حسنا .. هناك عدة "أفخاخ" وضعها الخبر الذي نشرته "الشروق" لقرائها الذين هم الشعب المصري .. وربما تعمدت أن آتي بالخبر من الشروق بالذات لأن البعض يضعها في مرتبة اعلى وأفضل من إعلام "ساويرس" المصري اليوم وغيرها .. وربما لأن الصحيفة تبدو بريئة للوهلة الأولى ..
الخبر معنون بعنوان مثير للغاية .. عنوان يكذب كل تقارير الطب الشرعي على لسان كبير الأطباء الشرعيين .. مما يجعل الذهن تلقائيا يستنتج أن الطب الشرعي زور التقرير وهذا لم يكن ليتم بدون ضغوط من جهة أعلى وهي بالقطع المجلس العسكري الذي يريد ان يبرئ نفسه من دم الشيخ الشهيد .. هذا هو رد الفعل الأولي من العنوان .. مبدأيا وصلنا إلى أن المجلس العسكري قاتل وكاذب وحقير ..
ولكن هل اتعبنا نفسنا قليلا بتحليل عنوان العنوان ؟
الخبر يقول كبير الأطباء الشرعيين .. فهل هو فعلا كبير الأطباء الشرعيين الذي يمكن الوثوق به ؟ أم أنه في الحقيقة كبير الفلول في الطب الشرعي ؟ هل هو حقا البطل المغوار الذي كشف زيف التقرير أم أنه قائد عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني في الطب الشرعي ؟ الحقيقة لا يمكن معرفتها إلا من الأطباء الشرعيين أنفسهم .. وبسؤالهم اتضح أنه لو نجحت مساعي هذا الرجل لكانت الجثث الآن يتم تشريحها في إسرائيل رسميا .. هذا ليس كلاما عاطفيا أو محاولة لتبرئة المجلس العسكري أو لتشويه جريدة الشروق أو لتلميع الإسلاميين .. هذه حقيقة بسيطة جدا تم تجاهلها عمدا ..
ثم نستكمل عنوان الخبر ..
الشيخ قُتل من بعيد .. ما هو هذا "البعيد" ؟ البعيد المنافي للقريب في أذهان الجميع بلا استثناء هو عشرات أو مئات الأمتار .. باختصار البعيد هو قناصة من فوق الأسطح (وهذا مستحيل يقينا بسبب اتجاه دخول وخروج الرصاصة) أو رجال الجيش على الجانب الآخر .. ولكن بعد مزيد من البحث يتضح أن هذا "البعيد" المقصود هو نصف متر !!! طبعا لم تذكر الجريدة ذلك أو توضحه لا في العنوان ولا في التفاصيل .. وأعتقد أن لكل عاقل ذي عينين أن يرى الفارق الشاسع الذي خلقه التلاعب بلفظة صغيرة جدا أو إخفاء بضع كلمات ..
نستكمل داخل المقال ..
الصحفي لم يكتفِ بذكر الخبر ولكنه أكد أن هذا الخبر ينفي كل الأخبار الأخرى الموجودة التي تتحدث عن "شخص يقف إلى جواره" .. أليس هذا المزيد من التدليس وكأن النصف متر ليست "إلى جواره" !
ثم بدأ يتحدث عن التفاصيل العلمية التي لا يعرفها العامة بالتأكيد .. والتي ستبدو دقيقة جدا لمن لا يعرف (واللي ميعرفش يقول عدس) وخاصة عندما تصدر من "كبير الجهلاء الشرعيين" .. آسف .. المفترض أنه كبير الأطباء الشرعيين .. ولكن الحقيقة المخزية للأسف هو أن هذا الرجل "جاهل" .. جاهل بالمعنى الحرفي للكلمة .. جاهل بالمعنى الصادم جدا ..
هل تذكرون "السباعي" الذي كان "جاهل" أيضا ولم يحصل سوى على الماجيستير ولم يحصل على دراسة كافية أصلا ؟!
هل تصدقون أن هذا الرجل الذي يكذب إجماع الاطباء الشرعيين ويصفوه بكبير الأطباء الشرعيين لم يحصل في حياته على شيء بعد شهادة التخرج من كلية الطب أصلا !!!! ليس هذا فحسب .. بل حصل عليها بالتزوير !! .. نعم هذا صادم للغاية ولكنه حقيقي جدا أيضا .. وكلمة "جاهل" دقيقة جدا لغويا .. الفارق الوحيد هو أن هذا الرجل يعرف كيف يتحدث بصورة تخدعنا وتصوره في صورة العالم ببواطن الأمور ..
سيسألني أحدكم سؤال في محله عن دور وعلاقة الجريدة بهذه التصريحات التي قالها الرجل بالفعل ..
هناك الكثير من العلاقات بالفعل .. العلاقة الأولى هي أن الصحف التي صدعت رأسنا واصابتنا بالاكتئاب ورسمت صورة شديدة السوداوية عن مصير الانتخابات من قبل أن تبدأ بشهور وأمعنت في الترويج لفكرة أن هناك كارثة ستحدث والفلول سيكتسحون الانتخابات وكانت تبكي وتولول مصير مصر مع الفلول هي أول من تجري وتتسابق لنقل كلام هؤلاء الفلول مع الحرص على إخفاء حقيقتهم .. والعلاقة الثانية هو أن هذه الصحف "الثورية" التي تحرض الناس على استمرار الثورة ليل نهار تستخدم في هذا التحريض آراء من قامت هذه "الثورة" ضدهم أصلا .. مما يجعلنا ندرك عمق وصدق كلمة الجنزوري أن ما يحدث ليس "ثورة" بل هو "إنقضاض على الثورة" ..
والرابط الثالث والرابع والخامس يتعلق بشرف الصحافة ووظيفتها الحقيقة في تحري نقل "الحقيقة" وليس "الشائعات" أو "الأكاذيب" أو الآراء "الشاذة" .. وهذه الطريقة لا تختلف أبدا عن طريقتهم التي مارسوها طوال سنوات من إبراز الآراء الفقهية الشاذة وتلميعها والترويج لها مثل "عدم فرضية الحجاب" و "جواز القبلات بين المحطوبين" و "رضاع الكبير" وغيرها الكثير مما لا يدع مجالا للاستغراب من هذا المنهج الذي تتبعه جميع الصحف "الخاصة" منذ نشأتها ..
يمكننا كذلك الإسهاب في الحديث عن كل الأخطاء الشنيعة في كلام الرجل ولكننا نريد أن نركز على دور الإعلام نفسه ..
العجيب أن الجريدة لم تكتف بنشر الخبر مرة وانتهت .. بل عادت وذكرته في في نفس اليوم (بعد أقل من 6 ساعات) في سياق عرض فيديو لوزير العدل في الرابط :
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=21122011&id=02c10666-46c0-4042-a181-4a0b822a2f00والمتوقع أن تستمر الجريدة والصحف الأخرى وكل القنوات في إعادة وتكرار هذا الخبر في كل مناسبة وبدون مناسبة كما عودونا من قبل ..
هذا كان مجرد "مثال" بسيط جدا لما تفعله وسائل الإعلام بنا ليل نهار .. وما خفي كان أعظم ..
وموعدنا إن شاء الله مع حلقات أخرى من الأخبار المفخخة ..