بسم الله الرحمن الرحيم
توقفت منذ أيام لأجد ذاكرتي قد بلغت من العمر ربع قرن من الزمان، وتعجبت من هرولة الأيام وسرعة الأحداث.
الا أنه تبقى دوما مواقف بعينها تحفر في الذاكرة لتشكل خبرات لا تنسى ومعالم على طريق الإنسان.
أبدأ بسرد بعضها عسى أن يجد فيها أحد ضالة نافعة أو عظة تمنعه من عثرة موجعة أو جرح أليم.
أول هذا الحصاد درس في حال مجتمعنا المسلم، وظاهرة طالما تعبت في تفسيرها،
لم يتردى حالنا في ظل كثرة الدعاة و وفرة الناصحين وانتشار الخطاب الديني على مستويات عدة تكاد لا تنقطع في حياتنا اليومية؟
وما خلصت إليه أنه، وإن كنت أحسبهم جميعا على خير، الا أن المشكلة باتت في كثرة الكلام وقلة الفعل.
كثرة الكلام عن مفاهيم إسلامية ضخمة وعظيمة، وقلة الفعل في ايجاد قدوة عملية أو نموذجا مصغرا يحتذى به،
كثرة الكلام التى أورثت مفارقات ضخمة في السلوك والفعل، حتى صرنا مهددين بما هو أشبه بعلمانية جديدة، ترفع الإسلام شعارا ثم لا صوت له في واقع الناس وحياتهم.
بل إن الدعوة الآن تكاد تحصر في الخطب القوية والمقالات الفكرية، وهما على الرغم من أهميتهما الا أنهما لم يكونا يوما الطريق الوحيد للدعوة،
فلم نسمع أبدا أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب الناس ثم امتنع عن مشاركتهم الفعل والتنفيذ،
كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس جودا وأكثرهم جهدا وبذلا، فهو يحمل الطين بيديه الشريفة لبناء المسجد وهو يحفر معهم في الخندق ويعاني الجوع أكثر مما يعانون،
وكذا تعلم منه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، تعلموا أن هذا الدين هو رسالتهم في الحياة يبذلون في سبيلة كل أنواع البذل، من علم ومال ودماء.
وما يمكن أن نصل الى ما وصلوا اليه الا بتحقيق صفاتهم واتباع نهجهم،
فأين من يشبه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي في زماننا ؟
فإن كان المقياس صعبا،
فأين من يشبه العز بن عبد السلام و عبد الله بن ياسين ؟
أم ترانا نخدع أنفسنا ونسكنها بما نجود به على هذا الدين من مقال هنا أو خطبة هناك، ثم نلتفت الى دنيانا مرتاحي البال وكأنما عملنا ما علينا.
وكم من المحزن أن نجد الكثير من حاملي الرايات وقد ساء خلقهم وانغمسوا في عالم الدنيا لا فرق بينهم وبين أي فرد آخر يعيش في المجتمع لملذاته وفقط، حتى وان كانت حلالا.
خلصت من هذا كله، أنه لا خلاص مما نحن فيه الا برجال يعيشون لله حقا، نرى الإسلام فيهم نموذجا مصغرا بشموليته وأدبه الرفيع.
نسأل الله أن يمن علينا ويصلح لنا أحوالنا وسائر أمورنا وان يجنبنا الفتن ما ظهر منا وما بطن.