روحية" يُضعف أحدهم بدنه تماماً لكي يشعر بروحه ، وربما حدث له ذلك ، ولكن تبقى روحاً قعيدة لا تقدم شيئاً ذا بال ، فضلاً عن بُعدها عن عبودية ربها التي لا تتم إلا بهذا البدن

(2) والعقل : وهو آلة الإدراك ، بَيْد أنه وفق المنهج الشرعي فإن القلب يمثل آلة الإدراك الأعلى من "المخ" ، فالحواس تغذِّي المخ ، والمخ يُدرك ما يُدركه من محسوسات ثم يغذِّي القلب الذي يفقه ذلك ويضيف إليه الشعور ، وقد تكرر في القرآن وصفُ القلب بأنه موضع التعقل والفقه ، والإيمان والكفر ، والحب والبغض .. فحاصل الأمر أن ما يسمى في الاصطلاح "عقلاً" هو في حقيقة الأمر "مخ" ، وهو بهذا المعنى كالبدن يتم توظيفه وفق التوجيه التربوي لصاحبه ، فمنهم من يستعمل عقله في الوصول إلى الطاعات وإدراك العلوم النافعة ، ومنهم من يوظفه لخدمة أهداف نفسه

(3) وأما الروح : فمن العلماء من قال : إنها مغايِرة للنفس ، ومنهم من قال : إنها ليست مغايرة .. وقد عرض "ابن القيم" رحمه الله لأدلة الفريقين في كتاب "الروح" دون أن يفصل بينهما ، بَيْد أن صنيعه في سائر مؤلفاته لاسيما في "إغاثة اللهفان" يدل على أنه يرى أنهما غيرُ متغايِرَيْنِ ؛ إذ يستخدم النفسَ والروحَ بدلاً من بعضهما البعض في سياقٍ واحدٍ .. بَيْدَ أنه في كتاب "الروح" لمَّا عرض لمذهب القائلين بأنهما غيرُ متغايرين قال حكاية عن مذهبهم: "فالفرق بين النفس والروح بالصفات لا فرق بالذات" ، مما يدل على وجود فرق بينهما حتى على مذهب هؤلاء .. ومن ثَمَّ : فسيطرح السؤال عن دور الروح في العملية التربوية ؟ وعندي أن الروح حتى لو كانت تمثل حالة من حالات النفس : فهي تلك الحالة التي تتناسى فيها النفس شهوات البدن ، وتتعلق فقط بالسعادة والشقاء المترتبين على مدى قربها أو بعدها عن خالقها ، ويترتب على ذلك : أن تدرك أن زيارة المقابر ، وشهود المجامع العظيمة كالحج والجمعة والعيدين ، وما يكون فيها من أخْذة وذهول عن قيود الجسد : هي وسائل تربوية في حد ذاتها، وكم من قلبٍ قاسٍ ونفسٍ أمارةٍ بالسوء شهدت هذه المشاهد : فَلانَ القلبُُ واطمأنت النفسُ دون وجود أي وسيلة أخرى من وسائل التربية كالوعظ والتذكير ، فكيف إذا انضمت لها ؟

نحصل من ذلك : أن المكونين الرئيسيَّينِ الفاعليَيْنِ في مجال التربية هما : القلب والنفس ، ومن خارجهما يتربص الشيطان ، كما بينه "ابن القيم" رحمه الله في "إغاثة اللهفان" .. وإليك ملخصاً للباب الحادي عشر والثاني عشر منه .. قال رحمه الله ما ملخصه :

باب : في علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه

هذا الباب كالأساسِ والأصلِ لما بعده من الأبواب ؛ فإن سائرَ أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس ، فالموادُ الفاسدة كلها إليها تنصب ، ثم تنبعث منها إلى الأعضاء ، وأول ما تنالُ القلبَ ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الحاجة: (((الْحَمْدُ لِلَّهِ ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا))) [رواه أحمد والنسائي ، وصححه الألباني]

وقد اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقِهم وتبايُنِ سلوكِهم على أن النفسَ قاطعةٌ بين القلب وبين الوصول إلى الرب ، وأنه لا يُدْخَلُ عليه سبحانه ولا يُوصَل إليه إلا بعد إماتتها ، وتركها بمخالفتها ، والظفر بها

فإن الناس على قسمين : قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعاً لها تحت أوامرها ، وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها ؛ فصارت طوعاً لهم منقادة لأوامرهم

