المحرر موضوع: يا أمي لا تبكي....  (زيارة 5972 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حائر في دنيا الله

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 157
  • الجنس: ذكر
  • إن معي ربي سيهدين
يا أمي لا تبكي....
« في: 2010-02-13, 21:26:31 »

كانت الأصوات الأولى التي أسمعها، كان صوت ألم أمي، لم أكن أعلم حينها أن خروجي للضوء من رحمها للعالم الخارجي سيحمل لها "ولي" كل ذلك الألم... فقد كانت تعتقد أنني "الأمل" المنتظر لها، فقط انجبت قبلي بنتين، وهي تعرف من نظراتهم أن "خطأ" ثالث غير مقبول على الإطلاق، لذا كانت تدعو السماء أن يجعل ما في بطنها الممتلئة ولدين، فقد كانت بطنها ممتلئة بشكل يوحي بتوأم، إلا أنني نزلت وحدي تاركا أمي في حسرتها وألمها دون أن يصحبني ولو ذكر.. تواجه به جبروت عائلة أبي....

==

كانت أمي دوما تنصحني أن لا أمارس لعبة السياسة، فهي كاللعب بالنار إن لم تحرقني فهي ستشوه شيئا من معالمي أو على الأقل ستترك رائحة غير مرغوبة في ملفي الذي يصحبني من محياي إلي نهايتي، فقد كنت ولدها الوحيد على ثلاثة بنات، فعندما طلقها والدي بعد البنت الثالثة، اكتشفت أنها حامل، فلم تخبره لأنها لم ترد معايشة لحظة انتظار أمل ينقلب لألم قاتل، فرحلت بهدوء لمحافظة والدها البعيد، وحين جئت ولداً، رفض جدي عودة أمي لبيت أبي مرة أخرى، فربتني أمي كأب وأم وكل شيء، وحين عدت لها من أول مظاهرة شاركت فيها، أخذت تنظر لي بفخر غير أنها الخوف كان يتملكها، وقالت لي يا ولدي للوطن ألف ألف ابن، أما أنا فليس لي غيرك..
وحين اعتقلوني كان بكاؤها هو السجن الحقيقي الذي كان يحرقني، وكانت دمعاتها نار تنزل على صدري تفتح  به فجوات تجعلني أكره أكثر القيد الذي أحاط بنا فجعل من يحب الوطن داخل سجنه، ومن يدافع عنه يقبض بيديه على سلاسل محابسنا...

==

أرسلتني أمي لطبيبها المعالج بأشعتها ليراها، وجلست أنتظر دوري، وسمعت بكاءا كبكاء أمي، فقد كانت أماً تنتظر دورها، وتستغيث "بالتمرجي" عبر أناتها المكتومة ودموعها المفضوحة على خدها وآلامها الرهيبة التي جرحت أوتار قلبي فحركتني على الرجل الواقف على باب الطبيب، لأستسمحه أن يدخلها فورا، فرفض بقسوة قلب، وقال" ليس بيدي شيء" فطلبت منه أن يدخلها مكاني، فرد بسخرية "إذن ماذا ستفعل بالحالات الأصعب!" قلت في سري بعد أن وافق... "لعل أحدهم يفعلها مع أمي"...
==

في الجراحة الأخيرة التي أجريتها، كنت مقلوبا على بطني، حيث حقنة التخدير النصفي، والأطباء يفعلون ما يحلو لهم في عمودي الفقري، ولم أكن لأنتبه لهم فقد كنت مشغولا بتسابيحي، لولا أن سمعت من بعيد صوت بكاء يدعو لسلامتي، كانت صوت بكاء أمي، ورغم أن باب غرفة العمليات بعيد غير أن صوتها اخترق قلبي وهي تبكي، كنت أسمعها، كنت وحدي أسمعها، أخذت أبكي وكأني أتوسل لطبيبي أن يغلق جرحي لأذهب في حضن أمي لتراني ما زلت حيا، أخذ الدهر يسرق من الوقت، ويغترف من دقائقه المعدودة أزمنة لا تمر... ظللت تحت قبضة المشرط.. وبعيداً عن حضن أمي...

==

حينما أخبرني الطبيب أن الجراحة القادمة بها خطر على حياتي، لم أهتم، فقد كان كل اهتمامي هو أمي، حين أرحل لن تقطع بكاءها من الحزن، ولن تجف دموعها من البكاء، فيا أمي لا تبكي، فحين أرحل لن تعود لي جراحات لتنزف، ولن يتكرر الألم الذي أعانيه، لأنه ببساطة سينقطع بأمل أفضل، وربما تنطفئ في عيني تلك الشمس، غير أن شمسا وقمرا وأملا أفضل سينتظروني، فلا تبكي فأنا سأكون بخير حال، ولكن دعيني أن من يبكي لأني سأتركك في دنيا لا تفهم كيف تسمع صوت بكاءك؟!..

===


رب اغفر لي ولوالدي كما ربياني صغيرا

أيها السائل عني لست بي بأخبر مني
أنا لا اسلم من نفسي فمن يسلم مني؟!

غير متصل أمينة

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 290
رد: يا أمي لا تبكي....
« رد #1 في: 2010-02-13, 22:30:01 »
 emo (30): :emoti_133: emo (30):

خاطرة حزينة في أجزاء و حنونة في أجزاء أكتر


بالفعل الامومة عبارة عن مشاعر جياشة لا يستطيع اي شعور اخر اي يعادلها


الجنة تحت أقدام الامهات

رائع ما كتبت يا اخ حائر

بوركت وبارك الله لك في أمك

و شفاك الله وعفاك  ان كنت انت المقصود في الخاطرة  :emoti_64:
وما من كاتبٍ إلا سيُفنى... ويُبقي الدّهرُ ما كتبت يداهُ

فلا تكتب بكفك غيرَ شيءٍ... يسرك في القيامة أن تراهُ

غير متصل إيمان يحيى

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 3597
  • الجنس: أنثى
  • لا يأس مع الحياة
رد: يا أمي لا تبكي....
« رد #2 في: 2010-02-14, 01:51:08 »


دخلت الموضوع ثلاث مرات حتى الآن ولم أجرؤ على قراءته كاملا بعد

 sad:(

لن يفهم لوعة الأم إلا أم أو ابن بار

قد أستجمع شجاعتي وأعود للقراءة  :blush:: ولكن ليس الآن


غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: يا أمي لا تبكي....
« رد #3 في: 2010-02-14, 11:29:10 »
بارك الله بالأمهات الصالحات والابناء الأبرار

بوركت يا حائر

وأقر الله بك عيون والديك
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*