قال بعض العارفين : انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم ، فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح ، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك ، قال تعالى : (((فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى))) [النازعات: 37-41] .. فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا ، والربُّ يدعو عبده إلى خوفه ونهي النفسِ عن الهوى ، والقلبُ بين الداعيَيْن : يميل إلى هذا الداعي مرة وإلى هذا مرة ، وهذا موضع المحنة والابتلاء ، وقد وصف سبحانه النفسَ في القرآن بثلاث صفات : المطمئنة ، والأمارة بالسوء ، واللوَّامة .. فاختلف الناس : هل النفس واحدة وهذه أوصاف لها ، أم للعبد ثلاث أنفس : نفس مطمئنة ونفس لوامة ونفس أمارة ؟

والتحقيق : أنه لا نزاع بين الفريقين ؛ فإنها واحدة باعتبار ذاتها ، وثلاث باعتبار صفاتها ، فإذا اعتُبرت بنفسها فهي واحدة ، وإن اعتُبرت مع كل صفة دون الأخرى فهي متعددة

فالنفس إذا سكنت إلى الله ، واطمأنت بذكره ، وأنابت إليه ، واشتاقت إلى لقائه ، وأنست بقربه ، فهي مطمئنة ، وهي التي يقال لها عند الوفاة : (((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّة))) [الفجر: 27-28] ، قال "ابن عباس" رضي الله عنهما : (((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ))) يقول : المُصَدِّقَةُ

وحقيقة الطمأنينة : السكون والاستقرار ، فهي التي قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره ولم تسكن إلى سواه ، فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره ، واطمأنت إلى أمره ونهيه وخبره ، واطمأنت إلى لقائه ووعده ، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته ، واطمأنت إلى الرضا به ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، واطمأنت إلى قضائه وقدره ، واطمأنت إلى كفايته وحسبه وضمانه ، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ، ومالك أمرها كله ، وأن مرجعها إليه ، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين

وإذا كانت بضد ذلك : فهي أمارة بالسوء ، تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات الغيِّ واتباع الباطل ، فهي مأوى كل سوء ، وإن أطاعها قادته إلى كل قبيح وكل مكروه ، وقد أخبر سبحانه أنها أمارة بالسوء ولم يقل آمرة ؛ لكثرة ذلك منها ، وأنه عادتها ودأبها إلا إذا رحمها الله ، وجعلها زاكيةً تأمر صاحبها بالخير ، فذلك من رحمة الله لا منها ، فإنها بذاتها أمارة بالسوء ؛ لأنها خُلِقت في الأصل جاهلةً ظالمةً إلا مَن رحمه الله ، والعدل والعلم طارئ عليها بإلهام ربها وفاطرها لها ذلك ، فإذا لم يلهمها رشدها بقيت على ظلمها وجهلها ، فلم تكن أمارة إلا بموجب الجهل والظلم ، فلولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكت منهم نفس واحدة

فإذا أراد الله سبحانه بها خيراً جعل فيها ما تزكو به ، وتصلح من الإرادات والتصورات ، وإذا لم يرد بها ذلك تركها على حالها التي خُلقت عليها من الجهل والظلم

وسبب الظلم : إما جهل وإما حاجة ، وهي في الأصل جاهلة ، والحاجة لازمة لها ، فلذلك كان أمرها بالسوء لازماً لها إن لم تدركها رحمة الله وفضله

وبهذا يُعلم : أن ضرورة العبد إلى ربه فوق كل ضرورة ، ولا تشبهها ضرورة تُقاس بها ؛ فإنه إن أمسك عنه رحمته وتوفيقه وهدايته طرفة عين خسر وهلك

وأما " اللوامة" فاختُلف في اشتقاق هذه اللفظة ، هل هي من "التلوُّم" وهو التلون والتردد ، أو هي من "اللوم" ؟ وعبارات السلف تدور على هذين المعنيين .. والأول أظهر ؛ فإن هذا المعنى لو أُريد لقيل : "المتلوِمة" ، كما يقال : "المتلونة والمترددة" ، ولكن هو من لوازم القول الأول ، فإنها لِتَلُّومِها وعدم ثباتها تفعل الشيء ثم تلوم عليه ، فالتلوُّم من لوازم اللوم

والنفس قد تكون تارة أمارة ، وتارة لوامة ، وتارة مطمئنة ، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا ، والحكم للغالب عليها من أحوالها ، فكونها مطمئنة وصف مدح لها ، وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها ، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم بحسب ما تلوم عليه

والمقصود : ذكر علاج مرض القلب باستيلاء النفس الأمارة عليه ، وله علاجان :

(1) محاسبتها .. (2) ومخالفتها

وهلاك القلب من إهمال محاسبتها ، ومن موافقتها واتباع هواها .. قال "قتادة" في قوله تعالى : (((وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً))) [الكهف : 28] : ((أضاع نفسه وغبن ، ومع ذلك تراه حافظاً لماله مضيعاً لدينه)) .. وقال "ميمون بن مهران" : ((إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطانٍ عاصٍ ومن شريكٍ شحيحٍ)) .. وذكر الإمام "أحمد" عن "وهب" قال : ((مكتوب في حكمة آل داود : حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يتخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل ؛ فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب)) ، وقد روي هذا مرفوعاً من كلام النبي صلى الله عليه وسلم رواه "أبو حاتم" و"ابن حبان" وغيرهما

باب : في علاج مرض القلب بالشيطان

هذا الباب من أهم أبواب الكتاب وأعظمها نفعاً ، والمتأخرون من أرباب السلوك لم يعتنوا به اعتناءهم بذكر النفس وعيوبها وآفاتها ، فإنهم توسَّعوا في ذلك ، وقصَّروا في هذا الباب

ومن تأمَّل القرآن والسنة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده ومحاربته أكثر من ذكر النفس ، فإن النفس المذمومة ذكرت في قوله : (((إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ))) [يوسف : 53] ، واللوامة في قوله : (((وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ))) [القيامة : 2] ، وذكرت النفس المذمومة في قوله : (((وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى))) [النازعات : 40]

وأما الشيطان : فذكر في عدة مواضع ، وأُفردت له سورة تامة ، فتحذير الرب تعالى لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس ، وهذا هو الذي لا ينبغي غيره ؛ فإن شر النفس وفسادها ينشأ من وسوسته ؛ فهي مركبه ، وموضع شرعه ، ومحل طاعته

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الاستعاذة من الأمرين في الحديث الذي رواه "الترمذي" وصححه عن "أبي هريرة" رضي الله عنه : أن "أبا بكر الصديق" رضي الله عنه قال : ((يا رسول الله : علمني شيئاً أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت)) ، قال : ((قُلْ : اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي ، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ)) ، قَالَ : ((قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ ، وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَك)) [رواه أحمد والترمذي ، وصححه الألباني]

فقد تضمن هذا الحديث الشريف الاستعاذة من الشر وأسبابه وغايته ؛ فإن الشر كله إما أن يصدر من النفس أو من الشيطان ، وغايتُه : إما أن تعود على العامل ، أو على أخيه المسلم ، فتضمن الحديث مصدري الشر اللذين يصدر عنهما ، وغايتيه اللتين يصل إليهما

ولما كان الغضبُ مَرْكَبَ الشيطان فتتعاون النفس الغضبية والشيطان على النفس المطمئنة التي تأمر بدفع الإساءة بالإحسان : أمر أن يعاونها بالاستعاذة منه ، فتُمِدُّ "الاستعاذةُ" النفسَ المطمئنة ، فتقوى على مقاومة جيش النفس الغضبية ، ويأتي مدد الصَبْر الذي يكون النصر معه ، وجاء مددُ الإيمان والتوكل ، فأبطل سلطان الشيطان : (((إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ))) [النحل : 99] ، قال "مجاهد" و"عكرمة" والمفسرون : ((ليس له حجة)) ، والصواب أن يقال : ليس له طريق يتسلط به عليهم : لا من جهة الحُجَّة ، ولا من جهة القدرة .. وأما سلطانه فهو على أوليائه : (((إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ))) [النحل : 100] ، فهو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال وتمكنه منهم بحيث يؤزهم إلى الكفر والشرك ويزعجهم إليه ولا يدعهم يتركونه ، كما قال تعالى : (((أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا))) [مريم : 83] ، فهذا من السلطان الذي له على أوليائه وأهل الشرك ، ولكن ليس له على ذلك سلطان حجة وبرهان ، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم لمَّا وافقت أهواءهم وأغراضهم ، فهم الذين أعانوا على أنفسهم ، ومكَّنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته ، فلما أعطوا بأيديهم واستأسروا له : سلط عليهم عقوبة لهم

فالتوحيد والتوكل والإخلاص يمنع سلطانه ، والشرك وفروعه يوجب سلطانه ، والجميع بقضاءِ مَنْ أزِمَّةُ الأمورِ بيده ، ومردُّها إليه ، وله الحجةُ البالغةُ ، فلو شاء لجعل الناس أمة واحدة ، ولكن أَبَتْ حكمتُهُ وحَمْدُه وملكُهُ إلا ذلك : (((فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))) [الجاثية : 36-37]

وبعد هذا العرض الموجز لمفهوم العملية التربوية : نعرض في عجالة لسائر مباحث علم التربية :

(1) فمن أكثرها أهمية وارتباطاً بمفهوم العملية التربوية مبحث "أساليب التربية" ، وغنيٌّ عن الذكر أن هذا المبحث يشملُ أنواعاً من الأساليب التي يتم بها تعليمُ القيم الإسلامية ، وغرسُها في القلب ، ومعالجةُ النفس في العمل بها ولو على خلاف هواها ، وهي متنوعة منها : الإقناع العقلي ، والموعظة الحسنة ، والترغيب والترهيب ، والقدوة ، والقصص ، والأمثال ، وغيرها

ومن أكثرها حاجة إلى البحث والتأصيل : أسلوب العقاب ، والذي يشملُ : الحدودَ ، والتعزيراتِ ، وتأديبَ الزوجةِ والولدِ

وبالجملة يمكن القول : إِنَّ العقابَ أحدُ الأساليب الخارجية التي يمارسها الوليُّ على مَن تحتَ ولايته ممن استولت شهوات نفسه عليه ، ولم يستطع أن يزجرها بأنواع الزجر من الانتفاع بالموعظة ، والتذكير بأمر العقوبة الأخروية للذنوب والعقوبات الدنيوية القدرية التي جاء في الشرع أن الله يعاقب أهل المعصية ، وهو أسلوب نافع متى ضُبط بضوابطه

(2) ومنها : مبحث على من تقع مسئولية التربية ؟ ومنها مسئولية الأب والأم ، والمجتمع متمثلاً في : المسجد ، والمدرسة ، والكُتَّاب .. ويقرب منه ويتداخل معه مبحث "وسائط التربية" ، وهي تشمل : الأسرة ، والمسجد ، والكُتَّاب ، والمكتبات ، ودُور الكُتُب

(3) ومنها : مبحث مصادر التربية الإسلامية ، وهي لا تختلف عن مصادر سائر علوم الشرع من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ونحوها ، بَيْدَ أن الكثيرين يفضلون في باب التربية ذكر الكتاب والسنة والاجتهاد ؛ لعدم الحاجة إلى التفصيل الكبير في سائر المصادر هنا ، ومنهم من يعبِّر عنه بتجارب السلف ، حيث أن الاجتهاد في هذا الباب غالباً ما يكون تجربة لبعض العلماء أو المدارس الفقهية أو السلوكية

(4) ومنها : مبحث خصائص التربية الإسلامية ، وهي أيضاً خصائص التشريع الإسلامي بصفة عامة من : الشمول ، والعموم ، والتوازن ، والواقعية ، ونحوها .. بَيْدَ أنه من المهم التنبيه هنا على أن واقعية التشريع ذاته يجب أن يُضم إليها واقعية المربِّي ذاته في عدم الشطط في أحلامه فوق قدرات المربَّى ، وهو خطأ تربوي يقع من كثير من المربين ، وفي السنة : أَذِنَ النبيُ صلى الله عليه وسلم لـ"عتبان" رضي الله عنه بالأخذ برخصة الصلاة في البيت لعماه [رواه البخاري ومسلم] وتشديده على "ابن أم مكتوم" في عدم الأخذ بهذه الرخصة [رواه أبو داود والنسائي ، وصححه الألباني] ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال عن الفرائض : ((لا أزيد عليها ولا أنقص)) ، فقال : ((أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ)) [رواه البخاري ومسلم] مع قوله عن "ابن عمر" رضي الله عنهما : ((نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ)) [رواه البخاري ومسلم]

(5) ومنها مباحث عن الخصائص المميِّزة لكل مرحلة من المراحل العمرية في التربية ، كتربية الأطفال والمراهقين والبالغين

(6) هذا وتجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الباحثين في التربية يميلون إلى ذكر التفاصيل التشريعية التي يُطلَب أن يُربَّى عليها المُرَبَّى ، وطرق مواجهة المشكلات التفصيلية ، لاسيما فيما يتعلق بأمر تربية الأطفال ، بحيث تغني بحوثهم عن إعادة التنقيب عن هذه التشريعات في كتب الفقه والآداب

وأختم هذا البحث بما بدأت به من أن : أمثل مناهج التربية هي ما كان منها معتمداً وبصورة مباشرة على الكتاب والسنة

فالنصيحة للمربين والمدرسين والخطباء أن يدرسوا معالم المنهج التربوي من هذه الدراسات وغيرها ، ثم يعيدوا صياغتها على جمهور المربين عن طريق تفسير الآيات وشرح الأحاديث ، لاسيما أحاديث الآداب ، ويُرشَّح لذلك كتاب "رياض الصالحين" أو كتاب "صحيح الترغيب والترهيب"

فاللهم آتِ نفوسنا تقوها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) ومن الجدير بالذكر : أن مفهوم العملية التربوية يكاد يكون متفَقاً عليه بين الأمم ، بَيْدَ أنهم يختلفون اختلافاً كبيراً في تحديد تلك الصورة المثالية ، ومن ثمَّ يبحثون في الوسائل التي تساعد على التنشئة عليها ، ويسعون إلى إصلاح مَن شذَّ عنها ، حتى المدارس التربوية الغربية التي تغالي في حرية الفرد ، فهذه الأفكار تمثل عندهم مثالاً لابد من تنشئة الناس عليه ، ومن لم يؤمن به يحتاج عندهم إلى إصلاح وعلاج ، بل ربما استئصال

(2) ظن البعض أن الأخلاق بمفردها تمثل المنهج الإسلامي في التربية ، مما أوجدَ لدى بعض المعاصرين لبساً في تكامل المنهج التربوي في الإسلام ، وربما سبَّبَ هذا الوهمُ تأثراً بالمفهوم الدارج لدى عامة الناس ، والذين يكادون يحصرون التربية في باب الأخلاق والآداب

(3) ومن هنا تعلم : أن كثيراً من الكتب التي تحمل عناوين عن التربية يغلب عليها السرد لتفاصيل التشريع الإسلامي في جوانب الأسرة والمجتمع ، وهي أمور في غاية الأهمية بلا شك ، ولكنها مستوفاة بحمد الله في الدراسات الفقهية ، فيحتاج الأمر إلى إجمالها في الدراسات التربوية ؛ لإفساح المجال أمام استجلاء معالم العملية التربوية ذاتها ، أي : عملية حمل المكلفين على التطبيق الأوفى لهذا المنهج

(4) ومما ينبغي أن يُنتبه إليه : أنه متى تقررت الأصول العامة للتربية ؛ سهل تنزيلها على وقائع مختلفة لمراعاة المراحل العمرية ، والمستويات الاجتماعية وغيرها .. ومن هنا نعلم : أن تربية الأطفال على أهميتها ليست ميدان التربية الوحيد ، ولكنه أحد الميادين التي تطبق فيها هذه القواعد ، مراعين فيها درجة إدراك الطفل ومستوى استيعابه ، ممَّا يستوجب انصراف همم المربين إلى معرفة القواعد العامة أولاً ، ثم معرفة ما يتعلق بالمرحلة التي يتعاملون معها : طفولة أو مراهقة بل وشيخوخة

(5) مع وجود ميل فطري إلى الخير ، كما سيأتي بيانه






بالله عليكم : سامحوني

(((واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)))

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه


غير متصل elnawawi

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 5374
  • الجنس: ذكر
  • يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
رد: مدخل لفهم العملية التربوية
« رد #1 في: 2010-01-03, 22:41:30 »
هذا الموضوع يحتاج تأمل وقراءة متأنية

غير متصل ناصح أمين

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 267
رد: مدخل لفهم العملية التربوية
« رد #2 في: 2010-04-26, 10:53:52 »
للأسف الشديد أخي الحبيب : موضوعات كثيرة تحتاج التأمل والقراءة المتأنية ، لكن لا يجد المرء الوقت المناسب لذلك ، وإن وجد الوقت : قد لا يجد قلباً حاضراً يعي الموضوع

نسأل الله العافية


بالله عليكم : سامحوني

(((واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)))

أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه